السبت، 21 فبراير 2009

جوائز مهرجان برلين السينمائى 2009


مهرجان برلين السينمائى نتائج وجوائز


فاز فيلم "حليب الاسى" (لا تيتا اسوستادا) للمخرجة البيروفية

الشابة كلاوديا ليوسا، الذي يتحدث عن جرائم الاغتصاب خلال المواجهات

السياسية التي شهدتها البيرو في الثمانينات، بجائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين.

وقالت المخرجة والمنتجة الايطالية البيروفية التي تبلغ من العمر 32 عاما

بعد الاعلان عن فوز فيلمها بالجائزة "انه امر رائع! شكرا جزيلا شكرا جزيلا

للجنة التحكيم".

وصرحت ليوسا للصحافيين بعد ذلك انه "اول فيلم بيروفي يشارك في مسابقة الدب

الذهبي في برلين ويفوز فيها. نحتاج الى جوائز من هذا النوع ومن المهم ان

يتمكن الناس من مشاهدة فيلمنا".

اما بطلة الفيلم التي تتحدر من الانديس ماغالي سولييه، فقد تحدثت باقتضاب

وغنت بلغتها الام "الكيشوا". وقالت باللغة الاسبانية "اريد ان اعبر عن شكري

غير المحدود لامي وكل النساء وكل الحضور واهدي هذه الجائزة الى امي والى

البيرو باكملها".

وقد الفت ماغالي سولييه التي عثرت عليها ليوسا لفيلمها الاول "مادينوسا"

بينما كانت تبيع التوت امام كنيسة في منطقة اياكوشو في البيرو، عدة اغان

بلغتها الاصلية للفيلم الجديد.

واثار هذا الانتاج الاسباني البيروفي المشترك الذي يعرض جمال ثقافة الهنود

الاميركيين، اعجاب المهرجان الدولي التاسع والخمسين للافلام في برلين.

وقد اعتمدت ليوسا في تصويره على خلفية واقعية وثائقية درستها طويلا قبل وضع

السيناريو، وصورت مدينة ليما وضواحيها الفقيرة حيث ترفض شابة تسكن مع عمها

الاقتراب من الرجال بعد ان شهدت شخصيا اغتصاب امها وهي طفلة.

كما ركزت على اهمية التقاليد والطقوس في حياة احدى الاثنيات والغناء والموسيقى

.

عملت المخرجة الشابة كلوديا للوزا من البيرو في شريطها "لا تيتا اسوستادا"

(حليب الاسى) المشارك في الدورة الـ59 من مهرجان برلين على التطرق الى

الحوار وامكانيته في بلد منقسم وقبول الذات كمقدمة ضرورية لقبول الآخر.

وحظي الفيلم باعجاب النقاد الخميس ما يجعل من طموحه لانتزاع احدى الجوائز

الكبرى التي يقدمها المهرجان امراً مشروعاً بل شديد الاحتمال.

ويصور هذا الفيلم الذي استغرق وضع السيناريو له مدة طويلة كما استند على

الكثير من الوقائع، الانقسام الاهلي في البيرو والعنصرية التي تمارس على

اتنيات معينة والتي التقطها الشريط في فضاء مدينة ليما وضواحيها الفقيرة.

وركزت للوزا في عملها الذي يصور عادات وتقاليد اثنية الـ"كيتشوا" على اهمية

التقاليد والطقوس في حياة هذه المجموعة.

ويصور الشريط علاقة هؤلاء السكان بالحياة والموت وايضاً الزواج الذي يدخل في

الحبكة عن طريق العم المهاجر من القرية الى المدينة والذي يخفي اصوله ولا

يتكلم لغة الـ"كيتشوا" ويعمل في تنظيم حفلات الزواج الفردي والجماعي للفقراء.

وفي هذا الجو تعيش الشابة "فاوستا" (مغالي سولير) التي تموت والدتها فجأة

بعد ان كانت الام اغتصبت من قبل احدى العصابات المجرمة في قريتها فيما

ابنتها الطفلة حاضرة فتهجران القرية وتلجآن في ضاحية ليما الى ذلك العم.

وتجهد الشابة لجمع المال بهدف اعادة امها لتدفن في القرية ويقودها بحثها

الى قلب مجتمع ليما وطبقاته وعنصريته حيث تتحول رحلة الشابة في البحث عن حل

الى رحلة نحو التحرر من عقد الخوف التي لزمتها منذ الفجيعة التي شهدتها.

وفي "حليب الاسى" قصدت المخرجة باستمرار الى اخفاء وجه القاتل دلالة على

شمولية فعل القتل.

وقالت المخرجة خلال مؤتمر صحافي "الحرب انتهت في البيرو لكن لا احد يريد ان

يتكلم عن ذلك الماضي. يجب مواجهة الجراح والكلام.الجميع ارتكب جرائم في هذا

البلد الى درجة ان الطريقة الوحيدة للاستمرار في العيش باتت تتمثل باغماض

العينين".

واضافة الى العناصر الاخرى المكونة للفيلم تحضر الموسيقى كعنصر اساسي.

فـ"حليب الاسى" يبدأ بصورة سوداء وصوت الام وهي تغني اغنية حزينة فيما

الاغاني الحزينة تفتح للصبية دربا الى الحصول على المال لدفن امها.

ولاجل الحصول على المال تقوم الشابة بالعمل لدى سيدة بورجوازية تقطن الحي

الشعبي وتقفل فيلتها بوابة كبيرة تنتصب كحاجز بين عالمين شديدي التناقض

والاختلاف.

ومن خلال اللقاء بين فاوستا الفقيرة وعايدة البورجوازية والحوار بينهما،

تحاول المخرجة نقل صورة مدينة ليما اليوم وكيف يتعايش فيها وعلى هوامشها

الماضي والحاضر الحداثة والتراث ولكن ايضا كيف يتضاربان.

ومن ضمن النقاط التي يثيرها الفيلم الحاحه على ان قبول الآخر يفترض اولا

قبول الذات واشارته الى ان الانتصار على الواقع المرير مقدمة لقبول الآخر

المختلف.

فحين تسيطر فاوستا على خوفها تقبل عطف الرجل عليها متمثلاً بذلك البستاني

الذي يرعاها ويداريها كغرسة من غرساته.

ويحتوي الشريط الاسباني الانتاج على الكثير من الجماليات ويتمتع بغنى فني

وبصري.

و"حليب الاسى" هو العمل الثاني لهذه المخرجة الشابة التي حصل عملها الاول

على اكثر من 20 جائزة في مهرجانات دولية.

ودخل المسابقة الرسمية ايضاً الخميس فيلم "غبار الوقت" للمخرج الاميركي من

اصل يوناني تيو انغلوبولوس والفيلم قدم بمشاركة وييم دافو وايرين جاكوب

وميشال بيكولي وبرينو غانز وهو يروي قصة مخرج يعود لاستئناف العمل على

موضوع فيلم عن امه كان تركه لاسباب مجهولة.

وتدور احداث القصة راهنا في برلين لكنها تصور ايضاً وعبر استعادات متفرقة

الخمسين سنة الاخيرة من القرن العشرين في اماكن متفرقة مثل الولايات

المتحدة وروسيا وايطاليا والمانيا وذلك منذ موت ستالين ولغاية سقوط الجدار

ناقلة حب رجلين لأمراة وحبها لكليهما حتى النهاية.

ويصور انغلوبولوس شخصيات غامضة تبحث عن ذاتها وهي تظهر وتختفي وتروي الخيبة

ونهاية الحلم بعالم افضل ممكن وفي مثال على ذلك يعود احد الحبيبين من

اسرائيل التي كان هاجر اليها تاركا حبه وسعياً وراء حلم لا يجده هناك.

وتلتقي الشخصيات في برلين التي يتواصل فيها هبوط الثلج بسكون كانما على

عالم يهرب وتدخل صوره كلها في الضباب في "غبار الوقت" الذي يذكر بسينما

السبعينات ويظل كلاسيكياً في مقاربته الذاتية والمهمة.

اما الفيلم الثالث في المسابقة الخميس فهو شريط "ماي وان آند اونلي" للمخرج

ريتشارد لونكرين وهو كوميدي من بطولة ريني زيللفيغر الحائزة على جوائز

بافتا والغولدن غلوب والمرشحة للاوسكار.

وكانت على السجادة الحمراء في برلين بجانب المخرج الذي قدم كوميديا حسنة

الصنع لاميركا الخمسينات لكن في شكل تقليدي صور قصة سيدة تترك زوجها

لخيانته لها وتجوب في سيارة فارهة وبرفقة ولديها المراهقين الولايات

المتحدة بحثاً عن بديل.

وبقي فيلم واحد في المسابقة الرسمية للمخرج البولندي اندري فايدا بينما

يختتم شريط "الى الغرب من عدن" لكوستا غافراس الدورة الحالية من مهرجان

برلين الذي تمنح جوائزه السبت.


اما جائزة الدب الفضي التي منحتها لجنة التحكيم، فقد ذهبت مناصفة الى

"جيغانتي" للارجنتيني ادريان بينييز (34 عاما) و"آلي انديرين" (كل الآخرين)

للالمانية مارين ادي.

ويرصد "كل الآخرين" لحظة بلحظة ويوما بيوم حياة زوجين بعيدا عن زحمة العمل

والمدن لبضعة ايام في التقارب والتباعد والشك واليقين والحب والكره بينهما.

اما "جيغانتي"، فيسلط الضوء على الوحدة والانسان المطحون في مدن اليوم

وازمات عدم القدرة الاقتصادية عبر قصة حارس ليلي لسوبرماركت يقع في حب

عاملة تنظيف.

ومنذ ملاحظته لها، يروح يراقبها من خلال كاميرات التصوير المنصوبة في كل

مكان ويحاول بشتى الطرق التعرف عليها في حبكة شاعرية جميلة ومؤثرة من

ارجنتين اليوم.

وقد حصل هذا الفيلم على جائزتين اخريين هما افضل فيلم اول وجائزة الفريد بوير.

ومنحت جائزة الدب الفضي لافضل مخرج للايراني اصغر فرهادي (36 عاما) لفيلمه

"دارباريي ايلي" (بخصوص ايلي) الذي يعرض حياة الطبقة البرجوازية الفتية في

طهران وتكيفها مع القيود الاجتماعية التي يفرضها الاسلام.

ويروي الفيلم قصة رجل يعيش فترة طويلة في المانيا ويقرر العودة الى ايران

حيث يجدد لقاءه بالاصدقاء ويتعرف على ايلي.

اما جائزة الدب الفضي لافضل ممثل، فقد منحت للمالي سوتيغي كوياتي (72 عاما)

على دوره في فيلم "لندن ريفر" (نهر لندن) للمخرج الجزائري رشيد بوشارب.

وقال كوياتي ان "تنوع الاشجار هو الذي يصنع جمال الغابة وتنوع الالوان يصنع

جمال باقة الورود"، مشيدا بمهرجان برلين الذي "يسمح للشعوب بالالتقاء".

واختيرت النمساوية بيرغيت مينيشماير (31 عاما) لجائزة الدب الفضي لافضل

ممثلة على دورها في فيلم "كل الآخرين".

ولعبت مينيشماير دور المرأة المحبة لرجلها التي لا تريد له ان يقلد الآخرين

وتتعلق به رغم فشله المهني.

واخيرا، حصل كاتب السيناريو الاميركي الاسرائيلي اوفن موفرمان (42 عاما)

على جائزة افضل سيناريو لفيلمه الطويل الاول "ذي ميسينجر" (المبلغ).

ويتناول الشريط بشكل غير مباشر حرب العراق وانعكاساتها على المجتمع

الاميركي عبر قصة جندي يعود الى بلاده بعد اصابته فتكلفه قيادته نقل خبر

مقتل جنود اميركيين في العراق الى ذويهم.

لكن هذا السيناريو لم يعجب النقاد الذين رأوا انه دخل سريعا في وتيرة مملة

متكررة ولم يأت بجديد لا على مستوى الطرح ولا على المستوى الفني.

وكان المهرجان بدأ في الخامس من شباط/فبراير وتنافس في مسابقته الرسمية 18

فيلما. وقد قدم 383 فيلما.

وكانت لجنة التحكيم هذا العام برئاسة الممثلة الاسكتلندية تيلدا سوينتون.

وشهدت الدورة التاسعة والخمسون للمهرجان ارتفاعا في عدد البطاقات المباعة

الذي بلغ 270 الف بطاقة.

ومن الافلام المعروضة ايضا بالمهرجان فيلم للمخرج كوستا غافراس بعنوان

"الى الغرب من عدن" وهو سيمفونية ناعمة حول قصة تراجيدية

لمهاجر من الجنوب الى الشمال الى نوع من كوميديا خفيفة في شريط يعتبره

غافراس الاكثر ذاتية في مسيرته الفنية.

ويقول المخرج الفرنسي من اصل يوناني والحائز جائزة الدب الذهبي مرتين "انه

شريطي الاكثر ذاتية من دون شك وهو لا يتكلم عني بشكل مباشر ولكني بحثت في

داخلي عن كثير من الاشياء التي ارويها فيه".

ويريد من خلال فيلمه الحديث عن الآلاف من الآباء الاوروبيين اليوم والذين

هم اصلا من المهاجرين فضلا عن هجرته الخاصة التي يقارنها بالهجرة اليوم

"اليوم لم يعد المهاجر حاجة للبلد او يدا عاملة ضرورية ولا هو مشكلة حتى،

بل بات يشكل خطرا وخوفا من ان يغري وجوده المجتمع".

ويضيف في مقابلة خاصة بالملف الصحافي الذي وزع للفيلم، انه اراد هذا العمل

"على نحو اوديسيه حيث الشخصية الاساسية كما عوليس تعبر البحر المتوسط ثم

تخوض المحن وتتخطى العواقب وتواجه وحوش الحداثة وتقلب اساطير مرحلتنا".

وفي هذه الاوديسيه يكون على البطل ان ينتصر في النهاية وان يخرج سالما وحرا

من كل مغامرة تتوالى منذ ترك تجار التهريب له ولرفاقه في عرض البحر

واضطراره للسباحة بدل الوقوع في ايدي الشرطة في مكان يفهم المشاهد انه ايطاليا.

ويحط البطل في اول مرحلة من رحلة هروبه في جنة فعلية عبارة عن مركز استجمام

لاغنياء اوروبا الباحثين عن الشمس. ومن مغامرة الى مغامرة ومن صدفة الى

صدفة يعمل لليلة كمساعد ساحر يدخل الى نفسه الامل ويدفعه للذهاب الى باريس.

وينجح كوستا غافراس في خلق نسق فني مقنع وان كان غير واقعي ويتضمن الفيلم

في احيان كثيرة استعارات ويكشف من خلال هذا المهاجر المسكون بالامل خبايا

المجتمعات الاوروبية.

فعبر ضربات معلم سريعة ولكن متقنة ومتعاقبة، يكشف حضور هذا "الجسم الغريب"

بنيان هذه المجتمعات ومشاكلها مثل الوحدة والاستغلال والعبودية في تشغيل

المهاجرين غير الشرعيين.

والفيلم لا يخلو من نفحات فانتازية لا يبحث غافراس عن تبريرها بل تعبر

الكاميرا والكادرات منها الى كثير من التفاصيل الصغيرة التي تبدو كلها

مقنعة وان تكررت المغامرة مع اناس مختلفين وبنوايا ودوافع طيبة او شريرة.

ولا يصور عمله وواقع المهاجر من وجهة نظر جامدة تعنى بجانب الحنين لدى هذا

الشخص وبشوقه للارض والروائح والامكنة واحساسه الدائم بالاغتراب وانما من

وجهة نظر نقدية جديدة. فالياس، ولانه غريب، يضع كل من يتعاطى معهم في

مواجهة انفسهم وواقعهم.


"ان ترحل يعني ان تموت قليلا" يقول المثل الشائع. لكن غافراس يقول من خلال

فيلمه ومن خلال وعيه الذاتي بقضية الهجرة ونجاحه الشخصي في فرنسا "ان تذهب

يعني ان تموت قليلا لتولد في مكان آخر من جديد".

ويقوم ريكاردو سكاماركيو على نحو هائل باداء دور الياس المهاجر فيبدع في كل

مرة موقفا مقنعا خاصة في اللحظات الحرجة وحيث يكون عليه ان يكتشف باستمرار

طبيعة ومكونات الحياة في المكان المختلف الذي صار مكانه وصار عليه ان

يتبناه ويمتلكه.

ولا تكف عينا الياس المغمورتان بالدهشة والمتطفلتان على عالم جديد عن جعل

المشاهد ينظر وفق تلك النظرة الآملة بالاشياء والمتفائلة.

الياس الذي ليس له موطن اصلي محدد هو واحد من هؤلاء الحالمين بجنة اوروبا

الموعودة التي لا يبقى منها على ارض الواقع الا الحلم والامل واضواء باريس

التي تلمع فوق برج ايفل وفيما عدا ذلك يكون عليه الاتكال على نفسه وحظه

وظروفه وحاجاته وايضا امكانياته.

هذا المهاجر بدون هوية ولا جنسية هو ما قصد اليه المخرج المهاجر اصلا ليقول

ان المهاجرين هم كل الذين يعانون من الحروب او الجوع او الانظمة السياسية

ولكن ايضا وربما ببساطة من يملكون حلما موعودا بالجنة وهو حلم حققه المخرج

بنفسه وبدا فخورا بتحقيقه حين عمل في السينما في باريس التي درس فيها الادب

اولا.

ويشعر المشاهد ان الشريط عادي وانما موفق جدا وحازم وهزلي في آن معا يحتوي

على شيء من رائحة ايليا كازان في "اميركا.. اميركا".

ولد غافراس في اليونان من اب روسي وام يونانية وهو يعمل ويعيش في فرنسا

التي يحمل جنسيتها منذ نحو خمسين سنة. واخرج غافراس افلاما مثل "آمين" الذي

فاز بجائزة الدب الذهبي في برلين العام 2002 وفاز قبلها بالجائزة نفسها عن

شريطه "علبة الموسيقى" في برلين ايضا العام 1990.

وحاز غافراس ايضا جائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي عن شريطه "زد" العام 1969

واشتهرت اعماله مثل "ماد سيتي" و"هانا ك" و"ميسينغ" وهو يعتبر المخرج

الفرنسي الاكثر حيازة للجوائز الدولية

فيلم الرسول

*ينضم فيلم "الرسول" والذي عرض خارج المسابقة الرسمية في مهرجان

برلين السينمائي، إلى مجموعة الافلام الاميركية القليلة، والتي انتجت في

السنين الثلاث الاخيرة، والتي تسعى إلى تقديم، أثر الحرب الأميركية في

العراق والعنف الذي اعقبها، على الاميركيين وحياتهم. ففي فيلم "في وادي

ايلاه" ، يحمل الجنود الاميركيون والذين حاربوا في العراق، العنف الذي

ارتكبوه او شاهدوه الى مدنهم الاميركية الكبيرة والصغيرة، وإذا بهم يفشلون

في الذوبان في الحياة مجددًا.*

*ويقدم فيلم "غريس رحلت" الازمة الانسانية والاخلاقية للطبقة الاجتماعية

الاميركية والتي كانت مع الحرب في العراق، وكيف يمكن ان يمهد حدث مفجع مثل

مقتل الام الجندية في العراق ، الى هز معتقدات هذه الطبقة. فالأب الذي

يتلقى مقتل زوجته في بداية الفيلم ، يعجز عن اخبار بناته ، ليقرر اخذهن

برحلة حول اميركا. *

* يبدو فيلم "غريس رحلت" وكأنه تكملة لإحدى قصص فيلم "الرسول" ، فالاول

يبدأ بعد رحيل الجنود المكلفين بنقل خبر مقتل الام في العراق ، في حين

يكتفي فيلم "الرسول" ، بالمشهد الصادم ، لتلقي عوائل الجنود للخبر، ولا

يعود مرة اخرى الى تلك العوائل، باستثناء الارملة الشابة، والتي احتفظت

بدور مهم في النصف الثاني من الفيلم.*

لم يكن من الواضح او المقنع تمامًا، دوافع رؤساء الشخصية الرئيسة في الفيلم

(القيام بدور الممثل ويل مونتغمري ) ، والذين قرروا اسناد مهمة نقل رسائل

"الموت" ، الى الجندي ، الذي بدا منطويًا ،عاجزًا عن اقامة علاقات طبيعية مع

الناس الذين كان يعرفهم ، منسحبًا من الحياة العادية ، والتي عاد إليها بعد

خدمة عسكرية قضاها في الكويت والعراق. هو يضطر في النهاية إلى الموافقة ،

ليرافق الجندي الاخر والذي قام بدوره الممثل المتميز ودي هاريسون ، في

المهمة ، التي يجب ان تتم ضمن مراسم معينة ، فمن غير المسموح للجنود ، لمس

عوائل الجنود المفجوعين. إنها كلمات رسمية فقط ، تنقل تعازي وزارة الدفاع

الاميركية وتقدم بعض التفاصيل عن مقتل الجنود ، وتعلم العوائل ، ان هناك

مؤسسات مدنية مختصة ، ستتصل بهم لتوفر لهم دعمًا معنويًا ونفسيًا. *

*كان يمكن لفيلم "الرسول" ، ان يسقط ببساطة في التكرار، او الميولودراما

العالية ، فهو قدم ستة مشاهد لست عوائل مختلفة ، وهي تتلقى اخبار مقتل

ابناء او ازواج. لكنه كل مرة ، كان يقدم الصدمة ، كفعل لا يمكن السيطرة

عليه او ضبطه ، متفجرًا، فطريًا ، قادمًا من اعماق الروح. كل مرة تأتي الصدمة

عاصفة ، تحمل معها ادانتها الخاصة للحرب. كفقر العائلة الاولى من

الاميركيين من الاصول الافريقية ، والاب من الاصول اللاتنية والذي لا يجيد

اللغة الانكليزية ، ولا يعرف على الارجح الكثير عن حرب العراق ودوافعها. او

الحزن النبيل للوالدين المسنين.*

*في مشاهد تبليغ الرسائل ، والتي يرتكز عليها الفيلم ، تتنقل كاميرا المخرج

بين "الرسول"، ومستلم الرسالة ، فالجنديان اللذان يعرفان الحرب وما تعنيه ،

يوضعان في مواجهة اقسى نتائجها. القتل بصوره العبثية يرتفع بعد دموع الاهل

الى مكانة عالية لكنها شديدة الخواء . يرغب البطل الشاب في عناق النفوس

المثكولة ، لكنه يخشى رئيسه الذي يرافقه، وهو يبحث بالحقيقة ، عمن يبكي

موته هو، الموت الذي تأجل ، وتأجل معه الحزن الذي يعقبه. *

*فيلم "الرسول" مثل "غريس رحلت" ، هو الاول لمخرجه "اورن موفرمان" ،هذان

مخرجان اميركيان ، راقبا لسنوات عودة ابناء بلدهم من حروب نبيلة وحروب بلا

معنى ، في الفيلمين ، يهشم الفقد ، الحياة التي نظنها متوازنة ، ويدفع الى

مواجهات ربما لا يؤدي الكثير منها الى نهايات حاسمة. *

*الفيلم هو واحد من افضل افلام حرب العراق الى الآن. الفيلم لا يسقط في

الكليشيات الا في في لحظات قليلة جدًا، يحمل ادانته الخاصة القوية للحرب، من

دون اي خطاب سياسي، ويقدم الحياة العبثية المأزومة التي يعيشيها الجنديان

، والتي تنتظم مع كل رسالة جديدة لموت جديد. في العشرين دقيقة الاخيرة من

الفيلم، ينكشف جزء يسير من ماضي هذين الجندين، الاهوال التي مرت عليهما،

والندوب التي تركتها. *




ليست هناك تعليقات: