الثلاثاء، 26 يناير 2010

أفلام لا تعدّ بالشيء الكثير


أفلام لا تعدّ بالشيء الكثير

يُعدّ السينارست وحيد حامد على مستوى السينما العربية من أكثر كتاب السيناريو

شهرة في العشرين سنة الأخيرة على الأقل، والسبب يرجع الى حسن اختيار المؤلف

لموضوعات أفلامه، مع تنوّع واضح في هذه الاختيارات، وهكذا سنجد أفلام تذهب

في مختلف الاتجاهات قام بانجازها مع عدد من المخرجين والممثلين.

يكفي أن نذكر بعض الأفلام، لنعرف أهمية كاتب السيناريو بالنسبة للفيلم،

وليس الأمر بجديد، فقدت شهدت السينما في مصر كتاب سيناريو تخصّصوا في هذا

النوع وأخلصوا له وفي بعض الأحيان ارتبطت الأفلام بأسمائهم، ومن ذلك مثلا

بديع خيري وعبد السعود الابياري و بشير الديك ورفيق الصبان وبهجت قمر وصبري

عزت وعبد الحي أديب وسعد الدين وهبة ومصطفى محرم والسيد بدير وفايز غالي

وغيرهم... برغم تفاوت واختلاف المستوى.

* أساس الفيلم

يبقى السيناريو هو العمود الفقري لأيّ فيلم إلا القليل من الأفلام التي تنسب

للمخرج وإلا في الغالب يكون هو كاتب السيناريو، كما في بعض أفلام يوسف

شاهين ويسري نصر الله ومخرجين آخرين في تونس، مثل نوري بوزيد وأحيانا محمد

مللي من سوريا وأحمد المعنوني من المغرب والقلة الباقية ستكون قليلة على

أيّة حال.

وكما قلنا فإن وحيد حامد اشتهر بأفلامه ذات الموضوعات الصريحة وأحيانا

الساخنة التي تلفت الانتباه، من أفلامه مثلا:"البريء" و"الغول" وكذلك"

النوم في العسل" و"الإرهاب والكباب" و"سوق المتعة" و"اللعب مع الكبار"

و"الهلفوت"و"اضحك تطلع الصورة حلوة" و"معالي الوزير" و"احكي يا شهرزاد" ودم

الغزال"، مع إضافة بعض المسلسلات المتميزة مثل: "أوان الورد" و"الدم والنار".

ربما كان وحيد حامد من أكثر الكتاب الذين يستفيدون من الأفلام الأجنبية

وأحيانا الروايات والقصص العالمية، لكنه يلجأ إلى التغيير في الشخصيات،

ونقصد بذلك التغيير الكلي؛ بحيث تظهر الشخصيتين وكأنها قد خرجت من الواقع

المصري وغير مستوردة من الخارج، مع تقديم أجواء ومناسبة، للمخرج أهمية

كبيرة توليدها من جديد ويكفى أن نذكر أفلام من هذا النوع، كما في" النوم في

العسل" مثلا، وكذلك" سوق المتعة" وأيضا "اللعب مع الكبار"، حيث يشعر

المتفرج بأن الأفلام قد اقتبست من إنتاج خارجي وخرجت من عبادة المستودع

الأجنبي، غير أنها مرتبطة بالواقع، بصورة أو بأخرى، وهذه الثنائية الناجحة

هي التي شكلت إضافة المتجددة لوحيد حامد، فهو مؤلف ناجح في الاقتباس

و"التمصير".

من آخر أفلام هذا الكاتب فيلم بعنوان "الوعد" وبالطبع لا يمكن مقارنة هذا

الفيلم الجديد نسبيا بأفلام الكاتب السابقة، فهو من جيل آخر، وقد تغيرت

حاليا معادلة الأفلام كليا، لأن الموضوع صار له أهمية ثانوية، مقارنة

بالحوار والمواقف الكوميدية، وأحيانا المشاهد السينمائية التى تعتمد على

الحركة بالدرجة الأولى والأخيرة.

* صياغة فيلم

رغم ذلك فهذا الفيلم "الوعد" من صياغة وحيد حامد، ولا نريد أن نقول بأن

المخرج غائب في حضور واضح لكاتب السيناريو، لأن الأمر مختلف نسبيا، ذلك أن

الفيلم قد جاء في محصلته النهائية فيلم إخراج وليس فيلم سيناريو.

المخرج هو محمد ياسين والذي سبق وأن قدّم القليل من الأفلام الناجحة، مثل

"محامي خلع" "بطولة هاني رمزي" و"عسكر في المعسكر" "بطولة محمد هنيدي" و"دم

الغزال" "بطولة نور الشريف- يسرا- منى زكي"، ويأتي هذا الفيلم "الوعد" كي

يقطع الشك حول الصدفة التي تمثلت في نجاح الأفلام السابقة، كما لا ننسى أن

فيلم دم الغزال يعدّ من أفضل الأفلام التي أنتجتها مصر في السنوات الأخيرة.

الشخصية الرئيسية فى الفيلم هي للمثل أسر ياسين "عادل" حيث نراه يعمل قاتلا

محترفا عند السحلاوي، رجل الأعمال والباشا المهيمن على كل شيء وهي الشخصية

التي لا تفارق الأفلام المصرية أبدا.

هناك شخصية قاتل قديم "يوسف" وقد قام بأدائها الممثل محمود ياسين، وهناك

شخصية القاتل الجديد، وفي لقاء بين الاثنين لأوّل مرة، يقدّم الثاني للأول

باقة ورد ومعها صندوق لا يعلم ماذا يوجد به، حيث نكتشف بأن الصندوق يحتوي

على مبلغ من المال، هو فى الحقيقة مكافأة نهاية الخدمة، لأن يوسف قد صار

مريضا وفي طريقة الى الموت، وهو عندما يغادر المستشفى لا يجد معه أحدا، فهو

أولا وأخيرا ليس إلا قاتل مأجور يبتعد عنه أىّ شخص منذ أن قتل زوجته وشقيقها.

كما قلنا سابقا، لا تحضر شخصية القاتل المأجور في الأفلام العربية كثيرا،

وهو أمر طبيعي، لأنها ليست حاضرة في المجتمع، مع وجود بعض الاستثناءات،

ولكن لا يمكن اعتبارها مهنة معينة يمكن التعامل معها، ولهذا قلنا بأن

الشخصية تبقى دخيلة أو مستوردة من الأفلام الأجنبية فيبقى الفيلم بالتالي

مجرّد فيلم بوليسي به حركة وشيء من التوتر ليس أكثر، ولا نكاد نشعر بأن

الفيلم قريب من الجمهور في حالات كثيرة، خصوصا وأن الشخصيات، جميعها تقريبا

بلا خلفية اجتماعية، حيث لا يوجد أب أو أم ولا توجد عائلة، وإنما شخصيات

محلقة فى الهواء الطلق لا تتحرك إلا بدافع المال أو الرغبة في الانتقام أو

الحاجة الى الحماية، كما حدث مع يوسف ويحدث مع عادل ويمكن أن يحدث ذلك مع

أية شخصية جديدة، لتتوالى السلسلة يبحث يوسف القاتل المأجور المتقاعد عمّن

يساعده على أن يعيش حياته القصيرة، يساعده في العلاج أحيانا وفي النزهات

الخارجية، والأهم أن يساعده في تدبير كيفية دفنه بوضعه في المكان الملائم

بعد الوفاة، أي أن يبحث له عن قبر مناسب وفي مكان مناسب ويتولى عادل كل ذلك

نظير بعض المال والذي يظهر يوسف وكأنه لا يعنيه أبدا.

* نماذج تتكرر

هكذا تبدو شخصية القاتل المأجور الجديد وكأنه صورة أخرى للقاتل القديم ولكن

مع بعض الاختلاف، حيث يقرر عادل أن يتخلى عن هذه المهنة في أقرب فرصة

ممكنة، لأن وضع صديقه يوسف قد كان إشارة لما هو قادم من ظروف سيئة تحيط

بحياته من خلال هذه المهنة.

يأتي قاتل آخر وهو "عرنوس" وقد قام بدوره باسم السمرة، وبأمر من الباشا

الذي لا يظهر كثيرا السحراوي، وقد قام بدور الممثل السوري غسان مسعود، يأتي

هذا القاتل لكى يتخلص من يوسف حاملا معه نفس الأشياء المعتادة،صندوق صغير

ومعه باقة من الزهور للدلالة على الموت القادم.

بمساعدة من جرجس ،وقد قام بدوره أحمد عظمى، يتم دفن يوسف في مكان عال

منفردا بعيدا عن المقبرة الجماعية، وكأن فى ذلك اشارة الى ابتعاده عن الناس

فى الدنيا وما بعد الدنيا، فهو مثل الرجل المنبوذ من الجميع.

هنا يحاول الفيلم اعتماد على السيناريو بأن يجعل هناك مصافحة بين المسلم

والقبطي، فقد تولى عادل المسلم دفن يوسف القبطي بمساعدة جرجس، وإن كانت

المساعدة قد تمت بالمال فقط لتصبح صداقة بعد ذلك.

* جوهر الفيلم

بالطبع ليس هذا الطرح هو جوهر الفيلم، لكن العلاقة الثنائية صارت من شواغل

الأفلام المصرية، ولاسيما في العقد الأخير من السنوات، فما أكثر الأفلام

التي نجد فيها علاقة تعاون بين المسلم والمسيحي، وقد شاهدنا ذلك بوضوح أكثر

من فيلم "فيلم هندي"وكذلك فيلم "حسن ومرقص"وهناك أفلام كثيرة أخرى لعبت على

هذا الوتر بحسن فيه طبعا، وبهدف ربما يكون نبيلا، لكن المتطلبات الموضوعية

قد لا تكون في خدمة هذا النوع من الأفلام، ولقد كان فيلم "الوعد" من

النوعية التي لا تحتاج الى مثل هذه العلاقة الثنائية المتفاعلة، لأن

الشخصيات المطروحة في الفيلم شخصيات منبوذة اجتماعيا ولا يمكن التعاطف

معها، رغم نجاح الممثل محمود ياسين في خلق هذا التعاطف.

تظهر في الفيلم شخصية أخرى وهي "فرحة""قامت بأدائها الفنانة "روبي"" وهي

فتاة بلا خلفية اجتماعية تعيش لوحدها فى فيلا واسعة بها حوض للسباحة، و

تتعرف على عادل بسرعة، لنكتشف بعد ذلك بأنها تعمل مع الباشا الكبير وتدور

في دائراته.

* مهمة خاصة

فى لحظة غير مبررة يكلف السرخاوي عادل بمهمة توصيل مبلغ مالي كبير "3 مليون

جنيه" إلى مكان معين، هكذا بكل بساطة، ولكن عادل يقرّر الهرب بعد أن يشتري

أسهم بالمبلغ. ويجد المشاهد نفسه في النصف الثاني من الفيلم يعيش بمدينة

طنجة المغربية

حيث يتم استعراض بعض المشاهد الفولكلورية التي تشعر وكأنها مسقطة، ثم مشاهد

أخرى متقنة التنفيذ، عبارة عن مطاردات لمحاولة القبض على عادل بإيعاز من

الباشا والذي تمتد يده الى كل مكان. في طنجة تظهر فتاة أخرى "صوفية" هي

أيضا مثل فرحة تقريبا "بنت ليل" لكنها تموت في مشهد عنيف ليس له مبرر.

يعود عادل مجبرا، بعد أن ضاعت أمواله في مصر أو بالأصح عادت الى صاحبها،

ولكن الفيلم يتجه نحو الصراع بين زعيم العصابة وأحد أفرادها، وببساطة أيضا

يتم خطف اليمامة وهي فرس يراهن عليها السرخاوي ويحبها كثيرا، وهذه الخاصية

كثيرا ما نجدها في أفلام العصابات العالمية، حيث يظهر زعيم العصابة ميله

نحو أحد الحيوانات المدللة،" كلب أو حصان أو قطة خلاسية..." ،وقد بدا وكأن

السرخاوي قد سقط فى نقطة ضعف وهى عشقه لفرس السباق "اليمامة".

بكل بساطة أيضا يقبض البوليس على العصابة وزعيمها، بعد أن تم الإبلاغ عنه،

وتبدو النهاية وكأنها قد جاءت لإيقاف تدفق الأحداث بعد أن وصلت الى درجة

التشبع والتكرار والنهاية باتت ضرورية.

لا نفهم ماذا حدث لعادل، لكنه يخرج من السجن ليبدأ حياة جديدة، والمشهد

الأخير يتكرر فقد جاء قاتل آخر يحمل باقة ورد وصندوق صغير، غير أن الجميع

قد قرروا التصدي له والوقوف أمامه وضده.

فيلم متقن الصنع والتنفيذ، ولكن الموضوع غير متكامل الأطراف وإذا كان هناك

نجاح لبعض الممثلين مثل غسان مسعود وأحمد عزمي، فإن الفنانة روبي بدت ضعيفة

المستوى خصوصا وأن صوتها غير واضح، وهو أمر ينطبق أيضا على بطل الفيلم آسر

ياسين فمشكلته أيضا في صوته. رغم أن الفيلم لا يحتاج إلى جهد كبير في

التمثيل، بقدر ما يحتاج إلى جهد في الحركة واستعراض مهارات التصوير وأحيانا

النجاح في الموسيقى التصويرية التي جاءت جيدة طوال الفيلم ولم تعكر صفوها

إلا الأغنية الوحيدة التي أدتها روبي والتي مازالت حائرة بين الغناء

والتمثيل أو بالأصحّ حائرة في الغناء والتمثيل.

ليست هناك تعليقات: