الجمعة، 9 يناير 2009

افلام يمكنها أن تكون ضاحكة







دوائر الكوميديا المتكررة


أغلب الظن أن ارتباط السينما بالكوميديا مسألة تعود إلى طبيعة التلقي لدى الجمهور وقد كان ذلك منذ أزمنة بعيدة ليس في السينما فقط ولكن في المسرح أيضاً عندما كانت المأساة تقابل المهزلة، والكوميديا تقابل التراجيديا من باب البحث عن العكس والنقيض.
لقد جاءت أشرطة لويير الأولى شبه كوميدية، البستاني الذي يرش الماء على النباتات وعلى كل من حوله وفي نفس الوقت هناك النقيض، إنها التراجيديا (القطار القادم إلى المحطة) حيث يكاد القطار يقضي على الجمهور ولو عن طريق صناعة الوهم.
لكن الكوميديا ليست واحدة على مر الأزمنة والفرق واضح بين كوميديا تشارل شابلن وباستر كيتون، وكوميديا لوريل وهاردي وكوميديا وودي لن وهو ما ينطبق أيضاً على ستيف مارتن وجيم كاري غيرهم

.
إن الاختلاف في طبيعة الكوميديا يعتمد على اختلاف الأذواق وتغير المفاهيم بسبب عوامل إضافية ذات خصائص اجتماعية واقتصادية فما يضحك في عقد معين من السنوات ليس له نفس الفاعلية في عقد آخر، ولهذا نجد أن الكوميديا من الفنون القابلة للتغيير المستمر.
إنتاج حالي:

ينطبق ذلك على الكوميديا العربية في السينما والتي تأثرت منذ البداية بالمسرح أولاً، ثم تأثرت بالسينما العالمية ثانياً ومن الطبيعي أن نجد بعض التشابه في تقليد الشخصيات وتقديم الموضوعات مع الاهتمام بالكوميديا اللفظية وقلة أشرطة الحركة وندرة كوميديا الموقف.
ليس بالغريب إذاً أن تستمر الكوميديا اللفظية وأن تسيطر على إنتاجات السينما العربية في زمن متأخر حتى صارت السينما مصطلحاً مرادفاً للكوميديا ولا تكاد تنفصل عنه.
لكن الكوميديا المنتجة حالياً ونقصد بذلك بعض إنتاجات السينما في مصر لم تكن مثل سابقاتها، وربما كان هذا من الأمور العادية التي تتحكم فيها مسألة التغيير الاجتماعي داخل الجمهور المتلقي ونقصد بذلك الجمهور السينمائي والذي كان سابقاً يبحث عن الموضوع والقصة الدرامية حيث كانت السينما موضوعاً درامياً له قواعده الدرامية المنطقية وهو أمر يتداخل ويتوافق مع الطبيعة الكلاسكية للفن والأدب، إذ عليك أولاً تأسيس منظومة درامية للقصة والمسرحية والرواية وكذلك السينما، ثم تقترب أكثر من الشخصيات المرسومة بدقة ومع بعض الإضافات الأخرى التي تدعم أجواء الشريط الكوميدي من غناء وموسيقا وغيرهما.
في بعض الإنتاجات السينمائية العربية تحقق بعض النجاح لأنواع من الكوميديا كما حدث في سوريا في السبعينيات ولاسيما في إنتاج القطاع الخاص الضعيف المستوى، كما أن بعض الانتاجات التونسية والمغربية واللبنانية كان لها ذلك النجاح المحدود، وتبقى التجربة السينمائية هي المميزة في مصر بسبب توفر أجيال من الفنانين الذين عملوا في المسرح أولاً ثم انتقلوا إلى السينما، ولكن وبصورة عامة ينظر إلى الكوميديا على أنها من الأنواع البسيطة التي ليس لها قيمة فنية كبيرة رغم الإنجازات الكبيرة التي قدمها أنور وجدي بصفته مخرجاً وكذلك نيازي مصطفى وفطين عبدالوهاب وعباس كامل وغيرهم.

رأي نقدي:

يقول بعض النقاد بأن الإنتاج الكوميدي قد صار مسيطراً في العقدين الأخيرين من الزمن، والحقيقة أن الإنتاج الكوميدي قد كان غزيراً في مجمل سنوات الإنتاج ولا سيما الأربعينيات والخمسينيات خصوصاً وأن النوع الكوميدي كان متداخلاً مع أنواع أخرى مثل الأشرطة الغنائية والاستعراضية وأحياناً التاريخية والاجتماعية بل كان هناك ما يشبه القاعدة بأن تكون الشخصية الثانية في أي شريط ذات طابع كوميدي كما حدث مع عبدالمنعم إبراهيم وإسماعيل ياسين وعبدالسلام النابلسي وحسن فايق وغيرهم ولكن اختفى إنتاج الأنواع الأخرى، ولم يبق إلا الشريط الكوميدي وحده في ربع القرن الأخير فقد اختفى بالطبع الشريط الغنائى الاستعراضي، واختفى أيضاً الشريط التاريخي وقبل ذلك الشريط الميلودرامي وأشرطة الحركة والمغامرة، ولم يعد هناك واضحاً إلا الشريط الكوميدي فهو مضمون النتائج نسبياً لأنه مقبول تجارياً، وهو لا يحتاج إلى مصروفات إنتاجية كبيرة لأنه يعتمد على الممثل وعلى الكلام السريع والمواقف الخفيفة وبعض النكات الملقاة بلا مبرر درامي واضح.

أما الجانب الآخر المهم فيظهر في اختفاء الخطوط الجوهرية للقصة التي يعتمد عليها الشريط، فالنتيجة دائماً تتمثل في تنفيذ عدد من المشاهد المتتابعة التي لا يربطها رابط واضح إلا الكوميديا اللفظية.
والحقيقة أن اختفاء القصة الدرامية أو عدم التركيز عليها هو سمة عالمية وليست ملمحاً محلياً لأن الجمهور بصفة عامة صار يقبل أشكالاً سينمائية مختلفة عن السابق، إذ لم يعد التفسير المنطقي هو القاعدة، ولم يعد السلوك المبرر منطقياً هو القاعدة، بل صارت القصص تقبل على أنها مجرد قصص فيها تشابه وتجاور وتقابل، وليس شرطاً أن يحكمها المنطق.
إن ذائقة الجمهور قد تغيرت بسبب وجود عدد كبير من العوامل والتي يمكن تفسيرها اعتماداً على طبيعة الحياة الاجتماعية نفسها، ولا شك أن حضور الآلة واعتماد الإنسان عليها وزيادة كمية الكسل الذهني بسبب العديد من العوامل التي تتغير مع مرور الأيام كل ذلك أخضع ذهنية المتفرج إلى التبسيط والاستكانة والبعد عن المنطق أو عدم التعامل معه فعلياً.

خصائص جوهرية:

إننا سوف نرى العديد من الأشرطة التي يقبل عليها الجمهور لكنها تفتقد أحياناً إلى بعض الخصائص الجوهرية الدرامية، وفي حالة الواقع السينمائي العربي فإن شريط (إسماعلية رايح جاي) هو المقدمة لكل تلك المتغيرات، فقد حقق الشريط أكبر دخل في تاريخ السينما العربية حتى تاريخ إنتاج الشريط حوالي ٢٣ مليون، كما أنه شريط بسيط نسبياً لكنه يحتوي على شيء من الدراما ذات التأثير العاطفي، كما أنه شريط غنائي وكوميدي وعائلي وموضوعه محاولة الصعود المتكررة والتي تتحقق في النهاية في إطار من العلاقات العاطفية الأسرية والوطنية المتشابكة.
إلى هذه اللحظة لا يعرف النقاد سبباً واضحاً يفسر نجاح هذا الشريط والذي مهد إلى إنتاج المزيد من الأشرطة الأخرى التي تتشابه معه وربما تتقاطع مع مرحلة سابقة من الإنتاج، رغم ذلك فالشريط له عقبة محورية.
قلنا بأن الاتجاه نحو الكوميديا يؤكد على مفهوم ضمان النجاح التجاري، وكلنا يعلم بأن الأنواع الأخرى لها مشكلاتها المتعددة فمن الصعب القول إن السينما العربية قد نجحت في أشرطة الحركة من حيث التنفيذ، ومازالت التقنية ضعيفة، وكذلك الصنعة، وربما كان هناك تحسن نسبي في تنفيذ بعض الأعمال السينمائية، ولكن هناك صعوبات مازالت قائمة، والممثل العربي يصعب عليه في الظروف الحالية النجاح في أشرطة الحركة والمغامرة رغم النجاح المحدد لبعض الممثلين في المرحلة الأخيرة كما في شريط (حرب إيطاليا) مثلا


اعتبارات أخرى:

أما الدراما فإنها باقية، لكن الجمهور ينصرف عنها لاعتبارات كثيرة أهمها الرغبة في الترفيه بحثاً عن التسلية السريعة التي تبتعد عن الميلودراما ويمكن الاستفادة منها جزئياً لضمان نجاح بعض الأشرطة، ولا ننسى أيضاً أن الأشرطة الكوميدية هي غنائية أيضاً، ولكن الأغنية ليس لها علاقة بالموضوع حسب القاعدة الجديدة التي تقول بأن الشريط هو مجموعة من المشاهد المتتالية التي يجمعها خيط ضعيف وليس موضوعاً قصصياً محكم البناء.
إن الأغنية السريعة صارت رافداً مهماً بالنسبة للشريط السينمائي وهي تعتمد على كلمات شعبية مباشرة يقصد بها أن تكون بعيدة عن اللياقة المعتادة، وظاهرة الأغنية ليست فقط لكسب الجمهور، ولكن أيضاً لمحاولة اختصار الشريط في أغنية واحدة أو أكثر، وهي مظهر من مظاهر الدعاية للأشرطة لم تعتمد عليها الأشرطة الكوميدية فقط، بل باقي الأنواع المشابهه، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد أشهرها أغنية شريط (جري الوحوش) وكذلك شريط (استكاوزا) بل إن مخرجاً مهماً هو داوود عبدالسيد قد اعتمد على مطرب شعبي في تقديم شريط ناجح وجيد لاعتبارات لها علاقة بالأغنية ونقصد بذلك شريط (مواطن ومخبر وحرامي) وربما نجح المخرج في ذلك.

ولعلنا نعود إلى موضوع الأغنية وعلاقتها بالشريط السينمائي في فرص أخرى لكن من المهم القول بأن الأغنية الكوميدية صارت مشهداً إضافياً في الشريط الكوميدي وهي موجودة في الأشرطة القديمة لكنها مجرد تعليق على أحداث الشريط وليست خارجة عنه.
إن الأشرطة الكوميدية والتي تسيطر على ساحة الإنتاج السينمائى قد أسهمت في تقديم عدد من الوجوه الفنية والتي لا يمكن لها أن تبرز لو أن السياق السينمائي قد سار في وضعه الطبيعي، ومن ذلك وجود أشرطة من بطولة محمد هنيدي مثلاً، والمعتاد أن يكون مثل هذا الممثل رغم موهبته الكبيرة مجرد ممثل ثانوي أو إضافي، وهو أمر متكرر أيضاً مع ممثل آخر مثل علاء ولي الدين أو هاني رمزي على سبيل المثال.
كذلك توجد محاولات كثيرة لجعل الممثلين أقرب إلى الكوميديا ومع البحث عن البطولة المطلقة بصرف النظر عن الظروف المساعدة والتي تفرض ترتيباً معيناً وتسلسلاً في الأدوار يفرض نفسه.

إن الكوميديا الحالية والمنتجة في العقدين الأخيرين من الزمن عربياً تعبر عن تغيير واضح في ذوق الجمهور وطريقة اختياره وتعامله مع السينما والغناء، وربما أيضاً أنواع أخرى لها علاقة بالأدب، وهذا ما يندرج تحته نجاح رواية (عمارة يعقوبيان) غير الملتزمة بالطريقة الأدبية التقليدية التي له معيار الحكم النقدي، ونحن هنا لسنا في باب إصدار حكم القيمة حول هذه الإنتاجات لكن الوصف الخارجي يتطلب تحليل ما يحدث من تغيير وليس فقط انتقاده.

ليست هناك تعليقات: