رحلة الأمس التى بدأت وانتهت
"اليوم وبعد ثلاثين سنة من انطفائها، وإذ نعود للتوقف أمام هذه الثنائية، فإنما هى محاولة فى التاريخ والتجربة والفن والانسان. محاولة فى رؤية مسيرة الكفاح التى ولدتها وجعلتها منعطفا فنيا حقيقيا، لا يمكن لعاقل وموضوعى نكرانه أو التغافل عنه"
هذا الطرح هو جزء من مقدمة كتاب، صدر بعنوان (دريد ونهاد) لمؤلفه بشار ابراهيم وهو يحمل الرقم 149 من سلسلة الفن السابع التى تصدر عن المؤسسة العامة للسينما فى سوريا
هناك عناوين كثيرة حملتها هذه السلسلة، وبالاخص الكتب المترجمة عن السينما والصادرة بالانجليزية والفرنسية واحيانا الروسية، ولكن الكتب المكتوبة مباشرة والموضوعة باللغة العربية بالتأليف وليس الترجمة، قليلة ـ وبعضها ليس له قيمة كبيرة.
هذا الكتاب يختلف كثيرا، فهو يتصدى لثنائية معروفة وهى (ثنائية دريد ونهاد) والمقصود طبعا (دريد لحام ونهاد قلعي) وهى أشهر ثنائية فى المسرح السينما على مستوى الوطن العربي.
أشباه ونظائر: ـ
ربما كان كل ذلك صحيحا، غير أن تجربة (دريد ونهاد) لها وضع مختلف، وهى تجربة تعتبر متكاملة نسبيا تداخلت فيها عدة شروط واعتبارات وبرزت فى سوريا فى السينما والتلفزيون والمسرح، وكان من الطبيعى أن تتم الاشارة اليها وتناولها بالقراءة والتحليل النقدى، وهذا ما حدث فعلا باصدار هذا الكتاب الذى يحاول أن يتأمل فى صعود وانطفاء هذه الظاهرة والأثر الذى تركته فى مسيرة الفن العربى عموما والفن داخل سوريا على وجه التحديد.
يتكون فهرس الكتاب من عدة موضوعات يشملها محور واحد يقوم على تقويم قراءة لتجربة كل من دريد لحام ونهاد قلعى فى حدود تعاونهما المشترك، وهذه الموضوعات مقسمة كالآتى: ـ أولا.. توطئة ثم مقدمة. ثانيا صورة مقربة للفنان نهاد قلعى بعنوان (مأساة فنان أضحك الناس وبكى.
ثالثا صورة مقربة للفنان دريد لحام، وهى مقابلة حوارية مطولة بعنوان "دريد كان يتكىء على سماء الفن وينظر الى أعلى،.
رابعا.. أعمال دريد ونهاد فى المسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة وحصر للاغانى الفردية والمشتركة والافلام السينمائية لكل منهما. خامسا.. دراسة بعنوان (فى البدء كان الكركتر). سادسا.. مقالة نقدية بعنوان: تحسين قوادرى.. وصناعة سينما دريد ونهاد. سابعا.. بطاقات الافلام وهى تشمل تعريف بافلام دريد ونهاد. ثامنا واخيرا.. ذكر الهوامش والإحالات التي لم ترد محتوياتها في الكتاب، ثم صور متنوعة بالابيض والاسود.
نماذج تتكرر: ـ
فى قراءة لمفهوم (الكركتر) يتطرق الى صورة الشخصية النموذجية، كما تم تقديمها فى سوريا من خلال بعض المؤلفين، ومن هذه الشخصيات "أبو رشدى وأم كامل وأبو فهمى) وجميعها بدأ العمل فى تقديمها عام 1948 وبواسطة بعض الافلام مثل حكمت حسن وعبد الهادى الدركزللي وربما كان ذلك كله استثمار لشخصيات خيال الظل المعروفة ويشهد الحقل الفني ان الفنان نهاد قلعي له أسبقية فنية فى رسم الشخصيات الشعبية على وجه الخصوص والناطقة باللهجة الشامية.
لعل غوار الطوشة هو أهم شخصية درامية، على الأقل على مستوى الانتاج السورى الكوميدى، ورغم أن الذى استنبط الشخصية هو دريد لحام، إلا أن الذى كتبها وحدد معالمها هو الكاتب نهاد قلعى نفسه، ولقد اضاف اليها شخصية حسنى البورازن التى جسدها بنفسه، مع مجموعة شخصيات اخرى تكمل العمل الفني.
ظروف محلية:
يقول المؤلف بأن شخصية غوار الطوشة قد جاءت من خلال العمل فى بدايات التلفزيون السورى عام 1960، عندما قدم دريد لحام شخصية اجنبية تدعى (كارلوس) لكنها فشلت، واختار شخصية أخرى تدعى غوار الطوشة لها مواصفات شعبية وكوميدية.
والغريب هنا أن دريد لحام لم تكن لديه ميول سينمائية ولم يشاهد افلاما عربية أو أجنبية، كما يصرح بذلك فى المقابلة داحل الكتاب، وأنه قد تسلل الى المسرح الجامعي من خلال مشاهدته لبعض المسرحيات المحلية فقط.
وتبدو الصدفة هى الاساس فى اختيار الشخصية (غوار وحسني) وأن المسألة لم تكن مدروسة بشكل دقيق، حيث أن الارسال التلفزى السوري كان مباشرا ويتطلب السرعة فى الانجاز؟
ومن ضمن مبررات قيام هذا الثنائى القول بأن مجموعة النماذج المختارة بعناية فائقة قد اضافت مناخا ساعد على استيعاب الشخصيتين الرئيسيتين بكل ما تختزله من حكايات قريبة من الذاكرة الشعبية.
ومن جانب كانت الجهة المنتجة سببا فاعلا فى انجاح هذه الشخصيات من خلال انتاج عدد من المسلسلات، والمقصود بذلك تلفزيون لبنان والمشرق الذى قدم (دريد ونهاد) فى البداية من خلال برنامج يسمى IIXII) ( ثم أعيدت المشاهد الفكاهية بطريقة مختلفة من خلال مسلسل كامل وهو "مقالب غوار" والذي نجح عربيا.
تجارب متتالية:
فى عام 1968 جاءت التجربة الثانية من خلال نفس القناة، وكانت بعنوان (حمام الهنا) الذى اشترك فيه ايضا رفيق السبيعى لشخصية (أبو صياح).
بعد ذلك اصيب الكاتب والممثل نهاد قلعي بمرض جعله غير قادر على الاستمرار وخصوصا فى التمثيل، وبذلك انتهت مرحلة هذا الثنائى ليبدأ دريد لحام فى رحلة جديدة مع الكاتب محمود الماغوط فى مسرحيات ومسلسلات جديدة وأهمها وين الغلط مسلسل وادي المسك الذي أصر فيه دريد لحام على انهاء شخصية غوار بشكلها المعروف، وأن تكون له بداية مختلفة عن السابق، وهذا ما حدث فعلا، فقد قدم دريد لحام مسلسلا بعنوان (الدوغرى) اخراج هيثم حقى، ثم احلام أبى الهنا، ورغم أن هناك مسلسلا يحمل اسم "غوار بعنوان الاصدقاء، إلا انه يختلف عن المسلسلات المعروفة السابقة.
ثنائيات نمطية:
ومن ضمن الآراء التى تحلل وتبرر وجود الثنائيات النمطية القول بأن الشخصية الكاريكتورية متصالحة مغ نفسها ضد الآخرين، وهذا أمر غير متحقق فى العقدين الآخرين، لأن كل شخصية متناقضة مع نفسها ومع عالمها الداخلى.
إن ولادة الثنائى (غوار وحسني) كانت طبيعية. اما اذا اعيد توليدها الآن، فإن الولادة ستكون قيصرية.
ربما كان من الناحية الشكلية هناك مبرر لوجود الثنائى (دريد ونهاد) مثل لوريل وهاردي، ولكن الأهم هو تلك المبررات الفعلية التى لها علاقة بالواقع والجمهور.
إن نجاح هذا الثنائى يكشف لنا بأن المشاهد قد امتلك (مفاتيح الصراع بين الشخصيتين، وهو على أية حال صراع من النوع البسيط، وخصوصا وأن الجمهور قد عرف قواعد اللعبة: غوار النحيف، الضعيف ينتصر على حسني البدين، القوى، لينتصر الذكاء أو الفهلوة، على الضخامة أو الرزانة .
إنه التأكيد على القوة الداخلية عند البشر، التى قد تترجمها الاجسام بطريقة خاطئة، لكن ما لم ينتبه له الكثيرون، وربما الثنائي، هو حضور تناقض من نوع آخر، وهو التناقض الاجتماعيى الذي سيقود، إلى الصراع الاجتماعى: ـ
غوار الامي بطربوشه وقبعاته وشرواله من جانب، وحسني المتعلم، ببدلته الرسمية وربطه عنقه".
لا أحد يغفل بأن النقد السياسي كان خلفية واضحة لاحداث المسلسلات المحدودة بهذا الثنائى، لكن على ذلك يتم فى حدود ما هو متعارف عليه، بما يحفظ للاطار الاجتماعي توازنه ولا اختراق لذلك،
حوار مطول:
فى الكتاب حوار مطول مع الفنان دريد لحام يتحدث فيه عن كيفية لقائه مع نهاد قلعى وكيف كانت بداية الثنائى "، مع الاختلال الكبير بينهما من تكوين الشخصية الفردية والفنية، حيث بدأ نهاد قلعى من الصفر ومن المسرح مخرجا وكاتبا، أما دريد لحام فهو ابن الجامعة الذى يحاول أن يعمل ولكن بحذر شديد وبمحاولة الحفاظ على فكرة المراحل المتعددة، حيث تلغي كل مرحلة، المرحلة التي تسبقها. ولقد كان ذلك واضحا فى المسرح (مسرحية عقد اللؤلؤ) وفى المسلسلات التلفزية، ثم فى مسرحيات أخرى مثل (مساعد المختار ـ قضية وحرامية ـ مسرح الشوك ـ ضيعة تشرين ـ غربة) ولقد استمر دريد لحام فى تقديم المسرحيات والمسلسلات والافلام بعد مرض ووفاة رفيقه نهاد قلعى عام 1993. ولكن لم يعد الشكل العام يعكس ظهور ثنائى يتصارع بالمقالب، ولكن وفق اختيارات أخرى، احيانا تكون سباسية كما حدث فى مسرحية (كأسك يا وطن) لمحمود الماغوط وأحيانا تكون فى شكل أفلام فردية لدريد لحام، ولاسيما وانه قد اتجه للإخراج السينمائي وقدم أشرطة مثل الحدود ـ التقرير ـ كفرون ـ الآباء الصغار.
عنصر الاغنية:
من ضمن الاختلافات بين دريد ونهاد ـ اعتماد الأول على عنصر الاغنية فى مسلسلاته ولاسيما التى كتبت متأخرا، وربما يرجع ذلك الى اهتمامه بالموسيقى وعزفه، على بعض الآلات الموسيقية، ومن أشهر هذه الاغانى اغنية (يامو) وكذلك أغنية (سلامات). ايضا يمكن النظر الى التأكيد على الشخصية النموذجية لنجده من اختيار نهاد قلعى. أما دريد لحام فهو يبحث عن الشخصية الأخرى التى تتغير بحسب الظروف والأحوال.
وبالطبع كل ما يمكن أن يقال فى هذا الصدد، قد جاء ضمن سياق الحوار المطول مع دريد لحام والذى غطى نصف الكتاب بلا مبرر، لذلك، وما ينقص الكتاب فعليا هو الجانب النقدى، ويبدو أن فكرة التكريم للاسمين قد سيطرت على مستوى ونوعية الكتابة فجاء الكتاب بهذا الشكل الذى يحسب لمؤلفه اجتهاده وجديته التعامل مع الموضوع.
أول الافلام:
أما أول الأفلام هذا الثنائى فقد كان بعنوان (عقد اللؤلؤ) وهو انتاج عام 1964 واخراج يوسف معلوف وبمشاركة كل من صباح وفهد بلان وفى عام 1965 انتاج فيلم (لقاء فى تدمر) من اخراج يوسف معلوف وقد كان فيلما ملونا مثل الفيلم السابق واعتمد على وجود مطرية وهى (يسرى البدوية).
اما البطولة فهى للثنائى والتصوير لمحمود عياد دريزة.
ثالث الأفلام جاء بعنوان المليونيرة اخراج البير نجيب وبطولة صباح ومنير معاصرى. أما رابع الافلام فهو بعنوان (فندق الاحلام 1966) مع صباح ايضا ولنفس المخرج السابق.
صعاليك ولكن:
من أشهر الافلام للثنائى كان (أنا عنتر) لمخرجه يوسف معلوف أنتاج عام 1967، ثم جاء فيلم (غرام فى اسطنبول) انتاج عام 1967 واخراج سيف الدين شوكت وبمشاركة المطربة سمورة والممثل التركى باكلان الجان.
ايضا هناك فيلم بعنوان (الصعاليك) إنتاج 1967 وإخراج يوسف معلوف.
وقد شاركت فيه الممثلة مريم فخر الدين والممثلة سلوى سعيد.
اما فيلم (اللص الظريف) فهو من انتاج 1968 والاخراج ليوسف عيسى وبمشاركة الممثلات نيللى ومنى واصف وهالة شوكت.
ومن المخرجين غير السوريين أو اللبنانيين الذين اخرجوا افلاما للثنائى.
المخرج نيازى مصطفى والفيلم كان باسم (النصابين الثلاثة) انتاج عام 1968 وهو للسينارست عبد الحي أديب وبمشاركة فريد شوقى ونبيلة عبيد وطروب ورفيق السبيعى.
ايضا المخرج عاطف سالم من مصر اخراج للثنائى عام 1969 فيلما بعنوان (خياط السيدات) بطولة شادية ومحمود جبر وحبيبة، كما اخرج حسن الصيفي فيلما بعنوان (الصديقان) انتاج عام 1970 وبطولة نجلاء فتحي ونجوى فؤاد وسمير غانم ومنى واصف.
على نفس المنوال اخرج حلمى رفلة من مصر فيلما للثنائى بعنوان (الرجل المناسب) بطولة نادية لطفى وكمال الشناوى.
هناك فيلم آخر بعنوان "1 + 1" إخراج يوسف معلوف وبطولة سهير المرشدى وطلحت حمدى وفيلم (امرأة تسكن وحدها) اخراج نجدى حافظ وانتاج عام 1971 وبطولة الثنائى مع امال رمزى ومنى واصف.
ومن الافلام التى ينبغى ان تذكر هناك "الثعلب اخراج يوسف معلوف، "ومقلب فى المكسيك" إخراج سيف الدين شوكت وفيلم "زوجتى من الهيبز" إخراج عاطف سالم وفيلم "مسك وعنبر" إخراج احمد ضياء الدين، وفيلم (لاعب الكرة) اخراج خلقى سانر، وفيلم "غوار جيمس بوند" إخراج نبيل المالح وفيلم "المزينون" اخراج محمد سلمان وفيلم "صح النوم" اخراج خلدون المالح وفيلم "سمك بلا حسك" اخراج سمير الغصينى وفيلم (عندما تغيب الزوجات) اخراج مروان عكاوى، وفيلم "امبراطورية غوار" اخراج مروان عكاوى والفيلم الاخير لم يشارك فيه نهاد قلعى.
منتج واحد:
سوف نجد أن نسبة كبيرة من الافلام قد انتجها المنتج تحسين قوادرى والذى كان له الدور الكبير فى تقديم هذا العدد من الاشرطة والتى وصل عددها (26) فيلما مشتركا.
يمكن القول بصفة عامة بأن هذه الافلام لم تكن فى المستوى المطلوب، وكان الهدف أن تحقق هذه الافلام التوزيع العربى، بما فى ذلك توزيعها داخل مصر، ولكن لم يتحقق ذلك، وظلت فى مجموعها مجرد ارقام تقول بأن الثنائى (دريد ونهاد) قد عملا فى السينما، وأن الجمهور قد عرفهما أيضا عن طريق الشاشة الكبيرة بعد الشاشة الصغيرة.
لعل هذا الكتاب، بالاضافة الى كتب أخرى انجزها المؤلف بشار ابراهيم (سينما القطاع الخاص فى سوريا وألوان السينما السورية وفلسطين فى السينما، تدل على الجهد الثقافى المبذول والعين الواعية على النقاط أهم العلامات فى السينما العربية بصفة عامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق