الاثنين، 2 فبراير 2009

------- كتاب جديد حول شارلى شابلن


(شابلن: حياة في فيلم)




صدر مؤخرا عن دار نشر (آركيد) الأمريكية كتاب جديد عن الممثل العالمي

المشهور شارلي شابلن(1889ــ1977) من تأليف الطبيب النفسي الدكتور ستيفن

وايزمان تحت عنوان (شابلن: حياة في فيلم). يتناول الكتاب تفاصيل الحياة

التي عاشها الفنان شارلي شابلن منذ ولادته لحين وصوله إلي مرحلة الشهرة

والنجومية. وفي هذا الإطار، يسلط وايزمان الضوء، بحكم كونه طبيباً نفسياً،

علي العلاقة المضطربة التي عاشها شارلي مع والديه والتجارب المريرة التي مر

بها، والتي ساهمت، حسب رأي الكاتب، في رسم شخصية الفنان المستقبلية وكان

لها الأثر البارز في أعماله الفنية.

ولادة في أسرة فنية

ولد شارلي شابلن في مدينة لندن بتاريخ 16 نيسان 1889 من أبوين مولعين بالفن

حيث عمل والده كعازف موسيقي وممثل بينما كانت والدته مغنية وممثلة تعمل في

أحد مسارح المدينة. غير أن كل شيء حول الفنان شارلي شابلن تشوبه الشكوك

والظنون فهناك اختلاف في الروايات بشأن تاريخ ولادته الدقيق وحتي مكانها

فهناك من يري أنه لم يولد في لندن بل في مدينة فونتيبلي الفرنسية. ولكن

الأمر المؤكد أن والده هو شارلي شابلن (الأب) وأمه هانا هاريت هيل

-المعروفة باسم ليللي هارلي في المسرح- وكلاهما كانا يعملان في المسرح

الموسيقي. انفصل والداه عقب ولادته لينشأ شارلي في رعاية أمه التي كانت

تزداد اضطرابا مع الوقت. غير أن المؤلف لم يقف طويلا عند هذه الاختلافات،

وهو بلا شك محق في ذلك، فقد كان تركيزه علي الفترة التي سبقت ولادة شارلي.

يعود الكاتب إلي عام 1883 تحديدا، حيث يقول: هجرت، سيدة كانت تعرف باسم

(ليللي هارلي)، خليلها فجأة. كان اسم السيدة الحقيقي (هانا هاريت هيل)، أما

خليلها فلم يكن سوي شارلي شابلن (الأب). تركت (هانا) وراءها أيضا عملها

المؤقت كمدرسة موسيقي كي تبحر إلي جنوب أفريقيا لتتزوج رجلا ظنت أنه ينتمي

إلي أسرة أرستقراطية وأنه قد ورث مقاطعة ثرية. والحقيقة، فأن هذا الرجل،

ويدعي سيدني هوكس، لم يكن سوي رجلا معدما من أحد الأحياء الشعبية في لندن،

يعتقد بأنه كان قد استغل (هانا) لأغراض الدعارة. عادت هانا إلي لندن وإلي

المسرح بعد ذلك بطفل غير شرعي ومرض الزهري. وكان هذا الابن غير الشرعي

(سيدني) سيلعب دورا بارزا في دعم أخه شارلي والوقوف إلي جانبه. أما ليللي،

فهي كغيرها من النساء في حينه لم تكشف عن مرضها لبضع سنوات. كما عادت هانا

أيضا إلي خليلها، شارلي شابلن (الأب)، الذي كانت قد هجرته من قبل.

طفولة معذبة


لم يكن شارلي شابلن (الأب) ممثلا مشهورا بل فنانا ناشئا توقع له زملاؤه

مستقبلا جيدا في عالم المسرح. ولم تكن علاقة شابلن الأب بأبنه شارلي قوية

فقد عاش معه لفترة قصيرة لم يكد يتعرف شارلي علي أبيه بشكل جيد. وفي عام

1898 كانت الفاتنة ليللي قد أدخلت المستشفي وشخصت باصابتها بداء الزهري،

فيما انتقل شارلي وأخيه غير الشقيق للعيش مع والده الذي كان يسكن مع

عشيقته. بيدّ أنه سرعان ما توفي الأب (شارلي شابلن) بعد ذلك بفترة قصيرة

بسبب إدمانه علي الكحول، ولم يكن شارلي عندها قد تجاوز الاثني عشر عاما.

ولم يعد لدي اليتيم شارلي مسكنا يقيم به حيث تقوم عشيقة أبيه بعد وفاة

الأخير بإرسال شارلي وشقيقه إلي دار للأيتام. وفي هذه الأثناء تفاقمت حالة

ليللي تدريجيا لتصل إلي حالة الجنون، وهي أمور لا شك أنها تركت بصمات عميقة

وواضحة ليس علي شخصية ابنها شارلي شابلن فحسب بل علي أغلب أعماله الفنية

الشهيرة. غير أن شابلن لم يفصح إطلاقا عن طبيعة مرض والدته ولم يقل أكث من

أنه كان لغزا مأساويا، ولابد أن ذلك كان مدعاة للخجل، حسب الكاتب. ويمضي

الكاتب بالقول بأن المرحلة كانت مختلفة فلم يكن من المتصور أن يخرج شارلي

شابلن إلي العلن ليتحدث عن حالة والدته الصحية. علي أية حال، فقد كشف

النقاب، عن حالة والدته المرضية أول مرة عام 1986، الطبيب النفسي ستيفن

وايزمان، مؤلف الكتاب، في مقالة أكاديمية نشرها الأخير والتي تعد عنصرا

رئيسيا في السيرة الذاتية التي كتبها وايزمان في كتابه موضوع البحث "شابلن:

حياة في فيلم". ويحاول وايزمان في كتابه أن يبرهن أن حالة ليللي المرضية

تركت بصماتها الواضحة علي شخصية ابنها الفنان شارلي شابلن والتي امتدت إلي

سلوكه وتصرفاته اليومية وعلاقاته بالنساء بل وهوسه بالنظافة حيث عرف عنه

استحمامه أكثر من عشرة مرات يوميا.

تجسيد المعاناة في الأعمال الفنية

ولا يعد الناقدون هذا الكتاب بمثابة سيرة ذاتية كاملة فالكاتب، بوصفه طبيب

نفسي، يسلط الضوء علي طفولة شابلن وفترة شبابه. وينهي الكاتب سيرته لدي

بلوغ شابلن مرحلة النجومية. وكأي طبيب نفسي، يري وايزمان، بأن الإنسان لدي

بلوغه مرحلة متقدمة من العمر يكون قد وصل إلي حالة تصالحية مع تاريخه وقد

تخلص بشكل كبير من رواسب مرحلة الطفولة. ويأخذ النقاد علي السيرة هذه

إغفالها للعلاقة التي ربطت بين شابلن ووالدته، ورعايته لها في أواخر سنين

عمرها أي بعد تحقيق شهرته حيث يعرف أنه جاء بها إلي مدينة لوس انجليس

الأمريكية وخصص لها دارا مع من يرعاها صحيا. بيدّ أن شابلن نادرا ما قام

بزيارتها ولم يتحدث مع أصدقائه وزملائه عنها إلاّ نادرا. يخلص الكاتب إلي

القول بأن والدة شارلي قدمت إلي ابنها الروح (المقنعة) للشخصيات التي أدي

أدوارها شابلن بإتقان، فصور شخصيات المشردين والصبيان لم تعكس سوي صورة

شابلن في صغره. وحتي بعد وفاة (ليللي) عام 1928 بيت والدته شخصية خيالية

محبوبة ومثيرة للمشاعر. وقد وصف شابلن حياته في سنوات عمله الأولي بأنها

نموذج لشخصيات الكاتب البريطاني تشارلس ديكنس التي تميزت بالفقر والجوع.

الشهرة والسياسة


يري الكاتب أن شارلي شابلن تمكن من البقاء حيا بفضل عناية إلهية وبفضل

الحماية التي منحه إياها أخوه غير الشقيق (سيدني) وهو أبن (ليللي) الذي كان

نتاج مغامرتها الفاشلة في جنوب أفريقيا، والذي أصبح فيما بعد أفضل صديق له

وحتي أفضل مدير لأعماله. غير أن شيئا ما حدث لشارلي شابلن بينما كانت شهرته

وثروته تكبران، وهي المرحلة التي يأخذ فيها النقاد علي الكاتب عدم تعمقه في

البحث فيها وحتي إهمالها. وهنا يختلف النقاد في تقييمهم لحياة شابلن فمنهم

من يري شارلي قد انحرف عن مسيرته نحو اليسار بل هناك من اتهمه بأن الفضائح

العاطفية التي أصابته كان سببها توجهاته اليسارية ومغامراته العاطفية. كان

شارلي شابلن الذي نشأ فقيرا وعرف الظلم في طفولته منحازا في فطرته إلي

الفقراء مناهضا للظلم، الأمر الذي وضعه علي طريق متعارض قاد به إلي صدام

مباشر مع السلطات الأمريكية التي اتهمته بالشيوعية واليسارية والفساد وإلي

ما ذلك من تهم طاولت أوساط المثقفين والفنانين في مرحل الخمسينات التي تعرف

في الولايات المتحدة باسم (الماكارثية). اضطر بعدها شابلن إلي ترك الولايات

المتحدة حيث اختار العيش في سويسرا. وفي المنفي السويسري، عاش شابلن حياة

أبوية مع أسرته الكبيرة المتكونة من ثمانية أطفال، وأنجز بعض الأفلام

القديمة، وكتب سيرته الذاتية الرائعة التي سلطت مزيدا من الضوء علي طفولته.

لم يكن شارلي شابلن ممثلا كوميديا من أنصار الفن للفن بل كان فنانا ملتزما

خلال جميع أعماله. وكان فنانا شديد الحساسية والتواضع مما دفع العديد من

الجهات إلي استغلال تسامحه ومبدأيته لتوظيفها سياسيا لصالحهم حتي أنه عندما

أدي دور الزعيم النازي هتلر في فيلم (الدكتاتور العظيم)، تم تسريب شائعات

عمدت إلي تضليل الجمهور بأن شابلن يهودي في وقت يؤكد فيه تاريخ شارلي أنه

مسيحي. وعندما أبدت ابنته جيرالدين موهبة ورغبة في العمل في مجال التمثيل،

أظهر شابلن تشككا حيال طموحاتها، ونصحها، كما قالت فيما بعد إلي (ريتشارد

شيكيل) الذي كتب وأخرج فلم السيرة الذاتية (شارلي: حياة وفن شارلي شابلن)،

بأن تتجه للعمل في مجال التمريض لما لهذه المهنة من فائدة إنسانية للبشرية،

الأمر الذي رفضته جيرالدين. وبغض النظر عن الانتقادات اتي وجهت إلي الكتاب،

فقد تمكن الكاتب تتبع حياة شارلي شابلن علي نحو شيق وتسليط الضوء علي

العبقرية التي تمتع بها هذا الفنان القدير، مؤكدا بأن الحياة المأساوية

التي عاشها شارلي في طفولته كانت سبب شهرته. أما بشأن المرحلة المتقدمة من

حياة شارلي شابلن فيبدو أن طبيعة علاقة الفنان بالولايات المتحدة كانت

معقدة. ففي الوقت الذي منحت الولايات المتحدة الشهرة لشارلي شابلن في بداية

حياته الفنية، إلا أنها حاولت أن تسرقها منها لأسباب سياسية عندما رفض

شابلن ان يتحول إلي بوق دعائي للنظام الرأسمالي البشع. وهكذا غادر شارلي

شابلن الولايات المتحدة ولم تطأ قدماه البلاد ثانية إلا عندما زارها مزهوا

بالنصر عام 1972 لتسلم جائزة الأوسكار عن فيلمه (دائرة الضوء) الذي كان قد

عرض أول مرة في الولايات المتحدة عام 1952 ولكنه حجب عن الشاشات بعد أسبوع

واحد من عرضه لأسباب سياسية

.

(الزمان) الدولية- سناء عبد الله

ليست هناك تعليقات: