الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

عالم صغير حول سائق التاكسى





رحلة ناقصة مع سائق تاكسي


يظل سائق التاكسي علامة مهمة في دراما الافلام السينمائية العربية، والتي

تدور احداثها في القاهرة على وجه التحديد، فقد ابرزت السينما المصرية هذه

المهنة مبكرا في عشرات الأفلام التي انتجت، وخصوصا تلك الافلام التي

استجابت لمتغيرات الحياة العصرية منذ الستينات وبشكل أوسع مع الموجات

السينمائية المختلفة التي اشتهرت في الثمانينات، عندما صارت السيارة أو

وسيلة المواصلات اداة مهمة، تلعب دورا مهما وركنا اساسيا في الموضوع

واحيانا لمجرد الشكل الخارجي فقط في سينما الشارع.

ربما يبقى في الذاكرة فيلم أو أكثر، ولكن علينا أن نوضح بأن ئاسق التاكسي

كان مجرد طرف عارض، كوميدى احيانا وبوليس ايضا، وهذه الشخصية نادرا ما

نراها تلعب دور البطولة، اي الشخصية التي يعتمد عليها بناء الفيلم.

نماذج وافلام

من اشهر الافلام العربية نجد الفيلم المعروف "ليلة ساخنة" لمخرجه عاطف

الطيب، وهو فيلم يعتمد على حدث واحد وتقع احداثه في ليلة واحدة.

ايضا هناك فيلم سوري بعنوان "سواقة التاكسي" لمخرجه محمد شاهين حيث تعمل

فتاة "سواقة تاكسي" من أجل دعم اسرتها ماديا وهو فيلم متواضع جدا.

ولعل من اشهر أفلام الكوميديا، ذلك الفيلم الجزائري المعروف بأسم "التاكسي

المخفي" مع العلم أن مهنة السائق تتكرر بصفة أكثر، لكنها تقل عندما ترتبط

بالتاكسي نفسه فالمهم احيانا هي الركاب وليس السائق.

أما على مستوى الشخصيات الثانوية فسائق التاكسي موجود باستمرار في أكثر

الأفلام و لا نجد له خصائص درامية فاعلة، إلا نادرا، ولعلنا نذكر على سبيل

المثال تلك الشخصية التي قام بها الممثل عبد الرحمن ابو زهرة في فيلم "فى

شقة مصر الجديدة" للمخرج محمد خان، حيث صارت الشخصية جزءا من القصة المحورية.

تباين واختلاف

كما قلنا، بدت شخصية سائق التاكسي في أكثر الاحيان مرتبطة في الأفلام

العربية بالموضوعات الكوميدية، مع الاشارة الى أن لهذه الشخصية صفات معينة

تجعلها حرة وطليقة وقادرة على الوصول الى مناطق كثيرة وعميقة بسبب التحامها

بعدد كبير من الشخصيات من مناطق وفئات مختلفة ومهن وطبقات متباينة.

من بين الافلام الجديدة التي اختارت التركيز على مهنة سائق التاكسي "فيلم

على جنب يا اسطى" لمخرجه سعيد حامد انتاج 2009.

وهذا التعبير "على جنب يا اسطى" وكما شرح ذلك سائق التاكسى "صلاح" هو

للدلالة على الوصول والى مكان معين ونزول الراكب، وقبل ذلك يسبقه تعبير آخر

وهو "فاضي يا اسطى". وبين هذين التعبيرين تمتد رحلة سائق التاكسي الطويلة

التي تستمر احيانا طوال الليل والنهار.

كما هو متوقع يعتمد الفيلم على تقديم الشرائح المتعددة، بالاضافة الى

المشكلة الرئيسية التي لها علاقة بالسائق نفسه "صلاح" والذي يقوم بدوره

الممثل أشرف عبد الباقي، ويتقاطع الفيلم في احداثه، معتمدا على حضور السائق

نفسه والذي اختاره السيناريو ليكون شخصية ايجابية واحيانا نموذجية.

في المقابل هناك شخصية شريرة هي الأخ مرعى الذي يترك بيته ليعيش وحيدا مع

العصابات، تاركا الأم باحثة عنه في كل مكان، مع تكليف الأخ صلاح سائق

التاكسي بمتابعته ومحاولة ارجاعه الى البيت دون جدوى.

بين الشخصية الطيبة والاجتماعية "السائق صلاح" والشخصية الشريرة "اخوه

مرعي" تمضى احداث الفيلم، التي تسير في اطار انساني، يرجح كفة جانب الخير

على جانب الشر، رغم كل المرجعيات الاجتماعية السلبية التى تفرض حضورها بين

الحين والآخر.

سائق وفتاة

سوف نرى في البداية سيارة أجرة متواضعة، ورثها صلاح عن أبيه المتوفى، ومنذ

البداية تتورط هذه السيارة غى هدد من المشكلات، بعضها من النوع الخفيف الذي

يقصد به التسلية فقط، لكن هناك ايضا مشكلات اخرى تدخل ضمن السياق الرئيسي

للاحداث.

على سبيل المثال سوف نجد فتاة وحيدة، تطلب من سائق التاكسي أن يوصلها الى

مكان معين، ثم تطلب منه أن يرافقها الى داخل المكان، والذي نكتشف بأنه ملهى

ليلي، ملىء بالشخصيات العربية وكل الزبائن ترقص على انغام الاغنية العراقية

المعروفة "يا برتقالة".

وبعد انتهاء اللقاء نعلم أن القضية هي صراع على طفل بين الأب والأم، وان

الفتاة هي "نور" أخت الزوجة، وهي تصارع لضم الطفل الى أختها، وفي سبيل ذلك

تتعرض للاذى وكذلك السائق صلاح.

ر يهتم الفيلم بالجانب القانوني للمسألة، بل يترك الأمر وكأنه مباراة بين

الفتاة المشاكسة والأب، حيث تختطف الفتاة ابن اختها بكل سهولة، ويعيد الأب

الطفل اليه ايضا بكل سهولة ايضا، والأمر لا يعدو حشر سائق التاكسى فى

مغامرة يغيب جانبها القانوني لتبقى مفتوحة الآن الهدف هو الا تنتهى القضية.

شرائح اجتماعية

هناك ركاب آخرون للتاكسي، هم مجرد شرائح عشوائية، ومن ذلك على سبيل المثال

الراكب الغريب "سمير غانم" الذي يركب التاكسي وهو يملك عشرات السيارات،

وزوجته ترفض قبول جثته بعد أن توفي في التاكسي وكذلك يرفض الجميع قبوله،

وعندما يتم اتهام السائق صلاح بالقتل ويدخل السجن من أجل ذلك، نكتشف بأن

الراكب لم يمت، وهذه القصة الثانوية بدت وكأنها لا تخدم السياق الاجتماعي

للفيلم، حتى وان كانت الشخصية لها طابع درامي فهو الرجل الغني الذي لا

يقبله أحد. وفي جميع الحالات كان اختيار هذا النموذج من عوامل ضعف الشريط

لأنه اضاع وقتا طويلا بدون فائدة، وكان للطريقة التي تعامل بها الممثل سمير

غانم مع الدور اثر سلبي، فقد حاول انتزاع الضحكات بأي طريقة، الصوتية على

وجه الخصوص، وبذلك كان أقرب الى المهرج.

الأمر لا يختلف كثيرا مع الممثل الكويتي داوود حسين وأن كان أفضل حالا،

فالشخصية التي قدمها باعتباره راكبا عربيا تعكس اهتمام المخرج بالجوانب

العربية، ولا ننسى أن السوداني سعيد حامد يصر دائما على ابراز ما هو عربي،

وهو أمر يتجلى في الشخصية الخليجية التي قام بادائها داوود حسين، حيث تحولت

هذا الشخصية التي يفترض ان تكون غنية الى شخصية لا تحمل معها نقودا، فهي

عمليا فقيرة، ولهذا أجبر صلاح السائق على دفع مصاريف رحلة النزاهة بكل

تكاليفها البسيطة، ولم يحصد الا الخسارة في المجمل.

هناك ايضا شخصية الراكب علاء مرسى وهى اضافية. كما قلت، يبحث الفيلم عن

الجانب الانسانى ليقدم عكس ما هو متوقع، فالرجل الغنى تخونه زوجته ولا يعنى

لها موته شيئا. أما الخليجي فهو يحتاج الى المساعدة والترفيه ولا يجد له

الا سائق التاكسي ليحقق له، احلامه وبالمجان، لكن الجانب الانسانى ظل

ضعيفا، يعانى من سوء الاختيار، وهذا أمر يسير عليه الفيلم فى باقى مساراته

الاخرى. حيث لا توجد دقة في اختيار النماذج.

البحث المستمر

ربما كانت شخصية الاخ الصغير هى الافضل فى مقابل الاخ الكبير، فنحن لا نعلم

سببا لاندفاعه نحو الانحراف والعمل فى العصابات المنظمة، الا البحث عن

المال، ولكن هذا المال مرفوض من قبل الاسرة، ومن قبل الام على وجه التحديد

"قامت بدورها الممثلة خيرية احمد" التي تبحث عن ابنها طوال الفيلم فى أمل

ان يعود اليها.

هناك مشاهد كثيرة نرى فيها سائق التاكسى وهو يتدخل لانقاذ اخيه عن طريق

الصدفة وحدها وكان يمكن ان يتم استخدامها بطريقة أفضل. إلا أن وجود الأخ

الصغير فى عالم السرقة والعصابات له وجه ايجابي كما يرى الفيلم، وذلك أن

سرقة التاكسى من صاحبها بواسطة التحايل يقود صلاح الى الاستعانة بأخيه،

وتعود سيارة التاكسى فعلا وبسهولة.

من جانب آخر تتم الاستعامة بالاخ الصغير مرعى للانتقام من خاطفى الطفل

الصغير، بمن فيهم الأب ولكن لا يتم ذلك فى النهاية.

لقد اعتمد الفيلم على طرق تعبيرية تصويرية، ومنها استخدام اللقطات العامة

الليلية لابراز القاهرة بالليل ولاسيما التركيز على حركة السير، وهى لقطات

تقع بين مسار الاحداث احيانا وغالبا بواسطة الانتقال من مشهد الى آخر.

هناك ايضا لقطات التسريع والتى استخدمت اكثر من مرة، فى الاغنية مثلا،

وكذلك حين يسرد سائق التاكسى بعض حكاياته وللانتقال من مشهد الى آخر.

هناك تماس صغير بين الفتاة "نور" وسائق التاكسى وهو علاقة تخرج الى المجال

الانسانى ايضا، حيث حررها السيناريو من أن تكون علاقة عاطفية، بسبب وجود

زوجة السائق واولاده، وربما لاسباب أخرى ولم نفهم لماذا لم تكن الفتاة هي

نفسها أم طفل وليست اختها لكى يأخذ الفيلم أبعادا أخرى. ولكن الفيلم حصر

نفسه في دائرة اساسها حل كل المشكلات في النهاية.

فاقدة الذاكرة

أما المرأة المسنة فاقدة الذاكرة "زيزي البدراوي" فهى تسير ضمن المنحى

الانسانى الذى توخاه الفيلم، حيث كل فرد يعيش وحيدا ومعزولا، رغم الشكل

الجماعى الظاهرى الذي يبدو خادعا فى مظهره. ولما كانت الفتاة "نور" تعمل مع

هذه السيدة المصابة بالزهايمر فقد انتقل سائق التاكسى اليها ايضا، وصار

جزءا من المشكلة الكلية. اما المراة العجوز فترفض ايضا من قبل اسرتها عند

أول زيارة لها مع سائق التاكسي بعد مرضها.

يضيف الفيلم في النهاية خاتمة ليس لها ما يبررها، حيث يسرق الذهب الخاص

بالمرأة العجوز وتطال التهمة الجميع، وتقع التهمة على أقرب الأقرباء، فى

مشهد استجواب ضعيف.

في النهاية ايضا يتم الانتقام من الأخ الصغير وفي لحظة الضعف وحدها يعود

الأبن الى اسرته، بينما تدعى الفتاة بأنها سوف تسافر الى الخارج ويمكن ان

تفر بالطفل الصغير حيث لا يمكن ان تصل اليه يد الأب.

عالم صغير

لقد حاول الفيلم ان يخلق عالما صغيرا حول سائق التاكسى ونجح في حدود ضيقة،

ولكن الشخصيات المختارة والقصص الاصلية والفرعية لم تكن كافية لجعل الفيلم

لحمة واحدة، وهو أمر لا يمكن توقع ما هو أعلى منه، حيث المنظور الضيق

والابعاد القريبة وربط الفيلم بالكوميديا في أكثر الاحيان، رغم أنه ليس

فيلما كوميديا أو ينبغى أن يكون عليه.

في الفيلم اسماء كثيرة، أغلبها ضيوف شرف، من ذلك مثلا احمد السقا الذى ظهر

في آخر الفيلم على أنه خطيب الفتاة "نور" وهناط أحمد رزق وماجد الكدوانى

وهناك محمود الجندى، بالاضافة الى روجينا الزوجة وأروى جودة الأكثر حضورا

في الفيلم وخصوصا من حيث مساحة الدور وغير ذلك من الاسماء.

ان المخرد سعيد حامد والذي قدم في السابق افلاما مهمة، بعيد عن تجربته

المتميزة "الحب في الثلاجة"، مثل صعيدي في الجامعة الامريكية، همام في

امستردام، شورت وفانيله وكاب. إنه يتراجع قليلا، رغم المستوى الحرفي الجيد

الذى يحافظ عليه، ولعل أفلام مثل رشة جرئية، جاءنا البيان التالي، أدعى

وشك، يانا ياخالتى، هي مقبولة وناجحة تجاريا، لكنها لا تصل الى المستوى

المطلوب وتظل تعاني من نواقص كثيرة أساسها القصة والسيناريو، وهذا الفيلم

يقع في نفس الحدود تقريبا، وان لم يصل الى نجاح فيلم "طباخ الرئيس" انتاج 2008.

اما بطل الفيلم "اشرف عبد الخالق" فقد بدا في أفضل حالاته، وخصوصا انه

ملتزم بدور لا يتطلب ااضافات كوميدية، عدا بعض التعليقات الساخرة التي يمكن

اعتبارها ايجابية في فيلم متوسط القيمة الفنية والدرامية وفيلم سعى نحو

المنحى الانساني فخذلته اختياراته.

ليست هناك تعليقات: