الثلاثاء، 1 يونيو 2010

"عزبة آدم": العودة إلى الدائرة المغلقة


"عزبة آدم": العودة إلى الدائرة المغلقة

للوهلة الأولى تشعر وكأنه قد شاهدت هذا الفيلم من قبل، رغم أنه جديد في

إنتاجه "أواخر 2010"، فقد مرت بك قصته واقترب منك موضوعه وتعرفت بطريقة أو

بأخرى على شخصياته ومرة أخرى نكرر بأن السينما في مصر تعيد سرد نفس

الموضوعات في دائرة مغلقة لا تخرج منها.

ويبدو أن كتاب القصص والسيناريوهات يجمعون قصص الأفلام التي أنتجت في مرحلة

سابقة ويستخلصون منها موضوعا لفيلم جديد، لا يهم أن يكون الموضوع مكرّرا أو

متشابها، ولكن المهم أن الأحداث مألوفة، وهى شبه مضمونة النتائج.

لأن الأفلام السابقة كانت ناجحة، على مستوى التوزيع التجاري والفيلم الجديد

يمكن أن يسير على نفس القاعدة.

على سبيل المثال فيلم مثل"الجزيرة"لمخرجه شريف عرفة، وهو من الأفلام

الناجحة، وكان من الطبيعى أن يتمّ تقليده في عدة أفلام مشابهة، مع إضافة قصص

جانبية من أفلام أخرى.

هذا الأمر انطبق على بعض الأفلام مثل" إبراهيم الأبيض" و"هي فوضى" و"دكان

شحاتة" ونخص بالذكر أفلام الحركة والمغامرة.

هنا لابد من الإشارة بأن الاقتباس من الأفلام الأجنبية يحتاج الى مهارة

معينة تتطلب نقل الأحداث الى بيئة أخرى، وهو أمر مشروع متى تم ذكر المصدر،

ولكن أن يتم النقل من أفلام أنتجت داخل مصر، فذلك من دواعي الاستسهال في

العمل السينمائي وهو أمر ليس له ما يبرره، إلا البحث عن السهولة والركون

الى التقليد بما ليس له ضرورة.

في هذا الفيلم الذي عنوانه"عزبة آدم" الكثير مما سبق ذكره بل هو تجميع لعدد

من الخيوط المستخلصة من أفلام أخرى، المكان المحاصر بالفقر، مثله مثل باقي

العشوائيات المعدمة محاولة الصعود لأكثر من شخصية في عالم المخدرات.

صراع الزعامات وصولا الى الزعيم الكبير الذي لا يظهر إلا مرة واحدة، ضابط

الشرطة المرتشي، ممارسة الدعارة في وسط عمله فقر وحرمان الانتقام الذي لا

يأتي إلا في آخر الفيلم.

وكما سبق وأشرنا، سوف نجد في فيلم "عزبة آدم"أفلاما كثيرة، منها مثلا فيلم

"الإمبراطور" لطارق العريان، "إنتاج 1990"،وكذلك أفلام سبق ذكرها مثل

"إبراهيم الأبيض" و"الجزيرة" وأفلام متقاربة وليست شرطا أن تكون متشابهة.

يبدأ الفيلم بالراوي "مريم" وهي تتحدث عن خرافة إنشاء قرية عزبة آدم وهي

مدينة على البحر يعيش أهلها على صيد البحر، حيث يقولون بأن صياد قد تزوج من

جنية بحرية وتأسست بذلك هذه القرية الساحلية.

وبالطبع ليس هناك ضرورة لمثل هذه البداية، إلا إذا تصورنا الفيلم أقرب الى

الملحمة، وهو أمر مستبعد كما أن الجانب الخرافي لم يكن حاضرا في الأحداث،

لأن السمة الواقعية هي المسيطرة.

ذلك أن المقدمة لا تكون كذلك إلا بأهمية أن يتكرر الإيحاء بها في تفاصيل

السرد بعد ذلك، وهو أمر لم يتحقق في هذا الفيلم.

يثير الفيلم أيضا مشكلة أخرى، وأساسها عدم وجود أية ضرورة للرواي، وهو كما

قلنا فتاة تتفرج عن الأحداث ولها علاقة مباشرة بالشخصيتين الرئيسيتين. أي

أن الرواي هو وجهة نظر أولا وأخير، وهذا أمر لم نجده واضحا فيه وكأننا إذا

استبعدنا الراوي لا يتغير في الأمر شيئا.

إلا في حال وجود بعض المشاهد الاستعراضية الكثيرة والتي تسمح بتدخل هذا

الراوي بين الحين والآخر لغرض تعبئة فراغات معي.

في الفترة الأخيرة كانت هناك أفلام كثيرة تستخدم الراوي، أنتجتها السينما

المصرية، ومن الصعب الحكم على مطلق هذه التجربة، ولكن لابد من الإشارة بأن

هناك القليل من الأفلام التي أجادت استخدام هذا الأسلوب ولعلنا نذكر فيلم

داوود عبد السلام الشهير "أرض الخوف"، وبالطبع هناك اتجاهات في فهم فكرة

الراوي، لأنه وحده من يسير بالفيلم نحو اتجاه معين، وأحيانا يكون وجوده عكسيا.

وفي أكثر الأحيان يكون أكثر من خلفية لأحداث يذكر جانب منها بطريقة السرد

وحده. المهم أن هذا الفيلم "عزبة آدم" لمخرجه محمود كامل لن تجد فيه مبررا

لهذا الرواي "مريم" والتي قامت بدورها "دنيا سميرغانم" باعتبارها راوية

تنقل إلينا ما دار من أحداث نراها على الشاشة بدون إضافة فنية أو موضوعية.

أيضا لابد من ملاحظة صوت الراوي، والذي ينبغي أن يكون متميزا، ويفضل أن

يكون السرد باللغة العربية إلا لاعتبارات فنية، ولذلك يتم التركيز على بعض

الأصوات دون غيرها، عالميا. مثل "مورغان فريمان" و"انكوني هوبكنز".

والواقع أن مشكلة الراوي يمكن طرحها في أكثر من موضع وبصورة مختلفة وبحسب

نوعية الفيلم.. الكوميدي والتاريخي والاجتماعي، ولا يكاد يصلح أي فيلم

لحضور الراوي، رغم أن استخدامه أحيانا يكون لمجرد الإيهام بالقيمة

الاعتبارية للفيلم.

لقد سبق لمحمود كامل أن أخرج فيلما لافتا للنظر، وهو"ميكانو"، ثم جاء بعد

ذلك فيلمه الثاني "ادرنيالين" وهذا هو فيلمه الثالث، وتقريبا جاءت هذه

الأفلام في سنة واحدة، مما يعني نجاحا واضحا لهذا المخرج من حيث الكمّ.

أما الجودة فهي تتناسب مع المستوى العام للأفلام، وسوف نلحظ بأن القصة لا

تخدم نجاح الفيلم، رغم أنه هناك بعض التميّز على مستوى الإخراج ولو كان من

النوع التقليدي البعيد عن التجديد.

والواقع أن الفيلم يسقط في دائرة الكليشهات الجاهزة، كما هي بمواصفاتها

التقليدية، مجرد شارع أو أكثر ومعه عدد من البنايات الصغيرة، ثم مكان أقرب

الى الدكان.. يستخدم للسكن المؤقت. خمارة كبيرة تتحول الى محل تجاري كبير،

ديكورات داخلية وخارجية يغلب عليها الألوان الفاقعة.

ورغم أن الصيد هو العمل الرئيسي بالنسبة للأفراد إلا أنه لا توجد مشاهد

دالة على ذلك، فلا توجد مراكب كبيرة مثلا، وليس هناك حضور للسمك بيعا وحتى

الريس رجب الذي يشكو من قلة الدخل لا يظهر عليه أنه صياد والأمر نفسه ينطبق

على "سعيد طيله" صاحب العمل والحقيقة أن البحر ليس له حضور في الفيلم ،كما

أن هناك فتاة من فتيات القرية من يعملن بالدعارة بسبب الفقر، وهو صيد من

نوع آخر.

يبدأ الفيلم بثلاث شخصيات، الرئيسية "حامد" وقد قام بدوره فتحي عبد الوهاب،

ثم مصطفى وقد قام بدوره احمد عزمي وشخصية ثالثة ليست رئيسية لأنها قتلت

أثناء قيام هذه المجموعة بمحاولة السرقة، والتصقت التهمة بمصطفى الذي كان

شريكا لكنه ليس قاتلا وهناك نقاط ضعف في منطق السيناريو وفق هذا السياق.

بمساعدة ضابط الشرطة الجديد القادم لقرية "عزبة آدم" وهو سعد وقد قام بدوره

ماجد الكدواني، يصبح حامد بريئا، رغم أنه القاتل الفعلي أثناء المطاردة من

قبل الشرطة. وهذا لإيجاد سببا واضحا لتدخل سعد فى هذه القضية بغرض التصاق

التهمة بشخصية أخرىـ إلا اننا نفهم بأن الهدف هو محاولة تجنيد حامد.

أي أن حامد ليصبح أحد أعوان الشرطة للمساعدة في قضايا المخدرات والتي

انتشرت في القري.

هذا الموضوع المرتبك ينطبق أيضا على الفتاة مريم التي تتعلق بالطالب مصطفى

وهي تعاني من فقر أسرتها ومرض أبيها الذي نراه مريضا لمدة طويلة، ولا يموت

إلا قبل نهاية الفيلم بقليل.

يدخل مصطفى السجن وعندما يلحظ والده الريس رجب أن حامد قد ارتكب جريمة أخرى

في حق "التاجر سعيد" ، وهذا يعني ارتباطه بالجريمة الأولى يصبح شخصا غير

مرغوب ويطلب منه "الضابط" أن يرحل من القرية، وبالطبع لا ندري كيف يمكن أن

يحدث ذلك.

هناك أيضا امرأة تدعى روحية تقوم بدورها هالة فاخر نراها في مشهد واحد تدير

وكرا للدعارة، ثم تختفي لتظهر بعد فترة لاحقة بصورة مختلفة.

بواسطة اقترابه من الضابط سعد وخدمته الخفية، يصبح حامد أحد تجار المخدرات

فيقترب مبدئيا التاجر الرئيسي ثم يقتله غدرا، ليصبح أحد أتباع الزعيم

الكبير "القرش" الذي يقوم بدوره أحمد راتب.

هناك صورة جيدة في الفيلم لا تتمكن من إخفاء العجز في تفاصيل القصة، حيث

يحلم الجميع بترك هذه القرية والفرار منها، وفعلا يتمكن بعضهم من ذلك عنوة

وسوف نجد "طناشي" يقوم بدوره لطفي لبيب، قد باع الخمارة، حيث تتمكن روحية

من العودة الى القرية ومعها أموال لا يعرف مصدرها وتباشر في شراء أماكن

وتوظيف الأموال ومن ذلك هذه الخمارة القديمة.

أما مصطفى، فيخرج من السجن وقد ارتبط في داخله بالمجموعات الإسلامية وصار

يعمل معهم بعد خروجه وقد جعله سيناريو الفيلم مجرد شخص ساذج لا يعرف شيئا،

وهذا مسار شخصيته، فهو على سبيل المثال قد اعترف خطيا على ارتكابه لجريمة

القتل، رغم أنه لم يرتكبها وكان مجرد فرد في مجموعة.

أيضا يقبل مصطفى الزواج من روحية لكي يستفيد من أموالها ولكن شركات توظيف

الأموال تصاب بالإفلاس ويتحوّل معظم سكان القرية الى فقراء من جديد. يسير

الفيلم نحو التخلص من شخصياته في النهاية، وعلى سبيل مباشر مريم في

الانتقام من حامد والذي تزوجته عندما لم تجد بديلا، بل وأنجبت منه طفلا.

وفي مشهد معين نرى فيه مريم تحاول الانتحار بإضرام النار في نفسها ثم تتوقف

ليصبح المشهد بعد ذلك إشعال النار فى زوجها حامد.

اما مصطفى فهو يقتل أيضا بعد أن اكتشف أن العمليات الانتحارية التي تقوم

بها المجموعات المنتمي إليها تدار بواسطة أموال أجنبية، والفيلم عبّر عن ذلك

بطريقة فيها الكثير من المباشرة السطحية.

ثم تحوّل الى معارض لهذه الجماعات ومتعاون مع البوليس ضدها بعد أن تبين أن

شركات توظيف الأموال تحت غطاء ديني هي مجرد لعبة مخادعة ليس إلا والكل

يتعاون مع البوليس إن الفشل يطال جميع الشخصيات، بما في ذلك الضابط سعد

المطلوب للتحقيق في نهاية الأمر.

لقد تخلص الفيلم من الميلودراما، رغم أن الموضوع قد سار في هذا الاتجاه

أيضا لم تبرز شخصيات لها صفة البطولة المطلقة، لأن الفيلم قد اعتمد على

نظام الشرائح الاجتماعية. اما الموسيقى فلم تخدم الفيلم في معظم المشاهد

وكانت عبئا عليه.

كما أن "عزبة آدم" من الأفلام القليلة التي اختفت فيها الأغنية ومن أهم

الممثلين المتميزين نجد ماجد الكدواني في دور ضابط شرطة يجمع بين السخرية

والعنف ولكنه ظل شخصية طبيعية غير مكروهة طوال الفيلم.

اما الممثل فتحي عبد الوهاب فقد تعامل مع الشخصية بارتباك بحيث يبدو أحيانا

وكأنه مجنون بعكس أحمد عزمي ودينا سمير غانم وهالة فاخر، والحقيقة أن معظم

الشخصيات ظلت هامشية ومتكررة، بما في ذلك الشخصية التي قام بأدائها الممثل

محمود


وفي جميع الأحوال لا تستطيع العناصر الفنية مهما كان نوعها أن تخدم فيلما

يعتمد على سيناريو فيه الكثير من الشلل والارتباك.

ليست هناك تعليقات: