السينما العربية مازالت تنتظر!
هناك الكثير من الندوات الثقافية والسياسية الإعلامية ، عقدت خلال هذه السنة لبحث موضوع بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، وهو ما تعارف عليه إعلاميا باسم "النكبة" ، هذه الكلمة التي تصور عدة معاني خاصة وترمز إلى الانهيار الكامل ، ولا وجود لمرادف لها في اللغات الأخرى ، ولذلك ظلت تستخدم كما هي اللغة الانجليزية والفرنسية وغيره .
إن (النكبة) كما تقول معاجم اللغة ، هي مصيبة من مصائب الدهر ، ولكن يبدو أن اقترانها في التاريخ العربي الحديث قد ارتبط بما قام به الأفراد وكانت نتيجته العجز الذي أودى إلى قيام الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨مسيحي .
لقد عالجت السينما العربية بطريقة أو بأخرى موضوع النكبة أو خروج أكثر الفلسطينيين من ديارهم بالقوة وتوجههم إلى مناطق مجاورة ولكن ، مثل العامة لا ويوجد فيلم يمكن أن يذكر عالج النكبة وبمستوى فني كبير وكان صالحا للعرض في الخارج ، وكل الانتاج كان مجرد محاولة لاقتراب من القضية الفلسطينية بطرق مختلفة إن الحاجة تبدو ملحة لانجاز فيلم ضخم حول الأحداث التي وقعت قبل عام ١٩٤٨ وما بعدها ، وتشمل المحاولات الصهيونية لشراء الاراضي وطرد السكان الاصليين وكذلك تعاونهم مع القوات والمنظمات الأخرى العالمية من أجل الحصول على وعد بإقامة وطن مزعوم .
بداية أولى
أول الأفلام كان بعنوان (فتاة من فلسطين) وقد أنتج عام ١٩٤٨ ومن قبل الممثلة عزيزة أمير ، لكنها لم تعمل فيه وتم أختيار المطربة (سعاد محمد) في أول أدوارها ، وكان واضحاً أن الهدف هو البحث عن مطربة تؤدي الدور لأن الفيلم غنائي عاطفي بالدرجة الأولى ، وما الجانب التاريخي السياسي الحربي إلا مجرد إضافة يغلب عليها النزوع العاطفي والرومانسي لقد شارك في الفيلم كل من محمود ذو الفقار المخرج - مع صلاح نظمي وزينب صدقي - وحسن الفائق وشارك في تلحين الأغاني كل من : رياض السنباطي ومحمد القصبجي .
يرمز الفيلم إلى العلاقة المتأصلة بين مصر وفلسطين ، من خلال شخصية الطيار المصري الذي تسقط طائرته في قرية فلسطينية أثناء حرب ١٩٤٨ وتنقذه فتاة فلسطينية هي سلمى حيث يظهر منزلها أقرب إلى مركز للمقاومة لتنفيذ عمليات فدائية فلسطينية ، وفعلياً يثمر الحب عن زفاف يجمع الطيار مع سلمى إلى أن يقوم بإحدي الغارات الحربية ويموت خلالها.
جانب معين:
هناك فيلم آخر بعنوان (الله معنا - ١٩٥٣) وهو يشير إلى حرب عام ١٩٤٨ ولكن من جانب معين ، ليس له علاقة مباشرة بالنكبة ومجرياتها ، والفيلم مثل باقي أفلام أحمد بدراخان له طبيعة رومانسية درامية ، وربما ما أمتاز به الفيلم هو طاقم الممثلين المتكون من فاتن حمامة وعماد حمدي ومحمود المليجي ، ورغم ذكر الأسلحة الفاسدة الإ أن الفيلم ليس سياسياً.
في فيلم عنوانه (المخدوعون) إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا عام ١٩٧٢ لا تعدو وقائع النكبة إلا أن تكون خلفية بعيدة زمنياً ، وذلك بعد ١٠ سنوات عندما يقرر ثلاثة أفراد من الفلسطين الهجرة إلى الكويت ، وتكون النتيجة الموت في الصحراء .
بالطبع يمكن التطرق إلى فيلم (أحلام المدينة- ١٩٨٤) انتاج سوري ، فهو أحد الأفلام التي تتطرق إلى حرب ١٩٤٨ من خلال الأب الذي رحل للحرب وتنتظره الأسرة بلهفة ، وعندما يعود يجد نفسه مهزوما مع كل الاطراف ، وهناك أيضا فيلم (الليل) لنفس المخرج محمد ملص (١٩٩٢) حيث يبحث الأبن في ذاكرته عن قصة أبيه الذي رحل عبر القنيطرة إلى فلسطين للحرب مرتين الأولى عام ١٩٤٨ ، والثانية عام ١٩٦٧.
أما أهم فيلم في هذا المجال فهو (الترحال - ١٩٩٧) لمخرجه ريمون بطرس حيث صور الفيلم مشاهد من رحيل اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا عبر مدينة حماه ، مع أهتمام خاص بالتفاصيل الصغيرة ، مثل الملابس والاكسسوارات والموسيقا ، كما أن الترحال قد أحتوى على عناصر رمزية مسيحية ، لم تحقق سابقا في الأفلام العربية .
هناك فيلم آخر شارك في عدة مهرجانات سينمائية ، وهو (القبطان) لمخرجه سيد سعيد ١٩٩٧ويتميز الفيلم بأنه يستفيد من حركة اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا مدينة بورسعيد عن طريق البحر ثم استقرارهم مع السكان ولكن الفيلم ليس له علاقة مباشرة بهذا الحديث ، لأنه يركز على شخصية منصور الغامضة والمفتوحة والتي بدت وكأنها متخيلة وخصوصاً عندما تدخل في مواجهة ثنائية مع إسماعيل حكمدار المدينة لينتهى الفيلم بأنتصار للقبطان ، في الوهم والحقيقة.
باب الشمس
من الأفلام الأخيرة (باب الشمس) لمخرجه يسري نصر الله ٢٠٠٥ إنه بالتأكيد أفضل الافلام لأنه مخصص للتغريبة الفلسطينية ، معتمدا على رواية لألياس خوري ، والفيلم ليس مهما بسبب طوله (ست ساعات) ولكن أهميته تأتي من كونه مكرس للقضية الفلسطينية والشخصية الرئيسة في الفيلم هو يونس الذي ينظم للمقاومة داخل فلسطين ضد الاحتلال الانجليزي ولكن العصابات الصهيونية تقوم بطرد عائلته مع عدد من العائلات الأخرى وتبدأ العائلة في الخروج من فلسطين مرحلة بعد أخرى ، حتى تصل إلى بيروت أما يونس نفسه فيستمر في المقاومة ، وتستمر زوجته ايضا في أنجاب الأطفال لتتواصل القضية مع الأجيال الجديدة .
في داخل فلسطين نفسها لا وجود لفيلم واضح، يضع النكبة في الأعتبار الأول ولكن يمكن الإشارة إلى فيلم بعنوان (عائد إلى حيفا) الفلسطيني اللبناني أو الفيلم الإيراني وكلاهما يستخدم الخلفية المناسبة لهجرة أعداد كبيرة من الفلسطينيين أيام ١٩٤٨ مع التركيز على العائلة التي تترك ابنها الصغير ، وعندما تعود تجده أبناً ليس فلسطينياً وكل من الفيلمين أعتمد على رواية لغسان كنفاني.
ورغم أنه فيلم بسيط .. إلا أنه فيلم قاسم حول (عائد إلى حيفا) انتاج ١٩٨٧ في نسخته السوداء والبيضاء قد أحتوت على صور ومشاهد مصورة واحيانا توثيقية لعمليات الطرد الكبيرة التي قامت بها الحركات الصهيونية من أجل تفريغ فلسطين من أهلها.
والواقع أن الجوانب السياسية ربما تكون عائقاً في التعامل مع هذا الموضوع ، ولاسيما من حيث علاقة بعض الدول العربية بالحرب كما أن هناك اسئلة كثيرة ، يصعب الإجابة عنها ولهذا السبب ليس من السهل الاقتراب من هذا الموضوع ، والذي يصعب أيضا أن يجد من يتعامل معه أنتاجيا في فيلم معين أو في أفلام أخرى .
أشرطة وثائقية :
وفي هذا الإطار أستطاعت الافلام الوثائقية أن تحقق نجاحاً كبيراً ، وخصوصا تلك الافلام التي أنتجتها مؤسسات غربية مثل فيلم (ليت للصبار روحا) ثم تبع هذا الانتاج ظهور بعض الأشرطة التي أعادت البحث في وقائع حرب ١٩٤٨ وكذلك دور زعامات المنطقة ولكن في حدود ضيقة جدا .
بالطبع كان إنتاج الفيلم متأخراً وهو يعتمد على الجانب الرمزي المباشر وفي مجاله ، وليس من الناحية الفنية يعد فيلما متميزا قياسا بتلك المرحلة السياسية والإعلامية .
لاشك أن هناك أشرطة تستمد فكرتها من أحداث مصاحبة لما حدث في عام ١٩٤٨ مثل شريط شروق وغروب وشريط فجر وشريط نادية ولكن يبقى الحدث خارجياً ، لا تتناول القضية من داخلها والسينما العربية مازالت تنتظر أن يتم أنتاج فيلم يعبر عن هذا الموضوع من الداخل وليس الخارج.
هناك تعليق واحد:
ألف شكر لك عزيزي
-------------------------
مدونة القاضي العربي Fabulass
http://fabulassworld.blogspot.com
-------------------------
دليل الصحف الخليجية
http://arabiangulfnewspapers.blogspot.com
إرسال تعليق