الخميس، 28 مايو 2009

لحظات أنوثة: قوالب جامدة وشخصيات حائرة





انوثة عارضة ومؤقتة

بين الحين والآخر نعود الى بعض الافلام المنتجة حديثا فى مصر،

ولاسيما تلك التى يقدمها مخرجومجدد، فيما يعرف بالتجربة الأولى المخرج.‏

ان هذه الافلام تعد الواجهة الحقيقية للانتاج الفعلى، فما هى إلا سنوات

قليلة، حتى يسيطرجيل جديد على السينما، ويتراجع الجيل السابق قليلا، كما

حدث مع جيل الثمانينات والذىينتظر لسنوات طويلة من أجل تنفيذ عمل سينمائى

واحد.‏

فى عقود سابقة، بدأت مع نشأة وتطور السينما فى مصر. كانت أجيال المخرجين

تستفيد منبعضها كثيرا، وكان تداخل وتشابك بين الاجيال، جيل الخبرة

والحرفة وجيل التعليم الجامعىالعالى، الجيل الذى تعلم السينما داخل

الاستوديو وفى الداخل، والجيل الذى تعلمها فىالخارج.‏

متغيرات كثيرة:-‏

لكن يمكن القول بأن هناك متغيرات كثيرة قد عصفت بكل تلك المبادىء والقواعد،

ومن ذلكالتطور فى الآلة السينمائية نفسها، واستخدام التقنيات الحديثة فى

التصوير والمونتاج،وتراجع استخدام الألة التقليدية المعقدة على الفنان

اولا واخيرا.‏

لقد صار العمل ويميل نحو الاعتماد على التقنية وتطورها، فضلا عن المتغيرات

الجديدة التىاصابت الذوق العام، فصار الجمهور أميل الى حب التسلية

السريعة. وما السينما إلا صورةمن صور الامتاع، مع وجود التلفزيون وتنوعه

ووجود شبكة المعلومات فضلا عن تراجع دورالسينما.‏

نعم هناك متغيرات حاسمة أوجدت جيلا جديدا من المخرجين، ليس له علاقة

بالمخرجين السابقين، فلميتعلم على ايدى هؤلاء القدامى إلا نفر قليل من

المخرجين او التقنيين.‏

وهذا ما ينطبق على الجميع، حتى يمكن القول بأن هناك خطوط كبيرة تفصل بين

الاجيال، وربمالهذا السبب كانت السينما المنتجة حاليا مختلفة، بكل

سلبياتها وايجابياتها.‏

المشهد السينمائى:-‏

فى قراءة للمشهد السينمائى داخل مصر، سوف نجد أن اسماء مثل على بدرخان أو

محمد خان أوخيرى بشارة، لا تعمل إلا فى القليل النادر وهذا ما ينطبق على

داوود عبد السيد ومنير راضىأو محمد راضى ومحمد عبد العزيز.

واذا كان هناك استثناء فهو ذلك الاستثناء الذى يؤكدالقاعدة، كما حدث مع

المخرج محمد خان ومجدى محمد على وربما المخرج محمد النجار الذى حاولتجاوز

بعض العقبات ولكن مع المراهنة على الجانب السلبي، أو على الأقل الاقتراب من

السينماالخفيفة دون غيرها.‏

من هذا المدخل يمكن أن نتحدث عن بعض سلبيات التجربة الأولى للمخرج، فمع كل

التقدم الذىسبقت الاشارة إليه، والذى رافق تطور صناعة السينما فى مصر،

إلا أن هناك بعض المشكلاتمازالت قائمة، ولا يمكن أن نشير الى مفهوم

القطيعة بين الاجيال فى هذا الجانب، لأن الأمرمرتبط بجوانب أدبية وثقافية

لابد أن توضع فى الاعتبار.

اننا نسمى جوهر المشكلة بكتابةالسيناريو ونلحقها بعملية ادارة الممثل،

ايضا التنفيذ التقنى للمشاهد، فضلا عن مستوىالحوار المكتوب واختيارات

أخرى لها علاقة بالموسيقى والمؤثرات السمعية والبصرية وكذلكالاغانى

المرافقة للفيلم.‏

عوامل ضعف:-‏

إن كل تلك الملحوظات تقترن بعوامل ضعف واضحة تتسرب الى الافلام المنتجة

حديثا فى مصرولاسيما من المخرجين الشباب، اصحاب التجارب الأولى، أغلبهم

وليسوا كلهم.‏

يمكننا أن نختار نموذجا لذلك ونقصد بذلك فيلم "لحظات أنوثة 2008" لمخرجه

مؤنس الشوربجي،ولا نقصد التركيز على الجانب السلبي للفليم، فهو تجربة

أولى للمخرج وهناك أفلام أقل مستوىمن هذا الفيلم.

لكن الاختيار يتحدد فقط فى أن هذا الفيلم يعد النموذج للفيلم الذىيفكر

فيه صناع السينما حاليا، على مستوى الانتاج والتوزيع وهو مقابل للفيلم

الكوميدى، فمتى اختفى الفيلم الكوميدى يمكن أن يحل محله هذا النوع

الميلودرامى، علىاعتبار أن أفلام الحركة البديلة تحتاج الى تقنيات

ومصروفات انتاجية كبيرة يصعب توفرهادائما.‏

حس تجاري: -‏

ونحن نتحدث عن فيلم "لحظات أنوثة" سنجد أن أول ملاحظة تقترن به تتصل

باختيار العنوان،فهو عنوان جامد يمكن أن ينطبق على عشرات الموضوعات وليس

موضوعا معينا. إذ أن كل الافلامتقريبا تحتوى على لحظات أنوثة، طالما أن

المرأة موجودة إلا فى القليل النادر، ومع أنالظاهر يقول بوجود حس تجارى

يصاحب العنوان وهو مقترن بكلمة أنوثة وما توحى للمتفرج مناحاساس مباشرة

لها علاقة بالانثى.

إلا أن اقتران كلمة لحظات بالانوثة توحى ايضا بأن المسألةلا تعدو أن تكون

زمنا عابرا ومحدودا يتواجد طيلة احداث الفيلم، وهو أمر يقترن ايضابطبيعة

القصة ووجود أكثر من ممثلة، مما يعطى زخما انثويا يكفل توزيع الفيلم

تجاريا،بصرف النظر عن طبيعة الموضوع نفسه. وعنوانين الأفلام العربية بها

الكثير من المشكلات، ممايجعلها صالحة لموضوع مستقل.‏


وأهم ما يمكن ملاحظة أن الانظار دائما تتجه الى فيلم معين ناجح، فى

محاولة لتقليده وهذايحدث فى أكثر من فيلم، وما حدث لهذا الفيلم "لحظات

أنوثة" أنه قد انشغل بفيلم آخر معروفوهو "سهر الليالي" فحاول تقليد هذا

الفيلم، مع بعض الاضافات الأخرى البسيطة.

وبالطبعالقصص العاطفية والاجتماعية كثيرة، ويمكنها أن تتداخل وتقترب من

بعضها، إلا أن الصورينبغى أن تكون أوسع وأشمل، والاطار ايضا مختلف

والمعالجة أكثر تنوعا.‏

فى هذا الفيلم "لحظات أنوثة" محاولة للبحث عن اسم تجارى مصطنع، فالعنوان لا

يعنى شيئا، إلاتدوين بعض الكلمات التى لها علاقة بالانوثة والتى تقولها

احدى الشخصيات النسائية والتىقامت بدورها علاء غانم وهى سلمى

رجل وامرأة:-‏

فى الفيلم ثنائيات "رجل وامرأة" ومشكلات عاطفية، والعدد تقريبا واحد فى

الفيلمين "سهرالليالي وهنا الفيلم لحظات أنوثة" مع الفارق فى مستوى

المعالجة لصالح الأول، ومع أهميةالقول بأن الفيلم الثانى يقدم أحد أفراد

عائلة عشوب المنتج سوف نجد زوجة تدعى منى تدخلفى خلاف مع زوجها وائل،

بدون تحديد واضح لسبب الخلاف، ويصل الأمر الى بيت الطاعة والخلعوالطلاق

لنعرف بأن عدم الانجاب هو السبب.

هناك ثنائى آخر وهو أميرة، محمود.. الأولى مطلقةلها ابنة والثانى يعمل

مهندسا، ومثل العامة يبدأ اللقاء بطريقة قديمة، فالمهندس يتراهنمع

اصدقائه على الايقاع بهذه الأرملة، صاحبة استوديو التصوير، ثم يتحول الرهان

الى قصةحب حقيقية.‏

هنا تتناسخ القصص من بعضها وتعيد السينما تكرار ما سبق أن تجمع فى افلام

قديمة وحديثة.‏

هناك ثنائى آخر وهو "طارقليالى" ويعتمد على مشروع قصة حب بها الكثير من

العوائق غيرالواضحة، واحيانا ترجع الى ماضى طارق كما حدث فى فيلم سهر

الليالي ايضا.‏

هناك ثنائى مختلف، اجتهد الفيلم فى أن يكون مجرد عمل فقط، لأن هناك جانب

عملي مسيطر،والهدف هو الوصول الى منصب مدير شركة، لكن سلمى تتعلق برجل

أكبر منها وتتركه عندما تجدهبالصدفة ايضا مع اولاده، رغم انها تعرف عنه

كل شىء.‏

إنها تعمل على الفوز بما سمي حملة اعلانية لصالح الترويج لمنتجات الشركة،

والمقصود بذلكالثنائى "كمال وسلمى".‏

من عيوب الفيلم وهى عيوب اختفت لسنوات فى السينما المصرية عامل الصدفة، ففى

هذاالفيلم تأتى الصدفة وكانها أحد أساسيات الفيلم، حتى إن احدى الصديقات

تقرأ مذكراتصديقتها وبدون تمهيد لتكتشف ان هناك علاقة كانت قائمة بين

خطيبها وصديقتها منذ سنوات.‏

من أغرب الصدف أن تجتمع الاطراف ذات العلاقة فى مطعم عام وأن يسمع الخال

"أشرف" نبيلالهجرسي قصة الرهان بطريق الصدفة وبواسطة سرد القصة فقط من

طاولة مجاورة.‏

صدف واغنيات:-‏

هناك صدف أخرى فى الفيلم، وهى صدف تجاوزتها السينما فى مصر، ونستغرب كيف

يمكن العودةاليها من خلال كتابة السيناريو أو الاخراج.‏

يبدو الارتباك فى الفيلم، من حيث اختيار الشخصيات، والتصنع فى ابراز

الخلافات بينالثنائيات، ولا مانع من وجود مطربة ايضا تغنى داخل الفيلم

وهى شخصية ايضا لها مشكلاتهاالعاطفية.‏

ان هذه المطربة "أجفان" تغنى أكثر من اغنية وبطريقة الفيديو كليب، حيث

تتكرر المشاهداحيانا ولا مبرر إلا وجود مجموعة اغانى داخل الفيلم. كما أن

هناك حشر لأغنية ايهاب توفيقفى نهاية الاحداث بلا مبرر واضح.

فإذا فهمنا بان احدى الشخصيات تغنى فعليا، فملا علاقةالاغنية الاخيرة

بالاحداث إلا أن تكون خارجية؟

تنتهى علاقة الطرفين الرئيسيين بالطلاق، ويتم زواج الأرملة بالمهندس. مثل

العادة فى المطارعندما تختار العودة وعدم الهجرة. أما القصة شبه الأساسية

فهى تنتهى بالزواج لأنه لا يوجدمبرر يمنع هذا الزواج.‏

فيلم يلمع:-‏

فى هذا السياق فإن الشخصيات كلها من مستوى اقتصادى جيد، فهى تلبس افضل

الملابس وتعمل فىانظف المكاتب، والفيلم مغسول جيدا بأحدث أدوات التنظيف،

وحتى المطاعم والمقاهى وغيرهاتظهر نظيفة ورغم الادعاء بالكلام بأن

الاعلان المستهدف انتاجية ينبغى ان يكون شعبيا يصلالى كل طبقات المجتمع

أن الفيلم تدور احداثه فى عالم ضيق جدا مصطنع وغير حقيقى، عالم منالديكور

الملون، فلا تكاد توجد شخصية لها علاقة بالواقع أو تقف عليه. ورغم أن ذلك

قد لايكون شرطا لانجاح الشخصية، إلا أن كل الشخصيات يمكن اعتبارها غريبة

ولا مكان لها فى الحياةالاجتماعية ولا يمكن أن تصادفها فى طريقك ولو

بالخطاء

.

حركة ارتباك:-‏

اما عن التمثيل فهو يميل الى التصنع والارتباك، فلا نكاد نجد إلا اناس

يحفظون أدوارهم ولايدركون ما يقولون، رغم الجهد المبذول من قبل بعض

الممثلين مثل علاء غانم وحسن الأمام.

ولكنفراغ المشاهد وقلة عدد الشخصيات التى تملأ الاطار بالاضافة الى ندرة

الاحداث المؤثرة، كلذلك لم يخدم حركة الممثلين، وخصوصا وأن بعض الممثلين

ربما ظهروا لأول مرة، وهذا يعنى المزيدمن الارتباك، بما فى ذلك الممثلة

السورية جومانة مراد، والتى لم تتحدد لها شخصية واضحة،فظلت طوال الفيلم

مجرد صورة جميلة وضعت للزخرفة فقط ولاسيما وهى تواجه ارتباك الممثل

ابراهيم يسرى.‏

ربما كانت شخصية "ملك" والتى قام بها حسن الامام أقرب الى الجمهور، لكنه

كان شخصية مرتبكةايضا، يجمع بين حقيقة حائرة وخيال مشوش، وهو أمر لا

ينطبق على باقى الشخصيات والتى تشعراحيانا بأنها زائدة.‏

إن فيلم "لحظات أنوثة" يشعرك بأن السينما فى مصر تعيش على أنساق متباينة

ومختلفة، فيصلمستواها احيانا الى درجة كبيرة من التراجع، وربما كان الأمر

الأسوأ، ذلك التكلف الذى يجعلمن السينما مجرد صورة ميتة، لا تنبض

بالحياة، وقصصها مجرد مشروعات خفيفة لا تقنع أحدا،وخصوصا ونحن نعلم بان

الجمهور لم يكد يخرج عن أسر الدراما التلفزيونية، واحيانا لهالقدرة على

المقارنة والاختيار، وبفعل تطور وسائل ووسائط العرض المختلفة.‏

ان التجارب الجديدة يمكن أن تتميز بنكهتها المختلفة وطرحها لقضايا فيها

حيوية غيرمسبوقة، وهو ما يميز الجديد فعليا. اما إذا كانت هذه التجارب

مجرد تكرار غير متقنلتجارب الماضى، فذلك يعنى أن الجديد قد لا يكون هو

الأفضل..‏

مباراة غريبة: -‏

فى بعض الاحيان يصل الفيلم الى درجة غير معقولة من تجاوز المنطق الداخلى،

وعلى سبيل المثالنجد مشهد من أغرب المشاهد، حين يتصور كمال بأن مستشار

الشركة "ملك" قد استغل حضور سلمىالى شقته بطريقة أو باخرى، وبعد حديث

مرتبك بين الشخصيتين، يلتقط كمال سيفا كان معلقأمامه ويبدأ فى مبارزة ملك

فى مباراة كوميدية، ليس لأنها كوميدية فعلا، ولكن لأن الاحداث لاتقود

إليها، والفيلم ليس ساخرا حتى يمكن اضافة مثل هذا المشهد.‏

وهذا يدخل فى سياق اللعب وعدم تحديد المسؤولية، والذى تجاوز مجرد حضور

شخصية ملك بهذهالصورة الغريبة التى لا يمكن لسيناريو محكم البناء أن

يقبلها كما هى.‏

ان الفيلم يريد أن يقول بأن ملك هذا الخبير القادم من الخارج له حكمة تجعله

من أقدرالمستشارين. لكن الخط الذى رسم له جعله أقرب الى المشعوذ أو رجل

السيرك بتصرفاته وملابسهوالنتائج التى توصل إليها.‏

وهذا ينطبق على معظم الشخصيات والتى تتصرف بلا وعى او منطق معين، ولكن حسب

اللحظةالسريعة والفيلم ليس متجنيا فى هذا لأن اختيار عنوان لحظات ليعبر

بها عن المتغيراتاللامنطقية والشخصيات غير المرسومة بدقة!‏

يستعير الفيلم مطربة لتغنى بعض الاغنيات، وربما نجح فى تقديمها "ميرا"

باعتبارها مطربة ولكنليست شخصية داخل الفيلم أو ممثلة تقوم بدور من الأدوار.‏

ان هذا الفيلم "لحظات أنوثة" ليس إلا لحظات من الصور المتنوعة والمتقلبة

وهى صور منالصعب القول بأنها جميلة، رغم ان البوستر يقدم الايحاء بذلك،

لأنه يجمع وجوه نسائية كثيرةللتعويض ولكى يملأ الفراغ. غير أن الفراغ

الحقيقى يصعب التغطية عليه، ولهذا كانتالشخصيات النسائية ومكملاتها من

الرجال مجرد قوالب وليس من لحم ودم.‏