الخميس، 16 سبتمبر 2010


ايام قرطاج السينمائية.. رحلة الأمس واليوم وغدا


ت
جري الاستعدادات هذه الأيام، وربما منذ شهور مضت لاستقبال الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج السينمائي والمعروف باسم أيام قرطاج السينمائية، وهي الدورة التي تحمل رقم "23" لسنة 2010.

تذهب أشخاص وتأتي أشخاص ويتغير الأفراد والمسؤولون ويبقى مهرجان قرطاج السينمائي مستمرا، محافظا على الكثير من أساسياته التي انطلقت بها واعتمد عليها، منذ دورته الأولى عام 1966 وفعليا منذ دورته الثانية، لأن الدورة الأولى كانت عامة ومفتوحة.

نعم، تعدّ أيام قرجاح السينمائية من أقدم مهرجانات السينما في المنطقة الإفريقية والعربية، ولقد وضع أسسه الأولى مجموعة من النابهين، ليس على المستوى السيمائي فقط، ولكن على المستوى السياسي أيضا، فقد وجد مهرجان قرطاج في ظروف سياسية طبيعية، تنطلق من محاولة الاعتماد على الذات وإبراز الهوية الوطنية لدول كانت فى مطلع الاستقلال.

وهو أمر يتطبق على تونس وعلى عدد من الدول الافريقية الأخرى، ولهذا كان الاختيار الذي يقوم على تحرك السينما الوطنية كجزء من حركة ثقافية وسياسية تحاول أن تبث أن لهذه الدول الجديدة الاستقلال مشروعها الذي يعلن عن نفسه، بالإنتاج السينمائي أولا، ثم بالمبادرة في تحويل التجمعات المتقاربة ثقافيا الى مؤسسات فاعلة تحتضن الإنتاج السينمائى على مستوى المنافسة والعرض والتفاعل الثقافي.

يشعر كل من يهتم بالسينما بأن تلك النظرة المتقدمة التي أقيم عليها مشروع مهرجان قرطاج السينمائي عند تأسيسه مبكرا، هي سبب نجاحه، وأساسها الجمع بين البلدان العربية – معظمها حديث الاستقلال – والبلدان الافريقية والتي جاء معظمها حديث الاستقلال أيضا، ويتطلع الجميع الى إثبات حضوره الذاتي وتقديم ثقافته، إن لم نقل هويته الخاصة به، أو بالأصح تقديم صورته كما يريد أن يقدمها هو وليس كما يريد المستعمر أن يقدمها أو سبق أن قدمها طيلة مراحل الاحتلال.

غير أنه من اللافت للنظر أن التأسيس لم يكن له الطابع السياسي المباشر، ولهذا استمر المهرجان، والواقع ان الثقافة الفرنسية "بمعناها الايجابي" كانت أطارا مهما جمع العديد من الأسماء العربية والافريقية، ولا مانع أن تكون فرنسا هي الحاوية لبعض الأفكار التأسيسية وأن تكون بعض مهرجاناتها السينمائية نموذجا صالحا للاحتذاء به أو تقليده.

سوف تأتي أسماء كثيرة لها فضل التأسيس، وعلى رأس هؤلاء الطاهر شريعة، ولكن لابد أن يكون للجانب الرسمي أهمية خاصة من حيث تبني مشروع مهرجان محلي يقام في تونس وله انفتاح على البلدان العربية والافريقية بالدرجة الولى، وأيضا انفتاح على السينما العالمية بشكل عام.

تذكر الوقائع السينمائية بأن أول فيلم تونسي هو "الفجر"لعمار الخليفي، وكان ذلك عام 1966 وهو نفس تاريخ بداية مهرجان قرطاج السينمائي، ولكن الأفلام القصيرة والوثائقية كانت حاضرة وفي حدود ضيقة وهي تميل للجانب السياسي الرسمي بحكم ظروف البداية السينمائية. إلا أن نشاط الجمعيات السينمائية، كان رافدا مهما منذ عام 1949 ثم عام 1961.

وبالطبع لابد أن يطرح التساؤل التقليدي، هل البداية تكون بإقامة مهرجانات السينما أم تكون بالإنتاج السينمائي؟، والإجابة ليست بعيدة، لأن من المتوقع أن يقود احدهما الى الآخر. وسوف نلحظ بان الأيام قد ألزمت المؤسسات الرسمية بالاستمرار في الإنتاج وزيادته مع مرور السنوات حيث يكون الاستعداد كبيرا للمشاركة في مهرجان قرطاج السينمائي، إذ من غير المعقول أن تنظم دولة مهرجانا سينمائيا ولا تكون لها مشاركة في المسابقة الرسمية.

وسوف يلحظ المتابع بأن كل دورات الأيام قد شملت أفلاما تونسية، بصرف النظر عن حصول هذه الأفلام عن جوائز أو عدم حصولها.

لهذا نقول بأن الهدف الرئيسي من تأسيس الأيام هو تحريك عجلة الإنتاج السينمائي المحلي أولا، وربط ذلك بالإنتاج العربي والافريقي، بسبب التقارب الجغرافي والأوضاع السياسية المتشابهة ثانيا.

من المعروف بأن الجغرافيا تلعب دورا مهما في طبيعة المهرجانات السينمائية، ذلك ان مهرجان يقام في افريقيا من الطبيعي أن يهتم بالسينما الافريقية والعربية أو يهتم بالسينما الافريقية لوحدها أو العربية فقط. أيضا إذا أقيم المهرجان السينمائي في مدينة تشرف على المتوسط فمن الممكن أن يهتم بالسينما المتوسطية، كما حدث فى مهرجان الإسكندرية مثلا أو مدينة عنابة الجزائرية أو مدن متوسطية أخرى في فرنسا وايطاليا واليونان واسبانيا.

وكذا الأمر بالنسبة لمهرجان يقام في آسيا أو في أية مدينة صحراوية أو إسلامية. غير أن هذه الجغرافيا تتوقف عندما يتحول المهرجان السينمائي الى نشاط عالمي تشارك فيه كل دول العالم، ونقصد بالمشاركة هنا المسابقة الرسمية، لأن الأقسام الأخرى مفتوحة للجميع. ذلك أن الكثير من المهرجانات تأسست لكي تكون ذات طبيعة عالمية، ومن ذلك مثلا مهرجان "كان" الفرنسي ومهرجان البندقية الايطالي ومهرجان شنغهاي في الصين ومهرجان دلهي في الهند وغير ذلك من المهرجانات المصنفة رسميا وغير المصنفة. وفي المجال الافريقي نجد أن مهرجان القاهرة السينمائى له صبغة دولية، ومن شروط هذه النوعية أن تكون سنوية وتحكمها أعراف معينة، بينما تحكم المهرجانات المصنفة قواعد ثابتة إضافية ربما تكون مشددة.

وعندما نعود الى مهرجان قرطاج السينمائي نجده يقام منذ تأسيسه مرة كل سنتين، حيث يقام في تونس مهرجان سنوي للسينما وآخر للمسرح وينطبق عليه نفس التخصص العربي الافريقي وفي حدود معينة، والحقيقة أن الأمر لا يتوقف على العروض السينمائية والمسرحية، ولكن يصبح مهرجان قرطاج في دوراته المتعاقبة في المسرح والسينما عرسا عربيا وافريقيا، حيث نجد الشخصيات الافريقية والعربية ونجد أهم المخرجين، فضلا عن الأفلام والمسرحيات، ومن ناحية يتعدى ذلك الى تنظيم الندوات في بعض الدورات، وهي ندوات يلتقي فيها الجانب العربي والافريقي، وأحيانا اللقاء الافريقي والأوروبي، وإذا تذكرنا أسماء وبعض الندوات السينمائية وسوف نجد أن أهمها يتعرض لقضايا حيوية، مثل تسويق الأفلام داخل افريقيا، والعلاقات بين الشمال والجنوب والعلاقات بين جنوب جنوب، بالإضافة الى قضايا العولمة والهوية المحلية.

أيضا سوف نلحظ بأن المشاركات تغطي افريقيا والدول العربية وكذلك بعض الأطراف من حوض البحر المتوسط ولاسيما من فرنسا وبلجيكا.

والواقع أن تنظيم الندوات في أيام قرطاج السينمائية، قد أضاف للسينما بعدا ثقافيا، بعدم الاكتفاء بعرض الأفلام ومناقشتها وتوزيع الجوائز وبعض المظاهر الاحتفالية الأخرى.

لقد تطور مهرجان قرطاج السينمائي منذ عام 1966 - رغم انه قد تسمى باسم الأيام الآن مصطلح "مهرجان" كان محتكرا من قبل فرنسا ولا يجوز استخدامه إلا بإذن خاص - فقد توزعت أقسامه، من أفلام طويلة روائية الى أفلام روائية قصيرة ولكل قسم جوائز خاصة به، وأحيانا لكل قسم لجنة تحكيم خاصة، ولقد الضيف فى السنوات الأخيرة قسم خاص بالفيديو، بعرض الأفلام الدرامية والوثائقية وخصص للقسم جوائز خاصة به، وهذا يعني أن الأيام تتطور وتتغير بحكم تغير الظروف المصاحبة والتجديد في التقنية السينمائية.

يمكن اعتبار أيام قرطاج السينمائية، وبصرف النظر عن التفاصيل التي تصاحب دوره دون أخرى، مرجعية ثقافية سينمائية، فقد عرفت أجيال من الشباب كل جديد في عالم السينما العربية والافريقية والعالمية أيضا، وبالطبع لابد أن نذكر بأن الأيام قد لفتت الانتباه الى المخرج يوسف شاهين، فقد عرضت الكثير من أفلامه، منذ فيلم" الاختيار" الذي فاز بإحدى الجوائز وكذلك تمت إعادة اكتشاف المخرج توفيق صالح من خلال بعض أفلامه ولاسيما فيلم" المخدوعون" الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا، كما عرضت بعض الأفلام التي شتهدت بعض التجديد في الشكل الفني مثل أفلام برهان علوية وعلى بدرخان وخيري بشارة ومرزاق علواشي ونوري بوزيد وناصر خمير وداوود أولاد السيد وغيرهم.

كما يمكن القول بأن أفضل الأفلام الفلسطينية قد عرضت في أيام قرطاج السينمائية فضلا عن أهم الأفلام الجزائرية ثم المغربية وباقي التجارب فى دول عديدة عربية، ومنها انتاجات سينمائية من ليبيا والسودان والكويت وموريتانيا والبحرين، وهذا الاتجاه من الأهمية بمكان، لأن الأيام لم تهتم فقط بالسينمات المعروفة، بل عرفت بسينمات أخرى.

ولا شك أن أهم ملمح واضح يتمثل في التعريف بالسينما الافريقية، ومن يذكر عصمان سمبين وسليمان سيسي واودريسا اودارغو، لابد له أن يتذكر العروض السينمائية التي شهدتها أيام قرطاج سينمائية.

ومما ينبغي ذكره أن تلاحق الأجيال كان واضحا في مجال الأفلام التونسية، وتاريخ السينما التونسية يتمثل فعليا فى تاريخ الأيام بالجوائز العديدة التي تحصلت عليها هذه الأفلام وبمراحل التراجع الفني أيضا والتى يبرز بين الحين والأخر. كما كان للأيام فضل التعريف بالأفلام القصيرة العربية والافريقية.

ان الحديث عن أيام قرطاج السينمائية يطول، وفي وضعنا الحالي سوف نرى المهرجانات العديدة المنافسة لأيام قرطاج السينمائية، لكن مذاق الأيام مازال نشطا، ومع وجود مهرجانات جديدة في المغرب.. مراكش والرباط وطنجة وتطوان وغيرها، ومع ظهور مهرجانات أخرى مثل ابو ظبي ودبي وقطر، وكذلك الحضور الواضح لمهرجانات مصرية مثل القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، ومع التركيز الحالي على المهرجانات المتخصصة واختفاء ظاهرة المهرجان السينمائي الذي ينعقد كل سنتين، كما هو واضح من مهرجان دمشق السينمائي ومهرجان تطوان السينمائي.

ومع النشاط السينمائي الذي ترافق مع التراجع في دور العرض بنظامها القديم، مع كل ذلك صار من الضروري إيجاد صيغة جديدة لأيام قرطاج السينمائية، تتحول المناسبة بواسطتها الى مهرجان سينمائي سنوي، وخصوص وأن الإنتاج السينمائي العربي الافريقي قد ازداد مع الأيام، ليس على مستوى السينما فقط، ولكن على مستوى أفلام الفيديو القصيرة والطويلة وهو ما ينبغي التركيز عليه مع نظرة مستقبلية تستشرف آفاق المستقبل الجديدة.

ليست هناك تعليقات: