طموح كبير وآفاق مستقبلية واعدة
من يتابع الدورة الثانية لمهرجان الشرق الأوسط السينمائى الدولى والذى انعقد بأبى ظبى خلال الفترة من 10 الى 19 أكتوبر 2008، لا يمكنه أن يصدق أن هذا المهرجان يعقد دورته الثانية فقط، ذلك أن الاستعدادات للدورة كبيرة، والفعاليات كثيرة ومتعددة، وحجم المشاركات يفوق بكثير المتوقع من مهرجان لم تمر على تأسيسه إلا سنة واحدة.
* دوافع وأسباب
:
بصرف النظر عن الأسباب الحقيقية الدافعة لتأسيس مثل هذا المهرجان، وبعيدا عن النقاش الدائر حول العلاقة بين امكانات الانتاج السينمائى فى منطقة والاتجاه الى دعم المهرجانات الكبيرة، وبدون الدخول فى التفاصيل الخاصة بالعلاقات بين المهرجانات الخليجية والعربية عموما من حيث التشابه واحيانا المنافسة، نقول بأن الحكم على أى مهرجان سينمائى لا يكون إلا بالنتائج التى يحققها مستقبلا، فمتى استطاع مثل هذا المهرجان (الشرق الأوسط) أن يدعم السينما فى الخليج، ويحرك الانتاج، ويتمكن من خلق نواة لسينما خليجية متنوعة، فإن هذا يعنى النجاح الكبير، وهذا الأمر يحتاج بالطبع الى عدد من السنوات والدورات المتالية التى يمكنها أن تنجح فى جعل منطقة الخليج لها علاقة مباشرة بحركية الانتاج العالمى باعتبارها منطقة قابلة للاسهام فى صناعة السينما العالمية من ناحية، وكذلك جعل الخليج مكان صالحا لتصوير الافلام العالمية وليس المحلية فقط.
قلنا، يعتبر مهرجان أبو ظبى السينمائى أو حسب التسمية الاعلامية مهرجان الشرق الأوسط، ناجحا ولاسيما فى دورته الثانية والتى يمكن للمتابع أن يعتبرها أقرب الى الدورة الثانية عشرة، حيث بدا المهرجان وكأنه مهرجان قد ولد منذ سنوات، ولاسيما وان طموحاته كانت واسعة الى أبعد الحدود، وكذلك امكاناته وقدراته التنظيمية، حيث يبدو من بعيد، وكأنه خلية نحل من كل الجوانب الاعلامية والفنية، وكذلك مستوى اختيارات الافلام وتنظيم الندوات والمؤتمرات والفعاليات.
على مستوى الافلام والاقسام التنظيمية اعتمد المهرجان الطريقة المتعارف عليها عالميا، حيث يوجد قسم خاص بمسابقة الافلام الروائية الطويلة وقسم آخر للافلام الوثائيقية ، ثم مسابقة للافلام الروائية القصيرة، وعلى مستوى محلى خاص بالامارات هناك قسم لافلام الطلبة وهى على الارجح مشروعات تخرج واخيرا مسابقة الافلام الاماراتية، والمسابقة الاخيرة كانت تظاهرة منفصلة، صارت بشكل مؤقت جزءا من المهرجان.
* اقسام وفعاليات:
هناك ايضا اقسام أخرى كثيرة، من ذلك قسم مهرجان المهرجانات وهو بعض مختارات من المهرجانات الدولية، كذلك توجد عروض خاصة وقسم لافلام البيئة، بمشاركة من المهرجان فى الاحتفال المستمر بدعم النشاط الخاص بالمحافظة على البيئة، حيث اعتمدت هذه السنة، سنة البيئة العالمية.
هناك ايضا قسم خاص ببرنامج الأفلام المنتجة عن فلسطين، وهى عبارة عن ندوة تسمى "60 عاما على تقسيم فلسطين" ولقد اشرف على الندوة المخرج قيس الزبيدى.
من الفعاليات المهمة ايضا معرض صور وأفلام يوسف شاهين، كذلك هناك احتفال باليوبيل الذهبى للسينما المغربية.
هناك ايضا حلقة بحث عن السينما العربية، وحلقة نقاش حول اصدارات المهرجان من الكتب السينمائية، ومن الندوات المهمة نجد حلقة بحث ونقاش حول قضية المسلمين فى السينما والتلفزيون من خلال وجهة نظر كتاب وباحثين من مناطق مختلفة من العالم.
ومن الاحتفاليات الخاصة أيضا هناك تكريم للممثلة جين فوندا وتكريم للمخرج التونسى ناصر خمير، فضلا عن حلقة نقاش موسعة حول قضية المرأة بحضور عدد من الممثلات ومنهن الممثلة "سوزان سارندن" وكذلك الممثلة يسرى وليلى علوى وصفية العمرى والمطربة لطيفة، وكل ذلك فى اطار ما يعرف بسينما الحقيقة.
هناك ايضا فعاليات مضافة الى الجدول الرسمى، ومن ذلك الاحتفاء بدمشق عاصمة للثقافة العربية وتكريمها بحضور وزير الثقافة فى سوريا الدكتور رياض نعسان آغا وبمشاركة عدد من الممثلين والنقاد السوريين والعرب.
* لجنة تحكيم دولية:
من الاعضاء هناك الفنانة المصرية يسرا والناقد رأفت شركس من سوريا والباحث القانونى فى مجال السينما الفرنسي مارك ليتواك والسكندرية المصرية "ماجى مرجان" وهى منتجة وباحثة ومخرجة.
هناك ايضا "مارتن جيرو" من سويسرا وهو باحث ورئيس تحرير مجلة "السينما والآدب" السويسرية.
من اعضاء لجنة التحكيم "جون هاليكى" وهو امريكى مهتم بالافلام القصيرة المنتجة داخل الشركات الكبرى، ولقد تولى ادارة قنوات مخصصة للافلام القصيرة، وادارة مواقع الكترونية سينمائية كثيرة.
هناك ايضا عبد الرحمن سيسكو من موريتانيا وهو مخرج له عدد من الأفلام التى فازت بجوائز عديدة عالمية.
بالاضافة الى ذلك، نجد "مايك جود ريدج" من امريكا وهو ناقد يكتب فى العديد من الصحف والمجلات داحل امريكا ونجد ايضا "بتسي اى ماكلين" وهى ايضا امريكية مختصة بالفيلم الوثائقى.
اخير هناك اليونانى "ميشيل ديمو بوس" وهو كاتب سينمائى ومخرج وباحث ويعمل مدير المهرجان تساليونيك فى اليونان.
والواقع أن اختيار لجنة التحكيم قد تجاوز الحدود المحلية العربية ليجعل منها لجنة دولية، وهذه السمة بدأت واضحة على المهرجان للوهلة الأولى، فهو مكرس للسينما العالمية عموما، ليس فقط على مستوى لجنة التحكيم، ولكن ايضا بالنسبة للضيوف وعدد الباحثين والصحفيين، وربما كانت النتائج التى اعلن عنها فى نهاية المهرجان دليلا على ذلك.
كانت هناك نظرة خاصة لحفل الافتتاح، فقد بدأ بسيطا وهادئا يشمل بعض الفقرات الاستعراضية واعتمد كليا على المذيعة رزان المغربى التى تجيد الانجليزية بطلاقة. أما الكلمة الرسمية للمهرجان فقد جاءت باللغة العربية وهى موجزة وبليغة فى آن واحد وقد القاها الاستاذ محمد خلف المزروعى نائب رئيس المهرجان، بالاضافة الى حضور متميز لمديرة المهرجان الاعلامية "نشوى الروينى" والتى ألقت كلمة رسمية ايضا.
يمكننا ان نمر سريعا على فيلم الافتتاح، فهو لم يعجب أكثر الحضور، وربما كان لموافقة المخرج على حضور المهرجان دور ايجابي فى دعم نجاح العرض، وهو أمر انطبق على حضور النجوم ايضا ومنهم الممثل ادريان برودى.
عنوان الشريط "الاخوان بلوم" للمخرج ريان جونسون، وفكرة الفيلم تدور حول الاخوين "بلوم" اللذين يمارسان الاحتيال، وسوف تكون لنا قراءة مفصلة عن هذا الفيلم.
* أفلام متتالية:
احتوت المسابقة الرسمية على عدد من الأفلام ومنها أفلام عربية على رأسها فيلم من الامارات بعنوان "حنا" وهو أول انتاج روائى طويل من الامارات، إذ نجد أنفسنا أمام طفلة تدعى "حنا" تتابع بعيونها تفاصيل ما يحدث أمامها فهى تعيش مع أمها المطلقة "علياء" المصابة بالصرع، ومع جدها ايضا، وتبدأ الأحداث فعليا عندما يحضر ابن عم الاسرة البدوى "طارش" ومعه جمله لكى يبيع الحطب، يزور طائش قريبه، وكذلك البدوية مطرة والتى تعيش على ساحل البحر فى انتظار مستحيل للخروج والاولاد.
يسرق الجمل من طائش ثم يجده، وتصاب المرأة مطرة بحالة اغماء كاملة لتبدأ حفلة زار من أجل انعاشها، بينما يعود البدوى الى مكانه الأصلى لم يكن الفيلم موفقا فى عرض تفاصيل موضوعه، كما أن الفكرة ظلت فاقدة لمعناها وغير مكتملة والقصة مشوشة نسبيا، ولا يوجد إلا عنصر التمثيل التلقائى المتميز، والفيلم بادرة أولى لانتاج يتطور بالاستمراري.
الجميع يعتبر هذا الشريط البداية الاولى لسينما إماراتية تدعم المهرجان السنوى، ولكن تبقى نوعية الموضوعات المطروحة هى المشكلة دائما فى الانتاج السينمائى الخليجي بشكل عام.
*
رواية وفيلم:
اعتمد الفيلم على رواية للروائى خيرى الذهبى بنفس العنوان، وهى جزء أول من ثلاثية طويلة تصور الحياة فى الثلاثينيات في دمشق من خلال المعاناة التى تعيشها حسيبة فى حياتها الاجتماعية، بعد وفاة الأب ثم رحلة الزوج وغياب الكفيل الذى يضمن حياة اجتماعية مناسبة.
لقد لقى الفيلم اصداء جيدة ولكن الجو السردى الروائى يهيمن على الفيلم، بحيث اختفى الفيلم فنيا وراء الرواية بكثرة الاحداث وتتابعها فى كل صغيرة وكبيرة، مع غياب الرؤية والاختيار والتركيز على جوانب معينة دون غيرها هناك جانب غيبي لم يحسن الفيلم ابرازه، وبذلك يكون الفيلم مجرد صورة لورق مكتوب، بذل فيه الجهد الكبير، وفى النهاية لا يوجد شىء مهم لقد شاركت سوريا بفيلم واحد فقط، وهو أول عرض له، أما الجانب الآخر فقد برز فى المهرجان بتكريم سوريا عاصمة ثقافية من خلال وفد رسمى كبير ومع حضور مميز لبعض النجوم وعلى رأسهم جمال سليمان وعابد الفهد ورشيد عساف وغيرهم.
* نار ودخان:
من الأفلام العربية نجد ايضا فيلما من لبنان ولقد جاء بعنوان "دخان بلا نار" لمخرجه سمير حبشي والذى سبق له أن قدم فيلما بعنوان "الاعصار 1992".
يبدأ الفيلم بعد احداث "اغتيال رفيق الحريرى" وكذلك اتفاق الطائف ولكن هناك ضبابية فى التصريح بالمواقف العامة وتسمية الأطراف التى تكرس المشكلات المتراكمة فى لبنان فالحاضر هو الدخان ومن اشعل النار غير مرئى يمكن اعتبار الفيلم من النوع السياسي، ولاسيما من حيث استخدامه للشكل التقليدي للفيلم السياسي، حيث الزج بالابرياء فى قلب الاحداث السياسية والسلطة دائما كفيلة بجعل القضية الصغيرة، مشكلة كبيرة، ولقد تكرر هذا المضمون أكثر من مرة.
يعتمد الفيلم على تجربة مخرج قدم من مصر "خالد النبوى" لتصوير فيلم فى لبنان واعداد سيناريو مبدئىـ يكتبه فى غرفته ويلصقه على جدران الغرفة، ولكن يجد هذا المخرج نفسه فى قلب الأحداث، عندما يتم القبض عليه باعتباره احد أعضاء تنظيم كبير أقرب الى تنظيم القاعدة.
هناك تفاصيل أخرى كثيرة، وهناك جودة فى تنفيذ الكثير من المشاهد، كما أن سرد القصة جاء متدرجا، يبدأ بشكل متناثر ثم يجتمع فى النهاية أو عند الاقتراب منها.
لم يكن هناك اهتمام كبير بموسيقى الفيلم، والتى جاءت عشوائية، كما أن التمثيل كان متواضعا ولاسيما بطل الفيلم "خالد النبوى" الذى بدا شاردالذهن ومشوشا، ولم يبرز الا ممثلة جديدة صاعدة وهى سيرين عبد النور.
* عيد ميلاد:
هناك ايضا فيلم عربى آخر وهو من فلسطين ، وقد جاء بعنوان: "عيد ميلاد ليلى" والاخراج لرشيد مشهراوى، والذى نجح فى تقديم عدد من الافلام الروائية الطويلة والقصيرة ونال عنها جوائز عديدة، ومن ذلك فيلم حيفا وفيلم تذكرة الى القدس وفيلم انتظار وغير ذلك من افلام.
لقد قوبل هذا الفيلم بتقدير كبير، ولكن يمكن القول بأن الوضع الفلسطيني كان له تأثيره الواضح، فهو فيلم من داخل فلسطين ويعبر عن ظروف الحياة المعاشة فعليا داخل فلسطين، كما أنه يتناول اليومى ويركز عليه ولا يسعى للجرى وراء شعارات ومسميات كبيرة، وهذا الأسلوب استخدمه المخرج فى أكثر من فيلم لديه منذ فيلمه الروائى الأول "حظر تجول".
هذا اليومى يبدأ مع ابو ليلى "محمد بكرى" الذى يشرع فى العمل منذ الصباح "سائق تاكسى" ليحمل معه أو جماعة اليومية والعبث والسخرية التى تفرض حضورها عليه، منذ الصباح وحتى المساء. إنه رجل قانون "قاض بلا عمل".
* مشاركة مزدوجة:
مصر شاركت بأكثر من فيلم.. خلطة فوزية هو الفيلم الأول، وهو للمخرج مجدى محمد على فى رابع تجربة روائية له. والفيلم تدور احداثه فى العشوائيات حيث تسكن عدد من الاسر فى اماكن متلاصقة وبسيطة، وفوزية مجرد امراة بسيطة سبق لها أن تزوجت ثلاث مرات وطلقت، واخيرا تزوجت للمرة الرابعة، ولكن الازواج القدماء يزورونها بشكل عادى واعتيادى لأنهم يزورون أولادهم اولا ولأنهم يعتبرون أنفسهم اكثر قربا من فوزية مع وجود الطلاق، رغم الحياة الصعبة فإن هناك خلطة معينة يمكن اعدادها من قبل فوزية وباقى السكان لكى يصمد كل منهم فى وجه الحياة، رغم المصاعب لم يحقق الفيلم نجاحا كبيرا، حيث بدأ متكلفا، لم يهتم بالديكورات وبدا الحي الشعبى شاحبا بلا سكان أو بيوت، ولم يقع اهتمام بالملابس وكذلك اللغة الشعبية، كما أن هناك كما من الأحداث المفتعلة، وهذا الأمر انطبق ايضا على التمثيل الذى بدا ضعيفا فى أغلب الحالات.
الفيلم الثانى لمصر كان بعنوان "زى النهاردة"، وهو الفيلم الأول لمخرجه عمرو سلامة الذى اعتمد على موضوع أقرب الى أفلام هوليوود، حيث تختلط الحقيقة بالخيال، مع اقتراب من عوامل لها علاقة بالقدر ومعالجة قضية الموت المتكرر والمصادفة وغيرها.
فى الفيلم معالجة شكلية جيدة، فقد استخدم المخرج شكلا فنيا فيه الكثير من الجراة والتطوير، وهو جديد الى حد ما على السينما فى مصر.
أما الموضوع فقد بدا غريبا، لم ينجح الفيلم فى أن يجعله طبيعيا، وهو فيلم يقترب قليلا من موضوعات الدروشة المطروحة حاليا على المستوى الاجتماعى.
التمثيل كان ضعيفا بشكل عام، عدا مشاهد معينة قليلة للممثلين أسر ياسين واروى جودة ولم يكن هناك تناسب فى العمر بين أحمد الفيشاوى والممثلة بسمة أحمد.
لذلك كله مر الفيلم دون أن يكون مؤثرا بالنسبة للجمهور.
* زمن الرفاق:
هذا الفيلم من الافلام السياسية القليلة التى تعاملت مع الصراعات السياسية بين الطلبة، وهو فيلم يعكس التطور الواقع فى السينما المغربية حاليا، رغم أن الجانبين التقنى والفني فى الفيلم يتسم بالضعف الشديد.
عموما لم تنل السينما العربيرة إلا جائزتين فى المهرجان.. الأولى جائزة الانجاز الفني الرشيد مشهراوى من فلسطين وجائزة التمثيل لإلهام شاهين من مصر عن دورها فى فيلم خلطة فوزية، وفوق ذلك فإن الحديث عن ضعف الافلام العربية فى المهرجان مازال يتردد ويطال حتى الافلام الفائزة والاسماء التى نالت هذه الجوائز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق