الجمعة، 11 فبراير 2011



التعبير عن الداخل والخارج في فيلم "حراس الصمت"



لم يتم في السابق الاقتراب من أدب غادة السمان، قصصا وروايات، فلم تتعامل معها السينما، رغم الاشارات التي وردت من بعض المخرجين على اختيار بعض الأعمال الأدبية للكاتبة ولاسيما رواية ليلة الميليار.

وأظن أن الأسباب التي تقف وراء ذلك واضحة، حيث أن الانتاج السينمائي في سوريا ولبنان قليل، وهو يحاول الابتعاد عن الأدب، لأن الموضوعات تكتب مباشرة للسينما واعتمادا على رؤية المخرج وحده باعتباره كاتب السيناريو. ورغم كل ذلك فقد تحوّلت بعض الروايات في سوريا الى أفلام سينمائية نذكر منها بعض أعمال الكاتب حنا مينة، مثل قصة على الأكياس وكذلك رواية بقايا صور، الشمس في يوم غائم وآه يا بحر. ومن الكتاب الذين اقتربت السينما منهم الروائي غسان كنفاني وآخر الأعمال الروائية التي تحوّلت الى السينما كانت للكاتب خيري الذهبي وهي بعنوان:" حسيبة" لريمون بطرس، كما أن هناك روايات أخرى متناثرة، لم تلفت الانتباه بسبب ضعف الأفلام المقدمة.

- رؤية سينمائية

بالاضافة الى قلة الانتاج السينمائي والتهرب من الروايات بحثا عن رؤية سينمائية تكشف عن سينما المؤلف بطريقة أو بأخرى، يمكننا أن نقول بأن بعض الروايات تضع في اعتبارها اللغة الأدبية في المقام الأول، فالرواية هنا ليست رواية أحداث، بل رواية لغة وتعبير عن الداخل ووصف، ولا تترك الاحداث إلا في حدود ضيقة جدا.

هذا الأمر ينطبق على أعمال الأدبية غادة السمان. إنها تحيل الرواية الى لغة لا يتوقف السرد فيها، حتى أن هذه اللغة الشيقة تستدعي الحدث وتطغى إليه.

في جميع الأحوال تحتاج مثل هذه الروايات الى صياغة سينمائية غير تقليدية تحتوي على شكل من أشكال المجازفة. كما أن الاقتباس فيها حرّ، وهو يخضع لمشيئة المخرج واختياراته، وبالتالي لا أظن أن السينما السورية قد وصلت الى هذه المرحلة من التعقيد، رغم أن القضية تتوقف على المخرج في جميع الأحوال. لكننا لاحظنا بأن معظم الأفلام المقتبسة عن روايات مطولة قد فشلت. ويمكن أن نخرج رواية رجال تحت الشمس للأديب غسان كنفاني من هذه الدائرة، فقد قدمها توفيق صالح في فيلم متميز بعنوان المخدعون. بالاضافة الى فليم بقايا صور لنبيل المالح.

- الرواية المستحيلة

هذه المقدمة يبدو أنها ضرورية، وذلك بمناسبة اختيار احدى روايات غادة السمان لكي تقتبس للسينما، وقد وقع اختيار احدى روايات غادة السمان لكى تقتبس للسينما، وقد وقع الاختيار على رواية فسيفساء دمشقية أو الرواية المستحيلة لمناسبة تنفيذ بعض الأعمال المرتبطة بدمشق أو أن اختيارها عاصمة للثقافة العربية، وهكذا ارتبطت المسألة بدمشف أولا وأخيرا، ولم يكن الاختيار لمجرد أن الرواية مناسبة للسينما أو أنها أفضل روايات غادة السمان.

بالطبع هذا المدخل ليس أساسيا، لأن المهم أن المهم ألأن العمل قد انجز بصرف النظر عن المجازفات أو الدواعي أو المبررات.

هذه الرواية الطويلة والتي تسير فى نفس السياق: الجاذبية اللغوية وطغيان السرد الأدبي والوصف الجزئي والكلي، قد انتقلت الى السينما وعرض الفيلم المنجز بمهرجان دمشق السينمائي فى أواخر 2010، كما أنه "الفيلم" قد عرض بمهرجانات وملتقيات أخرى.

- أهم الافلام

عنوان الفيلم "حراس الصمت" والمخرج هو سمير ذكرى، ولقد سبق لهذا المخرج أن قدّم أفلاما روائية طويلة، أهمها" حادثة النصف متر" ، ثم فيلم "وقائع العام المقبل"، يلى ذلك فيلم "تراب الغرباء" ثم الفيلم الرابع "علاقات عامة" وهذا هو الفيلم الخامس.

هذا الفيلم أثار جدلا بين النقاد، ليس باعتباره يحوي على امتياز خاص، أو طرح جريء لافت للنظر، لكن لأسباب أخرى، أهمها أنه قد احتوى على الكثير من المشكلات التي تعاني منها السينما العربية عموما ولاسيما في سوريا في السنوات الأخيرة، فالقطاع العام الرسمي يقدّم أموالا من أجل الافلام وأحيانا يقدّم الدعم الكلي أو الجزئي، ولكن النتائج تكون سلبية، وقد لمسنا هذا في أفلام صنعت في سوريا وتونس والمغرب، فالمشكلة تتجاوز إذن القضية الانتاجية الى ما هو أهم ونعني بذلك الجانب الفني وطريقة التعامل مع الفيلم وأسلوب السرد والأهم ضبط ايقاع الفيلم والسيطرة عليه والتحكم فى التفاصيل والجزئيات، ومعرفة ما هو مهمّ وما هو أهمّ.

- أسلوب متكرر

لقد سبق للمخرج سمير ذكرى أن قدّم فيلم "تراب الغرباء" وهو يدور حول شخصية المصلح عبد الرحمن الكواكبي، وسوف نجد أن هذا الفيلم "حراس الصمت" يقترب قليلا أو كثيرا في أسلوبه من ذلك الفيلم. إن كلا من الفيلمين يعتمدان على سيناريو تلفزيوني تتوسع فيه المشاهد الى اتجاهات كثيرة، فلا نعرف فيها الرئيسي من الفرعي ويتطرق كل فيلم الى شخصيات كثيرة بعضها ليس ضروريا ولا يخضع الى مقاييس الاختيار الدقيق.

وفي فيلم"حراس الصمت" الكثير من ذلك، فالفيلم يبدأ بمقتل امرأة بسبب العادات والتقاليد، ورغم أن الأخ الكبير كان سببا في موتها إلا الفيلم يلتقط خيطا آخر وهو الفتاة الصغيرة "زين" وهي التي تعيش بعد ذلك مع أبيها وجدتها في بيت دمشقي كبير.وربما لأسباب معالجة قضايا المرأة يركز الفيلم على الأمّ المتوفاة والخادمة في الجوار والمشكلات التي صادفت تحقيق رغبة الفتاة زين في الخمسينيات في دمشق.

- نقاط معينة

من أهمّ مشكلات هذا الفيلم أن السرد فيه لا يتحرك نحو نقطة معينة ولا يضع في اعتباره تطور أيّ حدث، ولكن تأتي المشاهد في شكل بانورامي متباعد، يمكن أن يستمر لأكثر من ساعتين وربما أربع ساعات، فالفيلم له بداية ولكن ليس له نهاية الفتاة زين هي محور الفيلم، ولكن السيناريو يتتبع خطواتها، بصرف النظر عن أهمية هذه الخطوات، إذ لا يجد المشاهد أمامه إلا محاولات لفتاة تريد أن تؤكد ذاتها وهي تعيش في عالم من التقاليد والتي كانت سببا في وفاة أمها وتكتم العائلة عن أسباب الوفاة.

لهذه الفتاة زين الكثير من الحرية الشخصية والسبب يعود الى الأب الذي يدفع بها نحو هذا الاتجاه، وكذلك بسبب حضور الجدة والذي كان تعويض بحضور الأم.

هناك زميلات لزين في المدرسة ومحاولات لتعلم الرقص والتأثر بالرقصات التي كانت سائدة في فترة الخمسينيات وما بعدها، وهناك بعض التجارب العاطفية المبدئية، وكل تلك حلقات لا تقدم أو تأخر، ولذلك يصاب جمهور الفيلم بالملل وهو ملل لا يخفي وراءه الشيء المهم، لأن النتائج في النهاية تبقى هامشية.

فالفيلم لا يقول شيئا رغم الاطالة والتوسع الجانبي، وأظن مرة أخرى أن مشكلة السرد قائمة، إذ ليس شرطا أن يأتي به بالفيلم بالمبهر ولكن بالبسيط الواضح وبسرد مناسب له لقد احتاج الفيلم الى جهد واضح من أجل خلق خلفية لمرحلة الخمسينيات، بواسطة الملابس بالدرجة الأولى، وبواسطة بعض الوسائل والأدوات، واحيانا الخلفية السياسية والموسيقية. ولكن قضية الحرية بالنسبة للمرأة لم ترتفع الى مستوى الرمز لأن الطرح تناول قضية شخصية محدودة يمكن أن تكون حاضرة الآن، لكنها غير مؤثرة على الصعيد الدرامي.

تتجه زين الى الأدب، وتجد أن أمها كاتبة أيضا، ولكن دون أن يعلم أحد، وهي "زين" تفوز بجائزة كالعادة، وتحاول أن تتعلم الطيران والذي له تعبير عن الارتفاع والتحليق الى أعلى والمغامرة.

كما قلنا تنبني فكرة الفيلم حول فتاة متحررة في غابة من التقاليد وهذه الغابة لها حراسها. إنهم حراس الصمت الذين يريدون أن تبقى الأمور في حالة صمت مطبق، ولا أحد يرفع صوته بالصراخ أو حتى الكلام. والغريب أن الفيلم، يعاقب حراس الصمت هؤلاء، عندما يضيف مشهدا لا مبرر له في أخر الفيلم ويجعل شخصية من حراس الصمت والذين عاشوا من أجل كبت الحرية النسائية، تتحول الى رجل مريض يعاني ويلات وسكرات الموت.

هذه الفتاة زين قدمت من حيث التمثيل لوحدها بشكل جيد "نجلاء الخمري" لها ظروف خارجية وأخرى داخلية، لها حوافز تجعلها تنطلق الى الامام، ولها عقبات أسرة أحيانا تتمثل في الاخوة وبعض الأقرباء، حتى أن الفيلم يبادر فيجعلها ضحية على وشك القتل مثل أمها في أواخر الفيلم.

حسبما أفاد المخرج، فإن هناك مشاهد يمكن أن تحذف للتخفيف من طول الفيلم، كما أن مشاهد الغرافيك ولاسيما طيران الأم بعد موتها ضعيفة ودخيلة على الفيلم.

ولا أعتقد أن حذق هذه المشاهد يساعد على إصلاح الفيلم، فالمشكلة في اختيار المشاهد وتتبع الرواية والدخول في متاهاتها والتمسك بالكثير من الشخصيات التي احتوت عليها.

أقول أيضا إن الشكل التقليدي الذي تمّ اختباره قد أربك السرد، وجعله ضعيفا، وهي مشكلات سبق أن عانى منها المخرج في أفلامه الاخيرة، فمتى يمكن التخلص من كل ذلك والبدء من جديد!؟

الخميس، 3 فبراير 2011



فيلم "الجامع".. عندما يطرد الوهم الحقيقة



صعدت المغرب في مجال الانتاج السينمائي الى المرتبة الثانية، بعد مصر، ففي السنوات الاخيرة بلغ متوسط انتاجها "15" فيلما في السنة الواحدة.

يبقى هناك أكثر من مشكل يتصل بهذه الزيادة في الانتاج أولى هذه المشكلات أن المستوى العام للانتاج ضعيف فنيا، فنحن هذه الحصيلة الانتاجية لا يبرز إلا العدد القليل من الافلام، وهذه ظاهرة عامة بالطبع، لكن الأمر يختلف عندما يتصل الأمر الدعم المالي الرسمي الذي يوفر أرضية جيدة للانتاج وينبغي أن تكون الاستفادة منه في الحدود القصوى.

من المشكلات الخاصة بالسينما في المغرب، أن التوزيع السينمائي يعاني من صعوبات كثيرة، أهمها أغلاق دور العرض، وعدم بناء دور عرض جديدة، مما يعنى أن الفيلم المغربي، محاصر في عدد قليل عن دور العرض، وبالتالي لا يحقق ربما وفيرا يمكنه أن يغطي تكلفة الانتاج أو القليل منها.يمكن أن نذكر العديد من المشكلات، لكن الايجابي في هذه القضية يفرض نفسه، أن هناك حركة سينمائية على مستوى انتاج الافلام الروائية الطويلة وعلى مستوى انتاج الافلام القصيرة أيضا، فضلا عن انتشار المهرجانات السينمائية في عدة أماكن، حتى يقال بأن المغرب هي صاحبة الرقم القياسي، فيما يتعلق بعدد المهرجانات السينمائية على مستوى البلدان العربية وافريقيا.

يمكن أن نشير أيضا الى ظاهرة استغلال الأمكنة السياحية في المغرب، وكل ذلك شكل مع مدينة "ورزازات" عامل جذب لشركات الانتاج العالمية للتصوير في المغرب، وكلنا يعلم بأن أكثر من فيلم عالمي قد تم تصويره بالمغرب.

ومن أهم المغريات التي تساعد على ذلك، وجود العمالة الفنية، ووجود مدينة صالحة لتصوير جميع أنواع الأفلام، وكذلك رخص الأجور مقارنة بالدول الأوروبية والدول الأهلية مثل أمريكا وكندا وغيرها، وهنا لابد أن نشير الى أن السينما المغربية قد استفادت من كل ذلك بطريقة أو بأخرى، وانعكس ذلك على عدد الافلام المنتجة وتعددها وتنوع المخرجين وتباين الموضوعات التى يختارونها.

من المخرجين المغاربة الذين اختاروا طرق مختلفة وأساليب غير مكررة نذكر المخرج المتميز داوود أولاد السيد والذي عرف كثيرا، بسبب مشاركاته المتعددة في المهرجانات السينمائية العربية والدولية، فهو من أكثر المخرجين المغاربة الذين تحصلت أفلامهم على جوائز في أكثر من تظاهرة، وذلك منذ الفيلم الثالث الأكثر أهمية "طرفاية" وآخر أفلامه "بانتظار بازولينى" عام 2007.

سوف نتحدث عن فيلم جديد للمخرج وهو بعنوان "الجامع" انتاج 2010، وقد شارك هذا الفيلم في أكثر من مهرجان عربي وعلى سبيل المثال نذكر فقط، مهرجان قرطاج السينمائي ومهرجان دمشق السيمائي ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكل ذلك في الدورات الاخيرة، ولقد تحصل الفيلم على أكثر من جائزة، والأهم التقدير الفني من أكثر من ناقد عربي، وما يميز هذا الفيلم أنه يتبع فيلما آخر للمخرج، والحقيقة لا يمكن القول بأن الفيلمين يكملان بعضهما، وحتى في حال وجود فيلم ثالث على نفس النسق، فإن كل فيلم يختلف عن الآخر، ونقصد بذلك الفيلم السابق والذي جاء بعنوان "في انتظار بازولين"، حيث يتم بناء جامع بالديكور في المدينة التي كانت تتبع الحكم الروماني، وحيث اننا لم نشاهد هذا الفيلم، فلا نستطيع الاستطراد في الحديث عنه، غير أنه من المهم التأكيد على فكرة بناء الجامع ليكون من ديكورات الفيلم، وما وراء الفيلم يشير الى أن الأرض التي بني عليها الجامع قد تم تأجيرها من شخص قروي يدعى "موحا" جيث يقع ديكور الجامع في منتصف أرضه الزراعية والتي عليها يعيش ومعه أسرته محدودة العدد.

لا شك أن فكرة الفيلم "الجامع" طريفة، وهي مرتبطة طبعا بالفيلم السابق، لكن الأحداث منفصلة. هناك شيء ما يستمر من فيلم "بانتظار بازوليني". إنه الجامع والذي لم تتوسع آلة التصوير في عرضه واكتفت بابراز بعض جوانبه الخارجية.

وهنا تجدر الاشارة بأن ديكور الجامع باعتباره المحرّك للاحداث، ظل طوال الفيلم هامشيا، بينما تدور هذه الأحداث والوقائع فيما حوله.


كما إننا لم نفهم ما يقوله "موحا" بأنه لا يستطيع أن يزرع أرضه، لأن مساحة الجامع ظلت صغيرة وغير مؤثرة.

غير أن هذه الافتراضات لا تؤثر على حبكة الفيلم، ولاسيما التداخل بين الوهم والحقيقة، وتكبير الوهم ليحلّ محلّ هذه الحقيقة، وكما قال أحد النقاد، فإن تصور الفيلسوف "افلاطون" لمن يهتم بصورة النيران وهي تلتهب على الجدران ولا يهتم لمرأى النار نفسها، هذا التصور يقودنا الى سيطرة الخدعة وانهاك الانسان في التعامل مع الوهم الذي يصنعه بنفسه، حتى أن الأمر يتجاوز المنطق أحيانا.

في الفيلم السابق للمخرج أولاد السيد، هناك جامع تأسيس خلال المرحلة الرومانية المتأخرة وهو جامع قديم يقرر المخرج الايطالي بازوليني أن يزوره. كل ذلك في فيلم "بانتظار بازوليني". ولقد صوّر الفيلم في منطقة مغربية تدعى "زاكورة" وهي مدينة سياحية صحراوية، وعندما نعود الى زاقورة في الفيلم الجديد "الجامع" نجد بها جامع، هو في الأصل مجرد ديكور سينمائي، صنع لغرض تصوير فيلم، ولكن الديكور لم يهدم، حتى بعد انتهاء التصوير، واستخدمه الناس مسجدا حقيقيا للصلاة، لأنه في منطقة متوسطة، وكان ذلك خسارة واضحة لصاحب الأرض التي بني عليها الجامع.

ويقصد بذلك "موجا". إنه فلاح يزرع أرضه وعليها يعيش، ولقد قرر تأجير مساحة من أرضه لصالح أصجاب الفيلم لكي يستفيد ماليا. لكن الديكور استمر وصار الجامع حقيقة، رغم أنه مجرد وهم أو ديكور مصطنع.

في مقابل ذلك هناك وهم آخر صار حقيقة وهو الممثل الذي عمل أماما للجامع، فلقد استمر في أداء دوره وحاول أن يفرضه على الناس، وبالفعل باشر عمله باعتباره الأمام الذي يحاجج الجميع بأن هدم المسجد حرام وإن الأمر لم يعد مجرد ديكور، بل صار حقيقة.

البداية الفعلية للفيلم فيها بعض الاطالة، والسبب أن فكرة فيلم قصيرة، وبالتالي احتاج موضوع الفيلم من خلال السيناريو الى بعض الاضافات والتي تبدو وكأنها زوائد وفي الحقيقة ان الفيلم يدور هنا وهناك معتمدا على فكرة واحدة ربما لا تصلح أن تكون فيلما روائيا مطوّلا.

سوف نرى في البداية حفلا تكريميا لكل من شارك في الفيلم السابق "بانتظار بازوليني، وسوف نرى تكريمات بحضور المخرج لبعض الشخصيات من قرية زاكورة بما في ذلك شيخ القرية والامام الرئيس وشخصيات أخرى مثل موحا، ولكن تبدأ القصة بانتهاء ذلك، والوصول الى مشكلة موجا وكيفية تخلصه من ديكور الجامع، بعد رفض عدد من مشائخ الدين فكرة هدم الديكور، من جانب آخر هناك زوجة موحا والتي لا تهتم إلا بختان أبنها فقط، فهي احدى الاطراف التي تتوسع بها الفصة ولكنها تبقى مجرد اضافة فقط شخصية المخرج "أولاد السيد" وتحركه داخل الفيلم يدخل من باب الاضافة، لأن حضوره يبقى بعيدا عن جوهر الفيلم.

تبدو الشخصيات في الفيلم هامشية تتحرك داخل بيئة نائية، وبالتالي فإن هذه البيئة هي التي تقود الاحداث تقريبا وتقود طريقة التصوير، بحيث لا يتم التركيز على الشخصيات نفسها ولا نراها إلا في كادر واسع، وربكا كانت هذه الطريقة هي التي تميز أفلام أولاد السيد، لأن الشخصيات تبدو مدفوعة دفعا، والمكان هو الذي يدفعها ويحركها، ونقصد بذلك طبيعة المكان نفسه.

لقد وقع الاختيار على السينما، لأنها فن الوهم، حيث نجد أن الحركة فيها مجرد وهم، وهي تعطي الايهام بالحقيقة بواسطة الملابس والديكور والتمثيل، ويمكن لهذا الوهم أن يتحوّل الى حقيقة تسيطر على الناس، ونلحظ هنا ارتباط كل ذلك بفكرة الدين "الجامع"، مع الفائدة الشخصية والمصلحة الذاتية، وهذا ما تحقق في الديكور الجامع، وهو الوهم الذي استجابت له مصالح بعض الاشخاص فتحوّل الى حقيقة.

لقد انتهى الفيلم دون أن يتمكن موحا من هدم ديكور الجامع وإعادة أرضه للزراعة، ورغم أن هناك من وقف معه من الشيوخ، إلا أن لعبة المصالح هي التي تسيطر في النهاية.

في الحققة، يقوم الفيلم على فكرة أساسها الصراع بين موجا وأمام الجامع المخادع، لكن أجواء الفيلم ابتعدت عن تجسيد هذا الصراع، وسار الفيلم الى قضايا جانبية وتفاصيل كثيرة غير ذات أهمية، من ذلك كما قلنا التركيز على اهتمامات الزوجة المغايرة والتي تبتعد عن اهتمامات زوجها، أيضا محاولة البحث عن الحل بعد طرق، ومنها اختيار موحا هدم الديكور اعتمادا على حفارة صديقه سلام، لكنه يفشل بسبب الجنازة التي تخرج من باب.

وبالطبع هدم الديكور باليد وبالاعتماد على النفس، ولكن استبعاد هذه الفكرة كان لمصلحة أن تسير الاحداث نحو نهاية معينة، في آخر الفيلم تسير الاحداث نحو بعض الدعاوى السياسية، ومنها مسألة الانتخابات وادعاء الديمقراطية واستخدام الديموغوجية اعتماد على ديكور الجامع ومحاولة شراء بعض الاصوات.

كما أن النهاية تتضمن أيضا حضور وسائل الاعلام وأهمها التلفزيون الذي يصور حفلا له طبيعة سياحية، مع إضافة فرقة الرقص والتي يعمل فيها موجا ايضا. غير أن قضية أرضه وديكور الجامع قد جعلته يتراجع عن الاهتمام بالرقص.

من ضمن الحلول المطروحة لمشكلة موحا، أن يسافر الى الرباط لكي يتصل بالمركز السينمائي المغربي ويطالبه بازالة ديكور الجامع، كما أن صديقه يكتب له رسالة وهي عبارة عن مطلب لرئيس المركز السينمائي لكي يتدخل ويعيد الأمور الى نصابها.
في آخر مشهد من فيلم يتحوّل "موحا" الى متهم لأنه حاول أن يتشابك مع المسؤولين في الحفل وهو يسير نحو الصاق أحدى التهم به.

وهذه النهاية متوقعة، لأن ممن غير المطلوب حل القضية، بل التصعيد بها نحو أفق مسدود، وذلك يعني أن الوهم قد انتصر على الواقع والحقيقة.

لقد أعتمد الفيلم على عدد من الممثلين الجيدين، وهم يتعاملون مع الأحداث بكل تلقائية وبساطة، وهذا جزء من نجاح الفيلم، مع التركيز على السخرية في الطرح والتناول وخصوصا عند استخدام الشعارات السياسية الكبيرة لتحقيق مصالح ذاتية ونفعية صغيرة.

كما قلنا، في الفيلم بعض الاطالة وأحيانا الحشو، لأن الفكرة صغيرة والفيلم طويل، لكنه يبقى فيلم الامكانات المتواضعة والمستخدمة لتحقيق أهداف واضحة المعالم، ليس فيها أدعاء، بل التعامل في حدود الممكن، ولقد حقق هذا الممكن نجاحا واضحا، تجسد في فوز الفيلم بأكثر من جائزة في مهرجانات عربية كثيرة.