الأحد، 5 أكتوبر 2008

قراءة فى كتاب -------------مخرجون واتجاهات من سينما العالم









مخرجون واتجاهات من سينما العالم

ربما يعد الناقد سمير فريد من أكثر الكتاب غزارة في إنتاج الكتب، ليس فقط لأنه من جيل الستينيات وأكثر النقاد نشاطا ومتابعة للحركة السينمائية العالمية، ولكن لأنه يحرص أيضا على جمع مقالاته في كتب وهي ظاهرة جيدة ليس فقط من باب حفظ المقالات ، بل أيضا لأن هذه المقالات تكشف عن خطوط منهجية عامة، واتجاهات نقدية تفصيلية تسري مع مرور الزمن، لتؤكد عددا من الظواهر وتمارس حيويتها النقدية بالاستمرارية والتواصل، ولنا أن نعود الى كتابات أدبية وفكرية كثيرة لبعض الأدباء مثل طه حسين والعقاد وأحمد أمين ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وغيرهم لنكتشف أنها عبارة عن مقالات جمعت في كتاب، فشكلت اتجاها موحدا نقديا وفكريا عبر عنه الموضوع التطبيقي ولم يعبر عن التحليل النظري والتنظيري المباشر.

ثلاثة كتب

هذا الكتاب الأخير عن سلسلة الفن السابع "125" المؤسسة العامة للسينما بوزارة الثقافة السورية - جاء بعنوان "مخرجون واتجاهات في سينما العالم" وهو إضافة إلى كتابين سابقين صدرا للمؤلف وهما: "مخرجون واتجاهات في السينما المصرية - مخرجون واتجاهات في السينما العربية".. وهذا الكتاب الجديد هو الثالث في الثلاثية والتي كما قلنا ضمت مقالات كتبت في مراحل مختلفة، أى على مدار "25" عاما وأغلبها نشر ضمن صفحة السينما بجريدة "الجمهورية" المصرية.

لا توجد بالكتاب مقدمة في الوقت الذي كان يحتاج فيه إلى مقدمة إذ لابد للمقالات المتنوعة أن تضم مدخلا يكشف عن بعض الجوانب الهامشية فيها والتي تلخص تجربة معينة لها علاقة بالنقد السينمائي والذي له طبيعة صحفية ويرتبط بالمهرجانات السينمائية العالمية التي يحرص الناقد سمير فريد على حضورها والمشاركة فيها.

إلا أن بالكتاب إهداء متميزا للمفكر فؤاد زكريا وإذا كانت هناك وجهات نظر متعددة حول المقدمة والمدخل، إلا أن ضرورة وجود تواريخ للمقالات المنشورة أمر مهم ، وهو لم يتحقق في هذا الكتاب.

وبالنسبة للقارئ يمكنه عن طريق هذه التواريخ في حال وجودها إدراك المتغيرات التي لحقت بنوعية الكتابة ومتغيرات العصر من خلال الأشرطة التي عرضت على مدار ربع قرن ونيف.

جوانب خارجية

أول المقالات عن شريط "ظل المحارب" لمخرجه الياباني الراحل أكيرا كورساوا وهو الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية بمهرجان كان 1980.. وكما في أغلب المقالات لدى الكاتب سوف لا نجد موضوعا يخص هذا الفيلم بوجه التحديد، بل تكون الكتابة حول الفيلم مدخلا للحديث عن المخرج وأفلامه وبعض التفاصيل الأخرى مثل أهم الجوائز التي تحصل عليها والمشاكل التي اعترضت سبيله، ثم بعد ذلك تفاصيل الموضوع الأصلي وهذا ما حدث في هذا الموضوع "ظل المحارب".

وسوف نجد في القراءة النقدية بعض الجوانب الخارجية التي تمس تأثر المخرج بمؤلف أو غيره وربط شريطه بأفلام أخرى مثل فيلم "الفهد" للمخرج فيسكونتي وكذلك تداخل في المشاهد بين أفلام محددة للمخرج "عرش الدم، وذو اللحية الحمراء".

في قراءة أخرى في فيلم "الندم" للمخرج الروسي تنجيز أبولادزمي والذي عرض عام 1987 وفاز بالجائزة الكبرى لمهرجان كان السينمائي، غير أن المنحى نفسه قد تكرر بنفس الطريقة تقريبا، فمن حديث حول المخرج وحياته وأعماله وظروف الإنتاج السياسية ومحاولات منع الفيلم من قبل الدوائر الرسمية الحكومية، وكذلك نقل بعض التصريحات للمخرج، إلى التعرض إلى ما ذكرته بعض الصحف والمجلات ثم التطرق إلى موضوع الفيلم نفسه.

وفي نهاية المطاف وإبراز أهم الملامح الفنية من حيث الأسلوب وأهم المشاهد فيه وتعدد استخدام الأنواع الكوميديا والرمزية والسوريالية وكذلك تقديم تفسيرات لاسم الفيلم نفسه والخروج أحيانا بصفة شمولية.

فيلم أفريقي

من روسيا الى السنغال حيث تركز المقالة الثالثة على شريط معروف وهو "معسكر تيروي" لمخرجه عصمان سمبين إنتاج 1988.. ومثل العادة يتحدث الناقد حول شخصية المخرج من الناحية الشخصية واللقاء معه مباشرة وكذلك نقل بعض أفكاره ووجهات النظر وذلك قبل الحديث عن الشريط نفسه، وأحيانا يشير الناقد إلى بعض الآراء التي هي غير مؤكدة ويعتمدها بشكل كلي، ومن ذلك قوله بأن عصمان سمبين يكتب باللغة المحلية "الولوف" والحقيقة أنه يكتب بالفرنسية مباشرة. كما لا يخلو المقال من مبالغات في الوصف مثل القول: إن الفيلم تحفة فنية، وهو ما ينطبق أحيانا على تسمية بعض المخرجين بعباقرة أو غير ذلك من الأوصاف الكبيرة".

مقالات قصيرة

ولا يبقى من المقال النقدي إلا صفحة أو كثر يتم تناول الفيلم فيها بما يحتوي عليه من أساسيات تخدم نوعية الموضوع على الأغلب، مع اهتمام خاص بالجانب السياسي الثقافي ولكن ليس على حساب الجانب الفني.

بعض الموضوعات المتوفرة في الكتاب لم تكن دراسات، بل مقالات قصيرة وهذا ما حدث بالنسبة للمقالة الخاصة بثلاثية الهند 90، حيث نجدها مقالة مختصرة لا تتناسب مع أشرطة أخرجها المخرج سانتيا غينت راي، وإن كان الموضوع يكشف عن أسلوب الكاتب، حيث نجده دائم المقارنة بين إنتاج بعض المخرجين والكتاب مثل تشبيهه ببعض أشرطة ساتيا راتي القصيرة ببعض ما أنتجه شادي عبد السلام أو الروائي نجيب محفوظ.

تتوالى المقالات والتي تسير على نسق ثابت أحيانا ومتغير في كثير من الأحيان، وهذا ما نجده في الموضوع الخاص بالمخرج سيرجي بارادجانوف أو فنان الثقافات المحاصرة، وحيث يتحول الوصف الخارجي لشخصية المخرج إلى محاولة للاقتراب من نوعية إبداعه.

وهنا نلحظ بأن الناقد سمير فريد يسير في خطين متوازيين فهو يعبر وفق الكتابة المطروحة عن ارتباطه بظروف الفيلم وعلاقته المباشرة بالسينمائيين ومعرفته عن قرب ببعض الشخصيات الفنية ثم من جانب آخر هو ناقد يكتب عن الفيلم من داخله وأحيانا من خارجه.

أدوات تعبيرية

هناك مقالات أخرى تسير على نفس الوتيرة ومنها مقال حول فيلم "جودو" لمخرجه زايخ ييمو وهو المخرج الذي فاز بالجائزة الذهبية في مهرجان برلين عام 1988، وحينما يقول الناقد حول هذا الفيلم: "رغم كمية الأحداث، لا يستغرق عرض الفيلم أكثر من ساعة ونصف، دون قدر من الخلل، فلا توجد لقطة زائدة، ولا توجد لقطة ناقصة، سواء في سرد القصة، أو في التعبير عن معانيها، والزمن في "جودو" يمضي إلى الأمام بإصرار عنيد، ولا يقل ثقله عن ثقل المكان البادي في اللقطة العامة للقرية، واللقطة العامة للمنزل.".

هناك أيضا قراءة في شريط المصباح الأحمر لنفس المخرج ويقول الناقد حول هذا الفيلم: "كل دقيقة في - المصباح الأحمر - لها دور ولا يمكن أن تحذف، ولا تشعر في نفس الوقت أن هناك دقيقة واحدة ناقصة..". وهذا يعني السيطرة الكاملة على الأدوات التعبيرية والنجاح في صنع الفيلم كعمل في الزمان مثل الموسيقى، وليس في المكان مثل الفنون التشكيلية أو العمارة، وفيلمنا يبدأ بمقدمة وينتهي ببرولوج أو خاتمة ويتكون من ثلاثة فصول، يكتب عنوان كل منها على الشاشة, ولها دلالاتها البصرية والمعنوية الواضحة، فالفصل الأول هو الصيف والثاني هو الخريف والثالث هو الشتاء ولا ربيع في الفيلم".

فيلم متميز

الفيلم الثالث لنفس المخرج "زابخ ييمو" كان بعنوان "قصة كي جو" وهو من الأفلام الواقعية الصينية التي أكبر تعبر عن موقف فكري متكامل، ثم بعد ذلك يأتي دور فيلم آخر لنفس المخرج وهو "الطريق إلى المنزل" والذي فاز بجائزة مهرجان برلين "الدب الذهبي" وهنا نلحظ بأن المقالات جميعها قد وضعت في الكتاب كما هي وبالتالي نجد الكثير من المعلومات التي تتكرر حيث لا نجد موضوعا متكاملا حول المخرج الصيني زايخ ييمو ولكن مقالات متفرقة لها قيمتها الثقافية والفنية، وخصوصا فيما يتعلق بعلاقة هذه الأفلام بالمهرجانات الدولية التي يعرفها الناقد السينمائي سمير فريد جيدا، وبالتالي يلجأ إلى تحليل بعض القضايا المتعلقة باختيارات هذه المهرجانات. ورغم أن هذه الموضوعات ليست ذات طابع نقدي إلا أن هناك بعض التأويلات التي يمكن أن تطرح باعتبار الموضوع قضية ثقافية سينمائية ومن ذلك مثلا ما ذكره المؤلف حول أسباب رفض مهرجان كان فيلم " الطريق على المنزل" ويبرر الناقد ذلك بقوله بأن الفيلم لا ينتقد النظام الشيوعي في الصين، كما كان ذلك في أفلام المخرج التي عرضت في مهرجان كان، ولكن ذلك لا ينفي بأن المقالات بهذا الطرح ليست واقعة في إطار التكبير والتنظير، حيث نجد الانتقال المباشر من فيلم معين له ظروفه وقصته المحدودة إلى أفكار كبرى مثل النظام العالمي الجديد ونهاية الحرب الباردة وتوحيد ألمانيا وغيرها من التصورات التي لا تتناسب مبدئيا مع قصة عاطفية بسيطة مهما كانت الخلفيات التي تقف وراءها.

تكامل الأسلوب

يستمر الاهتمام بالسينما الصينية، فيتطرق المؤلف إلى أفلام صينية أخرى ومنها: الحياة على خيط رفيع لمخرجه شين كايجي والذي سبق وان قدم أفلاما مهمة مثل الأرض الصفراء والاستعراض الكبير وملك الأطفال ووداعا خليلتي.

ومما يكتبه المؤلف حول هذا الفيلم الذي أنتج عام 1991 وعرض في مسابقة مهرجان كان السينمائي: "يتكامل أسلوب الإخراج في التعبير عن الدراما اللاواقعية في الفيلم من حيث استخدام الألوان وخاصة اللونين الأزرق والأبيض في مشاهد الموت قبل العناوين وفي مشاهد النهاية حيث ينهي القديس استهلاك الخيوط الألف ، ومع ذلك لا يرى العالم فيثور ويحطم قبر معلمه ويموت.

ومن ضمن أفلام المخرج التي يستعرضها الناقد فيلم "قمر الغواية" والذي ينتمي لسينما المؤلف ، وبالتالي ينال قدرا من التحليل يتناسب مع مستواه الفني وموضوعه الحيوي إنها دراما فترات التحول حيث يتداعى نظام قديم، ويولد آخر جديد من خلال مأساة عائلة يانج ومثل المخاض الطبيعي يولد الجديد، كما يولد الطفل في لحظة تجمع بين روعة البعث وقذارة الجسد، حيث تدور أغلب أحداث الفيلم في الظلام، لكن البطل التراجيدي المعاصر ليس نبيلا، وإنما محتال لا يدرك قيمة الحب إلا بعد فوات الأوان.

أفلام تجارية

من مزايا هذا الكتاب إنه يكشف للقارئ بعض العناوين المهمة من الأفلام التي تصعب معرفتها أو مشاهدتها، فهي أفلام تعرض في المهرجانات وبعيدة عن التوزيع التجاري إلا فيما ندر، وهذا ما حدث بالنسبة لهذا الفيلم "آنا كارمازوفا" الذي لم يعرض إلا في مرحلة الانفتاح التي عرف بها الاتحاد السوفييتي وهو للمخرج روستام كمداموف.

تتوالى مقالات الكتاب وهي تدور في نفس الإطار السينمائي الثقافي الذي لا يخلو من السياسة والتاريخ، ومن هذه المقالات "أناس الأرز للمخرج ريتي بان، من كوريا - تصادم لدفيد كروننبرج وفيلم المخرج سليمان سيس من أفريقيا وهو بعنوان الزمن.

وأيضا هناك قراءة في فيلم كيتي وآدمز من بوركينا فاسو للمخرج أدريسا أودراغو وقراءة أخرى في الفيلم المعروف "الإرهابية" وهو من الهند للمخرج سانتوش سيفان.

نصيب محدود

للسينما الإيرانية نصيب محدود من خلال مناقشة بعض الأفلام وأهمها فيلم بعنوان "حكايات كيش" لثلاثة مخرجين من إيران، والموضوع المطروح يطرح إشكالات كثيرة تتجاوز قضية النقد التطبيقي على آفاق أخرى لها علاقة بالسياسة، والدين والثقافة وكذلك الرقابة على الأفلام.

ومن الأفلام الإيرانية التي يتعرض لها الناقد سمير فريد بإيجابية شريط للمخرج محسن ماخمالباف وهو بعنوان "الطريق إلى قندهار" والذي عرض بمهرجان كان السينمائي 2001.

بالإضافة إلى ذلك هناك أفلام لكل من مارتن سكورسيزي وجيم جارموس وناني موريتي وكلينت إيستوود وغير ذلك من المخرجين الذين أن لهم وجوها مختلفة لم نعرضها من قبل وخصوصا وأن المقالات المعبرة عن ذلك من النوع المختصر الذي يقدم أهم عناصر الفيلم وأهمه إيجابياته في أضيق نطاق يمكنه أن يصل إلى القارئ بأقرب السبل وأسهلها.

ليست هناك تعليقات: