السينما والفاشية
كتاب «السينما والفاشية» لمؤلفه ستيفن ريتشي هو كتاب عن السينما الإيطالية
وعلاقتها بالمجتمع خلال سنوات 1922-1943، أي في ظل النظام الفاشي الذي
أقامه الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني.
»السينما هي سلاح الأقوى». هكذا قال موسوليني نفسه ذات يوم، وينقل عنه
ستيفن ريتشي هذا القول لكي يبيّن الدور الكبير الذي لعبه هذا الفن في ترسيخ
الثقافة الشعبية «الفاشية». ويؤكد في نفس السياق أن النظام الفاشي الإيطالي
«استثمر» كثيرا في هذا الميدان وجهد من أجل تطويره باعتباره «عاملاً ثقافياً»
فاعل ينبغي تنشيطه وإخراجه من الأزمة العميقة التي كان يعاني منها في مطلع
عقد العشرينات من القرن الماضي. تتمثل مسيرة السينما الإيطالية في ظل
النظام الفاشي، كما يقدمها المؤلف، بثلاث مراحل أساسية. المرحلة الأولى تخص
سنوات العشرينات، أي السنوات الأولى من حكم الفاشية، حيث كان الفن
السينمائي خاضعا لـ «الرقابة» الصارمة. ولم تتردد السلطة آنذاك من إيجاد
مؤسسة تابعة للدولة مهمتها تنفيذ تلك الرقابة.
وتميزت تلك الفترة أيضا بعدم الاهتمام «الفعلي» بهذا الفن. لكن الأمر تغيّر
منذ مطلع سنوات الثلاثينات حيث وضعت الدولة يدها بشكل مباشر على الصناعة
السينمائية الإيطالية وسعت إلى صبغها هي أيضا بالإيديولوجية الفاشية كي
تقوم بدور دعائي مباشر للنظام. ثم المرحلة الثالثة منذ نهاية سنوات
الثلاثينات ومطلع الأربعينات حيث ظهرت بعض ملامح «المقاومة» السينمائية
للفاشية مع بدايات موجة «الواقعية الجديدة» والتشكيك بالنظام الفاشي عبر
الفن السينمائي.
يدرس الكتاب في واقع الأمر «العلاقات المعقدة» بين النظام الفاشي والسينما
الإيطالية ويتم التأكيد بهذا الصدد على أن الفاشية كانت لها «تناقضاتها»
حيال السينما، مثلما حيال ميادين النشاط الفني والثقافي الأخرى. ولم يكن
«الهامش» الذي تركه ذلك النظام الشمولي «التوتاليتاري» للسينما سوى أحد تلك
التناقضات. لكن هذا لم يمنع ستيفن ريتشي عن أن يتحدث أيضا عما أسماه
ب»السنوات العشرين السوداء» للسينما الإيطالية في ظل الفاشية.
ورغم وصف تلك السنوات ب»السوداء» فإن ما يتم التأكيد عليه أيضا هو أن
النظام الفاشي الإيطالي حرص كذلك على تشجيع الثقافة الشعبية التي تشكل
السينما أحد أدواتها، وذلك في منظور تحسين صورة النظام نفسه. وتتم في هذا
السياق الإشارة إلى بناء «المدينة السينمائية، سيني سيتا» عام 1936 في أحد
الضواحي القريبة بجنوب شرق روما.
وأنشئت في المدينة «استديوهات» للتصوير وغيرها تضاهي ما كان قائما في
هوليود. وقد قال فيما بعد المخرج الإيطالي الشهير فريديريكو فيلليني: «في
المرة الأولى التي سمعت فيها باسم هذه المدينة السينمائية سيني سيتا- فهمت
أنه هذه هي المدينة التي أريد الإقامة بها وأنها قد تصبح جزءً من حياتي.
بالنسبة لي كان ذلك هو المكان المثالي منذ بداية الكون». وفي هذه المدينة
جرى فيما بعد تصوير أفلام إيطالية شهيرة مثل «دولسي فيتا» و»بن- هور».
ما يؤكده ستيفن ريتشي بأشكال عديدة هو أن مؤرخي السينما قد أهملوا كثيرا
الفترة الفاشية من حياة السينما الإيطالية. ويضيف في هذا السياق أنه يريد
أن «يسد هذه الثغرة» دون أن يكون «فريسة» المواقف المتطرفة حيال النظام
الفاشي، فاهتمامه ينصّ على الأفلام نفسها. ويؤكد أنه كانت هناك أشكال
ل»القطيعة» ولـ «الاستمرارية» بين فترات ما قبل الفاشية والفاشية وما بعد
الفاشية، في السينما.
ومن أهم إجراءات الفاشية فرض ترجمة «دوبلاج» الأفلام الأجنبية إلى اللغة
الإيطالية. وما عنى «إعادة كتابة حوار الأفلام». بكل الحالات حاول موسوليني
بمختلف الوسائل استخدام السينما من أجل «لمّ شمل» الشعب حوله عبر إعطائه
«الوهم» بازدهار البلاد وسعادة الإيطاليين، كما أظهرتهم السينما. تبقى
الإشارة إلى أن غلاف الكتاب الأول هو الملصق الإعلاني لأحد أفلام الفترة
الفاشية «ماشيست».
يمهّد ستيفن ريتشي لتحليلاته بتقديم لمحة عن تاريخ الفاشية نفسها في
إيطاليا. وكان بينيتو موسوليني قد وصل إلى رئاسة الحكومة الإيطالية في شهر
أكتوبر من عام 1922، وجمع بعد أسابيع فقط كل السلطات بيده بتفويض من مجلس
النواب ومجلس الشيوخ. ثم قام بتعديل الدستور كي يعطي لحزبه «الحزب الوطني
الفاشي» الأغلبية البرلمانية. باختصار أقام سلطة دكتاتورية «شخصية». وأعطى
موسوليني لنفسه لقب «الدليل»، «المرشد». وكانت السينما، إلى جانب الإعلانات
في الشوارع والإذاعات والصور، أحد سبل تمجيد شخصيته.
الكتاب: الفاشية والسينما
تأليف: ستيفن ريتش
الناشر: جامعة كاليفورنيا 2008
الصفحات: 248صفح
القطع: المتوسط
Cinema and fascism
Stephen Ricci
University of California2008
248 P
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق