الأحد، 26 ديسمبر 2010


عودة الى مدرسة فنية اسمها الموجة الفرنسية الجديدة


ف
ي مرحلة معينة من المراحل التاريخية، ظهرت العديد من الموجات السينمائية، وقد أسماها بعض النقاد مدارس سينمائية أو مدارس جمالية وأحيانا نظريات كبرى أو صغرى، بل ربما رأى نقاد آخرون بأنها اتجاهات جمالية فنية تختلف كثيرا عن التطور التقني الذي سيطر على تطور السينما منذ ولادتها.

إذا رجعنا الى البدايات الأولى للسينما الصامتة، سوف نجد مدرسة كبيرة مثل التعبيرية الألمانية، وهي اختيار فكري له أسسه الفكرية والفلسفية، بل إن التعبيرية اتجاه عام يمس الأدب والثقافة وله ملامحه الفلسفية المتعارضة مع اتجاهات مغايرة فى الفلسفة.

هناك أيضا الشعرية الفرنسية والتي ولدت مع السينما الناطقة في فرنسا، كما أن هناك اتجاهات أخرى لها علاقة بالسينما التسجيلية، ولعل السينما الأمريكية قد شكلت قالبا له أشكال مختلفة، وأسهمت في تشكيل اتجاهات متباينة، حتى لو لم يصنفها أهل النقد ضمن مدرسة معيّنة دون غيرها، هناك أيضا بالإضافة الى المدرسة الأمريكية، المدرسة الروسية والتي وضعت الأساس الفكري لمفهوم المونتاج وأشكاله وتنويعاته وكذلك مفاهيم أخرى مثل الكاميرا العين وغير ذلك من التصورات التي استمدت نقاط انطلاقها من غريفت الامريكي وايزنشتاين الروسي وابيل غانس الفرنسي وغيرهم كثر ...

إلا أن مفهوم المدرسة أو الموجة قد تحقق فعليا بعد الحرب العالمية الثانية ولاسيما مع الواقعية الجديدة في ايطاليا، بداية من عام 1944، ثم الموجة الجديدة في فرنسا بداية من عام 1998 والسينما الحرة في بريطانيا وكذلك السينما الجديدة في البرازيل، وبعض التنويعات الأخرى والتي ظهرت في أوروبا الشرقية وبلاد اسكندنافيا وسينمات معاصرة في أمريكا والمكسيك والدنمارك وغيرها.

في هذه العقود الأخيرة، ومع ما يعرف باختفاء الاتجاهات الفكرية السياسية أو غياب الايدولوجيا، تبدو الساحة السينمائية وكأنها خالية من المدارس السينمائية، وبالتالي فقد فتحت الأبواب أمام التطورات التقنية بشكل أوسع، وهذه التطورات تشمل تطور الآلة وتطور أساليب السرد والمعالجات الدرامية، رغم أن الظواهر الفكرية تتحرك باستمرار بشكل فرديّ بحيث لا نستطيع أن نطلق عليها اسم مدرسة أو اتجاه، وبالتالي فكأن هذه المصطلحات قد صارت جزءا من تاريخ السينما، مثلما نجد أن المذاهب الأدبية هي جزء من تاريخ الأدب والفن.

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن أهم مدرستين في السينما قد شملهما الاتساع وجودة التنظير والتصنيف هما: أولا مدرسة الواقعية الجديدة في ايطاليا، ويلي ذلك الموجة الجديدة في فرنسا.

هذا الكتاب الصادر عن سلسلة الفن السابع السورية، يدور حول الموجة الجديدة الفرنسية، وهو كتاب مترجم عن الفرنسية صدر بنفس السنوات لمؤلفه ميشيل ماري. أما المترجم فهو زياد خاشوق والذي سبق له أن ترجم بعض الكتب من نفس السلسلة.

ظهر من البداية وبوضوح أن الكتاب يتضمن جوانب تعريفية بهذه المدرسة مع تحليل بعض الظواهر المرتبطة بها ولاسيما المقدمات التي أدت الى بروز هذه المدرسة وتناول أهم الأفلام التي أكدت على اختياراتها وكذلك التطرق الى أهم الأسماء التي شاركت في التأسيس لهذا الاتجاه من بداياته الأولى عام 1959 والى عام 1969 تقريبا.

أي أن هذه الموجة قد استمرت لعقد من السنوات وأنتجت ما يزيد عن مائة فيلم، يمكن أن يقال عنها إنها قد استوفت بشكل أو بآخر شروط هذه الاتجاه المعروف الى الآن باسم الموجة الفرنسية الجديدة.

بالطبع ليس هذا الكتاب الأول، فقذ ذكر المؤلف بأن هناك كتبا أخرى فرنسية تناولت هذه الموجة، وهي كثيرة مازالت تصدر الى الآن، ذلك أن السينما الفرنسية، وخصوصا في سنوات ضعفها لا تجد أمامها إلا الموجة الجديدة مجالا للبحث والدراسة، لأنها عن طريق هذه المدرسة اشتهرت السينما الفرنسية في الخارج.

وفي كتب التنظير النقدي السينمائي العامي. والأهم من ذلك الأثر الذي تركته هذه المدرسة على مختلف الأجيال داخل فرنسا وخارجها.

بعد المقدمة يتكون الكتاب من عدة فصول، وهي فصول تراتبية متدرجة، من البدايات الأولى الى تسمية المصطلح وإنتاج الأفلام وحضور السمات الخاصة لهذه المدرسة ثم تنوعها الى حين اختفائها بالتدريج.

يقول المؤلف بأن تحرّر السينما من دائرة التجارة وارتباطها بوزارة الثقافة كان من أهم البواعث التي أثّرت في مجريات الموجة الجديدة، ولكن ذلك مجرد شكل خارجي، لا ينفر أبدا أن محاولة الثورة على القديم هو الباعث الرئيسي لهذا الاتجاه الجديد.
يضع المؤلف نقاطا واضحة لكي يستوفي المعايير الخاصة بأي موجة أو مدرسة سينمائية، ومن أهم هذه المعايير والتي تنطبق على أيّ مذهب:

كيان نقدي وبرنامج جمالي وبيان يصرح بذلك ومجموعة أعمال فعلية ووسيلة نشر مختصة وإستراتيجية للترويج وزعيم لهذه الحركة ومنظر لها وأيضا وجود من ينافسها أو يعترض عليها بشكل منظم.

يردّ مؤلف الكتاب على كل ذلك بتسمية واضحة لبرنامج هذه المدرسة ويختصرها في الآتي:
- من تحصيل الحاصل قولنا إن جميع هذه المعايير كافة أي يندر وجوده عمليا. أما إذا اجتمعت فإن ذلك دليل على مثانة وتماسك المدرسة المعنية ومن وجهة النظر هذه ننوي البرهان على أن الموجة الجديدة هي إحدى المدارس الأكثر رسوخا والأكثر تماسكا في تاريخ السينما".

إن البدايات الأولى لهذه المدرسة جاءت مع عدد من العوامل ومنها مقال الكسندرا ستروك "الكاميرا القلم" وإنشاء "نادي الفيلم الملعون" تم تنظيرات اندريه بازان في سنوات مثالية "1948 – 1949 – 1950".

أما المجلة المعبّرة عن الاتجاه فقد كانت "دفاتر السينما" العدد الأول 1951. ثم جاء بيان فرانسو تروفو "اتجاه ما في السينما الفرنسية" عام 1954، وبلا شك فإن تأثيرات السينما الأمريكية واضحة في هذه المدرسة ولاسيما أفلام المخرج هيتشكوك يقول الكتاب بأن الأفلام الفرنسية كانت ناجحة تجاريا قبل ظهور الموجة الفرنسية.

ولكن رغم ذلك فإن هناك احتجاج من بعض المخرجين الشباب على ما يعرف بالتراث الراقي "الأفلام المقتبسة عن الأدب بصفة خاصة". ولعل النقطة الأهم هي الدعوة الواضحة نحو وجود المخرج المؤلف الذي يكتب السيناريو يتولى بنفسه العمل في الفيلم اعتمادا على فكرة أن الكاميرا هي القلم، ولهذا السبب تولى النقاد أنفسهم الدخول في مجال الإخراج، ومن هؤلاء كلود شابرول وترفو وغودار وايريك رومير وجاك روزييه وجان روش وغيرهم.

ومن الأفكار الشيقة التي يطرحها مؤلف الكتاب وجود مجموعة معارضة لهذه المدرسة تتزعمها مجلة "بوزتيف" الفرنسية، وظهور عشرات الكتب التي تقف ضد هذه الموجة، وبل إن الكتب المضادة مازالت تصدر الى الآن.

جاء الفصل الأول من الكتاب بعنوان "شعار صحفي وجيل جديد". أما الفصل الثاني فقد جاء عنوانه" مفهوم نقدي". وفي الفصل الثالث دراسة حول طريقة الإنتاج والتوزيع. ويتطرق الفصل الرابع الى الممارسة التقنية وفق نظريتها الجمالية. الفصل الخامس جاء بعنوان "موضوعات وأجساد جديدة"، والفصل السادس تطرق الى تأثيرات الموجة الجديدة ومدى تأثرها الخارجى.

وكما يقول المترجم فإنه يضيف فصلا يحتوي على عرض وتلخيص لأهمّ الأفلام التي اشتهرت بأنها معبّرة عن الموجة الجديدة ومن ذلك: فيلم "الرمق الأخير" – إنتاج عام 1960 لمخرجه جان لوك غودار وفيلم "400 ضربة" لفرنسوا تروفو إنتاج 1960 وفيلم" مصعد الى المقصلة" لمخرجه لويس مال إنتاج 1958 وفيلم "وخلق الله المرآة" لمخرجه روجيه فاديم إنتاج عام 1956 وفيلم" أبناء العم" لمخرجه كلود شابرول إنتاج 1959 وفيلم" سيرج الجميل" لمخرجه كلود شابرون إنتاج عام 1959 وفيلم "وداعا يافيللين" لمخرجه جاك روزييه إنتاج عام 1960.وفيلم "كيلو من 5 الى 7" لمخرجته انيس فاردا إنتاج 1962 وفيلم" انا أسود" لمخرجه جون روش إنتاج 1958 وفيلم"المرأة التي تجمع" لمخرجه ايريك رومير إنتاج 1967 وفيلم "فهرنهايت 451" لمخرجه فرنسوا تروفو وفيلم" بيرو المجنون" لمخرجه جان لوك غودار إنتاج عام 1965.

في الفصل الرابع، وهو من أفضل فصول الكتاب يختصر الكاتب جماليات الموجة الجديدة في عدد من العناصر وهي أن يكون المخرج هو كاتب السيناريو وأن يتجه الفيلم نحو الارتجال في الحوار والتمثيل واختيار المقاطع والمشاهد. كما يفضل أن يكون الديكور طبيعيا، بعيدا عن استوديو وأن يقل عدد الفريق بقدر الإمكان، وأن يكون الصوت قد تم تسجيله مباشرة، مع عدم استخدام إضاءة صناعية من العيار الكبير.

كما أن الممثلين يتم اختيارهم من غير المحترفين، ومن جانب آخر تسير أفلام الموجة الجديدة نحو إلغاء القيود الفاصلة بين سينما الاحتراف وسينما الهواة والابتعاد عن النموذج التجاري وربما أيضا الربط بين الخيال والتوثيق، ولقد نجح الكتاب في معالجة كل نقطة على حدة، حيث أن هذه التنظيرات ليس لها فعالية على أرض الواقع، لأن الأفلام جاءت بعكس ذلك جزئيا على الأقل وليس كليا.

هناك جوانب لم يحاول الكتاب إثارتها ومن ذلك تأثر الموجة الجديدة البالغ بالواقعية الايطالية الجديدة، رغم أن الإشارة الى ذلك قد تمت، ولكن فضل الكاتب أن يدعم تيار الموجة الجديدة باعتباره تيارا مستقلا أسسه عدد من النقاد الفرنسيين بطريقة بعيدا عن التأثر الواضح، وهذا ما يقال أيضا عن تأثير السينما الأمريكية، حيث تعدّى التأثير مجرد التطرق الى بعض أفلام هيتشكوك، لأن الواقعية الأمريكية كانت أكثر فعالية، وهو أمر حاولت التنظيرات السينمائية الفرنسية الابتعاد عنه.

أما موضوعات الموجة الجديدة فهي نقطة ضعف هذه المدرسة، ولاسيما أن الموضوع ظل في الظل أمام الاهتمام بالشكل الفني، مع عدم الاكتراث بالجمهور بعكس الأفلام الأمريكية أو أفلام الواقعية الايطالية.

إنه ولاشك كتاب جيّد، وهو من أفضل الكتب العربية المترجمة بحثا في الموجة الجديدة الفرنسية، كما أنه كتب بلغة واضحة المعاني، لا تشعر أنها مترجمة عدا استخدام بعض الكلمات العربية غير المعبرة، مثل القول بالسيروي، نسبة الى السيرة، وفي جميع الأحوال يبقى هذا الإصدار من أفضل كتب الفن السابع الاخيرة.

الجمعة، 3 ديسمبر 2010


مهرجان دمشق السينمائي.. الصورة تغني عن الكلام


دورة جديدة لمهرجان دمشق السينمائي الدولي تحمل رقم "18" وبالطبع ليست هناك دلالة لهذا الرقم ولا احتفال خاص به، لكن يسجل المهرجان بوضوح شديد المزيد من الإتقان فى العمل، من حيث الاستعداد والتنظيم، والأهم حسن اختيار الأفلام المشاركة، وهذه مسألة مهمة، بسبب كثرة المهرجانات السينمائية في المنطقة وتنافسها على اختيار ما هو أفضل من الأفلام.

بالطبع يختص مهرجان دمشق السينمائي الدولي بتركيزه على الافتتاح الجيد، فهو الأفضل دائما من حيث تقديم وإخراج برنامج الافتتاح والذي يتميز باستغلال الأفلام المشاركة والإعلان عن الأقسام والاحتفاء بالنجوم والضيوف، والأهم اختيار العرض الموسيقي الراقص، وهذا ينطبق أيضا على حفل الاختتام حيث اختارت إدارة المهرجان فيلم الافتتاح من عروض المهرجانات العالمية لسنة 2010 وليس هناك أفضل من الفيلم التركي "عسل" الفائز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي لهذه السنة وهو للمخرج التركي "سميح كابلا نوغلو".

وهذا العرض يدخل أيضا ضمن قسم الاحتفاء بالسينما التركية المعاصرة، حيث تعرض في هذا القسم مجموعة من الأفلام التركية وهي: "انجذاب في محله" لمخرجه محمد اريبلماز إنتاج 2007 وفيلم "بانتظار الجنة" للمخرج درويش زعيم وأفلام أخرى ناجحة مثل: "مناخات ـ والدي ابني ـ ثلاثة قرود ـ ذات الوشاح الأحمر ـ مسافة ـ بيض ـ غيوم مايو".

اما عن لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية فقد اختيرت بعناية وبمشاركة المخرج الروسي "فلاديمير منشوف" رئيسا وعضوية كل من" نجدة أنزور" من سوريا والممثلة" آنا ماريا مارنيكا" والكاتب محمود عبد الواجد من سوريا والممثلة الايطالية" آنا بونايوتو" والمخرج الألمانية" هيلما برانز" وكاتب السيناريو الفرنسي"جاك فيسكي" والمخرج والكاتب التركي"كريم أيان" والمخرجة مفيدة التلاتلي من تونس والمخرجة"ساندر نشأت" من مصر والباحثة الفرنسية"نيكول غويمي" والممثلة اللبنانية ورد الخال، وبالطبع سوف نلحظ أن عدد المحكمين يصل الى "دستة" من الأعضاء وهو رقم كبير نسبيا، وقد جاءت الأخبار تقول بأن كل من نجدة أنزور وساندر نشأت قد انسحبا من اللجنة.

هناك لجنة ثانية للمسابقة الأفلام القصيرة يرأسها المخرج السوري ريمون بطرس وبعضوية كل من:"مارتيسا تيدتشي" من ألمانيا و"أوليفه جيكار" من بلجيكا و"بيرنيلي مونك" من الدانمارك و"أليس خروبي" من فرنسا.

بالإضافة الى ذلك هناك لجنة تحكيم أفضل فيلم عربي وهي برئاسة الممثل السوري أسعد فضة وعضوية المطرب الممثل اللبناني إحسان صادق والمخرج منير راضي من مصر والممثلة نادين خوري من سوريا والممثلة نادين الوافي من المغرب والممثلة زهرة مصباح من ليبيا.

من ضمن الإضافات الجديدة للمهرجان الاعتماد على قاعة حديثة للعرض وهي "سينما سيتي" وتتضمن قاعتين رئيسية وفرعية، ولا شك أن مثل هذه القاعة-التي هي أقرب الى المجمع السينمائي- تعدّ رافدا مهما للمهرجان، لأنها تعتمد على التقنية الحديثة، بينما باقي القاعات لا تتوفر فيها هذه التقنية.

وبنفس الاتجاه استمرت قاعة الأسد في استقبال حفلي الافتتاح والاختتام وكذلك العروض الرئيسية "المسابقة الرسمية" بينما تعرض القاعة الجانبية عروضا أخرى موازية، وتحتاج قاعة الأسد الى نظام جديد للعرض صالح لعرض أفلام السينما، فهي قاعة للعروض المسرحية والفنية الراقصة، ومازالت الشكوى قائمة بالنسبة لنظام الصوت والصورة.
ومن الواضح أن المهرجان يتطوّر في هذا السياق، لأن مستوى العرض وظروفه من أهم خصائص نجاح أيّ مهرجان، وذلك ما تؤكده الدورات القادمة.

احتوت المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة على عدد من الأفلام، فقد شاركت اليابان بفيلم "ما يخص شقيقها" لمهرجه يوجي يامادا. ومن اسبانيا نجد فيلما من إخراج دانيال مونزون وهو بعنوان الزانزنة 121. وتشارك الصين بفيلم "كونفوشيوس" لمخرجته هومي. وتشارك سلوفينيا بفيلم ثعالب للمخرجة ميرا فورنا يوفا، وتشارك روسيا بفيلم "كيف أمضيت الصيف؟" لمخرجه اليكسي بوبوعز يبسكي، ومن رومانيا فيلم "إذا أردت أن أصفر فسوف أفعل" لمخرجه فلورين سيربان.

ومن تركيا نجد فيلما بعنوان "كوزموس" لمخرجه ريها ارديم ومن ايطاليا فيلم "حياتنا" لمخرجه دانييل لوشيتي ومن فرنسا "أميرة وموبنسية" لمخرجه جيرتران تافرنييه ومن المغرب فيلم الجامع لمخرجه "داوود أولاد السيد" ومن أوكرانيا وهولندا فيلم "سعادتي لمخرجه سيرجي لوزنيسا" ومن بريطانيا فيلم "لا تدعني أرجل" لمخرجه مارك رومانيك، ومن البوسنة فيلم "على الممر" لمخرجته ياسميلا زاباينش، ومن إيران فيلم "يرجى عدم الإزعاج" لمخرجه محسن عبد الوهاب ومن الدانمارك فيلم الغواصة لمخرجه توماس فننتربيرغ ومن مصر فيلم الوتر لمخرجه مجدي الهواري.

ومن ألمانيا فيلم مصففة الشعر لمخرجه دوريس دورى، ومن فينزويلا فيلم "فينيزيا" للمخرج هايك غازريان ومن تونس فيلم آخر ديسمبر لمخرجه معز كمون ومن سوريا فيلم حراس الصمت لمخرجه سمير ذكرى وأيضا فيلم مطر أيلول لمخرجه عبد اللطيف عبد الحميد. ومن الإمارات توب الشمس لمخرجه سعيد سالمين ومن الجزائر فيلم "الخارجون على القانون" لمخرجه رشيد بو شارب ومن قطر فيلم عقارب الساعة لمخرجه خليفة المريحني.

ويبدو واضحا من العرض السابق أن الجهد الذى بذل كان كبيرا في سبيل الحصول على أفلام شاركت في مهرجانات عالمية مثل الفيلم الروماني والفرنسي والجزائري كما ان المهرجان عرض فيلما من الإمارات وعرض أيضا أول فيلم سينمائي قطري.

بالإضافة الى قسم المسابقة للأفلام الطويلة، نشير أيضا الى المسابقة الخاصة بالأفلام القصيرة وقد عرض بها الكثير من الأفلام من سوريا ولبنان وفرنسا والدانمارك وايرلندا وايطاليا وبلجيكا واليونان واليابان وتونس واستراليا ومصر والبحرين والهند والعراق. كما أن هناك تنوعا في هذه الأفلام القصيرة ومع مرور دورات المهرجان يزداد تطور تظاهرة الأفلام القصيرة، رغم أن الأفلام الروائية الطويلة تنال اهتماما خاصا ومتميزا على حساب الأشرطة القصيرة.

احتوت الدورة الجديدة لمهرجان دمشق السينمائي على أقسام أخرى ومنها القسم الرسمي الذي عرض مختارات من أهم الأفلام العالمية المتحصلة على جوائز ومنها مثلا الفيلم التايلاندي "العم بونمي يتذكر حياته السابقة" للمخرج ابيشا تبونغ ويراسثياكول، والفا بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي 2010، وقد عرض في ختام مهرجان دمشق السينمائي.

ومن الأفلام المهمة نذكر "وفي مكان ما" لصوفيا كوبولا والسر في العيون من الأرجنتين والكاتب الشبح لرومان بولانسكي وأفلام أخرى مثل "شعر" من كوريا الجنوبية والنبي من فرنسا والراحلون وغير ذلك من الأفلام.

هناك أيضا قسم خاص بالسوق اعتاد المهرجان أن يقدّمه للجمهور ويتضمن مختارات من أفلام لها علاقة بالسوق وهي أمريكية على الأرجح ومن الأفلام المعروضة قلب مجنون وسايروس والجميع رائعون والرحلة الأخيرة وشنغهاي وغيرها.

هناك أيضا تظاهرات خاصة ببعض المخرجين، فقد عرضت بعض أفلام المخرج اورسون ويلز من قسم خاص ومن ذلك المواطن كين وسيدة من شنغهاي وعطيل والسيد اركادين والقصة الخالدة والمحاكمة والغريب ولمسة الشيطان.

هناك تظاهرة أخرى للمخرج أميركو شوريتسا عرضت فيها أهم أفلامه، مثل: حلم اريزونا ـ الحياة معجزة ـ تحت الأرض ـ مارادونا ـ زمن الغجر.

أيضا هناك تظاهرة المخرج الفرنسي الراحل ايريك رومير ومن أهم أفلامه المعروضة، حكاية صيف ـ حكاية شتاء ـ حكاية خريف ـ حكاية ربيع ـ زوجة الطيار ـ ركبة كلير ـ يولين على الشاطىء ـ العميل الثلاثي.

ومن أهم التظاهرات، ما قدّم من عروض للمخرج رومان بولانسكي، مثل القمر المر والبلدة الصينية والعذراء والموت وسكين في الماء وماكيت وغيرها.

ومن التظاهرات السينمائية داخل فعاليات مهرجان دمشق الرئيسية، تظاهرة للمخرج ديفيد لينش، فقد عرضت له أفلام مثل مخمل أزرق والكبتان وإمبراطورية اينلاند والاتوستراد المفقود والرجل الفيل وقصة مستقيمة.

بالإضافة الى ذلك عرض المهرجان تظاهرة للمخرج ريدلي سكوت، ومن بين الأفلام المختارة غزو الفردوس وسنة جديدة وهانيبال وغريب والمطر الأسود والمصارع والأسطورة وروبن هو وتيلما ولويزو والمتبارزان.

أعاد المهرجان أيضا عروض بعض الأفلام فى قسم خاص يسمى "الدرر الثمينة" كما اهتم بالممثلين وخصص تظاهرة للمثل مارلون براندو وكذلك الممثلة ساندرا بولوك الفائزة بأوسكار أفضل ممثلة لعام 2010.

هناك تظاهرة للسينما الدانماركية وتظاهرة أخرى للسينما السورية، وهكذا يبدو مهرجان دمشق مزدحما بالأفلام، فقد وزعت العروض على قاعات كثيرة ويعتبر الإقبال جيدا نسبيا ، ولكن كثرة العروض لا تسمح بالمتابعة المستمرة، حيث تنال أفلام المسابقة الرسمية وأفلام السوق وأفلام القسم الرسمي الاهتمام الرئيسي.

من الناحية الإعلامية استمرت نشرية "المهرجان" في الصدور بشكل يومي ومجلة انيقة وعدد صفحات مناسبة وتحتوي على حوارات ومعلومات حول الأفلام وأحيانا دراسات حول هذه الأفلام، ولكن تعيد النشرية أحيانا ما ورد في دليل الأفلام، كبير الحجم، والأفضل أن تخصص النشرية لما هو جديد.

بالنسبة للندوات، كانت هناك ندوات لبعض الأفلام وليس كل أفلام المسابقة، ومن ذلك ندوة للفيلم السوري حراس الصمت والفيلم الاماراتي ثوب الشمس والفيلم المصري الوتر. كما انتظمت ندوة رئيسية حول المهرجانات السينمائية ودورها في توزيع وانتاج الافلام شارك فيها العديد من النقاد ومن بينهم سمير فريد وعدنان مدانات وبشار ابراهيم وصلاح سرميني وفتحي الخراط ورمضان سليم وحمادلا كروم.

أيضا انتظمت ندوات لبعض المكرمين، ومنهم الممثل حسن يوسف من مصر، اما الذين كرمهم المهرجان في هذه الدورة فهم الممثل سلوم حداد والناقدة ديانا جبور والممثلة كاريس بشار والمخرج مأمون البني والممثلة سلافة معمار والمخرج ناصر خمير والباحث محمد ناصر السنعوسي والممثلة ماجدة من مصر والممثلة الايطالية آنا بونايتو والممثل الايطالي فابيوتيستي والممثلة التركية توركان شوراي والمخرج الروسي فلاديمير مينسشون والممثلة الهندية شارميلا طاغور والمخرج الجورجي أوتار ايوسلياني ويلاحظ بالطبع كثرة المكرمين، حتى أن كتيبا صغيرا قد صور ليشملهم جميعا خارج نطاق دليل المهرجان.

فى ختام المهرجان والذى استمر لمدة أسبوع اعتبارا من 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2010أعلنت لجنة التحكيم الدولية عن جوائز المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة وكانت كالآتي:

- الجائزة الذهبية للفيلم الجزائري "الخارجون عن القانون" لرشيد بو شارب الجائزة الفضية للفيلم الإيراني "يرجى عدم الإزعاج" للمخرج محسن عبد الوهاب الجائزة البرونزية للفيلم السوري "مطر أيلول" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد.
- جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الايطالي حياتنا.

- جائزة مصطفى العقاد للإخراج للتركي ريها ارديم عن فيلم كوزموس
- جائزة أفضل ممثلة لغابرييلا ماريا شميد عن فيلم مصففة الشعر.

- جائزة أفضل ممثل لجورج بيميترينو عن الفيلم الرومانى إذا أردت أن صفر فسأفعل.
وقد بدا واضحا أن الجوائز فيها الكثير من التنسيق رغم اعتراض أكثر من ناقد على فوز الفيلم الإيراني بالجائزة الذهبية، لأنه من الأفلام العادية.

أما بالنسبة للأفلام القصيرة فقد فاز بالذهبية فيلم الارجوحة من بلجيكا وفاز بالفضية الفيلم السلوفاكي جدارة وفاز بالبرونزية الفيلم التونسي موجة.

أما أفضل فيلم عربى فهو الخارجون عن القانون من الجزائر بينما حصل فيلم حراس الصمت من سوريا على تنويه خاص له علاقة بالتشجيع نحو استفاد السينما من الرواية.

ومثلما هي العادة، فقد أصدر المهرجان مجموعة من الكتب السينمائية، تميز ببها مهرجان دمشق السينمائي، بعضها له علاقة بالتكريم مثل الكتاب الذي صدر عن المخرج ريدلي سكوت والممثلة ساندرا بولوك والمخرج أمير كورستاريتسا وآخر عن ديفيد لينش، بينما لم تصدر كتب عن السينما التركية أو مارلون براندو أو رومان بولانكسي أو ايريك رومير، وهو أمر يمكن أن يتحقق في دورات لاحقة من المهرجان.

يمكن القول بأن مهرجان دمشق السينمائي يؤكد حضوره الفاعل بالاختيارات الجيدة وهو يعتمد على خصوصيات ومزايا لا تتوفر إلا فيه وحده، رغم اللمعان الزائف لمهرجانات أخرى تعقد في مناطق تبتعد عن السينما وتبتعد السينما عنها ولا مجال للالتقاء بينهما، لأن المال وحده لا يصنع المهرجانات
.

الأحد، 28 نوفمبر 2010





الفرد في السينما المعاصرة.. بعيدا عن الأرض وقريبا من السماء


إ
ن أكثر الأفلام نجاحا على المستوى العالمي، هي تلك التي تستمد مادتها من تقلبات الحياة والواقع، ونقصد بذلك طبعا الناحية الفنية والنقدية، وهي أفلام تعالج موضوعات وقضايا لها علاقة مباشرة بالناس، بعيدا عن الخرافات والأساطير وأفلام الكوارث والخيال العلمي، رغم النجاح الساحق لهذه الأفلام من النوعية الأخيرة.

وهكذا يمكن تلخيص واقع الإنتاج السينمائي بالنسبة للجمهور، هناك إنتاج مرغوب يعالج قضايا الواقع الاجتماعي والاقتصادي والانساني، وهناك إنتاج مرغوب أيضا يهرب منه ويبتعد عنه مسافات طويلة.

إن أفلام السياسة والحروب هي أكثر الأنواع تفاعلا مع الجمهور، لأن مادتها مستمدة من الواقع والتاريخ، وسوف نجد عشرات الأفلام التي استحقت الجوائز العالمية وهي من هذه النوعية الواقعية، مهما اختلفنا من درجة الاقتراب من الواقع أو الابتعاد عنه.

مع حرب العراق مثلا أنتجت الكثير من الأفلام، وهي أفلام أمريكية في أغلبها، وعندما نصنف هذه الأفلام سوف نجدها واقعية اجتماعية، تقترب من السياسة بدرجات مختلفة.

خذا ينطبق على مشكلات حيوية أخرى تفرض نفسها، ولعل الأزمة الاقتصادية العالمية هي أهم هذه المشكلات، وهي بالتالي استحقت اهتماما أوسع من السينما، لأن تفاصيلها تصل الى الفرد العادي، وليس فقط مجموعة معينة من الأفراد.

على سبيل المثال أعيد إنتاج فيلم "وول ستريت" ولكن بموضوع جديد، حمل اسم "المال لا ينام" ولعل الأزمة المالية وحدها التي صنعت هذا الفيلم إنتاجا، وصنعت نجاح الفيلم على المستوى التجاري.

وبالطبع تختلف المعالجة من فيلم الى آخر، حيث تظهر الأزمة المالية العالمية أحيانا جانبية، لكنها هي التي تحرك الفيلم وتقود الأحداث، ولعل الفيلم الجديد لجورج كلوني يشكل دليلا على ذلك.

إننا نقصد فيلم"عاليا في السماء"، وعندما نقول جورج كلوني، فنحن نعني الممثل وليس المخرج، فقد استطاع هذا الممثل أن يحقق نجاحات متتالية، حتى صارت تنسب إليه الأفلام ليس باعتباره نجما، ولكنه ظاهرة في التمثيل، اجتمعت فيه الكثير من الخصائص والسمات والتي تعني وانما نجاح معظم الأفلام التي يشارك فيها، ولاسيما أن المشاركات تقترب قليلا أو كثيرا من السياسة بمفهومها العام.

فيلم" عاليا في السماء" من إحراج جاسون ريتمان ولقد اشتهر بفيلم نال شهرة واسعة وهو "جونو" وقبل ذلك فيلم"شكرا على التدخين".

والمخرج يعيد في فيلمه الجديد بعض الإشارات التي سبق أن قدمها، ولاسيما ما يتعلق منها بالتركيز على المنحى الانساني وموقف الإنسان من المصاعب اليومية التي تجتاح حياته.

"عاليا في السماء" فيلم يستند على "الوظيفة" ونقصد بذلك وظيفة الفرد داخل الفيلم، فنحن نجد مثلا بعض الأفراد مهمتهم القتل وآخرين مهمتهم البحث عن العدالة لغيرهم أولا لأنفسهم.

نعم هناك وظائف مختلفة تستند عليها الأفلام، ومنها الطبيب والعميل السري والقاتل المأجور والأستاذ الجامعي وغير ذلك من الوظائف، ولكن هناك نوعية من الأفلام تقدم الوظائف الغريبة، فمثلا سوف نجد فيلم"الرسول" يختار وظيفة استثنائية وهي أن يقوم الرسول بإبلاغ أسر الضحايا بموت أحد أفراد العائلة في الحرب، والرسول يتنقل من أسرة الى أخرى بحيث يبدو وكأنه شبح الموت الذي ينفر منه الجميع.

في السينما العربية، سوف نجد في "السقامات" شخصية مميزة وظيفتها حضور المانح والمشاركة في الجنازات نظير مبالغ مالية مدفوعة، وهذا يتشابه مع شخصية الحانوتي، أو من يقوم بعملية الدفن، وهي الشخصية التي لم تقدم في السينما العربية بشكل جيد.
في بعض السينما، تظهر أيضا شخصية "الدوبلير" وأحيانا شخصية البديل وهو من يقوم بأعمال صعبة بديلا لبطل الفيلم فى السينما.

في هذا الفيلم -عاليا في السماء- نجد شخصية لها وظيفة غير مألوفة، وهي وظيفة أفرزتها الأزمات المالية التي عصفت عالميا بالشركات والمؤسسات والمصانع والمصارف وغيرها، حتى صارطرد الموظفين مسألة اعتيادية ويومية، وبالتالي صار من الضروري وجود "عميل خاص" يتصدى لهذه المهمة ويتولى أبلاغ الموظفين بعملية الفصل من الوظائف.

هذا ما يقوم "رايان بنغهام" أو جورج كلوني، إنه يطير من مكان الى آخر ومن ولاية الى أخرى، بقصد إبلاغ الموظفين بقرارات الفصل، ويتحمل هو وحده تبعات ذلك من انفعالات وشتائم وأحيانا مواقف عاطفية صعبة، تصل الى درجة البكاء.

ولقد بدأ الفيلم بمشاهد أقرب الى الوثائقية توضح ردود أفعال الناس بعد إبلاغهم بإلغاء عقودهم، بعد سنوات طويلة من الخدمة. ومن الواضح أن الاستعانة قد تمت بمجموعات تم فصلها فعليا ولم يدخل الأمر فى باب التمثيل فقط.

يسير الفيلم باتجاهين.. الأول علاقة "بنغهام" بأولئك الذين يتم فصلهم في مواجهات شخصية وأحيانا في اجتماعات موسعة، يستخدم فيها بنغهام نفس التعبيرات التي تحاول أن تراعي مشاعر الآخرين، مثل الحديث عن بدايات الرحلة وحزم حقائب السفر والتطرق الى المستقبل بقصد البداية من جديد، ولكن الكلام لا معنى له لأن من يتم فصلهم يصلون الى درجة الانهيار ولا يمكن الرفع من معنوياتهم بسهولة، بل يذكر الفيلم حادثة -عرضا -أساسها انتحار أحد الموظفين، بعد قرار الاستغناء عنه.

لا يهتم الفيلم بالمسارات الشخصية لكل هؤلاء، ويركز على الشخصية الأولى "بنغهام" وعلاقاته المختلفة مع من حوله، وهذا هو الاتجاه الثاني.

سوف نجد في هذا الفيلم شخصية نسائية أولى وهي امرأة تنتقل مع بنغهام من فندق الى آخر وعلاقتهما أحيانا تبدو رومانسية، وأحيانا علاقة جسدية مباشرة، وفي مشهد جيد نكتشف أن هذه المرأة متزوجة ولها أبناء ولم تتطرق الى ذلك طوال علاقتها مع بنغهام.

تبدو شخصية "جورج كلوني" وكأنها نموذج للحياة المعاصرة، فهو رجل لا يهتم بالبيت والأسرة وغير مقتنع بالزواج والاستقرار. إنه يطير دائما ويهرب باستمرار من شيء ما ويحاول أن ينع نفسه بهذه الآراء، بل ويقنع غيره.

هناك فتاة أخرى صغيرة السن، هي موظفة جديدة، تقدم مقترحا بديلا تقنيا، لغرض إبلاغ المفصولين عن العمل عن طريق الشبكة الدولية "الانترنيت" ويوضح الفيلم نجاح هذه الطريقة، ولكن الجانب الانساني فى محاولة المواساة يبدو ضعيفا، لذلك يأخذ بنغهام هذه الفتاة الى رحلة لكي يعلمها كيف تتعامل مع المفصولين وكيف تمتص انفعالهم وغضبهم وتفشل الفتاة في هذه التجربة، بل تتحرك المهنة نهائيا في آخر الفيلم.

من القصص الفرعية نجد مواجهة لبنغهام مع ابنة أخته والتي تسعى للزواج وهو يتدخل لكى يقنع الزود بإتمام الزواج، بعد أن قرر إلغاء المشروع، وبالفعل ينجح بنغهام في ذلك، رغم انه غير مقتنع بالأسرة والاستقرار العائلى.

يصل بنغهام الى رحلة مجموعها 10.000.000 ميل من الطيران في السماء. إنه يبتعد عن الأرض وأهلها ومشكلاتها، لكنه مجبر دائما على العودة الى الأرض، حيث المشكلات تتزايد وأهمها مشكلات البطالة والفصل عن العمل.

الفيلم يعتمد على رواية، ولكن الخط الدرامي مفقود، لذلك نجد الكثير من التفاصيل والجزئيات التي أضيفت الى الفيلم، وبذلك يلفت الفيلم الانتباه، غير انه لا يشد الجمهور ولا يؤثر فيه كثيرا، رغم حضور الجانب الكوميدي والدرامي، ولعل ذلك أحد مقاصد صناع الشريط.

الاثنين، 15 نوفمبر 2010


أيام قرطاج السينمائية.. هناك دائما من يحب الميكروفون


ما الوجه الذي ستظهر عليه أيام قرطاج السينمائية بعد عقد من الزمان؟..هذا السؤال الذي جاء في مقدمة "دليل أيام قرطاج السينمائية" في دورتها الجديدة لعام 2010وهي الدورة التي تحمل الرقم "23".

إن كل المهتمين بالسينما يعلمون جيدا أن مهرجان قرطاج السينمائي يعدّ من أقدم المهرجانات السينمائية العربية، بل هو الأقدم فعليا، فقد انطلق عام 1966، وكانت له خصوصية متميزة وحقق خلال مسيرته نجاحات كبيرة، كان لها التأثير الكبيرعلى الإنتاج التونسي والعربي والإفريقي، وكان له التأثير الواضح على الجمهور التونسى محليا أيضا.

من حق الجميع أن يطرح السؤال. الى أين يمضي مهرجان قرطاج السينمائي؟
وما هي المتغيرات التي تفرض نفسها عليه؟ وهل وصل الأمر الى مناقشة المبادىء والمنطلقات التي كانت في بداية التأسيس؟

أظن أن هناك متغيّرات جديدة تفرض نفسها، وهذه الدورة رقم "23" تؤكد ذلك، ويبدو أن الدورة القادمة للأيام ستشهد منعطفا هاما، وهو أمر لابد من طرحه ومناقشته.
تميّزت الدورة الجديدة "2010" بجملة من الإضافات الجديدة، مع الاعتماد على أسس المهرجان التقليدية المعروفة، وأهمها فيلم "الصرخة" التشادي في الافتتاح.

أيضا هناك المسابقة الرسمية للأفلام الروائية، والمسابقة الرسمية للأفلام الروائية، والمسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، ويلاحظ أن قسم أفلام الفيديو قد ألغي تماما، وتحوّلت المسابقة الى نوعين روائية قصيرة وروائية طويلة بصرف النظر عن كونها سينما أو فيديو، وللنوعين لجنة رسمية واحدة.هناك قسم جديد خاص بالأشرطة القصيرة التونسية لكنه مندمج مع قسم الأفلام الوثائقية الرسمية في برنامج واحد وله لجنة تحكيم واحدة.

كما يوجد قسم سينماءات من العالم وهو معروف ومعتاد ويحتوي على أفلام متنوعة من كل أنحاء العالم. وهناك قسم خاص بالأطفال وبه أفلام رسوم متحركة، ولكن الأفلام به قليلة جدا "ثلاثة أفلام فقط."

لابد لنا أن نشير أيضا الى أقسام المهرجان الأخرى، وهي متعددة ومنها مثلا "حصص خاصة" وقد عرضت به بعض الأفلام المهمة مثل" ميرال وفينوس السوداء"، ومن الأقسام المهمة "سينما وذاكرة" وفيه تمّ تكريم اسم الفنان الراحل محمود الجموسي وكذلك الفنان الراحل الهادي الجويني مع عرض فيلم "الباب السابع" الذي شارك الهادي الجويني فيه بنفسه.

في نفس القسم تم تكريم السينمائي الطاهر الشريعة مع عرض فيلم قصير جزئي وثائقي حول حياته ومجهوداته السينمائية.

من الأقسام التي ينبغى أن تذكر قسم اكتشافات وقسم "ملامح من السينما المكسيكية" وقسم نظرة قريبة على السينما في جنوب افريقيا وقسم أفلام من بلدان يوغسلافيا سابقا ـ البوسنة ومقدونيا وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا.

من افريقيا تكريم الممثل الراحل"صوتيفى كوباتي"من بوركينا من خلال عرض أفلامه مثل "ماهابهارتا ـ الضباع ـ السنغال الصغيرة ـ نعر لندن".

هناك أيضا قسم خاص بتكريم المخرج الجزائري الفرنسي رشيد أبو شارب، وكذلك تكريم الممثلة الفلسطينية هيام عباس، حيث عرضت بعض أفلامها مثل "الستار الأحمر ـ الجنة الآن ـ امريكا ـ المر والرمان ـ كل يوم عيد".

ومن التكريمات نجد تكريما للمخرج اللبناني "غسان شلهب" ومن الأقسام المهمة "بانوراما السينما التونسية" وبه أفلام طويلة وقصيرة ووثائقية.

إذا عدنا الى لجنة التحكيم الرئيسية "المسابقة الرسمية" سوف نجدها تتكون من راؤول بيك من هاييت وقد اشتهر بفيلم "لوممبا" 2000 ،بالإضافة الى إخراجه لأفلام أخرى طويلة وقصيرة. أيضا هناك أنور إبراهيم من تونس وهو موسيقار وضع موسيقى تصويرية لأفلام كثيرة مثل "عصفور السطح" و"صمت القصور" و"بزناس" و"موسم الرجال" وغير ذلك من الأفلام.

من أفغانستان تم اختيار عتيق رحماني وهو كاتب ومخرج، ومن السنغال جوزيف راماكا وهو مخرج وكاتب سيناريو ومدير مهرجان. من مصر تم اختيار الممثلة الهام شاهين ومن سوريا الممثلة سلاف فواخرجي ومن فرنسا المخرجة والنتجة "ديان بارتييه".

لابد من الإشارة هنا بأن الممثلة السورية سلاف فواخرجي قد اعتذرت منذ اليوم الأول ولم يتم تعويضها بشخص آخر.

ومن الواضح أن الانتقادات التي وجهت لاختيار لجنة التحكيم كانت أقرب الى الصواب وخصوصا التركيز على النجوم وتكرار الأسماء، من المعروف أن سلاف فواخرجي كانت من ضمن أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان أبو ظبي السينمائي وأن الممثلة الهام شاهين قد تكرر أسمها كثيرا في المهرجانات بلا مبرر لذلك.

الحضور النسائي يتكرر أيضا في لجنة مسابقة الأفلام الوثائقية ولقد حضر الممثل خالد أبو النجا من أبو ظبي مباشرة الى تونس أيضا.

هناك مسابقة أخرى موازية لكنها مهمة، خصصت بمناسبة انعقاد مؤتمر منظمة المرأة العربية وقد شكلت لجنة لهذه المسابقة يرأسها عبد الجليل خالد، رئيس المركز القومي للسينما في مصر وقد منحت اللجنة جائزتها الى فيلم قصير من مصر بعنوان"أحمر باهت" لمخرجه محمد حامد.

وفي نفس الإطار كرمت منظمة المرأة العربية في مؤتمرها المخرجة عطيات الابنودى من مصر مع تنظيم ندوة حول المرأة والسينما شارك فيها عدد من المتدخلين.

من فعاليات المهرجان، تنظيم ندوة حول النقد السينمائي بحضور اتحاد النقاد السينمائيين الدوليين "الفيربيسي" مع ندوة موازيه حول النقد السينمائي في البلدان العربية وذلك تحت إشراف جمعية النهوض بالنقد السينمائي فى تونس.

كما قلنا، فإن أفضل الأقسام كان يتمثل في بانوراما الأفلام القصيرة التونسية وكان الإقبال كبيرا على هذا القسم، كما أن العروض كانت جيدة من الناحية الفنية والثقافية، وقد شهد الجميع بأن الأفلام التونسية القصيرة قد تفوقت على الأفلام التونسية الطويلة.

كانت لأفلام المسابقة الرسمية "الطويلة" أهمية متميزة، لأنها نالت اهتماما واسعا صحفيا ونقديا، وخصوصا وأن المناقشات في دار الثقافة ابن خلدون بتونس العاصمة قد خصصت لهذه الأفلام، وفى جميع الأحوال لم يقع اهتمام واضح بمناقشتها وربما من الأفضل تغيير قاعة ابن خلدون والبحث عن بديل مناسب يغري النقاد والصحفيين بالحضور، لأن جل المشاركين لا يحضرون نقاشات الأفلام.

شاركت تونس في المسابقة الرسمية بثلاثة أفلام طويلة هي:" النخيل الجريح" لمخرجه عبد اللطيف بن عمار - والذي أحرز التانيت الذهبي- عن فيلم عزيزة في سنوات سابقة من المهرجان.

الفيلم الثاني" آخر ديسمبر" لمعز كمون والفيلم الثالث"سجل احتضار" للمخرجة عايدة بن علية. و الأفلام الثلاثة تتسم عموما بالضعف، رغم أن الموضوع الذي تم اختياره في" النخيل الجريح" مهم نسبيا وبذلك لم يحصل أيّ فيلم على أية جائزة إلا جائزة لجنة تحكيم الأطفال وهي لجنة ليس هناك ما يبرر وجودها إلا إذا كان هناك قسم خاص للأطفال به مسابقة رسمية، وهذا ما لم يتوفر في مهرجان قرطاج الى حد الآن.

شاركت الجزائر بفيلم"رحلة الى الجزائر" لمخرجه عبد الكريم بهلول صاحب" شاي بالنعناع" والفيلم جيّد على مستوى السرد وتدفق الأحداث، ولكن أطروحته يثار حولها الكثير من الأسئلة، لأنه يتودد الى السلطة الرسمية ويبالغ في ذلك تحت شعار إنصاف المجاهدين، ولقد نال الفيلم جائزة التانيت الفضي وبالطبع هناك أفلام أفضل منه كثيرا.

من مصر هناك فيلم" رسائل البحر" لداوود عبد السيد وقد أغفلت لجنة التحكيم هذا الفيلم نهائيا، ربما لأن المخرج قد نال في السابق جوائز كثيرة، ورغم ذلك فقد فاز ممثله الأول آسر ياسين بالجائزة الأولى "تمثيل رجال"، وربما كان يستحق ذلك رغم أن هناك من هو أفضل منه، مثل الشخصية الرئيسية فى الفيلم المغربي الجامع.

الفيلم الثاني من مصر وهو"ميكرفون" للمخرج أحمد عبد الله والذي يعرض له فيلم آخر على هامش المسابقة تحت اسم "هيلوبوليس". الفيلم شبابي ومتميز يعتمد تقريبا على الارتجال وهو من الأفلام الحديثة في طريقة السرد والمعالجة ولقد نال الجائزة الذهبية، وبالطبع يستحق الفيلم الجائزة ولكن المسألة تخص لجنة التحكيم وحدها، لأن من الممكن أن يتحصل عليها فيلم آخر ولا أحد ينتبه الى فيلم" ميكرفون".

من المغرب جاء فيلم"الجامع" لمخرجه داوود أولاد السيد، صاحب الجوائز الكثيرة والفيلم من أفضل أفلام المهرجان ولكن لجنة التحكيم لم تمنحه إلا الجائزة الثالثة "التانيت البرونزي".

من لبنان كان فيلم"كل يوم هو عيد" لديمة الحر وهو فيلم جيد وقد منح تنويها من قبل لجنة التحكيم وكان من الممكن منحه جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ولكن اللجنة لم تفعل ذلك، إذ إنها لم تتوسع في الجوائز وبدون مبرر.

من أهم أفلام المسابقة الروائية فيلم "سيرلي ادامز" من جنوب افريقيا، وهو فيلم يستحق أي جائزة بما في ذلك التأنيت الذهبي، ولكن تم استبعاده واكتفت لجنة التحكيم بمنحه ممثلة الأولى دونيز نيومان جائزة التمثيل الأولى ـ نساء، وهي تستحقها دون نقاش.

هناك جائزة جديدة تعتمد على الجمهور "جائزة الجمهور" وقد فاز بها الفيلم الجزائري"رحلة الى الجزائر"ويبدو أن الجمهور من نوعية معينة، يقترب من الانفعال المباشر وفي جميع الأحوال لا تكاد تعني الجائزة الكثير.

بالنسبة للأفلام التونسية القصيرة فازت تونس بالتانيت الذهبي وكان ذلك تعويضا واضحا، والفيلم التونسي الفائز جيد جدا وهو بعنوان"عيشة" "المسابقة المحلية" لوليد الطابع. وكذلك الأمر بالنسبة للفيلم الثاني"الجائزة الثانية" فهو من تونس لحميدة الباهي. أما جائزة الفيلم الوثائقي "الذهبية" فقد فاز بها فيلم من فلسطين وهو بعنوان"اربطني"لمي راشد.

هناك جائزة باسم اتصالات تونس وهي منحة لتكملة فيلم ماليا وفاز بها المخرج التونسي نضال شطا عن فيلم قيد الانجاز وهو" السراب الأخير".
كانت المشاركة الافريقية محتشمة، ففي مسابقة الأفلام القصيرة "الدولية" فازت كينيا بالجائزة الفضية عن فيلم "بومزي" لمخرجته وارنورى كاهيو وهو فيلم يعتمد على التقنية والتصوير والجمع بين القديم والجديد، بينما فاز فيلم"صابون نظيف" بالتانيت الذهبي لمالك عماره من تونس.

اما التانيت البرونزي فقد فازت به اثيوبيا عن الفيلم القصير"ليزر" للمخرج زلالم ولد مرايام.

ومن الأفلام الافريقية الجيدة نجد الفيلم الكيني"فتى الروح" ولكنه لم يفز بأية جائزة واحتوى برنامج مسابقة الأفلام الطويلة أيضا على فيلم متواضع وهو"ايماني" من أوغندا وهو فيلم فيديو وليس سينما، وكما أشرنا فقد جمعت أفلام السينما والفيديو في بوتقة واحدة.

بالنسبة إلى الجوائز الموازية- وهي خارج المسابقة وخارج اختصاص لجان التحكيم- يهمنا كثيرا أن نذكر بأن الفيلم القصير"فيديو" وهو باسم "شراكة" قد فاز بالجائزة الأولى والتي منحها اتحاد المخرجين فىي البلدان الإسلامية، وهذا الفيلم الذي أخرجه صلاح قويدر من ليبيا قد نال اهتماما جيدا واقترحت مشاركته في كثير من المهرجانات القادمة اما الجائزة الثانية في الإطار نفسه فقد فاز بها الفيلم التونسي القصير"هوس" للمخرج أمين شيبوب.

بالنسبة لجائزة اتحاد النقاد السينمائيين العالمي فقد تم منحها للفيلم الافريقي"شيرلي ادامز" من جنوب افريقيا. ومنحت غرفة منتجي الأفلام في تونس جائزتها الى الفيلم المغربي "الجامع".

هناك أيضا ورشة المشاريع والتي وزعت جوائزها المالية لسيناريوهات قيد التنفيذ وقد وزعت الجوائز المالية بين فلسطين وتونس والجزائر والمغرب وساحل العاج والسنغال.

بعض المعلقين أشاروا إلى أن هذه الدورة "23" من أيام قرطاج السينمائية قد استهدفت المصالحة مع مصر والتي لم تفز بأية جائزة ذهبية منذ اختيار يوسف شاهين وربما كان هذا الكلام صحيحا، وكل ذلك لا يمنع القول بأن هذه الدورة تعدّ من الدورات المتميزة المليئة بالأفلام والتنويعات وهي تكشف عن أن أيام قرطاج السينمائية قادمة على تغيرات جوهرية في السنوات القادمة.

الخميس، 4 نوفمبر 2010


"سولت".. امرأة غير قابلة للذوبان


تذكرت وأنا أشاهد هذا الفيلم "سولت ""إنتاج 2010" لمخرجه فيليب نويس، أكثر من فيلم دارت أحداثه حول إنقاذ الأرض من الخراب والدمار الذي يمكن أن تتعرض له في أيّ وقت.

والواقع أن فكرة تدمير الأرض قد تجسدت على الشاشة منذ عقود كثيرة، بداية من"حرب العوالم" مثلا في صورته الأولى والثانية، فضلا عن وجود تلك الكائنات الخارجية التي تسعى دائما لضرب الكرة الأرضية، وفي أكثر الأحيان هناك من يسعى الى هذا التدمير من داخل الأرض نفسها، ولعل ذلك يعود الى اختراع القنبلة الذرية ثم النووية وهي إشارة الفزع التي لم تستطع السينما التخلص منها، ويمكن أن نذكر مثلا ذلك الفيلم الشهير لستانلي كوبريك"الدكتور سترا نجلاف ""1964"،ثم أفلام أخرى تضع الرئيس الأمريكي دائما في الواجهة مثل " يوم الاستقلال" وغير ذلك من الأفلام..

سنرى في هذا الفيلم "سولت" الكثير من التفاصيل التى سبق تقديمها، بل هو إعادة لبعض هذه التفاصيل، وهذا هو حال السينما في اختيار موضوعاتها، في تقارب وتباعد وتكرار أحيانا ولكن بمعالجات مختلفة يقبلها الجمهور ويقبل عليها بدون إثارة أية أسئلة أو شكوك، بل هي لعبة التسلية ولا شيء غيرها.

هذا ما حدث مع فيلم "سولت" الناجح جماهيريا، رغم أنه لا يخرج عن كونه تكرار لبعض الوقائع والأحداث المتداولة، مع إضافات أخرى سبق للجمهور أن تابعها لنفس بطلة الفيلم "انجيلينا جولي"والتي اشتهرت بأفلام الحركة في مرحلة أخيرة.

وكانت أن قدمت فيلم "لارا كروفت" في جزئين ثم قدمت أفلام أخرى مثل"مطلوب" والفيلم المعاد إنتاجه "السيد والسيدة سميث" والحقيقة أن هذه الممثلة قد ظهرت فى صورة أخرى مختلفة ناجحة مثل الخطيئة الأساسية – بيوولف – الاسكندر" ولكن أفلامها الأخيرة، أكدت نجاحها في أفلام الحركة والعنف والمغامرة، وقد ساعدها على ذلك رشاقة جسدها، وشكلها الخارجي، وأيضا الوجه الذي يجمع بين الجمال والوحشية في نفس الوقت.

في فيلم"سولت" هناك تركيز واضح على التفاصيل المذكورة، لأن جسد الممثلة هو الذي يملأ الشاشة في أغلب الأحيان، ولذلك تظهر بوضوح الجزئيات القريبة، مثل الشفاه والخصر والذراع وكذلك الشعر والعيون ولكن لم يسقط الفيلم في الاستعراض الجسدي، واهتم بجوانب أخرى لها علاقة بموضوع الفيلم نفسه وتفاصيله الدقيقة.

في أول الفيلم نرى مشهد تعذيب في كوريا الشمالية، للفتاة نفسها "سولت" وهي تؤكد تحت التعذيب بأنها ليست عميلة أمريكية،وبالفعل تخرج من المعتقل ويتم مبادلتها بسجين كوري لتعود الى بلادها أمريكا.

وسوف لن نجد لهذا المشهد أية أهمية، لأنه مجرد مقدمة للتعريف بهذه الجاسوسة، ولن يستفيد الفيلم مما قدم في تتبعه لباقى الأحداث – حيث لا علاقة لكوريا الشمالية بقصة الفيلم، إلا من باب إدماج هذه الدولة في لعبة العداء لأمريكا والاقتراب من التحالف الذي يهدد العالم.

مثلما تصورنا مسبقا بأن هناك بعض الكائنات تحاول أن تندمج داخل المجتمع الأمريكي بغاية تدمير الدولة وأحيانا تدمير العالم، وهي كائنات معادية قادمة من الفضاء الخارجي وتمثل من حلقات الشر، حسب التصور الامريكي، سوف نرى في هذا الفيلم كائنات روسية شبيهة بذلك.

إنها خلايا متفرقة تقوم على أفراد أمريكان، تم تجنيدهم في عقود الحرب الباردة بعد أن نقلوا من بلادهم وتدربوا مع مرور الوقت، ليصبحوا جنود أقرب الى الأشباح أو بالأصح عملاء نائمون، يمكنهم ان يستيقظوا فى أي وقت لاقتناص الفرصة وأحداث الكارثة الكبيرة. يقول الفيلم بأن الفتاة "ايفلين سولت" إنها إحدى ضحايا التجنيد الروسي للعملاء من الأمريكان.

فقد جندت وهي صغيرة وخضعت للتدريب تحت إمرة إحدى القادة الروس وهو" أورلوف"، وتبدأ الأحداث فعليا عندما يحضر هذا القائد الى أمريكا هاربا ويبلغ دوائر المخابرات الأمريكية بأن" سولت" والتي تعمل في هذه الدوائر إنما هي جاسوسة روسية، ولم تستطع "سولت" هذه أن تقنعهم بأنها عميلة مزدوجة، وظلت تحاول طوال مدة الفيلم إقناع الآخرين جميعا بأنها ليست جاسوسة روسية أو مجندة نائمة، لكنها أمريكية تخدم لمصلحة دائرة الاستخبارات المركزية تحت إدارة رئيسها المباشر "تيدونيتر" والذى يقوم بدوره الممثل "ليف شرايبر".

هناك مشهد داخلي تحاول فيه "سولت" الخارقة اقتحام الأخطاربمفردها وتنجح في ذلك، لتبدأ بعد ذلك سلسلة المطاردات بحثا عن سولت. وهي مطاردات تحدث في الشوارع، حيث السيارات والطرق الواسعة والعربات الكبيرة.

ومن الواضح أن البطولة هنا تصل الى درجة المبالغة المطلقة، حيث تقوم "سولت" بكل المعجزات لكي تتمكن من الهرب، ومن ذلك القفز من أعلى العربات وتسلق الجدران في العمارات العالية، وكل ما يمكن أن ينسب الى أبطال الأفلام الأخرى المعروفة مثل"توم كروز "مثلا في سلسلة أفلام "مهمة مستحيلة" أو الممثل "مات ديمون" فى سلسلة أفلام"الهوية بورن"، ويمكن القول بأن بطولة الفيلم كانت على قياس ممثل "رجل" لكنها تحولت مع بعض الإضافات الجديدة الى بطولة امرأة خارقة.

بصرف النظر عما إذا كانت المشاهد مقنعة أو غير مقنعة، فالفيلم ومن خلال التنفيذ الدقيق يبدو جيد الصنع، وليس ذلك بغريب على المخرج "فيليب نويس" الذي له تجارب كثيرة في أفلان المغامرة والحركة"الأكشن"، ومن ذلك مثلا فيلم "القديس" 1997 وفيلم "سيلفر" 1993 وفيلم "جامع العظام"، مع نفس الممثلة 1999 وفيلم "الأمريكي الهادىء" 2002.

وهكذا تسير أحداث الفيلم بهدوء وتسلسل مونتاجي مريح للمتفرج، ويأتي التشويق، هو سيد الموقف دائما، فلا توجد لحظات فراغ في الفيلم، في بيت سولت مثلا، تستطع الفرار من متابعيها، ولاسيما وهي تكتشف أن زوجها قد تم القبض عليه، ثم أطلق سراحه، لتلتقي ببه من جديد، ومن الواضح أن دور الزوج "مايك" ليس له ضرورة بالنسبة للفيلم، لأن من شروط العمل بالنسبة للجاسوسة ألا تكون متزوجة.

يدفع الفيلم بالأحداث نحو المزيد من الحركة وممارسة القتل، فكل حدث يؤدي الى حدث أكثر عنفا، حتى الوصول الى مبنى القداس الديني الخاص بجنازة نائب الرئيس الامريكي. يقول الفيلم بأن الرئيس الروسي، سوف يشارك في جنازة صديقه نائب الرئيس الامريكي، وأن هناك معلومات تكشف بأنه سيتعرض لمحاولة اغتيال، وفعلا تتم المحاولة عن طريق سولت ورغم نجاحه في ذلك إلا أن الرئيس الروسي لا يقتل.

عند لقاء سولت مع معلمها الروسي "اورلانوف" تمرّ بتجربة امتحان، لكي يتم إثبات صدقها وإخلاصها لتحقيق الأهداف الروسية، وتتمكن بعد ذلك من قتل معلمها، لتكمل دائرة الانتقام التي تعيشها، حيث نعلم وعن طريق لقطات الرجوع للخلف "فلاش باك" وبشكل سريع بعض تفاصيل حياة سولت وهي في روسيا، صغيرة السن، ومن هذه التفاصيل قتل أسرتها لإجبارها على العمل جاسوسة وعلى الحياة بشكل منفرد وإخضاعها لنظام صارم من التعليم، ثم زواجها من مهندس معماري ضد رغبة الجهات الاستخباراتية.

وهنا تبدو لقطات "الفلاش باك" وكأنها محاولة لشرح بعض الجزئيات من حياة سولت، فهي أولا لا تتكلم كثيرا، ولا يوجد ما يبرر تصريحها بجوانب من قصة حياتها، رغم وجود الراوي أحيانا في مرحلة مبكرة.

مثل كل لقطات الفلاش تستخدم للتفسير والتعليل، وبذلك تبدو" سولت" وكأنها مدفوعة للانتقام من الروس، فهي موالية لهم شكلا وعدوة لهم فعليا، حيث أظهرها الفيلم في النهاية باعتبارها المخلص الامريكي لكل الشرور التي يمكن أن تصيب العالم.

في هذا الجانب وغيره يسير الفيلم نحو عدة اتجاهات.. أولا العودة الى ما يسمى بالحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، ولا شك أن التقارير الحقيقية البحثية التي تقول بعودة النفوذ الروسي أو الخوف من عودته، تؤكد على هذا المنحى، فالتوقعات كثيرة بالنسبة لإمكانية نهوض روسيا من كبوتها السياسية، بأن تصبح الطرف المناوىء لأمريكا.

ثانيا: هناك اتجاه آخر يربط الفيلم بالمتغيرات الجديدة بعد أحداث 11سبتمبر/أيلول، والمقصود بذلك محاولة تشويه الدور الامريكي، كما تدعى دوائر الإعلام الأمريكية. ونهاية الفيلم تكشف عن كل ذلك، وما تقوم به سولت يبرز وجه أمريكا الايجابي، لأنها تدخلت لإيقاف تدمير بعض المدن الإسلامية مثل طهران ومكة. وكذلك 9 مليون مسلم كما يقول الفيلم.

ثالثا: مثل أكثر الأفلام الأمريكية، لا تظهر السياسة صريحة ومباشرة، فنحن إزاء فيلم مليء بالمغامرات غير المنطقية، ويعتمد على الفردية المطلقة في البطولة، ويتواصل مع الجمهور اعتمادا على ذلك، ولا مانع من أن تظهر بين الحين والآخر بعض "الموتيفات" السياسية التي تخدم الفيلم ليس إلا، وليس لها علاقة مباشرة بالواقع السياسي ومجرياته.

عندما يقترب الفيلم من نهايته، تتدخل "سولت" وتتمكن من التسلل الى البيت الأبيض وتعمل على إيقاف الصواريخ في اللحظة الأخيرة لانطلاقها ونكتشف بأن رئيسها في العمل مخبر أيضا في العمل لصالح روسيا، فهو أحد الأشباح التي يقدر لها أن تظهر بين الحين والآخر، ولقد استخدم الفيلم كلمة "سولت" لتدل على معنى ذوبان هؤلاء العملاء في المجتمع الامريكي بحيث لا يشعر بهم أحد. رغم أنه اسم علم على أية حال.

فى آخرالفيلم تسعى "سولت" لتقل العميل "تيد وينتر" ويتم القبض عليها لكن زميلها "بيبودي" يطلق سراحها بعد اقتناعه ببراءتها، ولتبدأ مهمة البحث عن باقي العملاء الآخرين.

مثل العادة يظهر الأمريكي هو المنقذ من كل الأخطار التي تواجه أمريكا أو تواجه غيرها من الدول فى يوم الحسم والذي ساماه هذا الفيلم اليوم المجهول.

أما لماذا تم اختيار "مكة وطهران" باعتبارهما أهداف عسكرية لضربة يقودها عملاء روس وأدوات وأجهزة أمريكية، فذلك يرجع الى محاولة إبراز أمريكا وكأنها في حالة دفاع عن الإسلام من خلال "السنة والشيعة" والحقيقة أن الدعاية في هذا الفيلم تصل الى حدودها القصوى، ونقصد بذلك الدعاية السياسية "البربقاندا"، ولولا نسبة الخيال العالية لاعتبر هذا الفيلم مجرد استمرار لما أنتج في السابق من أفلام حاولت فيها هوليوود أن تكون بوقا سياسيا لما يعرف باسم مظاهر التفوق العنصري بالادعاء، حيث لم تسلم منها أية جنسية غربية و شرقية.

فى آخر الفيلم تتحول حركة الممثلة" أنجيلينا جولي" الى ما يشبه الأسطورة وهي تخرج من الماء بعد سقوطها من الطائرة وتظهر بين الأشجار وراء خلفية موسيقية اوبرالية، وكأن ما قامت به أحد المستحيلات وذلك لإضفاء مظاهر القوة والتأثير على هذه الشخصية تمهيدا لإبرازها في دور آخر جديد بنفس الشخصية والاسم"ايفلين سولت" وباعتبار الفيلم يقوم على شخصية امرأة، فلم تبرز إلا "أنجلينا جولي" في الفيلم. ولكن لابد من الإشارة الى الممثل "ليف شرايبر" والذي لعب دور العميل "تيدوينتر"، فهو الشرير الذي يطرحه الفيلم في مواجهة المرأة الغارقة سولت. أما باقي الأشرار فهم نائمون الى حين يطلب منهم الاستيقاظ وهو ليس ببعيد على كل حال
.

الخميس، 7 أكتوبر 2010




مهرجان دمشق السينمائي.. متغيّرات جديدة وآفاق بعيدة


يذكُر الناقد والمخرج صلاح ذهني بأن أول مهرجان سينمائي انعقد بالوطن العربي وفي إفريقيا وفى آسيا كان مهرجانا سينمائيا عالميا عرف باسم "مهرجان السينما الدولي بدمشق" عام 1956.

وكان هذا المهرجان متكاملا، لأن به لجنة تحكيم وجوائز وأفلام عالمية متعددة، كما كان له شعار يتناسب مع تلك المرحلة وهو "في سبيل الصداقة والتفاهم بين الشعوب" انعقد المهرجان المقصود لدورة واحدة ولم يتجدد، رغم أن معرض دمشق الدولي الذي احتوى المهرجان قد استمر بعد ذلك.

طال الانتظار طويلا، وانعقدت أثناء ذلك تجارب سينمائية من المهرجانات العربية، منها مهرجان السينما الإفريقية الآسيوية فى مصر ثم مهرجان قرطاج "أيام قرطاج السينمائية" والذي استمر وحيدا واستثنائيا، الى أن ظهرت مهرجانات أخرى بعد ذلك "مهرجان قرطاج عام 1966"، و"مهرجان القاهرة السينمائى عام 1977".

ثم توالت المهرجانات حتى صارت أكثر من الأفلام العربية المنتجة كما يقولون، والتبس فيها العامل السينمائي مع الثقافي والسياحي والإعلامي، بل إن دول غير منتجة للأفلام ترصد الميزانيات الكبيرة لتنظيم المهرجانات، كما حدث لدول الخليج مثل الإمارات "أبو ظبي – دبي" وكذلك قطر وأحيانا البحرين وعمان وبلغ الأمر الى أن يقام في دولة مثل المغرب أكثر من عشرين مهرجان سنويا والبقية تأتي.

لا شك أن في ذلك جوانب ايجابية، لكن ظاهرة مهرجانات السينما تبدو ومصطنعة في عدد من الدول العربية، لا تتناسب مع إنتاجها وثقافتها حتى أن مهرجانات يستفيد منها الخارجي ولا يستفيد منها ابن البلد، وحتى أن مهرجان يسمى مهرجان الخليج السينمائي وزع جوائزه على دولة واحدة في إحدى دوراته وهي العراق لأنه لا توجد دولة منافسة للعراق في الخليج غير السينمائي.

مهرجان دبي السينمائي، مهرجان استعراضي ومهرجان أبو ظبي السينمائي ما هو الا تقليد للمهرجان السابق ومنافس له بصرف النظر عن الإنتاج، وتبقى المهرجانات الرئيسية هي أساس السينما مهما اختلفت المتغيرات تبقى أيام قرطاج السينمائي هي الأهم ويبقى مهرجان دمشق السينمائي هو الأصل، ويبقى مهرجان القاهرة السينمائي هو الأكبر ويبقى التجديد الفعلي والتطور مرتبط بمهرجان مراكش السينمائي وباقي المهرجانات التي تدور في فلكه.

مهرجان دمشق السينمائي له نكهته الخاصة، باعتراف الجميع، ربما بسب المكان، كما عبّر عن ذلك شعار للمهرجان في دورة من دوراته، لكن المكان وحده ليس كافيا – ذلك أن العمل الجماعي الواضح هو شعار المهرجان الدائم، مع محاولة لاستقطاب أهم الأفلام العربية واختيار أفلام مميزة لتكون في صدارة الافتتاح والاختتام.

ولا شك أن جغرافيا المكان بالنسبة إلى دور العرض سبب مهم في إنجاح تظاهرة المهرجان، وفي ذلك لا يختلف مهرجان دمشق السينمائي عن مهرجان قرطاج السينمائي، ولاسيما مع افتتاح دار الأوبرا في دمشق حيث يتسع المكان لمئات الكراسي، بما في ذلك حفل الافتتاح المهيب التي امتاز به مهرجان دمشق في كل دورة.

أتذكر وفي إحدى دورات المهرجان أن صعدت ممثلة فرنسية وقالت بأن على رئيس مهرجان "كان" السينمائي أن يأتي الى مهرجان دمشق ويتعلم منه كيف يكون الافتتاح!
ليس في الأمر مبالغة، ولكن يتميز حفل الافتتاح في مهرجان دمشق السينمائي بحسن اختيارات الاستعراضات وتصميم الراقصات، مع تركيز على أهم محاور وأقسام المهرجان، حيث يختلط المحلي في سوريا مع العربي والعالمى.

وبالطبع شهدت الدورات الخمس الأخيرة تطورا رائعا من حيث التنظيم وبرمجة العروض، والتأكيد على الجانب الكلاسيكي من السينما، بالإضافة الى ما هو حديث من كل أنحاء العالم.

لم يكن مهرجان دمشق السينمائي عالميا بالمعنى الشامل، لقد كان ولفترة طويلة ينعقد مرة كل سنتين، منذ تأسيسه عام 1979، وكان مختصا بأفلام آسيا وأمريكا الجنوبية والأفلام العربية على عكس مهرجان قرطاج الذي كان مختصا في أفلام افريقيا والبلدان العربية.

ومن الطبيعي أن ينتظم المهرجان بالتناوب وأن يحدث بينهما تعاون وتآخي ولكن في حدود معينة ومحدودة، لأن عوامل الاختلاف كانت واضحة حتى وصل الأمر الى القطيعة غير المعلنة.

قلنا، لقد كان مهرجان دمشق السينمائي مرتبطا بالسياسة ولكن بمعناها العام ولقد كان شعاره "من أجل سينما متطورة ومتقدمة" ويدور في فلك الاتجاهات الاشتراكية ولذلك كان حضور الاتحاد السوفيتي قويا وكذلك كوبا، بالإضافة الى الجزائر وعرضت أيضا أفلام من فيتنام وكوريا الشمالية وألمانيا الشرقية وبالفعل كان مهرجان دمشق بوابة للأفلام الجيدة من المنظومة الاشتراكية كما أنه كان معبّرا عن مرحلة معينة سادتها التوجهات اليسارية، وخصوصا ونحن نعلم بأن عدد منن المخرجين في سوريا قد درسوا في الاتحاد السوفيتي وتأثروا ايجابيا بالسينما التقدمية.

وكيفما كان الأمر لقد مرّ مهرجان دمشق السينمائي بمرحلة جيدة، وكان متميزا وعن طريقه عرضت العديد من الأفلام حول القضية الفلسطينية، وخصوصا تلك الأفلام الوثائقية المتميزة لعدد من المخرجين من سوريا وفلسطين ولبنان والعراق.

كما أن بعض أفلام المهرج يوسف شاهين قد عرضت بالمهرجان، بالإضافة الى تجارب يغلب عليها المضمون السياسي.

ويكفى أن نقول بأن فيلم مثل" شمس الطباع" التونسي، بالإضافة الى "الأسوار" العراقي قد فازا سويّا بالجائزة الذهبية فى الدورة الأولى للمهرجان، كما أن فيلم" القلعة الخامسة" السوري قد توّج بالجائزة الفضية، وهكذا سوف يكون السباق موحدا فتبرز أفلام لها طبيعية واقعية سياسية واجتماعية، ولكن السياسي هنا يتداخل مع النضالي، وذلك بالطبع يتماشى مع نوعية الأفلام المنتجة في تركيا مثلا، حيث تنال الأفلام التركية الجوائز باستمرار وكذلك الجزائر وكوبا وسورية بالإضافة الى التجارب الرائدة فى السينما الهندية.

من الواضح أن الجمهور في سوريا كان المدخل لإنجاح المهرجان من دورة الى أخرى، فقد شهدت القاعات ازدحاما شديدا، ولاسيما من قبل الطلبة والطالبات، وعرضت قاعات الندوات نقاشا عالي الوتيرة، حول الأفلام ،ولاسيما بالنسبة للأفلام السورية والتي تعرض لأول مرة في المهرجان وينتظرها الجمهور بلهفة.

ومن جانب آخر احتوت دورات المهرجان المتعددة على ندوات سينمائية طالت موضوعات مختلفة لها علاقة بالسينما العربية الطويلة والقصيرة، شارك فيها أهمّ النقاد العرب.

ولابد من الإشارة الى أن السينمائيين العرب كانوا يحضرون أغلب الدورات وكان الوفد المصري هو أكبر الضيوف دائما بسبب ثقل السينما المصرية وإنتاجها المتعدد ومشاركتها المتصلة. غير أن كمية الجوائز التي تتحصل عليها هذه السينما قليل بداية من "سواق الأتوبيس" وانتهاء بفيلم"واحد صفر" ومرورا بفيلم" القبطان" وغير ذلك من الأفلام. أما الجوائز الفردية فكانت من نصيب الممثل المصري أو الممثلة المصرية بداية من نجلاء فتحي وإلهام شاهين وانتهاء بمجموع الممثلين والممثلات في فيلم سهر الليالي، وغير هؤلاء.

منذ سنة 2003 تغيّر وضع المهرجان، وتغيرت لائحته الداخلية وصار قسم المسابقة الرسمية مفتوحا أمام كل دول العالم، وقد أحدث ذلك نقاشا موسعا.

غير أن الأحوال سارت مع التغيير، وخصوصا ونحن نعلم بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي، أن القاعدة الاشتراكية السياسية قد خف بريقها الإعلامي، ولم تعد هناك الدولة النموذج ومن الطبيعى أن تهبّ رياح التغيير الى مهرجان دمشق السينمائي فيتحول الى مهرجان دولي تشارك فيه كل الدول، ولذلك صار من الطبيعى مثلا أن تفوز اليابان بالجائزة الذهبية وأحيانا السيف الدمشقي – وتفوز دول أخرى مثل تشيكيا أو الأرجنتين. كما ان المشاركات قد اتسعت لتشمل دول اوروبية مثل فرنسا وايطاليا والمانيا وسويسرا وغيرها بالاضافة الى امريكا الشمالية.

وفى مجال الاستضافة انفتح المهرجان على السينما العالمية، ولم تقتصر الأسماء على الاتحاد السوفيتي كما كان في السابق، بل تمت دعوة نجوم من فرنسا مثل" كاترين دينوف" وضيوف من ايطاليا مثل" كلوديا كارنيال" ومن البوسنة مثل المخرج "اميركوستاريكا."

كما أن لجان التحكيم قد دخلها مجال التغيير الواضح، ومن الطبيعي أن نرى مخرجا فرنسيا مثل "ايف بواسيه" يترأس لجنة التحكيم الدولية، أو يترأسها مخرج كبير مثل" كوستاريكا" والقائمة تطول لتشمل العديد من الأسماء.

هذا التحوّل نحو المهرجان السينمائي العالمي المفتوح في مسابقته الرسمية أمام كل دول العالم، يعني بصورة أو بأخرى زيادة المسؤولية التنظيمية والإدارية والمالية الخاصة بالمؤسسة العامة في سوريا ومن خلال وزارة الثقافة.

فالمهرجان إذن له صبغة رسمية وإن كان ذلك لا يؤثر بالضرورة على مجمل الاختيارات السينمائية من حيث نوعية الأفلام وتعدد الأقسام ولا شك أن الجوار يلعب دورا في بنية المهرجان، حيث تحظى دول مثلما إيران وتركيا ولبنان ومصر على سبيل المثال على خصوصية متميزة. كما أن فلسطين، الهوية والوطن، ينعكس حضورها على المهرجان بصورة مختلفة من دورة الى أخرى.

ولعل تحوّل المهرجان الى فعالية سنوية سينمائية يعد انطلاقة سينمائية جديدة غير متوقعة واستجابة للمتغيرات الجديدة وخصوصا ونحن نعلم بأن المهرجانات العربية قد صارت جميعها سنوية من مراكش الى أبو ظبي والى دبي و القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والرباط وبلا شك ان تأثير المهرجان لا يكون الا سنويا ودورة هذا العام 2010 ستكون الثالثة على مستوى الانجاز الجديد في التحول الى مهرجان سنوي يسعى الى نيل الاعتراف الرسمي بمكانته الدولية.

وبما أنعكس هذا النشاط على حجم الإنتاج السينمائي في سوريا، ولو بصورة قليلة، حيث صار الإنتاج ملازم لمواعيد مهرجان دمشق ومحدود فيلمين تقريبا كل سنة، مع جملة من الأفلام القصيرة الوثائقية والرسوم المتحركة، وربما ارتفع مستوى الإنتاج ليصل الى غايات تتناسب مع عالمية مهرجان دمشق السينمائي والذي يشكل حدث ثقافيا وليس مجرد تظاهرة سينمائية يمكن نسيانها بسهولة.

من مزايا مهرجان دمشق السينمائي تلك الإصدارات السينمائية الرفيعة المستوى والتي اشتهرت باسم سلسلة الفن السابع وتجاوز عددها الآن 200 كتابا بين الاعداد والترجمة والتأليف.

لا شك أن هذه الإصدارات تشكل مكتبة سينمائية مهمة، لم يحققها أي مهرجان آخر، وهذا يدل على ان الاختيار الثقافي هو سمة المهرجان الرئيسية، ولا سيما ونحن نعلم بأن المهرجان يوفر لجمهور دمشق وخارجها دمشق الفرص الكبيرة لمتابعة أفضل الأفلام والتي من الصعب متابعتها في دور العرض، والتي بدأت تحقق قفزة جيدة في العاصمة دمشق.

ولهذا السبب ولغيره نقول بأن مهرجان دمشق السينمائي قد حرك سواكن كثيرة وأدخل السينما في دائرة الاهتمام بقصد التواصل معها والهم جعل مدينة دمشق عاصمة سينمائية تنجح في مجال السينما بعد أن نجحت في مجال الثقافة والدراما التلفزيونية.

الخميس، 30 سبتمبر 2010





البهجة والأسى في كوكو قبل شانيل


ربما يجذبك لهذا الفيلم تلك الممثلة الفرنسية صغيرة الحجم والتي ليس لها علاقة مباشرة بمتطلبات نجمات السينما من جمال أخاذ وجسد فاتن وصورة جذابة معنوية، ولعل ذلك يدين توجهات السينما الفرنسية في عقودها الأخيرة، وأكاد أقول السينما العالمية أيضا، فقد ولى ذلك الزمن الذي سيطرت فيه على عالم السينما ممثلات اقبلن من عالم آخر مختلف، كما عند صوفيا لورين وأيضا غاردنر وكلودينا كيردينال وجاكلين بيسه وبريجيت باردو وانجريد بيرجمان وغيرهن كثيرات، وصارت صورة الممثلة من صورة الواقع، مما أتاح للكثيرات أن يسيطرن على السينما، بطريقة أو بأخرى في ظاهرة ربما لا تستمر طويلا.

وإنما نقصد بالطبع الممثلة الفرنسية "اوردري توتو" والتي بدأت عام 1996 من خلال مسلسلات التلفزيون والأفلام المرئية، وفي عام 2001 جاءتها الفرصة السانحة، فقدمت الدور الرئيسي في فيلم بعنوان "اميلي""2002" ولقد نجح الفيلم نجاحا ساحقا ونال جوائز كثيرة، وأتاح لهذه الممثلة فرصة الانطلاق في السينما الفرنسية، وجاءت الأفلام متتالية، وهي:


"أشياء جميلة وممتعة ""2003" و "ليس على الشفاه""2004" و"الخطوبة الطويلة"" 2005" و" دماء من روسيا"" 2006" و "شفرة دافينشي"" وهو فيلم امريكي"، تم "بلاتمن" " 2006 " و"معا ليس أكثر عام""2007".

في هذا الفيلم الفرنسي والذي عنوانه"كوكو قبل شانيل" تبرز الممثلة "اودري توتو" من جديد في دور يناسبها تماما، ومثل العادة، لم تنجح الممثلات الفرنسيات في السينما الأمريكية، بينما يحققن النجاح في فرنسا وأوروبا، وهو أمر ينطبق على أسماء كثيرة، من صوفي مارسو وايزابيل إدجاني الى كاترين دينوف وايزابيل هوبير وغيرهن كثيرات.

هناك حدة في شخصية الممثلة، ربما تنسجم مع روح مصممة الأزياء شانيل، وهناك قسوة في ملامح أودري توتو، ربما تدفع نحو الإحساس بروح الابتكار المتولدة من داخل الشخصية، رغم التهكم والسخرية والمرح، الظاهر في الملامح الخارجية لهذه الشخصية.

ومن جانب آخر ينتمي هذا الفيلم الى أفلام السيرة الشخصية، فهو يركز على شخصية امرأة صعدت من الفقر الى الغنى ومن العتمة الى الأضواء ومن هامش المجتمع الى المركز، وفي هذا يكاد الفيلم يشبه فيلما آخرا، وهو "الحياة الوردية"عن المغنية الشهيرة "أديت بياف". كما أنه يقترب قبيلا من فيلم "النجمة اللامعة" للمخرجة جين كامبيون، وهو من الأفلام الجديدة أيضا.

ولم يكن فيلم "كوكو قبل شانيل" هو الأول، فقد سبقته أفلام أخرى، ويعرض في نفس السنة فيلما جديرا تدور أحداثه حول كوكو شانيل ولكن من وجهة نظر مختلفة.

وربما نشعر بحساسية هذا الفيلم وبصورة أوضح، لأن مخرجته امرأة وهي "آن مونتان" وقد سبق لها العمل بالتمثيل أولا، ثم أقدمت على الكتابة والإخراج، ومن أشهر أفلامها"فتاة من موناكو 2008" وقبل ذلك فيلم"التنظيف الجاف""1997" و"ناتالي""2003".

ولكن أولا لماذا هذا العنوان بالتحديد.. كوكو قبل شانيل؟
من الواضح أن مجريات الفيلم تهتم بالشخصية نفسها، شخصية المرأة كوكو قبل أن تصبح شانيل، بعد أن دخلت عالم تصميم الملابس والقبعات وصارت مشهورة وصاحبة صالون باريس واسع، وأخيرا صار لها عطر عالمي، بل إنها صارت إيقونة فرنسية، لأنها صورت الموديلات الفرنسية الى الخارج، وكانت البداية الفعلية لما يعرف بالموضة الفرنسية في صناعة الأزياء النسائية على وجه التحديد.

إن الفيلم لا يهتم كثيرا بشانيل مصممة الأزياء الناجحة، بل يكتفي بربع ساعة أخيرة، لتصوير نجاحها وبطريقة سريعة ببراعة هذه المصممة.

لا يركز الفيلم على عالم شانيل الناجح، ولكنه يعود الى الماضي، الى سنوات البداية، ففي المشاهد الأولى نجد عربة يقودها رجل لا تكاد تظهر صورته وبها طفلتان أحدهما تنظر الى السماء وليس إلى الأرض، إنها بداية فعلية لفتاة فقيرة تدعى "غابرييل بونور" ولدت عام 1883 وعاشت فقيرة، الى أن ماتت أمها ووضعها الأب مع أختها "اديان" في دار للأيتام، ثم اختفى نهائيا.

وكما تقول غابرييل، فإنه قد هاجر الى أمريكا، ولا يبدو ذلك صحيحا لأنها فقدت الاتصال به نهائيا، وفي مشهد آخر نجد الفتاة تنتظر زيارة والدها في الميتم، لكنه لا يأتي، وتبدو عقدة فقدان الأب واضحة ومسيطرة، وتسعى من جانبها الى تطبيق بعض أفكارها في التصميم غير المكتملة على نفسها وعلى الوسط الراقي من النساء اللاتي يفضلن دائما البهرجة والملابس المعقدة، بينما تتجه كوكو الى البساطة دائما، حتى أنها في بعض الأحيان تلبس ملابس قريبة للرجال.

يدخل الفيلم في دائرة ضيقة ويستفيد قليلا من الحفلات الراقصة الجماعية، وكذلك يستفيد من بعض المناظر الطبيعية في الريف الفرنسي، لكن الأحداث فعليا لا تتقدم الى الامام، فمن ناجية تحتاج كوكو الى البارون ماليا، ومن جانب آخر ترفض أن تعيش مجرد امرأة عشيقة وأقرب الى فتاة الجيشا اليابانية، التي تخدم الرجل بحكم الأعراف الاجتماعية.

كما أن الفيلم يهمل الأفكار الكبيرة والتي تسيّر الأحداث، تبدو أخت كوكو صورة منها، إلا أن طموحها يسير بها نحو الزواج بالبارون الذي تعيش معه، ويفتعل الفيلم بعض المواقف للقاء بين الأختين، كما يضيف شخصية أخرى "امرأة تعمل" وهي ممثلة مسرحية تستفيد من كوكو وفي تصميم القبعات، ويبحث لها عن الخلاص من الرجل تتطلع كوكو الى أن تكون ممثلة، لكن الاختيار يدفع بها الى التعلق بموهبتها في الابتكار والتصميم، ولاسيما بعد فشل تجاربها مع الرجل.

في بعض الأحيان يبدو الفيلم وكأنه يعتمد على التحليل النفسي، فمع فقدان الأب من الصغر، يصبح أيّ رجل أقرب الى أن يكون الحارس والضامن من الفقر، حتى أن مفهوم الحب غير واضح في الفيلم، وعلى سبيل المثال سوف نجد في الشخصية التي تظهر في المنتصف خير دليل على ذلك. إنها شخصية نبيل انجليزي يدعى "بوبي" هو بارون آخر تقريبا، لديه نفس الإمكانات المادية التي تبحث عنها كوكو، ومن هنا جاء اختلاط مفهوم الحاجة مع المصلحة والحب في ثلاثية يصعب تفسيرها.

رغم كل المظاهر، إلا أن العلاقة بين كوكو وبوبي غير مقنعة، وكل ما في الأمر أن النبيل الانجليزي يعاملها بشكل أفضل، وهو يراهن على موهبتها، إلا أن الفيلم يجعله يموت في حادث سيارة، بعد أن ترك كوكو نهائيا، وبعد أن فشل الأمر في الزواج لأن النبيل يبحث عن زواج الطبقات المبني على المصالح المادية.

ان الفشل مع الرجل يقود الى الإبداع.. ذلك ما يصرح به الفيلم من خلال هذه الشخصية كوكو. ولكن من خلال التعبيرات البسيطة وليس التنظير.

وهذه المعادلة تؤكدها كوكو في النهاية، عندما تقرر نسيان الحب وإهماله وهجر الرجل بصفة نهائية بحثا عن العمل في باريس، وبالتالي التأنق في محلات الابتكار والموضة.

في اللوحة الأخيرة من الفيلم تقرأ بان كوكو لم تتزوج مطلقا، كما انها ظلت تعمل طوال الأسبوع وحتى في العطلة، ولم يتطرق الفيلم الى أي تجربة عاطفية أخرى، ربما ثالثة أو رابعة، فهي "كوكو" قد قررت أن تكون "ضد أمها" تلك المرأة التي تزوجت بدافع الحب وماتت وهي مهملة وضائعة في خدمة رجل.

إن فَقد الأب يقود الى الإبداع، وعدم التفكير في الرجل "عشيقا أو زوجا" يقود الى النجاح، ولا سبيل الى إقصاء أو تعديل هذه المعادلة.

هناك ولا شك محطات كثيرة، لم يحاول الفيلم التطرق لها، ومن ذلك علاقات كوكو المتشعبة في باريس ونشاطها أثناء الحرب العالمية الثانية مع وجود القوات الألمانية في فرنسا، فالمسألة كما قلنا تختص بتلك المرأة التي تدعى غابرييل وليس كوكو. أو بالأصح كوكو قبل شانيل كما يقول عنوان الفيلم.

في الإطار العام برت كوكو منسجمة مع نفسها، ظاهريا على الأقل، فلم تكن صاخبة أو متذمرة، رغم أنها كانت أقرب الى المحظية. كما أن الفيلم لم يضع حدودا اجتماعية لحركة المرأة، رغم أن الزمن هو بداية القرن العشرين وفي الحقيقة لا يوجد مجتمع عام في الفيلم، لكن هناك شخصيات من لحم ودم، قليلة تدور في دائرة ضيقة، وإذا قلنا بوجود مجتمع ما فهو مجتمع الطبقات الغنية والتي تعاملت كوكو معها، فكان أن استخدمت تصماميم البسطاء وأدخلتها في عالم النبلاء.

لم يكترث الفيلم بإبراز معالم ومصادر الإبداع عند كوكو، ولاسيما ونحن نعلم بانها قد عاشت في دوائر ضيقة، وربما كان لإلغاء مرحلة الطفولة سببا في ذلك. وفي جميع الأحوال لا يمكن مطالبة أيّ سيناريو بأن يطرح كل ما يمكن طرحه في فيلم واحد، ولاسيما ونحن نتعامل مع أفلام من نوع السيرة الذاتية، وهى أفلام يقال حولها الكثير، ولا نكاد نصل فيها الى رأي موحد، بل ربما من غير المطلوب أن يكون هناك فيها رأي شامل ومُجد.

الخميس، 23 سبتمبر 2010



المصور اوهان والوقوف على ارض هشة


هذا الكتاب يتحدث عن المصوّر"اوهانيس هاجوب كوستينان"الشهير بأوهان، وما أقل الكتب التي تتطرق الى شخصيات فنية خارج نطاق التمثيل والإخراج، فنحن لا نكاد نجد إلا بعض الكتب التكريمية، بين الحين والآخر والتي تصدر عن المهرجان القومي للسينما في مصر، أو بعض المحاولات الجيدة لبعض النقاد مثل محمد عبد الفتاح، أو كتابات أخرى سريعة صدرت وتصدر عن مهرجان الإسكندرية السينمائي وفي مرحلة سابقة من مهرجان القاهرة السينمائي. وفي باقي السينمات العربية لا تكاد تصدر كتب مشابهة لاعتبارات كثيرة، أهمها يستند على قلة الإنتاج عامة وقلة الأفلام المقدمة من الأشخاص.

وفي جميع الأحوال هناك ولا شك أسماء كثيرة، قامت بجهود كبيرة في مجالات الصوت والتصوير والمونتاج والديكور والسيناريو والموسيقى التصويرية ليس في مصر فقط، ولكن في لبنان وسوريا والعراق وتونس والمغرب والجزائر لكن الوضع في هذا الكتاب مختلف قليلا، فقد جاء العنوان "أوهان... تصنيع وابتكار المعدات للسينما المصرية" وهذا يعني إننا أمام شخص قد أضاف الى مهنة التصوير الشيء الكثير، فقد عمل مصورا ومديرا للتصوير وكذلك مبتكرا وربما مخترعا الى حين وفاته عام 2001.

صور الكتاب عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وهو من وضع مدير التصوير سعيد شيمي والذي أصدر العديد من الكتب ومنها:" التصوير السينمائى تحت الماء" و"تاريخ التصوير السينمائي في مصر" و"الخدع والمؤثرات في الفيلم المصري" و "أفلامي مع عاطف الطيب" و"تجربتي مع الصورة السينمائية"، وغير ذلك من الكتب وبالطبع هناك عشرات الأفلام التي قام بتصويرها، وهي الأصل في تعامله مع السينما.

يقودنا مدخل الكتاب الى اعتبارين:الأول شخصي، يتعلق بتطور العلاقة الإنسانية بين المصورين سعيد شيمي وأوهان، حيث نجدها وكما يصف ذلك مؤلف الكتاب قد بدأت، عندما شرع شيمي في تنفيذ تجاربه في التصوير تحت الماء، واحتاج الى بعض التقنيات للحفاظ على آلة التصوير وقادته الخطى الى أوهان والذي اشتهر بأنه قد ابتكر الكثير من المعدات في مجال التصوير ومن ذلك النقطة بالتحديد انطلقت رحلة التعارف.

من أشهر ما قام به المصور أوهان، أنه ابتكر معدات التصوير لستديو الأهرام عندما توقف الاستيراد بسبب الحرب "1939 – 1945".

كما أن المخرج محمد حسيب "صاحب المقدمات" قد استفاد منه عندما ابتكر آلة تصوير خاصة بعنوان الأفلام "الاروكاج".

ومن خلال اللقاءات العديدة بين سعيد شيمي وأوهان، جاءت المعلومات الكثيرة والتي تحوّلت بعد سنوات من اللقاء "1987" الى كتاب شامل يحتوي على تجارب خاصة وذكريات وصور، مع تحليل لشخصية اوهان والذي يميل الى الانطواء والشك والاحتراس من الناس، مع نظرة خاصة متميزة لما يقوم به من عمل، حيث يعتبر أن وجهة نظره هي الوحيدة الجديدة بالإتباع.

ترجع أصول أوهان الى الأرمن، وقد عاشوا فى فترات تاريخية متقلبة وكانوا جزءا من الدولة العثمانية ولذلك تواجد بعضهم في البلدان التي تتبع هذه الدولة ومنها مصر.

ولد أوهان في حيّ باب الشعرية الشعبي بمدينة القاهرة عام 1913 وتعلم في مدرسة أجنبية "الفريد" واتقن اللغة الفرنسية ثم الانجليزية والعربية، بالإضافة الى الارمنية وكان ذلك سببا في تفوقه.

كان مدمنا منذ صغره على فك وتركيب المعدات والآلات وقاده ذلك الى السينما متفرجا أولا ثم باحثا في معداتها من عرض وتصوير وغيره.

يقول الكاتب عن أوهان:"بعد اكتشافه للعبة العرض السينمائي، وتصنيع آلة عرض صغيرة مقاس 9,5 مللي، فمن المذهل أنه كان يصنع أفلامه بطريقة شائعة جدا وعبقرية، حيث يشتري قصاصات الأفلام 35 مللي من أمام المدرسة، وفي المنزل يمحو المادة الجيلاتينية التي تحمل الصور بالماء الساخن، فيحصل على الشريط الفيلمي شفافا نقيا، فيقطع هذا الفيلم العريض، من منتصفه الى فيلم صغير مقاس 9,5 مللي ويصنع له ثقبا واحدا من منتصفه، متتاليا مثل فيلم مليء بالصور، ولكن بدل الصور يرسم بالحبر الصيني رسومات متتالية تعطي حركة ما، ويعرض هذه الأفلام على عائلته وأصدقائه.. وبهذا صنع أفلام رسوم متحركة من ابتكاره، وبآلة عرض مصنعة بيديه".

هناك بعض الجوانب لم تذكر في هذا الكتاب، فهو ليس بسيرة ذاتية لهذا المصوّر ويذكر المؤلف ذلك بوضوح، لكن ما جمعه سعيد شيمي ليس الا شذرات من حياة أورهان المهنية، فهو يذكر مثلا كيف دفعت الظروف الاجتماعية هذا الشاب الى صنع أول آلة تصوير وبيعها وساعده في ذلك المصوّر المعروف" اورنافيللي" الايطالي الذي صور عشرات الأفلام المصرية.

ولكن يبدو أن الاخفاقات التي تعرض لها أوهان في تعامله مع أصحاب الاستوديوهات كانت سببا في إحساسه بالمرارة والخيبة، وربما كان الدافع المالي هو الذي يحركه، فيعمل بكفاءة وجدية وينتقل من اختراع الى آخر، حتى أنه، ابتكر آلة تعمل بالصوت والصورة، بل دخل الى مرحلة الإنتاج وشرع في إنتاج بعنوان "ونجا" ولكن الفشل كان مصير التجربة، والفشل أيضا كان مصير بناء أستوديو خاص في الإسكندرية، وخصوصا بعد أن اشتعلت الحرب وقصفت الإسكندرية وفر اوهان مع عائلته الى القاهرة.

في القاهرة عمل اوهان بصيانة آلات التصوير وآلات العرض، ونجح في ذلك، حتى أنه ركّب عدسات على آلات العرض القديمة وصارت عاملة في دور العرض الخاصة بالجنود الانجليز وفي معسكراتهم.

ويتحدث الكتاب كثيرا عن ابتكارات أوهان، وربما يبالغ في ذلك، وفي جيمع الأحوال فإن مجمل الآراء نقلت عن الفنانين، ومن ذلك التوفير في شريط خام الصوت والذي صار مقسوما الى جزئين كما يقول المؤلف.

في فرصة نادرة عرضت شركة "تل " على أوهان بناء أستوديو لتصوير ثلاثة أفلام جديدة وهي "عنتر وعبلة" لنيازي مصطفى و"ما اقدرش" لأحمد بدرخان وفيلم" القرش الأبيض" لإبراهيم عمارة وفي النهاية تم انجاز حلم الأستوديو.

كما يقول المؤلف أيضا فقد صار أوهان شريكا، رغم أنه الشخص الأهم، ومرتبه كبير وجهوده تذكر في التدريب واصلا حالات. كما أنه استمر في ابتكاراته فصمم جهازا خاصا للأغاني المستخدمة بطريقة "البلاي باك".

من النوادر التي يذكرها سعيد شيمي أن اوهان قد صمم استوديو متنقل في سيارة كبيرة قادرة على الطبع والتحميض للصوت والصورة وبالتالي يمكن أن تنقل هذه السيارة الى أماكن التصوير البعيدة، وليس من الضروري العودة الى القاهرة لمعرفة النتائج.

وفي هذا الصدد يضم الكتاب عشرات الصور التي توضح اختراعات وابتكارات اوهان، وهذا يدل على أن ما قام به يعدّ من الحقائق وليس من الخيال أو المبالغات.

في عام 1947 وبعد أربع سنوات من العمل في أستوديو الأهرام، ترك أوهان العمل، بسبب سلوك شركة "تلحمي". ومرة أخرى يظهر أوهان وكأنه المفترى عليه والخاسر الأكبر والضحية، وبصرف النظر عن كل ذلك وهل هو حقيقة أم خيال، فإن المصور أوهان بدأ العمل من جديد، في مجال التصوير وهذه المرة مع فؤاد الجزائري في فيلم" الشاطر حسن""1948".

من الواضح أن الكاتب يتعاطف مع اوهان فيسميه المسكين اوهان بسبب مرات فشله المتكررة في تأسيس استوديو وفي مجال الإنتاج أيضا عندما أقدم على مغامرة إنتاجية فاشلة وتتمثل في فيلم "فتح مصر"للمخرج إحسان الجزائري.

من الأفلام التى أنجزها المصوّر فيلم "ليلى في العراق"، وكما يقول المؤلف فقد قام بإصلاح كل الآلات بنفسه في بغداد، كما أن اوهان عمل في لبنان لإنجاز استوديو أشرف عليه محمد سلمان وعمل في الإسكندرية عام 1948 لإنجاز أستوديو رامي والذي أنتج فيلما واحدا وهو" بنت صياد "والذى أخرجه عبد الغني قمر وفي الحقيقة أكمله المصور اوهان.

من مكابدات أوهان أيضا فشله في تجربة مع شركة الجاعوني، وفشله أيضا في العمل بالتلفزيون عام 1961 - 1962 واستقر أخيرا موظفا بمرتب شهري لا يزيد عن مائة جنيه، كما أنه عمل بالقوات المسلحة الى أن أحيل الى المعاش.

ورغم أنه تعاون مع معهد السينما والمركز القومي للسينما، إلا أن أوهان دأب على صناعة آلات التصوير وبيعها، ورغم أن السوق راكدة إلا أنه عاش حياة مستورة، وقد أتيح له العمل في نيجيريا أيضا مع رجل أعمال لبناني يملك الكثير من دور العرض في افريقيا، ولكن التجربة لم تستمر رغم نجاحها ماديا.

ومن خلال السطور الأخيرة للكتاب ندرك بأن المصور أوهان لم يكن محترفا، فقد اعترف سعيد شيمي بنفسه بأن الفشل قد صادف أوهان بالنسبة لابتكاره الغطاء الواقي لكاميرا تعمل تحت الماء

وهذا المدخل مهم جدا لفهم سلوك ومصيبة هذا المصور الذي كان طموحا ولكن إمكاناته كانت أقل من طموحاته.

وفي النهاية يحقق أوهان ما يريد وينجح في الكثير من الأحيان، كما حدث مع سعيد شيمي عندما توصل المبتكر الى النجاح في آخر الأمر، يقول المؤلف في آخر الكتاب بأن آخر الاختراعات كانت جهاز" التويل" شريط السينما الى شريط فيديو، ولكن النتائج لم تكن جيدة.

في آخر الكتاب يعدد المؤلف جميع اختراعات وابتكارات اوهان وهي كثيرة جدا.
في آخر أيامه هاجم اوهان الجميع وعاش وحيدا معزولا وراء الكواليس مثلما بدأ، كما أن أهل السينما لم يعتنوا به ولم يكرمه أحد، رغم كل ما قام به من أعمال خدمت قطاع السينما، ولكن كرمته مؤسسات كثيرة بعد وفاته.

من الأفلام التي أنجزها المصور أوهان:" وهيبة ملكة العجز" و"الشاطر حسن" و"انتصار الإسلام" و"الفـارس الأسود" و" فتوات الحسينية" و" أرض الأبطـال" و" فتح مصر" و"ليلى العامـرية " و"قلبي يهواك" و" ليلى في العراق" و" ضحايا الإقطاع" و" بنت الصياد".

لابد من الإشارة بأن الأجانب في السينما المصرية قد قدموا الكثيرين وكان من بينهم الناجح والفاشل، وربما كان إحساسه بالغربة أو شعوره بالاختلاف من أسباب ابتعاده عن الأضواء وعدم قدرته على التواصل مع الآخرين، من جنب آخر لم يكن اوهان أوربيا من ايطاليا أو النمسا أو فرنسا أو اليونان، لأن أولئك الذين من أصول أوروبية يتم دعمهم وتقف بعض المؤسسات الأجنبية معهم، كما أن لديهم تجمعات مالية كبيرة، وربما شعر القارىء بان اوهان لا يختلف كثيرا عن" توجو مزراحي" التركي أو "الأخوين لاما"من تشيلى، لأن جميع هؤلاء فيهم الكثير من المغامرة والقليل من الاستعداد وربما يقفون على أرض فيهاالكثير من الهشاشة.


الخميس، 16 سبتمبر 2010



ايام قرطاج السينمائية.. رحلة الأمس واليوم وغدا



تجري الاستعدادات هذه الأيام، وربما منذ شهور مضت لاستقبال الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج السينمائي والمعروف باسم أيام قرطاج السينمائية، وهي الدورة التي تحمل رقم "23" لسنة 2010.

تذهب أشخاص وتأتي أشخاص ويتغير الأفراد والمسؤولون ويبقى مهرجان قرطاج السينمائي مستمرا، محافظا على الكثير من أساسياته التي انطلقت بها واعتمد عليها، منذ دورته الأولى عام 1966 وفعليا منذ دورته الثانية، لأن الدورة الأولى كانت عامة ومفتوحة.

نعم، تعدّ أيام قرجاح السينمائية من أقدم مهرجانات السينما في المنطقة الإفريقية والعربية، ولقد وضع أسسه الأولى مجموعة من النابهين، ليس على المستوى السيمائي فقط، ولكن على المستوى السياسي أيضا، فقد وجد مهرجان قرطاج في ظروف سياسية طبيعية، تنطلق من محاولة الاعتماد على الذات وإبراز الهوية الوطنية لدول كانت فى مطلع الاستقلال.

وهو أمر يتطبق على تونس وعلى عدد من الدول الافريقية الأخرى، ولهذا كان الاختيار الذي يقوم على تحرك السينما الوطنية كجزء من حركة ثقافية وسياسية تحاول أن تبث أن لهذه الدول الجديدة الاستقلال مشروعها الذي يعلن عن نفسه، بالإنتاج السينمائي أولا، ثم بالمبادرة في تحويل التجمعات المتقاربة ثقافيا الى مؤسسات فاعلة تحتضن الإنتاج السينمائى على مستوى المنافسة والعرض والتفاعل الثقافي.

يشعر كل من يهتم بالسينما بأن تلك النظرة المتقدمة التي أقيم عليها مشروع مهرجان قرطاج السينمائي عند تأسيسه مبكرا، هي سبب نجاحه، وأساسها الجمع بين البلدان العربية – معظمها حديث الاستقلال – والبلدان الافريقية والتي جاء معظمها حديث الاستقلال أيضا، ويتطلع الجميع الى إثبات حضوره الذاتي وتقديم ثقافته، إن لم نقل هويته الخاصة به، أو بالأصح تقديم صورته كما يريد أن يقدمها هو وليس كما يريد المستعمر أن يقدمها أو سبق أن قدمها طيلة مراحل الاحتلال.

غير أنه من اللافت للنظر أن التأسيس لم يكن له الطابع السياسي المباشر، ولهذا استمر المهرجان، والواقع ان الثقافة الفرنسية "بمعناها الايجابي" كانت أطارا مهما جمع العديد من الأسماء العربية والافريقية، ولا مانع أن تكون فرنسا هي الحاوية لبعض الأفكار التأسيسية وأن تكون بعض مهرجاناتها السينمائية نموذجا صالحا للاحتذاء به أو تقليده.

سوف تأتي أسماء كثيرة لها فضل التأسيس، وعلى رأس هؤلاء الطاهر شريعة، ولكن لابد أن يكون للجانب الرسمي أهمية خاصة من حيث تبني مشروع مهرجان محلي يقام في تونس وله انفتاح على البلدان العربية والافريقية بالدرجة الولى، وأيضا انفتاح على السينما العالمية بشكل عام.

تذكر الوقائع السينمائية بأن أول فيلم تونسي هو "الفجر"لعمار الخليفي، وكان ذلك عام 1966 وهو نفس تاريخ بداية مهرجان قرطاج السينمائي، ولكن الأفلام القصيرة والوثائقية كانت حاضرة وفي حدود ضيقة وهي تميل للجانب السياسي الرسمي بحكم ظروف البداية السينمائية. إلا أن نشاط الجمعيات السينمائية، كان رافدا مهما منذ عام 1949 ثم عام 1961.

وبالطبع لابد أن يطرح التساؤل التقليدي، هل البداية تكون بإقامة مهرجانات السينما أم تكون بالإنتاج السينمائي؟، والإجابة ليست بعيدة، لأن من المتوقع أن يقود احدهما الى الآخر. وسوف نلحظ بان الأيام قد ألزمت المؤسسات الرسمية بالاستمرار في الإنتاج وزيادته مع مرور السنوات حيث يكون الاستعداد كبيرا للمشاركة في مهرجان قرطاج السينمائي، إذ من غير المعقول أن تنظم دولة مهرجانا سينمائيا ولا تكون لها مشاركة في المسابقة الرسمية.

وسوف يلحظ المتابع بأن كل دورات الأيام قد شملت أفلاما تونسية، بصرف النظر عن حصول هذه الأفلام عن جوائز أو عدم حصولها.

لهذا نقول بأن الهدف الرئيسي من تأسيس الأيام هو تحريك عجلة الإنتاج السينمائي المحلي أولا، وربط ذلك بالإنتاج العربي والافريقي، بسبب التقارب الجغرافي والأوضاع السياسية المتشابهة ثانيا.

من المعروف بأن الجغرافيا تلعب دورا مهما في طبيعة المهرجانات السينمائية، ذلك ان مهرجان يقام في افريقيا من الطبيعي أن يهتم بالسينما الافريقية والعربية أو يهتم بالسينما الافريقية لوحدها أو العربية فقط. أيضا إذا أقيم المهرجان السينمائي في مدينة تشرف على المتوسط فمن الممكن أن يهتم بالسينما المتوسطية، كما حدث فى مهرجان الإسكندرية مثلا أو مدينة عنابة الجزائرية أو مدن متوسطية أخرى في فرنسا وايطاليا واليونان واسبانيا.

وكذا الأمر بالنسبة لمهرجان يقام في آسيا أو في أية مدينة صحراوية أو إسلامية. غير أن هذه الجغرافيا تتوقف عندما يتحول المهرجان السينمائي الى نشاط عالمي تشارك فيه كل دول العالم، ونقصد بالمشاركة هنا المسابقة الرسمية، لأن الأقسام الأخرى مفتوحة للجميع. ذلك أن الكثير من المهرجانات تأسست لكي تكون ذات طبيعة عالمية، ومن ذلك مثلا مهرجان "كان" الفرنسي ومهرجان البندقية الايطالي ومهرجان شنغهاي في الصين ومهرجان دلهي في الهند وغير ذلك من المهرجانات المصنفة رسميا وغير المصنفة. وفي المجال الافريقي نجد أن مهرجان القاهرة السينمائى له صبغة دولية، ومن شروط هذه النوعية أن تكون سنوية وتحكمها أعراف معينة، بينما تحكم المهرجانات المصنفة قواعد ثابتة إضافية ربما تكون مشددة.

وعندما نعود الى مهرجان قرطاج السينمائي نجده يقام منذ تأسيسه مرة كل سنتين، حيث يقام في تونس مهرجان سنوي للسينما وآخر للمسرح وينطبق عليه نفس التخصص العربي الافريقي وفي حدود معينة، والحقيقة أن الأمر لا يتوقف على العروض السينمائية والمسرحية، ولكن يصبح مهرجان قرطاج في دوراته المتعاقبة في المسرح والسينما عرسا عربيا وافريقيا، حيث نجد الشخصيات الافريقية والعربية ونجد أهم المخرجين، فضلا عن الأفلام والمسرحيات، ومن ناحية يتعدى ذلك الى تنظيم الندوات في بعض الدورات، وهي ندوات يلتقي فيها الجانب العربي والافريقي، وأحيانا اللقاء الافريقي والأوروبي، وإذا تذكرنا أسماء وبعض الندوات السينمائية وسوف نجد أن أهمها يتعرض لقضايا حيوية، مثل تسويق الأفلام داخل افريقيا، والعلاقات بين الشمال والجنوب والعلاقات بين جنوب جنوب، بالإضافة الى قضايا العولمة والهوية المحلية.

أيضا سوف نلحظ بأن المشاركات تغطي افريقيا والدول العربية وكذلك بعض الأطراف من حوض البحر المتوسط ولاسيما من فرنسا وبلجيكا.

والواقع أن تنظيم الندوات في أيام قرطاج السينمائية، قد أضاف للسينما بعدا ثقافيا، بعدم الاكتفاء بعرض الأفلام ومناقشتها وتوزيع الجوائز وبعض المظاهر الاحتفالية الأخرى.

لقد تطور مهرجان قرطاج السينمائي منذ عام 1966 - رغم انه قد تسمى باسم الأيام الآن مصطلح "مهرجان" كان محتكرا من قبل فرنسا ولا يجوز استخدامه إلا بإذن خاص - فقد توزعت أقسامه، من أفلام طويلة روائية الى أفلام روائية قصيرة ولكل قسم جوائز خاصة به، وأحيانا لكل قسم لجنة تحكيم خاصة، ولقد الضيف فى السنوات الأخيرة قسم خاص بالفيديو، بعرض الأفلام الدرامية والوثائقية وخصص للقسم جوائز خاصة به، وهذا يعني أن الأيام تتطور وتتغير بحكم تغير الظروف المصاحبة والتجديد في التقنية السينمائية.

يمكن اعتبار أيام قرطاج السينمائية، وبصرف النظر عن التفاصيل التي تصاحب دوره دون أخرى، مرجعية ثقافية سينمائية، فقد عرفت أجيال من الشباب كل جديد في عالم السينما العربية والافريقية والعالمية أيضا، وبالطبع لابد أن نذكر بأن الأيام قد لفتت الانتباه الى المخرج يوسف شاهين، فقد عرضت الكثير من أفلامه، منذ فيلم" الاختيار" الذي فاز بإحدى الجوائز وكذلك تمت إعادة اكتشاف المخرج توفيق صالح من خلال بعض أفلامه ولاسيما فيلم" المخدوعون" الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا، كما عرضت بعض الأفلام التي شتهدت بعض التجديد في الشكل الفني مثل أفلام برهان علوية وعلى بدرخان وخيري بشارة ومرزاق علواشي ونوري بوزيد وناصر خمير وداوود أولاد السيد وغيرهم.

كما يمكن القول بأن أفضل الأفلام الفلسطينية قد عرضت في أيام قرطاج السينمائية فضلا عن أهم الأفلام الجزائرية ثم المغربية وباقي التجارب فى دول عديدة عربية، ومنها انتاجات سينمائية من ليبيا والسودان والكويت وموريتانيا والبحرين، وهذا الاتجاه من الأهمية بمكان، لأن الأيام لم تهتم فقط بالسينمات المعروفة، بل عرفت بسينمات أخرى.

ولا شك أن أهم ملمح واضح يتمثل في التعريف بالسينما الافريقية، ومن يذكر عصمان سمبين وسليمان سيسي واودريسا اودارغو، لابد له أن يتذكر العروض السينمائية التي شهدتها أيام قرطاج سينمائية.

ومما ينبغي ذكره أن تلاحق الأجيال كان واضحا في مجال الأفلام التونسية، وتاريخ السينما التونسية يتمثل فعليا فى تاريخ الأيام بالجوائز العديدة التي تحصلت عليها هذه الأفلام وبمراحل التراجع الفني أيضا والتى يبرز بين الحين والأخر. كما كان للأيام فضل التعريف بالأفلام القصيرة العربية والافريقية.

ان الحديث عن أيام قرطاج السينمائية يطول، وفي وضعنا الحالي سوف نرى المهرجانات العديدة المنافسة لأيام قرطاج السينمائية، لكن مذاق الأيام مازال نشطا، ومع وجود مهرجانات جديدة في المغرب.. مراكش والرباط وطنجة وتطوان وغيرها، ومع ظهور مهرجانات أخرى مثل ابو ظبي ودبي وقطر، وكذلك الحضور الواضح لمهرجانات مصرية مثل القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، ومع التركيز الحالي على المهرجانات المتخصصة واختفاء ظاهرة المهرجان السينمائي الذي ينعقد كل سنتين، كما هو واضح من مهرجان دمشق السينمائي ومهرجان تطوان السينمائي.

ومع النشاط السينمائي الذي ترافق مع التراجع في دور العرض بنظامها القديم، مع كل ذلك صار من الضروري إيجاد صيغة جديدة لأيام قرطاج السينمائية، تتحول المناسبة بواسطتها الى مهرجان سينمائي سنوي، وخصوص وأن الإنتاج السينمائي العربي الافريقي قد ازداد مع الأيام، ليس على مستوى السينما فقط، ولكن على مستوى أفلام الفيديو القصيرة والطويلة وهو ما ينبغي التركيز عليه مع نظرة مستقبلية تستشرف آفاق المستقبل الجديدة.