مقاربة للمونتاج فى الفيلم السينمائي
يشير عنوان هذا الكتاب الى عنصر اساسي من أسس صناعة الفيلم السينمائى، ألا وهو المونتاج، ومن هنا جاء العنوان "أنا والمونتاج" لمؤلفاته الدكتورة منى الصبان، صاحبة أكثر من كتاب فى مجال المونتاج.
والأنا هنا تعود الى عدد من المخرجين، وهم صلاح أبو سيف، هنرى بركات، سمير سيف، على بدرخان، محمد خان.
حلقة أولى:
البداية كانت مع المخرج المعروف صلاح أبو سيف، حيث جاء حديثه اقرب الى المحاضرة حول المونتاج، مع طرح بعض الأسئلة المصاحبة.
انصبت آراء المخرج صلاح أبو سيف حول امكانية الاستغناء عن المونتاج وهو تساؤل يقود الى ادراك أهمية المونتاج. إذ لا يمكن فى الحقيقة الاستغناء عنه، وكما حدث فى السينما الصامتة، فقد كان المونتير هو العنصر الأهم، اذ يمكنه أن يركب ما يشاء من المشاهد لتخدم السياق، ولكن اكتشاف الصوت حد من امكانات ذلك.
ويذكر المخرج أن هناك تجربة قام بها المخرج "هيتشكوك" وهى إخراجه لشريط بعنوان الحبل بدون استخدام المونتاج. فكان يصور كل عشر دقائق لوحدها كاملة توافقا مع "بوبينه" الفيلم نفسه.
تكمن أهمية المونتاج كما يقول المخرج صلاح أبو سيف فى الاعتماد عليه فى عملية التقطيع والربط لتوفير السياق الدرامي لقصة الفيلم من البداية الى النهاية. اذ أن تصوير الفيلم يتم حسب الموقع وأحيانا زاوية التصوير.
أهمية المونتاج:
يستطرد المخرج في التنبيه لأهمية المونتاج فى ذكر الأمثلة المختلفة، ويذكر من ذلك المثال الخاص بالمدرعة بو تمكين وهو الفيلم الذى عرض فى السويد بتبديل البكرات مما أوحى بمعنى مختلف.
ومن ا لأهمية بمكان ادراك قيمة ايقاع الفيلم وفهمها جيدا وهذا يتطلب اعادة تصوير اللقطات أكثر من مرة لكى يستطيع المونتير أن يختار ما هو مناسب للقطع ولا تحدث صدمة للمتفرج.
ويذكر المخرج بعض التجارب التى عاشها اثناء تصوير فيلم "الوحش" فقد اختفت مواقع التصوير التى اختارها بسبب فيضان نهرى، وبالتالى كان الاعتماد على مواقع تصوير جديدة والتركيز على المونتاج لتدارك بعض المشكلات.
إن معرفة المونتاج وفهم قواعد تساعد المخرج فى ايجاد بعض الحلول الخاصة بالتصوير والتمثيل، ويقول صلاح أبو سيف بأنه قد يستخدم المونتاج المتوازي كما في فيلم "الفتوة" والمونتاج الفكري كما في فيلم "الأسطى حسن". وقد تكرر ذلك فى فيلم "شباب امرأة" وفيلم "ريا وسكينة حيث تم تطبيق القطع لاحداث النقل المكانى.
ومما أشار إليه المخرج أيضا أنه يسجل تفاصيل السيناريو الفعلى، حيث تمكن مراجعته أحيانا لتدارك الأخطاء.
طبيعية الإيقاع:
وعن علاقة المونتاج باللقطة المركبة، يشير المخرج إلى أن طبيعة الفيلم هى التى تحدد ذلك وذلك حسب الايقاع، فمثلا فى فيلم "ريا وسكينة" هناك مشهد الرقصة مثلا يحتوى على أكثر من مائة لقطة، بينما فيلم كامل مثل "القاهرة 30" يحتوى على "230" لقطة.
ومن خلال الحوار بين المخرج صلاح أبو سيف ومحاوريه منى الصبان وعادل منير يستمر النقاش حول المونتاج مع تدخل بسيط من قبل الطلبة الحاضرين، حيث يتم التركيز على ابجدية السينما بحروفها الثمانية، الخاصة بالصورة أولا وهى: الديكور ـ الممثل ـ الإكسسوار الثابت ـ الاكسسوار المتحرك ـ الاضاءة. وهناك ايضا حروف ثلاثة خاصة بالصوت وهى: الحوار ـ الموسيقى ـ الموثرأت الصوتية.
ولعل الحوار يمتد الى آفاق أرحب عندما يتدرج الى الرسالة الخاصة بالفيلم والتى قد لا تصل ، كما يخطط لها المخرج الى المتفرج، وذلك عندما يكون الاهتمام بالتكوين من الناحية الشكلية مغايرا للمعنى والمضمون.
وتستخدم بعض الأفلام باعتبارها أدلة لذلك مثل فيلم "لا أنام" وكذلك فيلم "لك يوم يا ظالم".
تتنوع أسئلة الطلبة وان كان أغلبها ينصب حول مفهوم الواقعية وحول علاقة كاتب السيناريو بالمخرج وعلاقة الجمالية بالواقعية وعلاقة الجمهور بالافلام وأسباب الغاء القطاع العام وعدم عودته من جديد، والحقيقة ان أغلب التساؤلات كانت بعيدة عن مناقشة المونتاج وذهبت باتجاه قضايا عامة، فى الوقت الذى كان فيه المونتاج هو الموضوع الرئيسي، ولولا بداية الحوار لكان فى الأمر رأي آخر.
آراء ونقاشات:
ويذكر المخرج أيضا بأنه قد استخدم المونتاج لاصلاح بعض القصور في القصة مصحوبا بالتعليق كما فى فيلم "المتهمة 1942" واستخدم أيضا القطع المتوازي كما في فيلم "الباب المفتوح ـ 1963".
ولقد أتاح المخرج للحوار أن يأخذ مجراه الطبيعى، فتطقرقت أسئلة الطلبة الى بعض مشاهد فيلم "في بيتنا رجل" وخصوصا بالنسبة لتقطيع مشهد المظاهرة والذى يأتى قبل التنفيذ مباشرة، وكما حدث فى فيلم "سفربرلك" إنتاج عام 1968 والذى صور فى لبنان وتم فيه رسم المشهد وفق المكان.
يقول المخرج: "نعود هنا الى التأكيد على أنه لابد أن يمتلك المخرج الوعي بالمونتاج مئة بالمئة، وان يعلم تماما اثناء التصوير أين سيتم القطع، ولا يتأتى هذا إلا بزيارة أو زيارات مسبقة لمواقع التصوير واعداد الديكوباج أو "بروفة الكروكي" للمشهد والمداخل والمخارج التى تتحرك الشخصيات منها واليها، وخط سير كل منهم".
وعن العمل الفعلي بالمونتاج يذكر المخرج بأنه كان يقوم فى بداية الأمر بمونتاج أفلامه بنفسه، ثم تغير الأمر مع وجود مختصين بهذه المهنة وأشهر من تعامل معهم المونتير فتحى قاسم.
أفلام غنائية:
ومن الأفلام التي تعرض إليها المخرج ولكن بصورة بسيطة "دعاء الكروان" وكذلك الأفلام الغنائية وخصوصا أفلام فريد الأطرش وأهمها "شاطئ الغرام".
ومن الواضح أن الجانب الاقتصادي يسيطر على تفكير المخرج، فهو يعمل حسب مصروفات الفيلم، سواء من حيث عدد زوايا الكاميرا أو إعادة تصوير اللقطات، وربما كان هذا هو الأسلوب المتبع من قبل أكثر المخرجين.
يمكن أن ننتقل إلى حلقة النقاش التالية وقد حضرها المخرج سمير سيف والذي يذكر أن له تجربة في مجال المونتاج عندما كلف وهو طالب بعمل ديكوباج كامل لفيلم دعاء الكروان، بغرض نشره في مجلة المسرح والسينما، ولقد تكرر ذلك في أفلام أخرى ومنها فيلم جان لوك غودار وهو "على آخر نفس" وفيلم بعنوان "قبعة مرشد البوليس" للمخرج جان بيير ميلفل.
الحركة والمونتاج:
ومن ضمن الأسئلة المهمة التي يجيب عليها المخرج سمير سيف ذلك السؤال الذي تدور تفاصيله حول علاقة المونتاج بأفلام الحركة التي اشتهر بها المخرج، حيث يؤكد على أن أفلام الحركة لا يكتمل المشهد فيها إلا بإتمام مونتاجه بصرف النظر عن المعنى والحوار، أي أنها لا تصل إلى إيقاعها الأخير إلا في المونتاج النهائي، فالمونتاج يشكل علاقة عضوية مع أفلام الحركة.
هنا تفصيلات كثيرة تدخل في حلقة النقاش مع المخرج سمير سيف، ومن ذلك مثل إيضاح الفروقات بين المصداقية والتأثير والمقارنة بين الأفلام الاستعراضية وأفلام الكاراتيه، ثم الفرق بين مشاهد الحركة والمشاهد التمثيلية، وكذلك التطرق إلى دور المونتاج في التأثير على الشكل النهائي للحركة، ولقد نالت المؤثرات الصوتية أهمية خاصة في النقاش والحوار والسبب يعود إلى انتماء المخرج إلى فئة المخرجين المنحازين للمؤثرات بصفة عامة.
أما بالنسبة للسؤال الخاص بدور القطع ومدى تأثيره في إيقاع فيلم الحركة مقارنة بوسائل أخرى مثل المخرج والمسح، فالإجابة بسيطة، حيث يتناسب القطع مع الحركة السريعة ولا يتناسب مع الحركة البطيئة، والأمثلة كثيرة على ذلك، فمثلا نجد مشاهد القطع قليلة في بداية فيلم "الفك المفترس" ويبدأ القطع بعد ذلك ، أي بعد ظهور القرش نفسه، وهذا ما يسمى محاولة خلق إحساس بالتوقع.
هناك أحاديث جانبية مع المخرج سمير سيف طالت موضوعات قريبة من المونتاج ولكنها ليست في صلب الموضوع، بل هناك موضوعات بعيدة تماما، منها ما يخص الدوبلاج والدوبلير في السينما، ورغم أن الإضافات المقدمة كانت مهمة وتكشف عن معرفة واسعة للمخرج إلا أن موضوع الكتاب ظل بعيدا عن محور النقاش.
تفاصيل أخرى:
ومن أكثر الأفلام التي استشهد بها المخرج بدرخان "الجوع، الكرنك" وإن كانت ذكرياته باعتباره مساعدا للإخراج قد غلبت على ما ذكره من تفاصيل وخصوصا بالنسبة لعمله مع المخرج يوسف شاهين.
آخر المخرجين الذين شملتهم حلقة النقاش كان المخرج محمد خان والذي يتحدث عن تجربته بدخوله مجال السينما في لندن، بعد أن كان مقررا له دراسة الهندسة، وكان أهم فيلم بالنسبة إليه هو فيلم "المغامرة" لمخرجه أنطونيوني، إلا أن تجربته لم تكن مكتملة إلا بعد أن عاد من لندن ليعمل في فيلم "ضربة شمس".
ولقد أحضر المخرج معه عددا من المشاهد السينمائية لعرضها أمام الطلبة، ومن ذلك مشهد من فيلم "المضطرب" لهيتشكوك ومشهد آخر من فيلم "موعد على العشاء" ثم فيلم "طائر على الطريق" وكذلك "الرغبة والخريف"، وافلام "هند وكاميليا، زوجة رجل مهم، خرج ولم يعد، مشوار عمر".
ويصل المخرج في ختام العروض التي اختارها إلى القول والتأكيد على أن المخرج لابد وأن يفكر أثناء إعداده للعمل كمونتير "فأنا لا أتصور أن أقوم بالتصوير بشكل عشولئي ثم أتوقع أن أخلق رؤيتي للعمل أثناء المونتاج بعد ذلك".
وربما كانت حلقة البحث مع هذا المخرج هي الأبعد بخصوص المونتاج لأن الحركة ليست عنصرا أساسيا في أفلامه.
كتاب مختلف:
يبقى هذا الكتاب بكل الأفكار التي يحملها من الكتب المهمة التي تكشف لنا عن الطرائق التي يستخدمها المخرج في تعامله مع المونتاج بصفة عامة، وكذلك يكشف عن بعض التفاصيل التي لا يعرفها إلا مخرج الأفلام نفسه، مهما كان ادعاء النقد بأنه قد توصل إلى كشف بعض غموضها، وإذا حاولنا أن نعود إلى المكتبة السينمائية العربية، فسوف نجد أن الكتب التي تناقش المخرجين قليلة جدا، وأكثر المخرجين رحلوا بدون أن يجرى حوار حقيقي معهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق