الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

بالرقابة او بغيرها الفيلم يسير الى الخلف




"بدون رقابة".. فراغ المضامين وضعف في الأداء


الى حد معين وليس كبيرا، تدور السينما في مصر داخل نفسها، ليس فقط من حيث

الموضوعات المتكررة أو شبه المتكررة، ولكن من جوانب أخرى كثيرة.

من اهم هذه الجوانب احتكار مهنة صناعة السينما من قبل عدد من الافراد، ومن

الصعوبة بمكان أن تنفتح السينما على وجوه مختلفة متباعدة، ولعل تاريخ

السينما في مصر يؤكد هذا الجانب، فكثير من المهن تنتقل بالوراثة، ولا مانع

بالنسبة الى المخرجين والممثلين والمصورين وغيرهم من أن ينسحبوا من أدوراهم

بحكم السن أو ظروف الانتاج، ولكن من المهم أن تنتقل المهنة الى الأولاد

وربما الأحفاد.

القائمة تطول

هناك عدد من الممثلين برزوا ونجحوا بمساعدة الآباء، وبعضهم لم ينجح رغم ذلك

والقائمة طويلة أحيانا، حتى ان هناك عائلات بكاملها عملت بالسينما ومن ذلك

على سبيل المثال عائلة "ذو الفقار" التي حاولت ان تستمر من خلال بعض

الأسماء مثل حاتم ذو الفقار وكذلك "نادية ذو الفقار" ولكن الأمور لم تنجح

بسبب معطيات كثيرة، من بينها فقدان الموهبة احيانا.

يمكننا أن نذكر عائلة اباظة ايضا التي لم تستمر طويلا، ثم عائلة فريد شوقي،

والتي استمرت من خلال منتجة ناجحة وممثلة أكثر نجاحا وهي رانيا فريد شوقي.

لا نريد أن نناقش سلبيات أو ايجابيات هذه الظاهرة، ولكن من المهم القول بأن

العائلة الفنية ليس لديها القدرة على تسريب ابن العائلة ووضعه على خط

النجاح مهما كانت الشهرة ومهما كانت الدرجة الفنية التي وصل إليها الأصل،

وعلى سبيل المثال لم يتمكن المخرج محمد أبو سيف من تحقيق النجاح، رغم أن

والده هو صلاح أبو سيف، ولم يستطع رامي امام ان يحقق نجاحا واضحا رغم أن

والده هو عادل أمام، ولكن يبدو أن مجال التمثيل هو الأكثر فعالية، ربما

لأنه أسهل ولا يحتاج الى امكانات كبيرة، ولذلك نجح أولاد عدد كبير من

المخرجين والممثلين أكثر من غيرهم.

المبرر الوحيد

هذه المقدمة ربما لا تكون ضرورية، لكن وجود اسم من عائلة جرجس فوزي المنتج

المشهور على افيش فيلم معين، ربما يحرك الكثير من الافكار، وهذا يذكرنا

بالمنتج والممثل الذي قدم أول فيلم من اخراجه وهو العاشقان لنور الشريف،

حيث كان المبرر الوحيد لتقديم الفيلم هو الحرص على منح دور شبه بطولة لابنة

العائلة ولاسيما ان الممثلة الرئيسية هي الأم بوسي. ولكن رغم ذلك لم تستمر

الفتاة الصغيرة وتركت مجال التمثيل وهذا ما انطبق على عدد من التجارب القليلة.

هاني جرجس هو أحد ابناء العائلة المشهورة بانتاج الأفلام، وقد خاض أول

تجاربه في الاخراج بهذا الفيلم "بدون رقابة" بعد أن عاش مع أكثر من تجربة

في مجال الانتاج، وهذا الفيلم" بدون رقابة" يؤكد مرة أخرى بأن مجال الاخراج

لا يعني بالضرورة الاقتراب من عالم السينما. بل يشير الى أن ابن العائلة

الفنية ليس بالضرورة أن يكون فنانا، رغم أن التجارب الأولى ليست قاطعة أو

نهائية.

فراغ واضح

"بدون رقابة" فيلم من الافلام التي يشعر المشاهد بأن وراءها فراغا واضحا،

اذ ليس هناك كاتب محدد، رغم وجود ثلاثة أسماء، ولا يوجد وراء الفيلم مخرج

رغم وجود ابن العائلة الفنية.

سوف يلفت انتباهك منذ البداية ذلك الافيش الخاص بالفيلم والذي يجمع وجوه

معظم الممثلين، بينما يستقر العنوان واضحا "بدون رقابة" مع وجود مقص بشكل

ظاهر والمقص مفتوح قليلا من اشارة واضحة الى مقص الرقيب الذي يقطع المشاهد.

لا توجد علاقة بين أحداث الفيلم والمقص ولا يشكل المقص موضوعا للفيلم ولا

تعالج القضية الرئيسية للفيلم المعني اذا كانت هناك قضية الرقابة على

الافلام، ولكن المقص له علاقة بالعنوان فقط. كما ان العنوان لا علاقة له

بموضوع الفيلم، إلا اذا قلنا بأن الشباب يعيش بلا رقابة من قبل الاسرة،

وهذا احتمال بعيد.

هنا نشعر بان المسألة تتعلق فقط بالمعنى التجاري المباشر، ومقدار ما يمكن

أن يطرحه العنوان من اشارات تعنى عدم وجود رقابة على الفيلم، وبالتالي فان

دعوة الجمهور الى التمتع بفيلم بلا رقابة مسألة شديدة الوضوح.

دعوة تجارية

هذه الاشارة الخارجية هي دعوة تجارية، فلا الافيش يعبر عن أحداث الفيلم،

ولا العنوان، وكل ذلك مسموح به في اطار ما يمكن تسميته باللعب داخل السينما

وعدم تحديد المسؤولية، الحقيقة أن الاغراض التجارية قد صارت تطغى على كل

شىء، وقد لا يتحقق الهدف التجاري عمليا لأن الفيلم ينبغي أن تتوفر فيه جملة

من الاعتبارات ليحقق النجاح المطلوب، بما في ذلك النجاح التجاري.

بشكل أو بآخر سوف نجد هذا الفيلم "بدون رقابة" أقرب الى أفلام أخرى سبق

عرضها ومن ذلك "أوقات فراغ" المتميز مثلا وفيلم لحظات أنوثة وغير ذلك من

الافلام التي تدعي مناقشة قضايا مشكلات الشباب بطرق مختلفة.

سوف نجد في الفيلم شخصيات كثيرة، غير مرسومة بدقة، شخصيات باهتة وهذه أولى

أخطاء السيناريو، ومجمل الاخطاء قادت في النهاية الى فيلم مصطنع مصنوع من

داخل السينما نفسها ويعبر عن هموم تحمل طابع الترف، حتى أن المشاهد نفسها

قد جاءت في المجمل داخل اماكن راقية اجتماعيا، من شقق فاخرة واماكن لهو

ودارات واحيانا شوارع زاهية مصطنعة لا تعطي أي احساس بالحياة وهذا ما حدث

ايضا داخل الجامعة والتي بدت أبعد ما تكون عن الجامعة.

شرائح اجتماعية

يمكن أن نذكر من الشرائح الاجتماعية التي عرضها الفيلم: "شيرين" والتي قامت

بدورها علا غانم، وربما كان وجود هذه الشخصية لاغراض تجارية فقط، حيث نجد

فتاة منفتحة جدا، تقيم علاقات مباشرة مع صديق لها "كريم" وهي لا أسرة لها

تقريبا ولا تكتفى بصديقها، بل لها علاقات شاذة مع صديقة وامام صديقة أخرى

وبموافقة صديقها الرئيسي. كما انها صورت من قبل صديقتها في مشاهد جنسية

وتداول طلبة الجامعة هذه المشاهد من خلال الموبايل، ورغم ذلك فهذه الفتاة

غير مكترثة بكل ذلك.

أما المطرب احمد فهمي فيلعب شخصية "هاني" طالب مستهتر يقيم علاقة مع صديقته

- تقوم بدورها المطربة "دوللي" – ويسكن في شقة تحمل الرقم "177" يتردد

عليها الجميع، يتعرف على فتاة في الجامعة، وقد تعلق بها قبل ذلك، وهو يحاول

استمالتها الى الشقة، بموافقة صديقته، و يفشل في النهاية فيما خطط له وتقوم

بدور الطالبة "نور" المطربة ماريا في أول تجاربها السينمائية المتعثرة، فقد

اشتهرت هذه المطربة اللبنانية بالكليبات الساخنة، وكان بامكانها أن تبقى

فيما نجحت فيه، لكنها أقدمت على خطوة باتجاه السينما، وكانت خطوة فاشلة،

رغم محاولات الفيلم الاستفادة منها في الغناء وفي حدود ضيقة في عرضها

باعتبارها مجرد فتاة جميلة تلبس الملابس القصيرة في كل مكان تذهب إليه.

يدعى السيناريو بأن الفتاة "نور" من طبقة شعبية ولا نرى ذلك مطلقا،

فالتصوير يدور في الشقق الفاخرة فقط.

نغمة متكررة

لا توجد في الفيلم قصة واضحة المعالم والشخصيات ليس لها مشكلات حقيقية،

فعلى سبيل المثال نجد شخصية سامح "ادوارد". إنه ابن عائلة فقيرة ويسعى

للزواج من صديقته، ولكن الجانب المادي يجعله ضعيفا، وهذه نقمة متكررة طبعا،

ولم يطرح الفيلم أي تغيير يمكن أن يلامس هذه المشكلة.

هناك شخصية أخرى "ابراهيم" وقام بدورها باسم السمرة، وهو شخصية ملتزمة

شكلا، يدعي التدين، ولكنه في نفس الوقت يتردد على الشقة 177 ليمارس من بعيد

متعة الاصلاح أمام عدد من المدمنين.

لم يفلح الفيلم في رسم ابعاد هذه الشخصية فقد جعله مترددا لا يحسم لنفسه

أمرا، إنه يهاجم احدى الفتيات ثم يعتذر ولعل الضعف في كيفية رسم الشخصية تم

تنفيذ هذا التصور بضعف أشد وهذا الفيلم يعبر عن صورة المبتدىء المقلد الذي

يعتقد في أن السينما هي مجموعة من المشاهد دون أية رؤية فنية واضحة.

هناك شخصية أخرى وهي للمطرب احمد فهمي صاحب الشقة والذي يعيش مع احدى

صديقاته ويتطلع الى أخرى، وهو يغني ويرقص ولا نعرف له -مثل أكثر الشخصيات-

أسرة تحد من تصرفاته أو تضعه في مواجهة مع الاخطاء التي يرتكبها كل يوم.

هناك شخصيات أخرى نجدها في الفيلم وهي مقتطعة من سياق غير واضح المعالم

وتكشف عن ضعف في السيناريو أولا ثم في الاخراج ثانيا.

نماذج متعددة

من أبرز الممثلات ريم هلال ، راندا البحيرى، مروة عبد المنعم، وسنجد الممثل

حسن حسنى في دور الأب الذى يستقبل خطيبا أقرب الى الغباء أما أحمد راتب فهو

أيضا في دور الأب الذي يعانى من ابن فاشل ويتعاطى المخدرات ولا يجد له حلا.

ان الضعف في التمثيل يتسلل الى الفيلم ولاسيما مع المطربة دوللى التي لم

تنجح فى مشوارها الفنى في السينما، ورغم ذلك هناك اصرار على استمرار

وجودها، وهذا ما انطبق أيضا على المطربة ماريا، وايضا المطرب احمد فهمي،

وهذه الخلطة من المطربات والمطربين اضافت بعض الاغانى الراقصة، لكنها كانت

مجرد اغان أقرب الى الفيديو كليب، مع اضافات بصرية ليس لها ما يبرر هامش

مشاهد الفلاش باك ومشاهد استخدام الاضاءات المتباينة من خلال استعراض

الديكور، والحقيقة أن الفيلم فيه الكثير من المشاهد الضعيفة والتى استخدمت

للربط المصطنع بين الاحداث.

عامل حاكم

في بعض الاحيان نشعر بأننا أمام فيلم سبق أن شاهدناه مثل "بنات في الجامعة"

أو فيلم "احنا التلامذة"، ومع عدم احتكار الموضوعات فإن المعالجة الفنية هي

العامل الحاسم في تقدير مستوى الفيلم ومدى اضافة ما هو جديد.

هناك بعض الوجوه التى تعمل دون تقدير مسبق لمستوى ما يعرض، ومن ذلك الممثلة

علاء غانم التي قدمت بعض الادوار الجيدة مثل "سهر اللياليصياد اليمام

حريم كريم" وفي مستوى آخر نجدها قد تراجعت في اكثر الافلام التى عملت فيها،

حتى انها لم تتقدم و لو خطوة واحدة واضحة.

لا يمكن اعتبار هذا الفيلم من ضمن موجة الافلام الكوميدية السائدة، كما انه

أبعد عن موجة أفلام الشباب بالمعنى الاجتماعي الواضح، رغم أنه يسير في هذا

الاتجاه.

ولعل ضعف التمثيل قد سار به نحو تراجع يدلل على أن السينما في مصر تتقدم

بخطوات وئيدة وتسير الى الخلف احيانا بخطوات أوسع.

بالطبع ليس ذلك بالأمر المفزع، لأن السينما العالمية أيضا تجد بها بعض

التجارب الضعيفة التي تعد خارج السياق المتعارف عليه. لكن في الغالب تكون

هذه الافلام على الهامش. أما على المستوى العربي فإن الكثير من الافلام

الضعيفة تنافس أحيانا الافلام الجيدة في دور العرض أولا وكذلك في استخدامها

لبعض المغريات بطريقة لافتة للنظر.

في نهاية هذا الفيلم يبتكر صناعه حدثا معينا، كان من المتصور أن يكون كشفا

وابتكارا حيث خطط بعض الطلبة من الفاشلين والذين استعرضهم الفيلم، لاحراق

الجامعة وبطريقة افلام الحركة نرى نيرانا متصاعدة في الخلفية وحركة لبعض

الشخصيات في المقدمة، وبالطبع لا يكتفي الفيلم بهذه النهاية، لأن هؤلاء

الطلبة، وحتى بعد خروجهم من السجن الغريب من نوعه، يستمرون في نفس الطريق

عن قصد مسبق ونوايا مبيتة سلبية، لم يستفد منها أحد واستفاد منها صناع

الفيلم فقط.

ليست هناك تعليقات: