الاثنين، 15 نوفمبر 2010


أيام قرطاج السينمائية.. هناك دائما من يحب الميكروفون


ما الوجه الذي ستظهر عليه أيام قرطاج السينمائية بعد عقد من الزمان؟..هذا السؤال الذي جاء في مقدمة "دليل أيام قرطاج السينمائية" في دورتها الجديدة لعام 2010وهي الدورة التي تحمل الرقم "23".

إن كل المهتمين بالسينما يعلمون جيدا أن مهرجان قرطاج السينمائي يعدّ من أقدم المهرجانات السينمائية العربية، بل هو الأقدم فعليا، فقد انطلق عام 1966، وكانت له خصوصية متميزة وحقق خلال مسيرته نجاحات كبيرة، كان لها التأثير الكبيرعلى الإنتاج التونسي والعربي والإفريقي، وكان له التأثير الواضح على الجمهور التونسى محليا أيضا.

من حق الجميع أن يطرح السؤال. الى أين يمضي مهرجان قرطاج السينمائي؟
وما هي المتغيرات التي تفرض نفسها عليه؟ وهل وصل الأمر الى مناقشة المبادىء والمنطلقات التي كانت في بداية التأسيس؟

أظن أن هناك متغيّرات جديدة تفرض نفسها، وهذه الدورة رقم "23" تؤكد ذلك، ويبدو أن الدورة القادمة للأيام ستشهد منعطفا هاما، وهو أمر لابد من طرحه ومناقشته.
تميّزت الدورة الجديدة "2010" بجملة من الإضافات الجديدة، مع الاعتماد على أسس المهرجان التقليدية المعروفة، وأهمها فيلم "الصرخة" التشادي في الافتتاح.

أيضا هناك المسابقة الرسمية للأفلام الروائية، والمسابقة الرسمية للأفلام الروائية، والمسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، ويلاحظ أن قسم أفلام الفيديو قد ألغي تماما، وتحوّلت المسابقة الى نوعين روائية قصيرة وروائية طويلة بصرف النظر عن كونها سينما أو فيديو، وللنوعين لجنة رسمية واحدة.هناك قسم جديد خاص بالأشرطة القصيرة التونسية لكنه مندمج مع قسم الأفلام الوثائقية الرسمية في برنامج واحد وله لجنة تحكيم واحدة.

كما يوجد قسم سينماءات من العالم وهو معروف ومعتاد ويحتوي على أفلام متنوعة من كل أنحاء العالم. وهناك قسم خاص بالأطفال وبه أفلام رسوم متحركة، ولكن الأفلام به قليلة جدا "ثلاثة أفلام فقط."

لابد لنا أن نشير أيضا الى أقسام المهرجان الأخرى، وهي متعددة ومنها مثلا "حصص خاصة" وقد عرضت به بعض الأفلام المهمة مثل" ميرال وفينوس السوداء"، ومن الأقسام المهمة "سينما وذاكرة" وفيه تمّ تكريم اسم الفنان الراحل محمود الجموسي وكذلك الفنان الراحل الهادي الجويني مع عرض فيلم "الباب السابع" الذي شارك الهادي الجويني فيه بنفسه.

في نفس القسم تم تكريم السينمائي الطاهر الشريعة مع عرض فيلم قصير جزئي وثائقي حول حياته ومجهوداته السينمائية.

من الأقسام التي ينبغى أن تذكر قسم اكتشافات وقسم "ملامح من السينما المكسيكية" وقسم نظرة قريبة على السينما في جنوب افريقيا وقسم أفلام من بلدان يوغسلافيا سابقا ـ البوسنة ومقدونيا وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا.

من افريقيا تكريم الممثل الراحل"صوتيفى كوباتي"من بوركينا من خلال عرض أفلامه مثل "ماهابهارتا ـ الضباع ـ السنغال الصغيرة ـ نعر لندن".

هناك أيضا قسم خاص بتكريم المخرج الجزائري الفرنسي رشيد أبو شارب، وكذلك تكريم الممثلة الفلسطينية هيام عباس، حيث عرضت بعض أفلامها مثل "الستار الأحمر ـ الجنة الآن ـ امريكا ـ المر والرمان ـ كل يوم عيد".

ومن التكريمات نجد تكريما للمخرج اللبناني "غسان شلهب" ومن الأقسام المهمة "بانوراما السينما التونسية" وبه أفلام طويلة وقصيرة ووثائقية.

إذا عدنا الى لجنة التحكيم الرئيسية "المسابقة الرسمية" سوف نجدها تتكون من راؤول بيك من هاييت وقد اشتهر بفيلم "لوممبا" 2000 ،بالإضافة الى إخراجه لأفلام أخرى طويلة وقصيرة. أيضا هناك أنور إبراهيم من تونس وهو موسيقار وضع موسيقى تصويرية لأفلام كثيرة مثل "عصفور السطح" و"صمت القصور" و"بزناس" و"موسم الرجال" وغير ذلك من الأفلام.

من أفغانستان تم اختيار عتيق رحماني وهو كاتب ومخرج، ومن السنغال جوزيف راماكا وهو مخرج وكاتب سيناريو ومدير مهرجان. من مصر تم اختيار الممثلة الهام شاهين ومن سوريا الممثلة سلاف فواخرجي ومن فرنسا المخرجة والنتجة "ديان بارتييه".

لابد من الإشارة هنا بأن الممثلة السورية سلاف فواخرجي قد اعتذرت منذ اليوم الأول ولم يتم تعويضها بشخص آخر.

ومن الواضح أن الانتقادات التي وجهت لاختيار لجنة التحكيم كانت أقرب الى الصواب وخصوصا التركيز على النجوم وتكرار الأسماء، من المعروف أن سلاف فواخرجي كانت من ضمن أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان أبو ظبي السينمائي وأن الممثلة الهام شاهين قد تكرر أسمها كثيرا في المهرجانات بلا مبرر لذلك.

الحضور النسائي يتكرر أيضا في لجنة مسابقة الأفلام الوثائقية ولقد حضر الممثل خالد أبو النجا من أبو ظبي مباشرة الى تونس أيضا.

هناك مسابقة أخرى موازية لكنها مهمة، خصصت بمناسبة انعقاد مؤتمر منظمة المرأة العربية وقد شكلت لجنة لهذه المسابقة يرأسها عبد الجليل خالد، رئيس المركز القومي للسينما في مصر وقد منحت اللجنة جائزتها الى فيلم قصير من مصر بعنوان"أحمر باهت" لمخرجه محمد حامد.

وفي نفس الإطار كرمت منظمة المرأة العربية في مؤتمرها المخرجة عطيات الابنودى من مصر مع تنظيم ندوة حول المرأة والسينما شارك فيها عدد من المتدخلين.

من فعاليات المهرجان، تنظيم ندوة حول النقد السينمائي بحضور اتحاد النقاد السينمائيين الدوليين "الفيربيسي" مع ندوة موازيه حول النقد السينمائي في البلدان العربية وذلك تحت إشراف جمعية النهوض بالنقد السينمائي فى تونس.

كما قلنا، فإن أفضل الأقسام كان يتمثل في بانوراما الأفلام القصيرة التونسية وكان الإقبال كبيرا على هذا القسم، كما أن العروض كانت جيدة من الناحية الفنية والثقافية، وقد شهد الجميع بأن الأفلام التونسية القصيرة قد تفوقت على الأفلام التونسية الطويلة.

كانت لأفلام المسابقة الرسمية "الطويلة" أهمية متميزة، لأنها نالت اهتماما واسعا صحفيا ونقديا، وخصوصا وأن المناقشات في دار الثقافة ابن خلدون بتونس العاصمة قد خصصت لهذه الأفلام، وفى جميع الأحوال لم يقع اهتمام واضح بمناقشتها وربما من الأفضل تغيير قاعة ابن خلدون والبحث عن بديل مناسب يغري النقاد والصحفيين بالحضور، لأن جل المشاركين لا يحضرون نقاشات الأفلام.

شاركت تونس في المسابقة الرسمية بثلاثة أفلام طويلة هي:" النخيل الجريح" لمخرجه عبد اللطيف بن عمار - والذي أحرز التانيت الذهبي- عن فيلم عزيزة في سنوات سابقة من المهرجان.

الفيلم الثاني" آخر ديسمبر" لمعز كمون والفيلم الثالث"سجل احتضار" للمخرجة عايدة بن علية. و الأفلام الثلاثة تتسم عموما بالضعف، رغم أن الموضوع الذي تم اختياره في" النخيل الجريح" مهم نسبيا وبذلك لم يحصل أيّ فيلم على أية جائزة إلا جائزة لجنة تحكيم الأطفال وهي لجنة ليس هناك ما يبرر وجودها إلا إذا كان هناك قسم خاص للأطفال به مسابقة رسمية، وهذا ما لم يتوفر في مهرجان قرطاج الى حد الآن.

شاركت الجزائر بفيلم"رحلة الى الجزائر" لمخرجه عبد الكريم بهلول صاحب" شاي بالنعناع" والفيلم جيّد على مستوى السرد وتدفق الأحداث، ولكن أطروحته يثار حولها الكثير من الأسئلة، لأنه يتودد الى السلطة الرسمية ويبالغ في ذلك تحت شعار إنصاف المجاهدين، ولقد نال الفيلم جائزة التانيت الفضي وبالطبع هناك أفلام أفضل منه كثيرا.

من مصر هناك فيلم" رسائل البحر" لداوود عبد السيد وقد أغفلت لجنة التحكيم هذا الفيلم نهائيا، ربما لأن المخرج قد نال في السابق جوائز كثيرة، ورغم ذلك فقد فاز ممثله الأول آسر ياسين بالجائزة الأولى "تمثيل رجال"، وربما كان يستحق ذلك رغم أن هناك من هو أفضل منه، مثل الشخصية الرئيسية فى الفيلم المغربي الجامع.

الفيلم الثاني من مصر وهو"ميكرفون" للمخرج أحمد عبد الله والذي يعرض له فيلم آخر على هامش المسابقة تحت اسم "هيلوبوليس". الفيلم شبابي ومتميز يعتمد تقريبا على الارتجال وهو من الأفلام الحديثة في طريقة السرد والمعالجة ولقد نال الجائزة الذهبية، وبالطبع يستحق الفيلم الجائزة ولكن المسألة تخص لجنة التحكيم وحدها، لأن من الممكن أن يتحصل عليها فيلم آخر ولا أحد ينتبه الى فيلم" ميكرفون".

من المغرب جاء فيلم"الجامع" لمخرجه داوود أولاد السيد، صاحب الجوائز الكثيرة والفيلم من أفضل أفلام المهرجان ولكن لجنة التحكيم لم تمنحه إلا الجائزة الثالثة "التانيت البرونزي".

من لبنان كان فيلم"كل يوم هو عيد" لديمة الحر وهو فيلم جيد وقد منح تنويها من قبل لجنة التحكيم وكان من الممكن منحه جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ولكن اللجنة لم تفعل ذلك، إذ إنها لم تتوسع في الجوائز وبدون مبرر.

من أهم أفلام المسابقة الروائية فيلم "سيرلي ادامز" من جنوب افريقيا، وهو فيلم يستحق أي جائزة بما في ذلك التأنيت الذهبي، ولكن تم استبعاده واكتفت لجنة التحكيم بمنحه ممثلة الأولى دونيز نيومان جائزة التمثيل الأولى ـ نساء، وهي تستحقها دون نقاش.

هناك جائزة جديدة تعتمد على الجمهور "جائزة الجمهور" وقد فاز بها الفيلم الجزائري"رحلة الى الجزائر"ويبدو أن الجمهور من نوعية معينة، يقترب من الانفعال المباشر وفي جميع الأحوال لا تكاد تعني الجائزة الكثير.

بالنسبة للأفلام التونسية القصيرة فازت تونس بالتانيت الذهبي وكان ذلك تعويضا واضحا، والفيلم التونسي الفائز جيد جدا وهو بعنوان"عيشة" "المسابقة المحلية" لوليد الطابع. وكذلك الأمر بالنسبة للفيلم الثاني"الجائزة الثانية" فهو من تونس لحميدة الباهي. أما جائزة الفيلم الوثائقي "الذهبية" فقد فاز بها فيلم من فلسطين وهو بعنوان"اربطني"لمي راشد.

هناك جائزة باسم اتصالات تونس وهي منحة لتكملة فيلم ماليا وفاز بها المخرج التونسي نضال شطا عن فيلم قيد الانجاز وهو" السراب الأخير".
كانت المشاركة الافريقية محتشمة، ففي مسابقة الأفلام القصيرة "الدولية" فازت كينيا بالجائزة الفضية عن فيلم "بومزي" لمخرجته وارنورى كاهيو وهو فيلم يعتمد على التقنية والتصوير والجمع بين القديم والجديد، بينما فاز فيلم"صابون نظيف" بالتانيت الذهبي لمالك عماره من تونس.

اما التانيت البرونزي فقد فازت به اثيوبيا عن الفيلم القصير"ليزر" للمخرج زلالم ولد مرايام.

ومن الأفلام الافريقية الجيدة نجد الفيلم الكيني"فتى الروح" ولكنه لم يفز بأية جائزة واحتوى برنامج مسابقة الأفلام الطويلة أيضا على فيلم متواضع وهو"ايماني" من أوغندا وهو فيلم فيديو وليس سينما، وكما أشرنا فقد جمعت أفلام السينما والفيديو في بوتقة واحدة.

بالنسبة إلى الجوائز الموازية- وهي خارج المسابقة وخارج اختصاص لجان التحكيم- يهمنا كثيرا أن نذكر بأن الفيلم القصير"فيديو" وهو باسم "شراكة" قد فاز بالجائزة الأولى والتي منحها اتحاد المخرجين فىي البلدان الإسلامية، وهذا الفيلم الذي أخرجه صلاح قويدر من ليبيا قد نال اهتماما جيدا واقترحت مشاركته في كثير من المهرجانات القادمة اما الجائزة الثانية في الإطار نفسه فقد فاز بها الفيلم التونسي القصير"هوس" للمخرج أمين شيبوب.

بالنسبة لجائزة اتحاد النقاد السينمائيين العالمي فقد تم منحها للفيلم الافريقي"شيرلي ادامز" من جنوب افريقيا. ومنحت غرفة منتجي الأفلام في تونس جائزتها الى الفيلم المغربي "الجامع".

هناك أيضا ورشة المشاريع والتي وزعت جوائزها المالية لسيناريوهات قيد التنفيذ وقد وزعت الجوائز المالية بين فلسطين وتونس والجزائر والمغرب وساحل العاج والسنغال.

بعض المعلقين أشاروا إلى أن هذه الدورة "23" من أيام قرطاج السينمائية قد استهدفت المصالحة مع مصر والتي لم تفز بأية جائزة ذهبية منذ اختيار يوسف شاهين وربما كان هذا الكلام صحيحا، وكل ذلك لا يمنع القول بأن هذه الدورة تعدّ من الدورات المتميزة المليئة بالأفلام والتنويعات وهي تكشف عن أن أيام قرطاج السينمائية قادمة على تغيرات جوهرية في السنوات القادمة.

ليست هناك تعليقات: