المختلف والمتشابه في
مهرجان أبو ظبي السينمائي 2012
اشتهر (مهرجان أبو ظبي السينمائي) باسم (مهرجان الشرق الأوسط) لسنوات محددة
، ولقد طرح هذا الاسم إشكاليات كثيرة وربما مشكلات أيضاً ، وكانت النتيجة أن تغيّر
الاسم وصار يسمى (مهرجان أبو ظبي السينمائي) .
الدورة الجديدة وهي السادسة ، انعقدت اعتباراً من 11-10 إلى 20-10-2012
بالعاصمة الإماراتية ، ومثلما توقع الجميع ، كانت الدورة ناجحة بكل المقاييس ، والسبب
يعود إلى أن الترتيبات كانت معدة بمقاييس الكفاءة وحسن التنظيم من الألف إلى الياء
، وليس ذلك بالأمر المستغرب ، لأن كل دورات هذا المهرجان كانت ناجحة عدا بعض
التفصيلات الصغيرة .
الأمر المهم والذي يتوقف عليه نجاح أي مهرجان هو وجود قاعدة أساسية يقف
عليها المهرجان ، ومن ذلك وجود القاعات الجيدة التي تسمح بالعروض الممتازة وتوجد بأبي ظبي أكثر من قاعة مخصصة للعروض في
مجملها وبأنواعها المختلفة ، وتحظى قاعات (مجمع المارينا) بجمهور جيد ، أغلبه من
الأجانب ، وهو جمهور يزداد سنة بعد أخرى .
أضف إلى ذلك حصول (مهرجان أبو ظبي) على أفلام جديدة طويلة وقصيرة ، وهي
أفلام لم تعرض في مهرجانات سابقة ، وهذا يعني تميز المهرجان وانفراده بعدد من
الأفلام .
يشمل النجاح أيضاً حضور عدد كبير من المدعويين من أصحاب الأفلام ، ومن
مخرجين ومنتجين وممثلين بالإضافة إلى الصحافة المكتوبة والمرئية ، ونقاد سينمائيين
من معظم أنحاء العالم ، وهذا الإطار الدولي يسبغ على المهرجان صفة عالمية ربما لا
تتواجد في أكثر المهرجانات في المنطقة العربية والأفريقية والآسيوية .
وفق الخارطة السينمائية ، هناك أكثر من مهرجان عربي ينافس على جائزة
الأفضلية ، من ذلك (مهرجان دبي) وهو سابق على (مهرجان أبو ظبي) وأكثر شهرة بحكم
نوعية مدينة دبي الاقتصادية ، لكن يبدو أن الكفة قد صارت راجحة لمصلحة (مهرجان أبو
ظبي السينمائي) في السنوات الأخيرة ، في نفس الوقت تراجع ( مهرجان القاهرة
السينمائي) وأنسحب (مهرجان دمشق السينمائي) من المنافسة ، بينما يعيش (مهرجان
مراكش السينمائي) حالة من العزلة بسبب العنصرية الواضحة التي تتحكم فيه .
ومع استمرار مهرجانات أخرى بنجاح مثل ( الإسماعيلية وقرطاج ووهران وتطوان
وطنجة والأقصر) ، يبقى (مهرجان أبو ظبي السينمائي) هو الأكثر تنظيماً بعدد أفلامه
وضيوفه ومستواه التنظيمي .
يحتوي (مهرجان أبو ظبي السينمائي) على أكثر من مسابقة ، من ذلك المسابقة
الرسمية (الروائية الطويلة) ومسابقة (آفاق جديدة) ، وهو مخصص للمخرجين الشباب أو
من لديهم الفيلم الأول أو الثاني .
هناك مسابقة للأفلام القصيرة الروائية ومسابقة الفيلم الوثائقي ومسابقة
أفلام من الإمارات .
هناك أيضاً مسابقة غير رسمية ( خارج لجان التحكيم) وهي جائزة الجمهور التي
تمنح للفيلم الذي يختاره الجمهور بالاقتراع .
يمكن أن نضيف (جائزة اتحاد النقاد والسينمائيين) وغيرها من الجوائز ، والخلاصة أن المسابقات كثيرة وعدد
اللجان يصل إلى خمس لجان تحكيم ، شارك فيها العديد من النقاد والمخرجين والممثلين
من الإمارات والمنطقة العربية ومن مختلف أنحاء العالم .
في حفل الافتتاح بـ(قصر الإمارات) ، أعلن عن انطلاقة المهرجان ، بواسطة
مديره الجديد (علي الجابري) ، وهو أول إماراتي يتولى إدارة المهرجان .
لم يكن حفل الافتتاح معقداً ومطولاً ، فقد تم الاكتفاء بكلمات قصيرة مصاحبة
بمشاهد لبعض الأفلام المشاركة .
أما فيلم الافتتاح فقد جاء أمريكياً حديثاً يعرض لأول مرة ، وهو بعنوان (
المراجحة) لمخرجه (نيكولاس جاريكي) وتدور أحداث الفيلم حول قضايا المال لأن المراجحة
مصطلح له علاقة بصعود البورصة وانخفاضها .
قبل الفيلم وكما هي العادة تم استعراض كل الطاقم تقريباً على السجادة الحمراء
وفور انتهاء العرض انعقد مؤتمراً سريعاً للمناقشة بحضور المخرج وبطل الفيلم
(ريتشارد غير) .
على نفس الوتيرة تقريباً ، تمت مناقشة أفلام المسابقات والحقيقة إن النقاش
يمكن أن يكون عملياً ، لكنه لا يؤدي الغرض المطلوب ، لأن أكثر الجمهور يغيب على
النقاش بسبب التسرع في الحوار من ناحية والاعتماد على سخونة العرض . لكن الصورة
تبدو منقوصة قليلاً ، لأن الكثير من الأفلام لا تنل حقها من النقاش ولا يوجد بديل
آخر إلا نقل الحوار والنقاش إلى اليوم التالي ولهذا مشكلات كثيرة .
أُعلن منذ البداية عن المكرمين وهما الممثلة(سوسن بدر) من مصر و الممثلة
(كلوديا كاردينال) من إيطاليا ، ولقد تم تقديم جائزة تسمى (فخر العمر) لكللا
الممثلتين ، وكان يمكن إضافة كتيب إعلامي يكتب باللغتين العربية والإنجليزية عن كل
ممثلة وكان يمكن ترجمة كتاب (كلوديا كاردينال) تحديداً إلا إن ذلك لم يحدث ، مع أن
مؤتمراً صحفياً قد عُقد لهاتين الممثلتين ، كلٍ على حده ، ومع الإشارة إلى
الاحتفاء كان كبيراً .
هناك أكثر من ندوة جيدة في المهرجان خارج نطاق نقاش الأفلام ، ومن ذلك ندوة
( قوة القطع) درس في المونتاج للفرنسية (فرانسوا بولو) .
هناك أيضاً ندوة بعنوان ( تجارب سينمائية عربية ) ، بإشراف السينمائي
(انتشال التميمي) وهي تشمل التطرق إلى تجارب ذاتية لمخرجين عرب مثل ( نواف
الجنابي) و(محمد الدراجي) و(يسري نصر الله) وغيرهم .
من أهم الندوات (خمسينية السينما الجزائرية) ومن المعروف أن المهرجان قد
نظم هذه الفعالية بعرض أفلام جزائرية معروفة ، مثل ( وقائع سنين الجمر) و(معركة
الجزائر) و(الأفيون و(العصا) و(عطلة المفتش طاهر) ، كما أن الندوة كانت بمشاركة
عدد من المخرجين والمهتمين والنقاد مثل ( نبيلة رزايق) و( كريم دردية) وغيرهم .
وتحت إطار (استوديو الفيلم العربي) انعقدت ندوة بعنوان( لا تكتف بمشاهدة
الأفلام ، بل أصنعها) كما أن المخرجة الفلسطينية (آن ماري جاسر) فقد عقدت ندوة في
شكل حوار جماعي لمناقشة تجربتها السينمائية الأولى(ملح هذا البحر) وكذلك التجربة
الثانية ( لما شفتك) .
سوف نتحدث عن الأفلام في متابعة لاحقة ، ونهتم ببعض التفاصيل الأخرى مثل
الإصدارات الصحفية ، حيث أصدر المهرجان كاتالوجاً كبيراً أحدهما بالعربية والآخر
بالإنجليزية وهذا اتجاه جيد ، حيث أن أكثر المهرجانات تصدر دليلاً مختلطاً ، ويلحظ
على الكاتالوج تميزه بمستوى طباعة جيدة من
حيث الوضوح ونوعية الورق والصور ، كما أن المعلومات عن الأفلام قد نقلت عن مقاطع
صحفية وليس مجرد كتابة الفكرة من قبل أصحاب الفيلم . ولقد صدر أيضاً كتيباً صغيراً
للتداول يحتوي على تلخيص للعروض جميعاً وهذا الكتيب يوزع داخل المهرجان وخارجه .
لا توجد صحيفة خاصة يومية رغم وجود الإمكانات الصحفية ، وأظن إن إضافة
صحيفة يومية سوف يسهم في الدعوة لمشاهدة العروض وكذلك يفتح الآفاق أمام الضيوف
للمشاركة ، وبالطبع لابد من الحرص على إصدار طبعتين عربية وإنجليزية .
من جانب آخر لم يصدر المهرجان كتباً سينمائية ، وكما قلنا كان ينبغي أن
يصدر كتيباً بمناسبة التكريم التي أعدها مسبقاً .
كما أن كتبا في موضوعات أخرى يمكن أن تصدر لتعالج موضوعات سينمائية مرتبطة
بالندوات أو العروض ، وإذا كان مهرجان مثل دمشق يصدر عشرة كتبا في كل دورة ، فمن
باب أولى أن يصدر (مهرجان أبو ظبي السينمائي) عدداً من الكتب بالتعاون مع جهات
أخرى كما يحدث أحياناً في (مهرجان القاهرة السينمائي) أو (مهرجان الإسكندرية ) أو
(مهرجان الأقصر) وبعض المهرجانات القليلة الأخرى .
والحقيقة أن الاهتمام بالكتاب السينمائي ضعيف إلى حد كبير ونقصد بذلك
الكتاب التقني والثقافي .
يتميز (مهرجان أبو ظبي السينمائي) بأنه يتيح الفرصة أمام ضيوفه للحوار
والنقاش في المقهى الصحفي والأهم أن الوسائل المعدة للاتصال متوفرة ويمكن التعامل
معها يومياً . وبالطبع تبقى مكتبة الفيديو من الانجازات القليلة التي لا تتوفر إلا
في (مهرجان أبو ظبي السينمائي) ، مع سهولة في التنقل ومشاهدة الأفلام ومتابعتها ،
واعترف أن كثرة الأفلام كانت حائلاً دون الاستفادة منها والمستفيد الأكبر هو
الجمهور في أبو ظبي وليس الجمهور القادم من الخارج .
أفلام من هناك
لا يمكن لأي متابع لـ(مهرجان أبو ظبي السينمائي) ، وربمافى أي مهرجان
سينمائي آخر
لن يتمكن من مشاهدة كل الأفلام المعروضة ، وربما نصفها ، هذه مسألة بديهية
بالطبع . وبالتالي فإن الظروف والاختيارات هي التي تتحكم في عملية المشاهدة نفسها
، كما تجدر الإشارة بأن بعض الأفلام قد عرضت في أماكن أخرى غير الشرق الأوسط
وبالتالي هناك انطباع عنها قد تأسس من قبل النقاد ، وأحياناً يكون ذلك اعتماداَ
على ما نقلته المطبوعات الأجنبية .
هذا يعني أن الأفلام الجيدة قد سبقتها سمعتها ، مع بعض المفاجآت القليلة
واعترف بأن التنقل بين أفلام المسابقات المختلفة يبدو أمراً صعباً ومحيراً . ولكن
أفلام المسابقة الرسمية هي التي تسيطر على المتابعة ، المسابقة الأساسية ومسابقة
آفاق جديدة ولقد صار الفيلم الوثائقي
منافساً جيداً ، وفي (مهرجان أبو ظبي السينمائي) مجموعة جيدة من الأفلام الوثائقية
التي تحتاج إلى مشاهدة .
لابد أن نذكر أولا بعض الأفلام العربية ، ومن ذلك فيلم (ما نموتش) لمخرجه
التونسي "نوري بوزيد" وللفيلم عنوان آخر(جمال مخفي) وقد أسهمت
"مؤسسة سند" التابعة لـ(مهرجان أبو ظبي السينمائي)في إنتاج الفيلم
وبالتالي فإن الفيلم منتج من قبل تونس وفرنسا والإمارات .
لا يختلف كثيراً هذا الفيلم عن الفيلم السابق(آخر فيلم) رغم فارق سنوات
الإنتاج ، ويبدو أن القضايا تدور في تونس والمنطقة العربية في دائرة واحدة ضيقة من
الصعب الخروج منها .
الفيلم (ما نموتش) يعالج قضية الحجاب ، هكذا بوضوح شديد ، بل يصبح الفيلم
مجرد نقاش حول هذا الحجاب ، ولا ندري هل من الممكن أن يكون الحجاب قضية لوحده ؟
يبدأ فيلم " نوري بوزيد" بقوة ، مصوراً أحداث المظاهرات المرتبطة
بالثورة التونسية ، ولكن يحدث التراجع بالتدريج ، مع تقديم مشاهد كثيرة لا تضيف أي
جديد ، مع حوار ممل يدور في دائرة مغلقة ، القضية يبسطها الفيلم في شخصية نسائية
تلتزم بالحجاب وهي "عائشة" وشخصية أخرى متحررة تدعى"زينب" وفي
النهاية يصبح مصير الشخصيتين مأزوماً بسبب هذا الحجاب والأجواء والظروف هي التي
قادت إلى ذلك ، مع خلفية تكشف عن تزمت سلبي في الشارع التونسي .
يظهر " نوري بوزيد" في الفيلم باعتباره الشخصية الشعبية والعازف
والذي يغني للحياة رافضاً الموت ، لكنه يموت في النهاية جسداً فقط . يبدو ظهور
" نوري بوزيد" مصطنعاً في فيلم مخصص لمناقشة قضية الحجاب ولا شيء غير
ذلك .
ننتقل إلى فيلم آخر يدور في نفس الأجواء ، ونقصد بذلك فيلم ( عطور الجزائر)
لمخرجه " رشيد بن الحاج" ، ولكن هذا الفيلم أكثر صخباً ومباشرةً
وتفاعلاً مع الأحداث الساخنة ، وإن كانت شخصية المرأة تبقى هي المؤثرة والمحركة في
الفيلمين .
"كريمة" جزائرية تطلب منها أمها أن تعود إلى الجزائر لأن ابن
العائلة "عادل" قد قبض عليه بتهمة الإرهاب .
"كريمة" هاجرت إلى فرنسا منذ أكثر من 20 عاماً هرباً من مشكلات
الأسرة ولا سيما الأب القاسي الذي اعتدى على حرمات العائلة ـ هناك تفاصيل كثيرة
بعد العودة ، وأهمها المواجهة مع عدد من المتشددين ، ورغم محاولتها إخراج أخيها من
السجن بالتعاون مع زوجته ، إلا أنها تختلف في مواقفها ووجهات نظرها مع زعماء
التشدد والذين تجاوزت أعمالهم النقاش إلى القتل والاغتيال .
كادت "كريمة" أن تفقد حياتها ، وبعد أن كانت مجرد مواطنة محايدة
تقريباً ، تتورط في الحياة وتصبح جزءاً من النضال اليومي ، الفيلم به مشكلات كثيرة
ولا سيما فيما يتعلق بجانبه المباشر الصريح واهتمامه بالنقاش المستمر ، ولذلك كان
استقبال الفيلم فيه الكثير من البرود رغم سخونة القضية المطروحة .
لقد اعتبر هذا الفيلم أفضل قليلاً من فيلم آخر بعنوان( حراقة بلوز) من
الجزائر أيضاً لمخرجه "موسى حداد" صاحب الفيلم المعروف (عطلة المفتش
الطاهر) ، والفيلم المقصود يتناول بطريقة أخرى موضوع الهجرة إلى شواطئ أوروبا عن
طريق قوارب البحر .
نذكر هنا أن بعض الأفلام قد تم سحبها من المسابقات بسبب عرضها تجارياً ومن
ذلك هذا الفيلم ( حراقة بلوز) وأيضاً الفيلم المصري(بعد الموقعة) .
وإذا تحدثنا عن هذا الفيلم ( بعد الموقعة) لمخرجه " يسري نصر
الله" وجدناه يعيش نفس حالة المباشرة الصريحة ، ربما لأنه أيضاً يتوافق مع
حدث ساخن وهو ثورة يناير المصرية ، وتحديداً يتعامل مع الموقعة الشهيرة باسم (
موقعة الجمل) بسبب مشاركة الخيول والجمال فيها ، عندما استخدم النظم السابق هذه
الطريقة الغريبة لتفريق الاحتجاجات في ميدان التحرير .
عرض الأخير في قسم العروض الأجنبية بحضور طاقم الفيلم وقد عومل الطاقم
بوضعية خاصة ، حيث تم استعراض نجوم الفيلم على السجادة الحمراء ، وهذا الاختيار
يتعامل معه المهرجان عند وجود أي نجم داخل الأفلام أو خارجها .
وأظن أن هذه الطريقة صالحة ومفيدة ، من حيث التصور والاستعراض ولكنها تقليد
واضح للمهرجانات العالمية ، ونتمنى أن يم اختيار طريقة أخرى صالحة متميزة ومختلفة
لـ(مهرجان أبو ظبي السينمائي) .
مع الإشارة بأنه لا يوجد ذلك الازدحام الكبير الذي يتناسب مع استعراض
السجادة الحمراء إلا في حفلي الافتتاح والاختتام .
فيلم ( بعد الموقعة) نتحدث عنه باعتباره أحد الأفلام المصرية التي عرضت
أخيراً في مسابقة (مهرجان كان السينمائي) ، ولكن النتيجة لم تكن جيدة لأن الفيلم
يعاني من متاعب كثيرة على مستوى السرد والشخصيات الغريبة عن الواقع ، رغم أن
ظاهرها يوحي بأنها من الطبقة الشعبية .
يترك الفيلم الجمل ويركز على الحصان ولاسيما (محمود) صاحب الحصان الذي تتم
الاستعانة به في مجموعة(البلطجية) التي استخدمها نظام مبارك في ميدان التحرير .
هناك تعاطف مع هذه الشخصية والتي تفعل ما تفعل لمجرد أن تعيش وحصولها على
وجبات الحصان الرئيسية ، لكنها اجتماعياً تصبح أحد الفلول .
هناك علاقة مفتعلة بين "ريم" و"محمود" من ناحية وعلاقة
زوجية عائلية أخرى من ناحية ثانية ولا يوجد صراع أو اختلاف بين الجانبين بعكس ما
تفترضه الوقائع الاجتماعية المباشرة .
يبرز نقاش مطول في الفيلم ولا يوجد حوار ، كما أن القضية غائبة وإن كانت
موجودة فهي في ذهن المخرج وكاتب السيناريو ولم تصل إلى الجمهور .
اختلفت الآراء حول هذا الفيلم ، ولكن هناك اتجاه ينظر إلى الفيلم على أنه
ضعيف ، وازداد الأمر سلبية ، مع بعض الاعتبارات السياسية التي لها علاقة بالمنتج
الفرنسي والذي يريد من خلال الشركة الفرنسية المساعدة في الإنتاج الاحتفاظ بحق
توزيع الفيلم في أي مكان ، رغم أنه لا توجد دواعي تجارية تساعد على الترويج للفيلم
.
يمكن أن نضيف أيضاً أن هناك ضعف في التمثيل بشكل عام ، لم يساعد على انتشال
الفيلم من هوة التراجع الفني .
يمكننا أن نتحدث عن فيلم عربي آخر هو ( لما شفتك) للمخرجة الفلسطينية
" آن ماري جاسر" ، وهو إنتاج مشترك أسهم " صندوق سند" في دعمه
، وهو فيلم بسيط وقليل التكاليف ، وموضوعه يرجع إلى ما بعد حرب 1967 وتحديداً في
الضفة في الأردن عندما ترك بعض الفلسطينيين ديارهم إلى مخيمات ومنهم مخيم (
الحرير) حيث يقيم الطفل (طارق) مع أمه في انتظار العودة ولقاء والده الذي يغيب عنه
، وخلال مرحلة انتقاله اليومي يتعرف على عدد من الفدائيين ويبقى معهم في محاولة
للعودة رغم كل مصاعب الاحتلال الإسرائيلي.
كما قلنا الفيلم بسيط وهو يحكي حكاية فقط ، بـدون تحديد وجهة نظر واضحة
ورغم ذلك ، للفيلم قدرة على التواصل مع الجمهور ، ولقد فاز هذا الفيلم بجائزة أفضل
فيلم عربي في مسابقة (آفاق جديدة) .
من الأفلام العربية المشاركة فيلم ( المغضوب عليهم) لمخرجه ( محسن بصري)
وهو الفيلم المغربي الوحيد ، حيث كان المغرب يشارك بأكثر من فيلم في السابق .
الفيلم حسب ما كتب عنه يعالج بعض القضايا الدينية التي يعيشها المغرب ،
وبالتالي يمكن إضافة الفيلم إلى القائمة الواحدة (فيلم من تونس وفيلم من الجزائر
وفيلم من المغرب والموضوع متقارب وهو موضوع الساعة في أكثر من دولة عربية وإسلامية
، وتختلف صيغ وأشكال التناول بحسب المخرج وبحسب نوعية السينما ، وأحياناً حسب ظروف
الإنتاج وجنسية المخرج ، وعلى سبيل المثال يعيش ( محسن البصري) في سويسرا وقد
اعتمد في إنتاج فيلمه على نفسه أولاً وليس على مساعدات الدول الأخرى بما فيها
المغرب .
في الدورة السادسة لـ(مهرجان أبو ظبي السينمائي) أفلام كثيرة تحتاج إلى
مناقشة أكثر توسعاً ، وربما احتاج كل فيلم من الأفلام الطويلة والقصيرة إلى المزيد
من إلقاء الضوء ، وهذا ما سيحدث على صفحات (ملف سابع الفنون) في فرص قادمة
جوائز رئيسية
أعلنت في نهاية المهرجان ، ومن خلال حفل الاختتام والذي كان بسيطاً أيضاً ،
الجوائز الرسمية للمهرجان وكما قلنا تنوعت
المسابقات وتعددت أسماء لجان التحكيم ويمكن استعراض بعض هذه الأسماء ومن ذلك
(شبانه عزمي) من الهند و(إسماعيل فروخي) من المغرب و(سمير فريد) من مصر و(جورجيو
جوسيتي) من إيطاليا و(محمد الدراجي) من العراق و( (نواف الجنابي) من الإمارات
و(غوتا مان باسكران) من الهند و(رضا الباهي) من تونس .
كل هذه الأسماء وغيرها وزعت على المسابقات الخمس وكانت النتائج كالآتي :
1. المسابقة الرسمية الروائية ـ جائزة اللؤلؤة السوداء وفاز
بها الروسي (أعراف) وهو إنتاج مشترك ( تركيا ـ ألمانيا) .
2. جائزة لجنة التحكيم الخاصة وفاز بها الفيلم البرتغالي (
جيبو والظل) للمخرج (أمانويل دي أوليفييرا) .
3. جائزة أفضل ممثلة وفازت بها الممثلة الألمانية (فرانشيسكا
بيتري) عن دورها في الفيلم الروسي ( خيانة) .
4. جائزة أفضل ممثل وفاز بها الممثل (غابل غارسيا بيرنال)
عن دوره في فيلم (لا) وهو إنتاج مشترك تشيلي أمريكي .
5. جائزة أفضل مخرج فاز بها المخرج التونسي ( نوري بوزيد)
عن مجمل أعماله . إذا انتقلنا إلى جوائز الأفلام الوثائقية وجدناها كالآتي :
6. جائزة اللؤلؤة السوداء ذهبت للفيلم الوثائقي (عالم ليس
لنا) إنتاج لبناني إماراتي .
7. جائزة لجنة التحكيم الخاصة وفاز بها الفيلم الوثائقي (
قصص نرويها) للمخرجة (سارة بولي) من ندا .
8. جائزة أفضل مخرج وفاز بها المخرج ليوبوف أركوسي) عن فيلم
(انطون ليس هنا ) من روسيا .
9. أفضل فيلم وثائقي عربي ( يلعن بو الفوسفات) من تونس .
10. أفضل مخرج وفازا بها المخرجان( وائل عمر و فيليب ديب) عن
فيلم (البحث عن النفط والرمال) .
آفاق جديدة في السينما
ينظر الجميع إلى هذه المسابقة باعتبارها الأهم ، لأنها في العادة تتعامل مع
الأجيال الجديدة ، ولا سيما من البلاد العربية ، وبالتالي لا يمكن القول بوجود
ازدواجية في منح الجوائز ، حيث تتواجد مسابقة أولى ومسابقة ثانية ولا تتداخل
بينهما .
فقط نشير إلى كثرة الأفلام وكثرة المسابقات وكثرة أعضاء لجان التحكيم وهذا
ما يحدث بعض التشويش عند الإعلان عن الجوائز في حفل الاختتام .
في مسابقة آفاق جديدة أعلنت الجوائز وكانت كالآتي :
1. جائزة اللؤلؤة السوداء لفيلم ( عائلة محترمة) من إيران
وفرنسا .
2. جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم (وحوش البرية الجنوبية)
من أمريكا .
3. أفضل فيلم عربي( لما شفتك) من الأردن وفلسطين والإمارات
للمخرجة (آن ماري جاسر) .
4. أفضل مخرج (هالة لطفي) من مصر عن فيلم (الخروج إلى
النهار) .
5. أفضل ممثلة (غولشيفته فرجاني) عن فيلم (حجر الصبر) .
6. أفضل ممثل(سورين مالينغ) من الدنمارك عن فيلم (اختطاف) .
هناك جوائز لابد من الإشارة إليها ومن ذلك جائزة الجمهور والتي مُنحت إلى
فيلم(إنقاذ الوجه) من الباكستان ، وهو فيلم وثائقي ، ومن هنا تتضح أهمية المنافسة
بين الأفلام الوثائقية والروائية .
من الجوائز المهمة (جائزة اتحاد النقاد السينمائيين) "فيبرسي"
وقد فاز بها فيلم (الخروج إلى النهار) للمخرجة (هالة لطفي) من مصر بالنسبة للأفلام
الروائية ، أما بالنسبة للأفلام الوثائقية فقد فاز بها فيلم ( عالم ليس لنا) .
ربما تكون هناك آراء متعددة حول منح الجوائز ، ولكن يمكن القول بأن القبول
العام قد كان سائداً من قبل وسائل الإعلام والمتابعين ،ذلك أن أفلام كثيرة كانت في
مستوى الجوائز، مع الإشارة إلى أن السينما العربية كانت متراجعة من حيث المستوى
وظل حضورها باهتا إلا القليل منها .
(الخروج إلى النهار)
نشير إلى أحد الأفلام العربية المهمة وهو فيلم ( الخروج إلى النهار)
للمخرجة "هالة لطفي" من مصر
والفيلم مدعوم من (صندوق سند الإماراتي) ، في أول تجربة روائية طويلة للمخرجة .
سوف نرى في الفيلم ملمحاً وثائقياً واضحاً بسبب عمل المخرجة في أفلام
وثائقية سابقة وأشهرها فيلم (عن المشاعر الدفينة)ثم فيلم(عرب أمريكا اللاتينية)،
ولكن ذلك ليس شرطاً ، لأن الاختيار الوثائقي قد أتى بصورة مختلفة ومتميزة ، وربما
يعكس حضور تجاه معين ، يفرض نفسه على أجواء الفيلم .
يبدو الفيلم مختلفاً ، خارج سياق الأفلام المصرية المكررة ، والأهم إيقاع
الفيلم الهادئ وعدم الاعتماد على أحداث كثيرة متتالية ، هناك إذن حالة من الاقتصاد
في الأحداث ، والمشاهد ينتظر وصول الفيلم إلى حدث واضح ولكن ذلك لا يتم . لماذا ؟
لأن الفيلم يجعل من الحدث حالة من التكرار اليومي ، والفتاة الوحيدة تبقى رهينة
المنزل ، حيث الأب العاجز الذي يحتاج إلى رعاية تفصيلية يومية ، تقوم بها الابنة
ولا تقوم بها الأم والتي نراها تركن إلى النوم ، وإن كانت كل الشخصيات تسعى لكسب
لحظات من النوم (الأب ـ الأم ـ الابنة).
الفتاة تبدو وكأنها خزان مشاعر ،لا تخرج إلى الخارج . كل المشاعر مكتومة
ولا يتم التعبير عنها وربما السبب حالة العجز والقهر المادي الواضح . الأم تعمل
ممرضة ليلاً ولكنها لا ترعى زوجها وتترك المهمة إلى أبنتها والأم باعتبارها تعيش الماضي لا تأتي إلى مقدمة
الأحداث والمهم هو جسد الابنة الذي يموت مع حالة الوفاة الجسدية للأب ، الأم تتذكر
شيئاً من الماضي مع صوت "أم كلثوم" وجسد الخروج المشلول بسبب جلطة صدرية
.
الابنة تخرج إلى الشارع وتبحث عن محل كوافير من الدرجة الثالثة ولا تجد لها
صديقا ، وتفشل في دعوته إلى لقاء منتظر .
الابنة تتجول طوال الليل وتعود إلى بيتها على قدميها حيث يدخل الأب في
غيبوبة وينقل إلى المستشفى ، وبهذه النقطة يصل الحوار إلى مراسم الموت .
من الهند إلى السند
من الأفلام التي لفتت الانتباه ، وفازت بطلة الفيلم بجائزة أفضل ممثلة
الفيلم الروسي (خيانة) وهو فيلم فيه الكثير من الصنعة في الحدث بحيث يظهر وكأنه
فيلم بوليسي .
يتناول الفيلم قصة الرباعي وليس الثلاثي ، فنحن إزاء حالة زوجين كل فرد له
دور ، وبتدبير خفي يقتل أحد الزوجين لمصلحة العشيق وعشيقته ، ثم يتكرر الموقف مرة
في حالة أخرى جديدة .
ربما أعجب الجمهور بهذا الفيلم لكنه يبقى فيلماً خارج نطاق المسابقات
السينمائية بسبب افتقاده إلى الخلفية الاجتماعية والنفسية وضياع المكان والزمان .
على العكس تماماً يأتي الفيلم الهندي ( ملك مومباي) اجتماعياً بدرجة عالية
، لكنه فيلم بسيط لا يرق إلى مستوى بعض الأفلام الأخرى المشاركة . يحجب هذا الفيلم
شرائح من الجمهور ، وهو مختلف قليلاً عن سائر الأفلام الهندية ، فهو لا يحتوي إلا
على أغنية واحدة اجتماعية ، ولقد أخرجه (مانجيت سينغ) في تقديم قصة واقعية من
الطبقة المسحوقة أو من يطلق عليهم اسم (المهمشين) حيث مدن الصفيح والوحل وأماكن
النفايات ، لكن هناك في المقابل العائلة والصداقة والأم الإيجابية التي تعاني في
سبيل أسرتها الكثير .
(ملك مومباي) هو الطفل (زاهول) ، لكنه ليس ملكاً من قريب أو بعيد . إنه طفل
مسحوق يجمع القليل من المال ببعض المبيعات . ثم نرى في الجانب الآخر الأب القاسي
الذي يتعاطى المخدرات ويسرق مال الطفل والأم .
يقف الابن في وجه الأب ويهرب من أسرته ولا يعود إليها ، بل إنه يصر على
الهروب ويواجه الأب بعدم العودة إلى البيت .
إن أهم ما في هذا الفيلم أماكن التصوير ، بالإضافة إلى عدم السقوط في
الميلودراما وهذه ميزة نجدها في أفلام هندية كثيرة جديدة وأظن أن هذا الفيلم (ملك
مومباي) يعبر عن سينما هندية جديدة ومختلفة ولكن في حدود ضيقة .