السبت، 22 نوفمبر 2008

متغيرات السينما وتحولاتها





أضواء حول السينما المعاصرة

هناك أكثر من حديث يدور حول أوجه الاشتباك الإعلامي بين السينما والتلفزيون، ولاسيما في عصر الوسائط المتعددة وفي العقد الأخير بالتحديد زادت حدة الشكوى من صناع السينما بسبب الإقبال الكبير على مشاهدة التلفزيون، ولاسيما القنوات السينمائية المتخصصة والتي تعد المنافس الرئيسي لدور العرض التي تعرض الأفلام سينمائيا.

هناك ألوان وأشكال من المشاهدة الحديثة سينما البيت وسينما الاشتراكات الخاصة، وسينما حسب الطلب وسينما النقل المباشر وغير ذلك من الوسائل التي جعلت من دور العرض السينمائي وسيلة ترفيه من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولكن رغم ذلك فإن نسبة استهلاك الأفلام قد زادت بارتفاع عدد السكان من ناحية، وسرعة تداول الأفلام بعدة وسائل من ناحية أخرى ، وهو أمر شكل نجاحا لفن السينما بصرف النظر عن الشكل، فيما إذا كان دار عرض أو جهاز تلفزيوني أو جهاز موبايل، فالمهم أن الأفلام القديمة والحديثة مازالت تعرض وتحقق النجاح التجاري الكبير بطريقة سريعة أو بطيئة.

جمهور يهرب:

إن الصراع بين التلفزيون والسينما ليس وليد اليوم، إنه يعود إلى منتصف الستينيات على وجه التحديد، وهذا ما تقوله لنا الكاتبة والناقدة السينمائية بينلوبي هيوستن في كتابها المعروف "السينما المعاصرة" وهو الكتاب الشهير الذي يناقش أحوال وأشكال تطور السينما المعاصرة، حتى أنه يعد من أشهر كتب السينما في هذا المجال، ذلك أن الجمهور قد بدأ منذ تلك السنوات يحاول الهروب من القاعات السينمائية، لكن هذه الظاهرة لم تتشكل خطورتها إلا بعد ذلك بربع قرن تقريبا.

لكن كل ذلك ليس محور هذا الكتاب بل هناك ظاهرة أخرى، منها الاختلاف الكبير بين السينما الأوربية والسينما الأمريكية ومسألة توزيع الأفلام الأوربية، واختلاف درجات الإنتاج وإمكانيات الصرف المالي على الأفلام، وكل تلك الظواهر تبدو قائمة إلى الآن ويمكن أن تطرح بنفس الكيفية تقريبا ويتجدد طرحها بلا أمل في الوصول إلى حلول وسط، فالسينما بحكم طبيعتها ليست بذات مستويات واحدة، ولا يمكن أن يكون لها شكل واحد مهيمن حتى داخل هوليوود أو خارجها.

اختلاف وصراع:

من الظواهر التي ناقشها الكتاب أوجه الاختلاف بين الأشرطة التجارية والأشرطة الأخرى المختلفة وهي ظاهرة مازالت مستقرة كما هي، إلا من بعض الاختلافات، ذلك أن هناك فرصا كبيرة لأفلام ذات مستوى معين، بمكن من خلالها أن تعرض وتنتقل وليس كما حدث في سنوات الستينيات عندما كانت أفلام الطليعة أو أفلام النخب الثقافية لا تجد لها نصيرا كما في أفلام أنطونيوني وبيرجمان وغودار وآرسون ويلز وميتزوغوشى وغيرهم.

لقد بقيت السينما التي كانت صغيرة جدا باكتساب تقاليدها الأكاديمية وكبيرة بما فيه الكفاية لنشعر بالحاجة إليها باعتبارها فنا يبحث عن تاريخ معين "لقد عاش الفن البسيط والمحبوب في الحاضر، وكانت السينما وسيلة للتعبير عن أساطير وأحلام هذا القرن في الزمن الحاضر لصور تجري أحداثها على الشاشة، وربما كان ناقد الفيلم لهذا السبب ضمن العديد من الأسباب عرضة وبشكل خاص للتأثر بالمناخ الذي يكتب فيه، وبذلك يتبدل الشعور تجاه ما يمكن أن تفعله الشاشة لدى مشاهدتنا لها."..

والمقولة الأخيرة تصور فعليا الموقف من النقد السينمائي حيث تختلف صورة النقد حسب الأجواء والمناخات المحيطة به، وهذا ما حدث مع هذا الكتاب "السينما المعاصرة".. ومع مؤلفته بينلوبي هيوستن بما طرحته من موضوعات عالجتها الكاتبة في شكل مقالات نقدية، ومن ذلك ما كتبته تحت عنوان "التجربة الإيطالية" وتتطرق في موضوعها إلى سمات وخصائص الواقعية الإيطالية من خلال بعض أعلامها مثل كاتب السيناريو المعروف "زافاتيني" والمخرج "فيسكونتي" بشريطه المعروف "الوسواس" وكذلك الناقد السينمائي "أمبروتو بارباو"، ولكن ظلت تلك المقدمات فير معروفة إلى أن حقق المخرج روسليني بفيلمه الشهير "روما مدينة مفتوحة" فكان البداية لهذه الواقعية.

تحرير السينما:

إن الإيهام بالزمن الحاضر، هذا ما بدا أن الواقعية الجديدة كانت تعنيه في البداية، ولقد جرى تحرير السينما من استوديوهاتها، ولقد خرج المخرجون إلى الشوارع والحقول وجمعوا ممثلين محترفين وغير محترفين وسجلوا تجربة بلادهم بكاميرا الشارع وبميزانيات قليلة.

هناك أشرطة كثيرة تذكرها الكاتبة وأهمها "ماسحو الأحذية – سارقو الدراجة – الأطفال يراقبوننا" ولكن تعطي الكاتبة أهمية خاصة لمجمل أفلام المخرج "دي سيكا" وخاصة سارقو الدراجات ثم المخرج فيسكونتي وبالأخص فيلمه "الأرض تهتز" ثم باقي أفلامه مثل "الجميلة – الليالي البيضاء – روكو وإخوته" وكانت الأفلام أقرب إلى الواقعية الجديدة، لكنها بعيدة قليلا، بسبب قناعات المخرج فيسكونتي المستمدة من أصوله الارستقراطية وآرائه الماركسية.

تعرج الكاتبة على بعض افلام أنطونيوني ومنها "قصة حب – المغامرة – الليل" وترى في مجمل شخصياته ميلا نحو الوضوح والوعي بموقفها وهي شخصيات نموذجية، يمكن اعتبارها من ضحايا التعب والخواء العاطفي.

ويبقى بعض المخرجين الذين تمر عليهم الكاتبة بشيء من العجل، ومن ذلك المخرج فيلليني والمخرج بازوليني والمخرج أرمانو أولمي.

لغة الأرقام:

الفصل الثاني جاء بعنوان "أي فيلم كسب المال؟" وفيه انتقال من الواقعية إلى الفيلم البريطاني، ولا سيما بعد أزمة الحرب العالمية الأولى ومسألة البحث عن التمويل والتداخل مع هوليوود.. والطريقة التي تتناول بها الكاتبة السينما البريطانية فيه اعتماد واضح على لغة الأرقام، وكذلك التركيز على أوجه العلاقة بين هوليوود والإنتاج السينمائي في بريطانيا، مع ذكر بعض الأسماء المهمة في عالم الإنتاج والإخراج، وهنا نلمس التداخل أحيانا بين نوعية الإنتاج المطروحة، مع التأثير الواضح لسينما هوليوود بكل إنتاجها في تحريك عجلة الإنتاج البريطاني والذي وجد صعوبة في الوقوف أمام إنتاج الاستوديوهات والشركات الأمريكية الضخمة.

أما فصل "سنوات القلق" فهو يسلط الأضواء على تلك السنوات التي عرفت باسم المكارثية، وتشمل التحقيقات التي أجريت عام 1947 وذلك بتقديم التهم إلى أكثر من عشرة أفراد تم تحكم عليهم بالسجن بعد سماع الشهود وكان من بينهم المسرحي برتولت بريخت مشاهدا.

ولقد شملت التحريات أيضا منع أكثر من مائتي شخص أمريكي من العمل بتهم الانتماء إلى موجات فكرية شيوعية مضادة لأمريكا ووصلت المكارثية عام 1951 إلى أقصى مراحل قسوتها وكان لكل ذلك التأثير الكبير على مستوى الإنتاج السينمائي.

وبسبب وجود القوائم السوداء سافر بعض المخرجين للعمل في أوربا ومنهم جوزيف لوزي وكارل فورمان وكتب بعضهم باسم مستعار، رغم أن مضامين الأفلام لم تكن في مستوى التهم، ويكفي أن توجد عبارة "تقاسموا بالعدل" لكي تصبح القضية تهمة.

تطور تقني:

لقد أولت الكاتبة اهتماما إلى التطور التقني للسينما، ولا سيما في العروض السينمائية، ومن ذلك استخدام الشاشة العريضة "السنتراما" عام 1952 وهي عبارة عن ثلاث شاشات متلاصقة، ويساوي حجمها ستة أضعاف الشاشة العادية.

هناك أيضا "التجسيم" وهو موضة استخدمت عام 1952 ولقد سميت هذه الطريقة في العرض "ستيريسكوب" والأفلام الخاصة بها تصور بطريقة الأبعاد الثلاثية التي تظهر عمق الصورة، ولقد نجحت بعض الأفلام وفشلت أخرى من بينها "منزل الشمع" الذي حقق نجاحا تجاريا كبيرا، ولكن ضرورة استخدامات النظارات الخاصة كان سببا في عدم استمرارية التجربة.

سريعة الربح:

إن الهدف دائما تجاري والتجارة تدفع للمزيد من الاختراعات، ولهذا شرع في استخدام "سينما سكوب" عام 1953 وأنتجت نوعية من الأفلام من الحجم الكبير مثل "الوصايا العشر - حول العالم في ثمانين يوم – الجنوب الباسفيكي" كذلك أفلام الغناء والموسيقى مثل "عربة الموسيقى – غناء تحت المطر – أمريكي في باريس".

تسمي الكاتبة هذه النوعية من الأفلام سريعة الربح باسم "القنبلة الضخمة" ولكن البعض منها كثير التكاليف ويحتاج إلى وقت طويل، وهذا يعني أن الحافز للإنتاج يظل دائما ضعيفا ولا يتكرر باستمرار.

وبصفة عامة الاحتراف هو المدخل لصناع الفيلم الناجح، كما هو الأمر مع "جون هيوستن" وكذلك "الفريد زينمان وأوتو بريمينغز ووليام ويلر وجورج ستيفنس".

ومن الواضح هنا أن التجربة الأمريكية في مجال الإنتاج والتوزيع قد كانت هي النموذجية حسب آراء الناقدة مؤلفة الكتاب، ولاسيما وان الشركات الخمس الكبرى الضخمة قد تمكنت من السيطرة على صناعة السينما بكاملها، إلى أن أصبحت دور العرض شركات مستقلة، وقد أدى كل ذلك إلى إنتاج مستوى معين من الأفلام، وكان من مصلحة الممثلين أن تصل طلباتهم إلى أعلى حد ممكن، والمقصود بذلك الحصول على نسبة من الأرباح النهائية، لاسيما عند النجوم الكبار.

مستويات الإنتاج:

الفصل اللاحق بعنوان "قيم الإنتاج" وهو فصل يتطرق إلى بعض المفاهيم التي ترسخت في صناعة السينما من واقع الوهم الأمريكي، من خلال أساليب الحياة في الشارع والغرف والطرق السريعة والمقاهي، والعنف والشجار وكل أشكال المغامرة، وهنا تلجأ الناقدة إلى استخلاص الأفكار النظرية من الأفلام ومن الموضوعات تحديدا بدون أن تضع في الاعتبار أن الأفلام ليست أفكارا ولا موضوعات ولكنها أجواء عامة ومنظور فني يشمل الإمتاع والتشويق.

ومما يلاحظ هنا أن العناوين تظهر باستمرار لتؤكد اقتراب الكاتبة من الأفلام، ولكن من بعيد، حيث يتم وضع عدد من المخرجين في صياغة تشبه القالب الواحد، إذ ما هي العلاقة الواضحة بين كل من هيتشكوك وبيلي وايلدر وجون فورد من جيل معين، ثم الجيل اللاحق والذي يضم كل من نيكولاس راي وروبرت الدرتش وروبرت وايز وستانلي كوبريك، بل وايضا جورج كوكر وفرانك كابرا وجون فرانكيهايمر وغيرهم.

والحقيقة أن عدد الأفلام المذكورة في الكتاب، وكذلك أسماء الممثلين والممثلات بالمئات، وهذه نقطة ضعف واضحة، حيث يتم جر كل فكرة بحيث تخدم السياق رغم عدم توافقها.

ومما يمكن قوله إن قيمة الكتاب التي جاءت من حيث رصده لعدد كبير من الظواهر في السينما الأمريكية والغربية عموما، ولكن من منظور عام، ولهذا اعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة رغم أنه فعليا ليس كذلك، وبالتالي فإن الغوص في مجال ترجمته أمر ما كان ليتحقق لو كان هناك من يستطيع تقدير القيمة النقدية مسبقا.

هناك كتب سينمائية كثيرة، نشرت في سلاسل غربية مثل البنغوين وغيرها، وهي قليلة القيمة الفنية، كما هو حاصل في هذا الكتاب، رغم أنه قد حقق شهرة كبيرة زمن نشره.

وإذا كان القارئ يفرح كثيرا لترجمة كتاب معين، ويعتبره إضافة ثقافية رغم أنه لا يكاد يستفيد استفادة فعلية إلا من الكتب التي لها قيمة ثقافية واضحة وثابتة لا تتغير أو تضعف بمرور الزمن.

فصول متباعدة:

تتوالى فصول الكتاب والفصل الأهم يتطرق إلى السينما الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية "1945 – 1963" والفصل عبارة عن تسلسل مفتوح لبعض الأفلام الفرنسية من خلال ما قدمه المخرجون أمثال رينيه كلير وكارنيه ورفوار وجان كوكتو وروبير بريسون.

وبالطبع لا يخرج الحديث عن الإنتاج والتوزيع وتناول بعض المميزات التي تنفرد بها السينما الفرنسية عن باقي السينمات الأوربية.

أما الفصل الذي يلي ذلك فهو يناقش مجموعة من القضايا التي لها علاقة بالسينما الفرنسية، ولكن من خلال التطرق إلى بعض المنظرين مثل "الكسندرا ستروك" الذي طرح فكرة السينما القلم.

وعلى نفس المنوال من حيث التنظير والنقد، هناك مجلة "دفاتر السينما" والتي برز منها عدد من النقاد تحولوا إلى مخرجين ومنهم غودار وتروفو وكلود شابرول وإيريك رومير.. ويطرح الكتاب مسالة اختلاف السينما الفرنسية عن غيرها بفضل بعض الاعتبارات الثقافية، ومن أهمها رعاية الدولة للإنتاج أحيانا وحضور مهرجان كان السينمائي الدولي وشيوع المطبوعات السينمائية وتنوعها، هناك مقالات أخرى متنوعة شملها هذا الكتاب، مثل "متسع على القمة" وهو حول السينما البريطانية اليوم ومقال حول السينما الروسية من خلال الكلاسيكيات المعروفة فيها.. أما السينما اليابانية، فهي حاضرة ولكن من خلال المخرج أكيرا كورساوا وخصوصا فيلمه المعروف "راشمون".. أماميزوغوتش، فهو معروف أيضا في أوربا ولكن في حدود ضيقة.

لغويا تبدو الترجمة سلسلة وبسيطة وهناك أخطاء في عناوين الأفلام، ولكن الجهد الذي بذله المترجم كان جيدا، فالمعلومات تصل بسهولة إلى القارئ، ولكن لا توجد تعليقات خاصة ولا تعريف بالكاتبة ولا سنة نشر الكتاب الأصلي أو اسم دار النشر وفي جميع الأحوال، ورغم أن الكتاب بسيط إلا أنه يكمل إصدارات الفن السابع في سوريا، ليجعل منها مكتبة سينمائية متميزة مهما كانت القيمة الفنية والثقافية لهذا الكتاب.

ليست هناك تعليقات: