السبت، 21 أغسطس 2010


مسافة بين أنور وجدى وأفلامه

تقول أكثر المصادر بأن الفنان الراحل أنور وجدى وأسمه الحقيقى أنور يحي العتال قد ولد عام 1911 وتحديدا فى يوم 11 من الشهر العاشر، وهو اليوم الذى غزت فيه ايطاليا شواطىء ليبيا، وهددت الدولة العثمانية بإخراجها من المنطقة، رغم محاولات التكاثف فى أكثر الدول العربية والتى كانت تتبع الدولة العثمانية.

يعود مولد يحي العتال الأب الى دمشق، فهو شامى هاجر الى القاهرة طلبا للرزق وتزوج من دمشقية أيضا وعاش حياة متوسطة اجتماعية وماليا حتى انه ادخل ابنه أنور المدرسة الفرنسية والتى تعلم فيها المخرج حسن الامام والفنان فريد الأطرش والمطربة أسمهان والفنان نجيب الريحانى وكانت تسمى مدرسة (الفريد).

غير أن انور وجدى لم يستمر طالبا، فقد اتهم بأنه حاول الهجرة الى امريكا ومعه عدد من التلاميذ، بقصد الوصول الى أرض النجوم هوليوود.

رغم ذلك فقد اتقن خلال دراسته اللغة الفرنسية، وهذه مسألة مهمة جدا صاحبت تطوره النفى حيث نجد أن معظم الفنانين الناجحين قد اتقنوا هذه اللغة أو غيرها من اللغات الأوروبية.

عاش أنور وجدى صعلوكا بعد أن طرد من بيته بسبب اختياره لمهنة التمثيل، وتسلل الى المسرحـ واختار لقب وجدى لكى يقترب من قاسم وجدى المسؤول على الممثلين الكومبارس والذى كان مدرب للتمثيل أيضا، وبالفعل استطاع أنور وجدى الدخول الى عالم المسرح بالتدريج ثم عالم السينما، وكان ليوسف وهبى دورا مهما فى ذلك وكذلك كان للمخرج زكي ظلمات الدور الأهم، وقد أشتهر مسرحيا فى دور عباس فى مسرحية (الدفاع) ليوسف وهبى 1931.

ورغم عمله فى فرقة رمسيس إلا أنه طرد منها بسبب عمله مع جهات أخرى، وبالفعل فقد عمل أنور وجدى فى الإذاعة مؤلفا ومخرجا وقدم بعد ذلك مواقف خفيفة مسرحية من إخراجه وكتب نصوصا وقصصا نشر بعضها فى المجلات الصادرة فى تلك الفترة، لم يتمكن من السفر الى امريكا الجنوبية لتقديم بعض العروض، لكنه سافر الى فلسطين وعرض مع الفرقة القومية عدة مسرحيات.

الأهم فعليا هو نظرة أنور وجدى الى السينما، فهو لا ينظر الى المسرح إلا جزئيا، ولذلك كان يرتب هندامه لغرض السينما وربما وجد فى نفسه بعض الوسامة ولاسيما فى شعره الغزير الأسود الفاحم الذى يشبه بعض نجو هوليوود.

ربما يبدو فى الظاهر بان أنور وجدة له قدرة على اختراق الجماعات الفنية والاقتراب منهم والتعرف على المبرزين فيهم، وهذا صحيح. وكن ذلك يتطلب موهبة وكفاءة واضحة، ولعل كتابه أنور وجدة لبعض القصص السينمائية قد ساعد على اختراق السينما، فكتب قصة فيلم (تاكسى حنطور) لامين بدر خان 1944، كما كتب قصصا لبعض أفلام إسماعيل ياسين.

أول فيلم عمل فيه أنور وجدى كان بعنوان (جناية نص الليل) للمخرج محمد صبرى إنتاج عام 1930. لكن وكما يقول المؤلف محمد عبد الفتاح فى كتابه (سينما أنور وجدى) تتجاهل الكتب هذا الفيلم.

من أوائل الأفلام المعروفة (فيلم الدفاع) ليوسف وهبي 1935 ثم فيلم أولاد الذوات والذى طرد منه وتم إلغاء دوره من قبل المخرج محمد كريم، ويكشف كل ذلك عن رغبة عنيفة للممثل أنور وجدى فى الظهور ولفت الانتباه ومحاولة سرقة الأضواء مما يعطر صفو إدارة الإنتاج ويزعج أى مخرج أحيانا.

من أدواره الصغيرة المعروفة دور كومارس فى فيلم (نشيد الأمل) عام 1937 للمخرج احمد بدرخان، ثم فيلم بسلامته عاوز يتجوز للمخرج الكسندر فركاش 1936.

ومن أهم المخرجين الذين عمل معهم أنور وجدى المخرج عبد الفتاح حسن والمخرج استفان روستي واحمد جلال واحمد سالم. إلا أن المخرج الأهم كان توجو مزراحى الذى قدمه فى فيلم (ليلى بنت الريف) عام 1941 ثم المخرج أحمد بدرخان فى فيلم انتصار الشباب عام 1941.

هناك بعض الأفلام غير المعروفة كثيرا، وربما كان لفقدانها وعدم إعادة عرضها السبب فى انها مجهولة، ومن ذلك فيلم امراة خطرة وفيلم صلاح الدين الايوبي وفيلم مصنع الزوجات. وقد كان الممثل انور وجدى فى مرحلة معينة سينمائيا مجرد شاب عابث، يقف خلف بعض الأبطال مثل محمود ذو الفقار وحسين صدقى وحسين رياض وغيرهم.

مرة أخرى توجو مزراحى تقديمه فى أكثر من فيلم، والأهم كان فيلم (ليلى فى الظلام) عام 1941 مع ليلى مراد ثم فيلم غرام وانتقام مع فريد الأطرش وأسمهان للمرة الثانية وبقيادة المخرج احمد بدرخان.

توالت الأفلام الى حين إنتاج فيلم (ليلى بنت الفقراء) عام 1945 وهو من إنتاج شركة أنور وجدى، كما انه كتب القصة واخرج الفيلم وقام بالتمثيل مع المطربة ليلى مراد والذى شكل معها ثنائيا ناجحا.

على المستوى الشخصي، وعندما أعود بالذاكرة الى تلك الأفلام التى كانت تعرض فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، فى للأفلام وليس عرض أول، عندما أعود الى تلك العروض، سوف نجد موقعا غريبا لهذا الممثل فى الذاكرة. نعم هناك بعض الممثلين الذين يمكن اعتبارهم أكثر قربا للمتفرج بسبب طبيعة أدوارهم والهيئة التى ظهروا بها على الشاشة.

بكل تأكيد سوف نجد ممثلا مثل يحي شاهين أكثر التصاقا بالمتفرج بسبب تنوع أدواره وبسبب شكله القريب الى الأفراد العاديين سوف نجد أيضا ممثلا مثل عماد حمدى وان كان يعد متأخرا زمنيا. هناك الممثل فريد شوقى وشعبيته قادمة من أدواره الشعبية وطبيعة البطولة التى يقوم بها. هناك محسن سرحان وهو ممثل تقليدي، ظل بطلا ولم يصل الى مرحلة النجومية. هناك بعض المطربين، كانوا أكثر نجاحا مثل فريد الأطرش وكارم محمود ومحمد الكحلاوى وعبد الغنى السيد وغيرهم.

والحقيقة أن الممثل أنور وجدى كان لامعا وبراقا ويشعر المتفرج أحيانا بأنه ينتمى للسينما هوليوود، فهو أقرب الى الممثل بدرلاما مثلا. إلا أنه أيضا يتصف بخفة دم واضحة ولاسيما فى أدواره الاخيرة. وبالتالى فهو نجم يهبط عليك من السماء ولا يكاد يقف على الأرض.

يرتبط اسم (أنور وجدى) بفيلم شهير وهو (أمير الانتقام) للمخرج بركات انتاج عام 1950. وهو فيلم جمع عددا من النجوم، ومنهم فريد شوقى ومحمود الميلجي وكمال الشناوى. بالإضافة الى سامية جمال ومديحة يسرى، وهذا الفيلم يعد من كلاسيكيات السينما العربية، ورغم أن القصة الأصلية أجنبية وهى رواية تاريخية للفرنسي اسكندر ديماس. إلا أن هناك حرفية واضحة فى تعريب أو تمصير الرواية من خلال سيناريو لهنرى بركات وحوار ليوسف جوهر ويوسف عيسى وبركات نفسه.

على مستوى الشخصى. أذكر جيدا أنى شاهدت هذا الفيلم أربع مرات ليست متتالية، ولست أدري سببا لذلك، إلا القول بأن القصة تعالج فكرة الانتقام التدرجي والبسيط غير العنيف من قبل رجل برئى زج به فى السجن بسبب التنافس على المال وانتزاع السلطة التجارية.

فى هذا الفيلم، يبدو وأنور وجدي ممثل (هيئة)، فهو ضعيف على مستوى الأداء ويستخدم الطريقة الاستعراضية فى التأثير على المتفرج. رغم ذلك فهو ليس مسرحيا ويعتمد على جاذبية خاصة، لأنه يقدم الضعف مع القوة فى نفس الوقت.

ولعل هذا الفيلم من أكثر أفلام الممثل نجاحا.

بكل تأكيد هناك أفلام أخرى، وسوف نذكر بعض هذه الأفلام مثل ياسمين والذى حاول فيه أن يكون أقرب الى تشارلي شابتن، فهو ليس الممثل فقط ولكنه المخرج الذى يجيد توظيف المأساة والتراجيديا والكوميديا والأغنية والرقصة فى دائرة واحدة.

من الأفلام الناجحة (ذهب) وهو أول الأفلام التى قدمت الفتاة الصغيرة، والتى اعتبرت معجزة فى حينها (فيروز).

يستفيد المخرج أنور وجدى من الممثلين، وعلى رأس من استفاد منهم إسماعيل ياسين فى التمثيل والغناء، كما انه استفاد من اليأس المؤدب وحسن فائق وعبد الفتاح القصرى وشكوكو وزينات صدقى. كما لا ننسى ان أنور وجدى مخرجا قد قدم أفضل أفلام نجيب الريحانى وهو (غزل البنات) بالإضافة الى الفيلم الشهير (حبيب العمر) وفيلم قلبي وليلى، ثم فيلم 4 بنات وضابط وفيلم فاطمة مع ام كلثوم للمخرج احمد بدرخان من ناحية شخصية لا أذكر له فى تلك الفترة إلا فيلم ياسمين والذى اضحك وأبكى الجمهور فى نفس الوقت. ولا ننسى أن المخرج صلاح أبو سيف قد استفاد من نجومية أنور وجدي فقدمه فى فيلمين شهيرين وهما فيلم ريا وسكينة وكذلك فيلم الوحش، وهما من أفضل أفلام المخرج، رغم أن هناك مغامرات كثيرة فى الفيلم ومقدار كبير من الحركة.

يبقى المخرج والممثل أنور وجدى من أشهر العارفين بطبيعة الجمهور، فهو يهتم بالاستعراض والغناء، ولاسيما الفرق الأجنبية وهو قد قدم ليلى مراد فى أفضل أدوارها وكذلك فعل مع المطربة شادية ونعيمة عاكف.

اليوم وعندما تعرض بعض الأفلام مثل غزل البنات أو حبيب العمر أو ياسمين يستغرب المتفرج من هذه الحيوية التى ترافق هذه الأفلام ويستغرب من هذا الحس التجاري الناجح الذى جمع فيه أنور وجدى بين الإخراج والإنتاج والتمثيل وسيطر بالتالى على مرحلة معينة من عمر السينما العربية فى مصر، وما زال يسيطر الى حد الآن بحكم نجاح العروض المكررة للأفلام فى القنوات الفضائية المتخصصة وغير المتخصصة.

كانت آخر أفلام أنور وجدى ممثلا جنون الحب (1955) للمخرج محمد كريم وبعدها لم يعش طويلا. إلا ان نجوميته زادت مع مرور الأيام الناقد والباحث السينمائى محمد عبد الفتاح سبق له أن أصدر عدة كتب حول بعض الشخصيات السينمائية ومنها إسماعيل ياسين وحسن الامام ونيازى مصطفى وها هو يصدر كتابه عن أنور وجدى.

ولا شك أن الناقد محمد عبد الفتاح من النوع الجاد الذى يتلمس كل الخطوط من أجل إنجاح كتبه وليس بالغريب إذن أن ينال جائزة الدولة عن كتاب نيازى مصطفى.

فى هذا الكتاب يستخدم الباحث نفس الطريقة فيربط أحيانا بين العام والخاص ولاسيما من حيث الولادة والنشأة، كما انه يولى اهتمامه بالبدايات الأولى ويستخلص أهم الملامح لسينما شخصياته ممثلا او مخرجا، كما أن يقدم مسرد بأهم الأعمال فى نهاية الكتاب ويستفيد من المراجع والمجلات القديمة وأحيانا بعض الكتب والمقابلات والأحاديث الرئيسية والهامشية. ونقصد بالطبع كتابه عن أنور وجدى.

لا يذكر الباحث الجزئيات التى لها علاقة بالصراعات الشخصية وكذلك لا يهتم ببعض الجوانب العاطفية ويضع اهتمامه فقط بالأعمال وتفاصيلها وما يخدم الجانب الفني فى صفحات تجاوز (360) صفحة جاء هذا الكتاب (سينما أنور وجدي) عن سلسلة آفاق السينما وهو يحمل رقم 58 من السلسلة.

الغلاف جاء جميلا من حيث التكوين واختيرت صورة من فيلم (أمير الانتقام) فيها الكثير من السحر والغموض.

أهم باب فى الكتاب هو الباب الثالث (سينما المخرج والمؤلف) حيث أن أنور وجدى قد نجح ممثلا أولا ثم نجح أيضا باعتباره مخرجا عرف الطريق الى الجمهور بكل بساطة.

كانت الثقافة الفرنسية عاملا مساعدا لأنور وجدى، بالإضافة الى تجربته فى التمثيل واستفادته من توجو مزراحى وكذلك يوسف وهب.

ان أنور وجدى مخرجا بسيطا لكنه موهوب فهو يقدم ما يرضى الجمهور من دراما لها علاقة بالعواطف بالدرجة الأولى ويستخدم الأطفال من أجل الوصول الى الجمهور. كما انه يستخدم المرح والكوميديا والرقص والغناء والأهم تيمه الغني والفقير، فهو المتشرد الصعلوك الذى يكسب عطف الناس كما فى ذهب وياسمين.

لا شك أن أفلامه مع ليلى مراد كانت ناجحة جدا، لأن الأفلام التى برع فيها مخرجا كانت بمشاركتها. كما أن بعض الشخصيات قد عملت معه بشكل مستمر، ومن ذلك المونتير كمال الشيخ والمؤلف أبو السعود الأبيارى.

أهتم أنور وجدى كثيرا بالرقص والغناء وكانت اللوحات الاستعراضية من أشهر ما عرف به، وكانت الديكورات ضخمة، فضلا عن الاهتمام بالملابس وبذلك كان منتجا لا يبخل على أفلامه، مع ذكاء واضح في إيجاد الحلول لبعض المشكلات أثناء التصوير.

فى كتابه يسعى الناقد محمد عبد الفتاح الى دراسة بعض الأفلام لنور وجدى وربما محل الأفلام، ومن ذلك مثلا فيلم غزل البنات وحبيب الروح وفيلم عنبر وفيلم قطر الندى وأفلام أخرى مثل ياسمين وذهب وغيرها، ومجمل ما يمكن استخلاصه ان الوصف للناقد يبقى خارجيا، فلا تحس أن هناك تعاطف مع الشخصية المختارة وهذه مسألة مهمة فى الكتابة عن الشخصيات بشكل عام، بحيث يبقى الباحث محايدا نسبيا فلا يضع نفسه فى مواجهة مع الشخصية أو شديد الحساسية والتعاطف معها.

لقد أصدرت المهرجانات السينمائية فى مصر العديد من الكتب حول شخصيات سينمائية عديدة، وخصوصا المهرجان القوى للسينما المصرية الذى كرم عشرات الشخصيات وأصدر كتابا بالمناسبة، ربما تكون هى الأهم.

كما أن مهرجانات أخرى مثل القاهرة السينمائى وكذلك مهرجان الإسكندرية قد أصدر أيضا كتبا من نفس النوعية تقريبا.

ولكن مجمل هذه الكتب لها طابع تكريمى وخالية من وجهة النظر الا القليل، وهى ليست شاملة أو كاملة، وبالتالى ستجد أن الكثير من الممثلين لم يصدر عنهم كتب متميزة، وهذا ينطبق على الممثلات أيضا، فضلا عن المخرجين ولقد حاولت البحث عن كتاب شامل ودقيق حول الممثلة فاتن حمامة فلم أجده.

وهذا ما ينطبق على نادية لطفى وهند رستم ومريم فخر الدين وشادية وكوكا وعقيلة راتب وماجدة وسميرة أحمد وسعاد حسنى، فضلا عن كمال الشناوى ورشدى أباضة وشكرى سرحان ومحمود الميلجى وحسين رياض ويحي شاهين والقائمة تطول لتشمل المخرجين وكتاب السيناريو ولا سما الرواد الأوائل، فأين هو البحث واين النقد السينمائى من كل ذلك؟ ان كتب الناقد محمد عبد الفتاح هى الأجوبة لهذه الأسئلة ونحن ننتظر كتبه القادمة ولعل الانتظار لا يطول.