الأربعاء، 26 أغسطس 2009

في "الفرح" تجتمع كل المتناقضات






شخصيات بين التواصل والانقطاع


كما سبق وأشرنا في بعض المقالات السابقة، الافلام المنتجة في مصر وخلال

مراحل تاريخ السينما المصرية لم تقترب كثيرا من فكرة استعراض الشرائح

الاجتماعية والشخصيات المتعددة، حيث يتم التركيز في الغالب على شخصيتين أو

أكثر من خلال دراما قصصية لها بداية ووسط ونهاية، وذلك حسب مقتضى السرد

المتطور الذي يستقبله الجمهور ولا يرى بديلا عنه.

اذا ذكرنا بعض هذه الافلام نجدها قليلة، وأهمها فيلم "بين السماء والارض"

للمخرج صلاح أبو سيف، وفيلم ميرمار لكمال الشيخ، وفيلم ثرثرة فوق النيل

للمخرج حسين كمال، وفيلم "المذنبون" للمخرج سعيد مرزوق، كما يمكننا أن نضيف

بعض الأفلام مثل المغتصبون والبداية والتلاقي وأغنية في الممر وأفلام أخرى

قليلة متناثرة، تحتوى جزئيا على فكرة تعدد وتنوع الشخصيات.

من آخر الأفلام الناجحة التي تعاملت مع هذه النوعية "فيلم كباريه" لمخرجه

سامح عبد العزيز، والمخرج هنا مع نفس المؤلف أحمد عبد الله يعيد فكرة تعدد

الشخصيات.

الجزء الثاني

فيلم جديد بعنوان "الفرح 2009"، اعتبر بعض النقاد هذا الفيلم مجرد جزء ثان

للفيلم الأول، وفي الحقيقة لا توجد أية علاقة بين الفيلمين، الا علاقة

جزئية فقط تعود الى ارتباط كل فيلم بمكان معين، مع بعض الاختلاف، والتشابه

الآخر يرجع الى مشاركة نفس الممثلين تقريبا في الفيلمين، وهو أمر ليس له

أهمية ولا يعنى شيئا، كما أن هناك بعض الممثلين شاركوا في الفيلم الأول ولم

يكن لهم حضور في الفيلم الثاني مثل هالة فاخر واحمد راتب وفتحي عبد الوهاب.

إن فيلم الفرح يقوم على فكرة المكان الواحد، أو فكرة معنى الفرح وما يرتبط

به من تفاعلات واحداث وتفاصيل، والمهم وجود الشخصيات التي تتواجد في فرح

واحد، له شكل عام يمكن مشاهدته من الخارج، بينما يكون لهذا الفرح معاني

أخرى لدى كل فرد مشارك فيه، فهو فرح خاص وعام في نفس الوقت وفي الحقيقة هو

ليس فرحا.

أحداث لها مرجعية

يمكن اعتبار هذا الفيلم من الافلام الجيدة في حدود الانتاج السينمائي

المصري المعروض خلال السنوات الماضية، ويتميز بالكثير من الجدية، مع وجود

تضمينات أبعد لما تعرضه الصور والمشاهد من أحداث، وهو أمر لا يكاد يختلف

كثيرا في هذا الفيلم عن الفيلم السابق "كباريه" ويقوم على نفس الغرض

تقريبا، حيث اختيار الموضوع الذي يجمع الناس أو المكان الذي يحتويهم،

فالمكان يخضع الجميع له، لكن تبقى خصوصية الشخصيات واضحة رغم ذلك.

المدخل للفيلم مجرد علاقة بين "عبد الله" ويقوم بدوره ياسر جلال من ناحية

وفتاة تسكن معه في نفس الحي وهي "جميلة" وتقوم بدورها جومانة مراد، ويقدم

الفيلم شبهة اخلاقية غير مؤكدة، ترى عائلة الفتاة لا مجال لدحضها إلا

باعلان الزواج المبكر، ولذلك يصر الأب على ان يكون زواج ابنته في الغد،

بغرض انهاء الشائعات التي تلوك سمعة ابنته في علاقتها بعبد الله، ولا يجد

عبد الله الا الموافقة. غير ان الشائعة حقيقية فتظهر جميلة على أنها ليست

بكرا، وامام اصرار الأب على اظهار بكارة ابنته امام الجميع في عرس سريع، لا

تجد الفتاة أمامها الا اللجؤ الى عملية ترقيع لغشاء البكارة، وفي سبيل

الحصول على مبلغ مالي يغطي التكاليف، توافق جميلة مع عبد الله على أن يظهرا

في فرح مصطنع باعتبارهما زوجين، وربما كان هذا الفرح في منطقة بعيدة، فلا

يعرفهما أحد. على أن تتم العملية في نفس الليلة استعدادا ليوم العرس.

هذه الافتتاحية يمكن اعتبارها ناجحة، وهي مدخل يقودنا الى فكرة الفرح الذي

تسيطر عليه عملية الغش الاجتماعي منذ البداية.

مكان رئيسي

في المكان الرئيسي، حيث تجري مظاهر الفرح، يركز الفيلم على عدد من

الشخصيات، وهم جميعا يشكل الفرح بالنسبة اليهم حالة خاصة، تختلف تماما من

شخصية الى أخرى.

وهكذا يطرح الفيلم لعبة الشخصيات ومدى التوافق بينها ثم مدى عدم التوافق،

لنكتشف بأن كل شخصية تعيش في حالة عزلة، رغم المظهر العام الاجتماعي لهذا

الفرح، والذي يظهر وكأنه يعبر عن الفرح لكنه فعليا يعبر عن التناقض.

إن أهم شخصية هي "زينهم" ويقوم بدوره الممثل خالد الصاوي. هو ابن الحارة

تقريبا، يرتدى ملابس تقليدية طوال الفيلم، ويسعى بقدر الامكان الى انجاح

مشروعه التجاري في ليلة واحدة، حيث دعا الى اقامة فرح لقريب له في المكان

الذي يسكن به، أي في المنطقة الشعبية، وهو ليس فرحا حقيقيا، بل مجرد حيلة

يسعى من وراءها الى استرداد أمواله التي سبق وأن وضعها فى افراح الغير، من

باب الواجب الاجتماعي، فقد ظل لفترات طويلة يدفع بعض ماله في أفراح معارفه

واصدقائه، فيما يعرف "بالنقوطى" وهي النقود التي توضع على الراقصة أو معلن

الفرح ليجمعها صاحب الفرح في النهاية وهي احيانا تكفي لسد الكثير من

المصاريف، حتى أن هناك من يستدين مسبقا معتمدا على ما يمكن أن يتحصل عليه

أثناء الفرح من مال يضعه الاقرباء والجيران والاصدقاء مباركة للعرس بطريقة

أو بأخرى.

من الطبيعي ان يجر الفرح المصطنع معه الكثير من مظاهر الاحتيال والغش،

وبالاضافة الى العروسين الوهميين، هناك شخصيات أخرى تعيش داخلها حالة من

الخداع والتناقض. على سبيل المثال نجد شخصية "حبيشي" الذي يؤديها محمود الجندي.

إنه مقاول افراح، لا يهمه ان كان العرس حقيقيا أم مزيفا، فالمهم بالنسبة

اليه أن تتوفر عناصر الفرح وأن ينال نصيبه من الأموال التي تجمع بمباركة

الراقصة والمطرب بعد انقضاء العرس.

مطرب الفرح

من الشخصيات اللافتة للانتباه شخصية "العسلي" وهو المطرب الذي يتوقف عليه

نسبيا نجاح الفرح وبالتالي الحصول على أكبر قدر من المال من خلال الأغاني

الراقصة التي يقدمها، وكذلك كلمات الترحيب التي يستعرضها ويوجهها الى الجميع.

يرسم سيناريو الفيلم لهذا المطرب خطا آخر، فيه شيء من التصنع حيث يعيش

المطرب حالة من الازدواجية. لأنه من ناحية يخفي خجله من عاهة في وجهه بسبب

ضرب الأب له صغيرا، والفيلم لم يحاول أن يبرز تقنيا هذه العاهة أو الندبة

بشكل واضح وهذه نقطة ضعف في الفيلم.

يلحق الأب بابنه المطرب في العرس لكي يطلب منه أن يغفر له، ويبدو أنه يلاحق

ابنه كثيرا، والابن يرفض حتى الحديث عنه، الى أن نصل الى النهاية عندما

يقبل الابن اعتذار الأب، وهو أمر متوقع.

لقد قام بدور المطرب "ماجد الكرواني" وقد سبق وأن شارك في فيلم كباريه

وأفلام يمكن أن نتحدث ايضا عن شخصية أخرى مهمة من شخصيات الفيلم ونقصد

الحديث عن شخصية "صلاح وردة" وقام بها الممثل صلاح عبد الله، والذي يتواجد

في معظم الأفلام حاليا وهو ينجح في تجسيد الكثير من الشخصيات، رغم أنه يقع

في الجانب النمطي، لأن له طريقة في التمثيل ثابتة ترحل معه اينما ذهب. لكنه

يبقى ممثلا مريحا له القدرة على الرفع من مستوى الشخصية التي يقوم بدورها.

إن صلاح وردة مونولوجست قديم كانت له شهرة واسعة في زمن معين، ربما يرجع

هذا الزمن الى السبعينيات وما قبل ذلك، عندما كان المونولوجست يقدم وصلاته

الغنائية ومعها باقة من النكت، ولعل الأمثلة كثيرة على ذلك من اسماعيل

ياسين الى سيد الملاح ومن لبلبة الى أحمد غانم وغيرهم، ولسنا ندري فعليا هل

كان هؤلاء لهم مكان في الافراح أم أن الأمر مجرد افتراض وضعه أصحاب الفيلم.

المهم أن صلاح وردة يأمل في أن يغني من جديد ولكن وصلته تتأخر، لأن الأغاني

الخفيفة الجديدة قد سرقت الانتباه، وهو ايضا عندما يغني اغنياته القديمة

يبدو مضحكا، فهو يكاد يكون من عصر آخر عفى عنه الزمن. انه مطرب قديم يرغب

في الاستمرار، وعندما يكتشف وجود ابنه في الفرح يصبح همه أن يقنع ابنه بأنه

كذلك، فالجمهور قد طالبه بانهاء وصلته، وهو في النهاية يتصالح مع ابنه الذي

يقبل بأبيه كما هو ودون ادعاء.

تعدد الشخصيات

من الشخصيات المهمة أيضا نجد الفتاة سميرة والتي ترتدي ملابس الرجال رغم

انها مازالت صغيرة في السن، لكي تعمل وتصرف على أسرتها وبطريقة لا تتعرض

فيها الى المضايقة، انها فتاة ضحت بأنوثتها من أجل العمل والعائلة، وهي

تعمل في أعمال تنسب الى الرجال، فهي تبيع "البيرة" في الافراح وغير الأفراح

وتتخذ من منزلها مخزنا تعود إليه بين الحين والآخر، مع حضور الأم والأخوة

الصغار.

في المقابل نجد "العسلي" أحد مروجي المخدرات والذي يحاول أن يقترب من سميرة

ويجعلها تحاول أن تكون أنثى، ولكن بدافع الرهان فقط، وفعلا تستيقظ الأنثى

في سميرة وتجد نفسها في مواجهة مع العسلي الذي يحاول أن يعتدي عليها فتعمد

الى قتله مضحية بمستقبلها ومستقبل أسرتها.

لم أفهم محاولة الفيلم أن يسير في نهايتين، لكل منهما سياق معين، فنحن نرى

في النهاية نهاية مختلفة لا يموت فيها العسلي، كما أن المعلم زينهم ينهي

الفرح مكتفيا بما تحصل عليه من مال لدفن أمه.

دعاوي اخلاقية

من الشخصيات المهمة الأم "قامت بالدور كريمة مختار". إن أم زينهم هي الصوت

الذي يختفي وراء الأحداث، فهو يوحي دائما بالاخلاقي ولكن السيناريو قدم هذه

المرأة بشكل أقرب الى الداعية الاخلاقية الدينية. إنها تدفع نحو الغاء

المشروبات الروحية في حفل الفرح، وهي ايضا ترفض فكرة وجود راقصة، وهي تقدم

ما ادخرته من مال الى ابنها مع الكثير من النصائح الاخلاقية المباشرة والتي

تصر عليها دائما، حتى ان ابنها يعيد اليها مالها في ساعة غضب، معلنا خلافه

معها.

فى مشهد آخر تحاول الأم أن تبعد الراقصة من الفرح بالتهجم عليها وعلى

خلاعتها، وفعلا تنجح فى ذلك، وعندما تحضر الراقصة الثانية "تقوم بدورها

سوسن بدر" تقع فى نفس المصير، ولأنها أم وتحترف الرقص من أجل لقمة العيش

كما هى العادةفإن الأم تعرض عليها مبلغا ماليا فى حال تركها للفرح، بل

تطالبها أن تترك الرقص على تردد عليها بين الحين والآخر لكى تنال التعويض

المالى اللازم هذه الراقصة تتحول الى طاهرة تموت الأم بين ذراعيها. هذا

النزوع الاخلاقى ليس له ما يبرره، لأن الأم من باب أولى أن تقف ضد ابنها

الذى يحتال باختراع عرس غير حقيقى، والا تسانده فى اقامة فرح يقوم على

الغش، ولعلنا نلحظ العلاقة بين الأم الراقصة وكأنها تكرار للعلاقة بين فتحى

عبد الوهاب وأحمد راتب في فيلم كباريه. كما أن العلاقة بين زينهم وأمه هي

أقرب للعلاقة بين جومانة مراد وأمها في نفس الفيلم كباريه.

تواصل وانقطاع

يمكننا القول بأن جوهر الفيلم "الفرح" يقوم على فكرة التواصل والانقطاع بين

الابناء والآباء، أو بالاصح فكرة اخلاص الأبناء للآباء وأحيانا العكس، وحتى

الفتاة سميرة يسيطر عليها شبح أمها التى تجاورها من بعيد دائما. هناك هاجس

الأب الفاشل وهناك ايضا هاجس الابن الضال. في فيلم كباريه لا تنال جومانة

مراد رضا أمها وكذلك الأمر بالنسبة لزينهم في فيلم الفرح، لكن شخصيات أخرى

يمكنها ذلك.

وان الجيل الموالي يقبل باللاخلاقي لأنه في حاجة الى أن يعيش، وعلى سبيل

المثال يسعى زينهم لشراء سيارة ميكروباس للعمل عليها، بينما يدعو الجيل

القديم الى كل ما هو اخلاقي، ولكن كل ذلك في حدود معينة يقترب الفيلم منها

احيانا وفي بعض الاحيان يبتعد عنها.

ليس هناك مبرر واضح لموقف الزوجة "روجينا" بينما ظلت شخصية شوقي العاجز

جنسيا "حسن حسني" مجرد لازمة كاريكتورية وهذا ما ينطبق على زوجته نسرين "مي

كساب"، حيث خوف الزوج يقترن بالعجز ويقترن برغبة الزوجة في الغاء الميكرفون

بصوته العالي وكذلك الرغبة في الانتقال من الخوف الى الشجاعة ومن العجز الى

القوة.

لا شك أن الفيلم يعتمد على التمثيل والطاقم المختار كان جيدا ولاسيما

بالنسبة الى ماجد الكرواني وخالد الصاوي ودينا غانم، وفوق ذلك احتوى على

عدد من الاغاني المناسبة واختيارات موسيقية جيدة وكان بالتالي أحد أهم

الافلام العربية في عام 2009.