الثلاثاء، 13 يناير 2009

شخصيات على الهامش



صخب داخل الافلام وخارجها

اختارت السينما في مصر أن تتطرق إلى الشخصيات الهامشية فيما يعرف بالسينما الواقعية ، وكانت هذه الشخصيات ظاهرة في أشرطة كثيرة منذ بدايات الإنتاج السينمائي لكنها لم تكن دائما شخصيات رئيسية ( أبطال ) بل هي شخصيات ثانوية وكذلك لم تكن قضاياها مطروحة بطريقة جادة أو جدية ، بل هي تبدو كوميدية أحياناً ، أو أن الموضوعات التي تخصها كانت بلا مرجعية ، فالشخصيات تظهر في الغالب بلا بيئة واضحة مؤثرة .

المدينة والريف

يمكننا أن نذكر مثلاً شريط ( باب الحديد 1958) للمخرج "يوسف شاهين " حيث تظهر شخصية ( قناوى ) هامشية تعيش في كوخ معزول وهذا ما يحدث في أفلام تتدخل شخصياتها من الريف إلى المدينة لكي تستقر وتعيش وتعمل وتتحول إلى الهامش .

من الأشرطة الواضحة في هذا المجال ( القاهرة 30 - 1966 ) لمخرجه صالح أبوسيف وقبل ذلك ، شريط ( الحرام 1965 ) لمخرجه بركات الذي يصور عمال التراحيل

لكن هؤلاء الهامشيين كمجموعة واحدة لم تتضح معالمها إلا مع أشرطة معينة جاءت بها الواقعية الجيدة وخصوصاً عند المخرج داود عبدالسيد في بعض الأشرطة مثل ( سارق الفرح ، الكيت كات ) وبدرجة أقل في شريطه ( مواطن ومخبر وحرامي ) وبكل تأكيد يتذكر المشاهد أيضاً الشريط الذي قدمه المخرج محمد خان وكان بعنوان ( أحلام هند وكاميليا 1988) والذي تدور أحداثه حول الشخصيات الهامشية وبشيء من التردد وحول مناطق محددة تشكل الحزام الخارجي لمدينة القاهرة وهي العشوائيات التي تفاقم عدد سكانها مع الأيام حتى وصل إلى نصف سكان المدينة بكاملها وأحياناً أكثر من ذلك .

على الهامش لابد لنا أن نذكر أيضاً شريط ( ذيل السمكة ) لمخرجه سمير سيف عام 2000 وموضوعه ربما كان مختلف عن ( يوم حلو ويوم مر ) لخيري بشارة أو سارق الفرح لداود عبدالسيد - إلا أنه من الأشرطة التي بادرت مبكراً في تتبع الشخصيات النابعة من منطقة العشوائيات ثم لاننسى أن الخلفية الاجتماعية الفقيرة تتناسب دائماً مع صعود الأفراد من المناطق الفقيرة إلى مستويات اجتماعية عالمية كما حدث في شريط ( المولد 1972 ) للمخرج سمير سيف .

ومن الأفلام الحديثة نسبياً شريط ( اللمبي ) ولقد لامس موضوع العشوائيات من بعيد غير أن شريط ( الغابة ) لمخرجه أحمد عاطف ) كان أكثر إثارة وخصوصاً وأن التركيز كان على أطفال الشوارع ، من خلال شخصيات هامشية مثل ( التوربيني - جميلة - برشامه ) ولكن الشريط لم يحقق نجاحاً كبيراً على المستوى الفني والإعلامي إلى أن جاء شريط ( حين ميسرة ) لمخرجه خالد يوسف وهو من إنتاج عام 2008 .

لقد بدأ خالد يوسف الإخراج بشريط ( العاصفة ) عام 2001 وأخرج بعد ذلك بعض الأشرطة الناجحة وكان آخرها هذا الشريط وكذلك شريط ( هي فوضى ) بالتعاون مع المخرج يوسف شاهين والذي عمل معه مساعداً في أكثر من شريط سابق .

خارج وداخل :

لاشك أن هناك تداخلا بين ( حين مسيرة ) وشريط العاصفة ) بل هناك تشابها في القصة فالأم ( ام رضا ) لديها ابن سافر للعمل في العراق ولديها أيضاً ابن آخر يعيش معها وهو عادل ولايحدث بين الأخوين صراع أو مواجهة ، لكن عادل يجد نفسه متورطا بين اختيارين أن يكون خارج المنظومة الرسمية وخارجاً عن القانون ، أو متعاوناً مع السلطات للقبض على بائعي المخدرات ، وهو خارج وداخل اللعبة ، فهو يدخل السجن أكثر من مرة ، وهو المتعاون الرسمي الذي تهدده السلطات أيضاً من خلال بعض أطرافها ، وفي بعض الأحيان نجده شخصاً هامشياً لاينتمي إلى أي طرف ، وهذا واقعه الفعلي وهو ضحية اسم أخيه المشبوه في الخارج .

يتميز شريط ( حين ميسرة ) بديكور دقيق ومحكم واستخدام جيد للموسيقى ، وكذلك اختيار جيد للممثلين بصفة عامة ، لكن هناك الكثير من التفاصيل التي أضاعت الموضوع الرئيسي ، وخصوصاً في النصف الثاني من الشريط ، ولايمكن أن ننفي أن الشريط قد حاول أن يجمع كل شيء من الدراما إلى المواقف الساخنة نسبياً إلى مشاهد التعذيب ، وكذلك حاول الشريط أن يتقرب من السياسة ولكن بنفس الطريقة التي أتبعت في السابق مع شريط ( العاصفة ) حيث النبرة الغاضبة ذات المنظور السياسي السطحي الذي يأخذ بالشعارات الجاهزة ولايكاد يقترب من جوهر النظرة السياسية العميقة وخصوصاً عندما يتقرب من العراق وكذلك في الاحتكاك المباشر بين الجماعات الدينية والسلطة الرسمية


كلمة ومشهد :

في بداية شريط ( حين مسيرة ) نجد مشاهد الصحف تظهر فيها عناوين كبيرة لعدد المناطق العشوائية وعدد من يسكنون بها وفي آخر الشريط يكتب المخرج كلمة مفادها أن ما شوهد ليس إلا صورة شاحبة للواقع ، وأن الواقع أسوأ من ذلك بكثير وما بين التقديم والنهاية تدور الأحداث بكل ما فيها من جزئيات تقدم في شكل جرعات تراعى العملية التجارية في حدود معينة ولا ضير في ذلك بالطبع حيث يضع المخرج دائماً في اعتباره الجمهور الذي يقبل على الشريط وتقديم كل ما يشده ولو بطريقة سريعة

الشخصية الرئيسية في الشريط هي ( عادل حشيشه ) يلتقي بناهد وينقدها ويدخل السجن بسبب ذلك ، ويجدها تعيش مع أسرته لأن لا مأوى لها ، وبسبب العلاقة بينهما تنجب طفلًا غير شرعي تتخلص منه في حافلة وتعيش لوحدها منتقلة بين بيتها وبيت أم رضا - ثم تنتقل لتعيش مع امرأة أخرى وتتعرض للطرد والاغتصاب حتى أنها تشرع في ممارسة عمليات النصب في وسط شلة تمارس الأعمال غير المشروعة لكنها تنفذ بجلدها في النهاية لتركب القطار المتجه إلى الإسكندرية وهو نفس القطار الذي يركبه ابنها وكذلك عادل .

الشخصية الثانية هي عادل وهو يعيش مع أمه وأخوته ويعمل ميكانيكي لكن فقره يدفعه للبحث عن مصدر للرزق وهو ينتظر الميسرة ، وأن كل الأبواب مغلقة أمام وجهه .

هناك أيضاً الأم التي تنتطر ابنها قادماً وراجعاً من العراق وهناك أيضاً الجار فتحي الذي يبحث عن الطفل يتزوج أكثر من مرة ولكن لا فائدة وهناك أيضاً أمين سائق التاكسي الذي يصبح أميراً للجماعة الدينية ويدخل في مواجهة مع عادل .

تحولات ومتغيرات :

إن تحولات عادل الكثيرة غير مبررة في الشريط فهو الزعيم أحياناً وهو المرشد للشرطة في بعض الأحيان وهو بائع المخدرات وهو الضحية الذي يعتقل باستمرار وإذا كان الموضوع قد سار بنوع من التدرج في النصف الأول من الشريط ، إلا أن النصف الثاني كان مرتبكاً ومشوشاً وخصوصاً مع كثرة الخطوط وتشابكها أحيانا ومع ظهور الطفل غير الشرعي الذي عاش مع عائلة في البداية ثم عاش مشردا مع غيره وأنجب أيضاً طفلاً لا يختلف عنه أو عن جده عادل حشيشة .

هناك في الشريط عدد من الممثلين اعتبروا ضيوف شرف وهم كثر مثل غادة عبدالرزاق وأمير فتحي ومحمود قابيل وسامح السريطي ، وقد استفاد الشريط منهم كثيراً بالإضافة إلى هالة فاخر وعمرو عبدالجليل وسوسن بدر ولم يكن أحمد بدير مناسباً لدور أمين بقدر التوفيق الذي لازم أغلب الممثلين .

لقد نجح المخرج في تقديم مشاهد كبيرة أحيانا مثل المشاهد الأخيرة ونجح كذلك في جعل شريطه ساخناً بالأحداث والاستفادة من الأغاني بقدر الإمكان وهي متنوعة إلى أن الشريط في مجمله متواضع فنياً وساخن موضوعياً يسيطر عليه الجفاف وفقدان الإيقاع .

ليست هناك تعليقات: