الأربعاء، 24 فبراير 2010

اعز اصحاب السينما تأكل من نفسها



عندما تتشابه الأشياء



يبدو أن هناك اتجاه في السينما المصرية للتخلص من النجوم وأجورهم العالية،

وكذلك شروطهم ومراعاة مواعيد تنفيذ أعمالهم، وبالطبع يجرّ ذلك أحيانا بعض

الخسائر، لأن النجوم لهم جانب ايجابي، بسبب ارتباط الجمهور بهم أولا وأخير،

وبالتالى يقال بأن الفيلم الذي لا يحتوي على نجم يبقى خاسرا أو متواضع

الإيراد الى النهاية وطوال مدة عرضه.

ومهما كان القول، لابد من الاعتراف بأن السينما في مصر هي سينما النجوم،

لقد تكوّنت وتأسست على هذا المبدأ، ليس لأنها سينما مصرية ولكن لأنها صناعة

سينمائية، وفي كل صناعات السينما يبقى النجم هو الأساس، والقدوة في ذلك هي

سينما هوليوود وكذلك سينما بولييوود، وفي مراحل زمنية معينة انطبق ذلك على

السينما البرازيلية والأرجنتينية والتركية وغيرها.

بالرغم من ذلك هناك ظواهر تحاول أن تخرج بالإنتاج السينمائي من دائرة

النجم، ولهذا السبب وجدت سينما المخرج والسينما المستقلة والسينما الحرة.

ومعظم اتجاهات السينما كانت تحاول أن تتخلص من سيطرة النجم أو سيطرة دوائر

الإنتاج والشركات الكبيرة التى لا تفكر إلا في النجم، حتى أن هناك أفلام

تضع فى اعتبارها نجما معينا قبل تنفيذ الفيلم، ولهذا السبب وجدت أسماء في

السينما العربية تقوم عليها أفلام كاملة، كما حدث بالنسبة لإسماعيل ياسين

وفريد شوقي وأنوروجدي وعادل أمام والقائمة تطول في هذا المجال.

ليس نظام النجوم كله مساوئ، إذ أن في ذلك ايجابيات كثيرة، لكن كثيرا ما نجد

أن الأجور العالية بالنسبة للنجم تعتير من التكاليف الكبيرة التي لا يمكن

الاقتراب منها، وخصوصا إذا كانت هناك مشكلة سينمائية أساسها قلة الإقبال

على الأفلام لسبب أو آخر، كما يظهر فى السينما المصرية حاليا.

من الظواهر الجديدة في سوق الأفلام المنتجة في مصر منذ عقد أو أكثر سيطرة

الموزعين على دور العرض، وبالتالي فقد صار هؤلاء أصحاب الإنتاج الفعل

وبإمكانهم عرض فيلم واحد في أكثر قاعات العرض ويمكنهم أيضا رفع فيلم معيّن

من كل القاعات، ولا يهمّ عنوان الفيلم أو اسم البطل أو البطلة. وهذا ما ساعد

على انتشار الأفلام الصغيرة التى لا تعتمد على اسم أو اسمين، بل على فريق

معين من أسماء الشباب، وبالتالي لا يحتكر البطولة اسم معين، وتتركب القصة

على هذا الأساس، خليط من الشخصيات المتوازية أحيانا، مما يعني وجود نوعية

معينة من القصص تتفق وكل ذلك حتى لو أدى الأمر الى تغيير القصة من مجرد

"حدوته" تعتمد على بطله وبطلة، الى قصة جماعية تتشابك فيها الخطوط وتتداخل

كل ذلك يتم باتفاق الموزعين والمنتجين.

في هذا الفيلم والذي عنوانه "أعزّ صحاب" يبدو كل ذلك ظاهر بوضوح، فالفيلم

يكاد يخلو من النجوم أو هو كذلك فعلا، فإذا كشفنا عن فريق التمثيل وجدناه

فريقا من الممثلين الشباب المتفاوتة خبراتهم وتجاربهم بين السينما

والتلفزيون، لكنهم رغم ذلك لم يسجلوا أية بطولات سينمائية واضحة، وربما

استمروا في هذا الاتجاه، لأن النجوم تلتقطهم السينما عن اختيار معين

ويستجيب الجمهور لهذا الاختيار، بينما يبقى الكثيرون في الخط الثاني أو الثالث.

لقد تكررت هذه التجربة في أكثر من فيلم ولعل آخر الأفلام "بدون رقابة"

وكذلك فيلم "أحاسيس" وغير ذلك من الأفلام، بينما يسير فيلم مثل "فرح" في

الاتجاه المختلف، لأنه يحاول أن يجمع أكبر عدد من أسماء النجوم ولو كانت

مستوياتهم مختلفة الأهمية.

هذا الفيلم يشكل التجربة السينمائية الثالثة للمخرج أحمد فرج بعد "جوبا "

و"كود36" وهو ابن مدير التصوير المعروف سمير فرج، وبالصدفة وحدها سوف نجد

بعض أولا الممثلين في هذا الفيلم، وهم أحمد السعدني ابن الممثل صلاح

السعدني وأحمد فلوكس ابن الممثل فاروق فلوكس، ولا مانع أيضا من وجود كاتب

كلمات الأغاني الموهوب ايمن قمر ابن الممثل الموهوب أيضا بهجت قمر، وهو

الذي كتب كلمات الأغنية الأخيرة المصاحبة لنهاية الفيلم" أعز صحاب" أو ما

شابه ذلك.

قصة الفيلم تعتمد على تعدد الشرائح وتستفيد من أفلام مشهورة، حققت نجاحا في

ذلك. كما في فيلم "سهر الليالي" مثلا، ولكن بالطبع لم يصل هذا الفيلم الى

مستوى الفيلم المذكور لأسباب كثيرة، أهمها أن السيناريو لم يوضع بشكل جيد

وظلت فيه ثغرات كثيرة، كما أن الفيلم سار نحو الكوميديا أحيانا واقترب من

أفلام الإثارة حينا وحاول أن يدمج كل ذلك فى إطار اجتماعي فلم يوفق إلا فى

حدود ضيقة جدا.

لعل من أهم أخفاء السيناريو أن الشخصيات وربما معظمها ليس لها خلفية

اجتماعية تنطلق منها، ولهذا جاءت هؤلاء ذات طابع اجتماعي منقوص، ولعل

اختيار الشقق المفروشة بشكل جيد والشركات الخاصة بالدعاية والعمل في

الديكور وتصميم الأزياء واستخدام الفضاءات الدالة على ذلك قد جعل من الفيلم

وكأنه صنع بمقاس معين، بعيدا عن الواقع، ليس بمعنى الخيال الفني، ولكن

بمعنى الشخصيات الهشة المصطنعة التي لا مرجعية لها. فطوال الفيلم لا نجد

مثلا إلا أبا وحيدا، يحاول مع ابنته "انجي" لكي يجعلها قريبة منه ومن

الحقيقة التي يفرضها واقع الزواج الجديد، ولكن بدون جدوى وحتى في هذه

الحالة فإن الأب هو مجرد شخصية كاريكاتورية لا تؤخر أو تقدم.

ليس هناك آباء أو أمهات، وليس هناك حارات شعبية أو ملابس بسيطة عادية، ولكن

هناك عالم آخر، لم يفلح السيناريو في تصويره أيضا، وبالتالي صار العالم

السينمائي المختار للموضوع يقوم على مشكلات وهموم ليست حقيقية، بل مصطنعة

لا يمكنها أن تكسب ثقة الجمهور إن المكان بكل ديكوراته ليس حيا أو ساخنا.

يبدأ الفيلم بطريقة مناسبة، حيث يكشف السيناريو عن شخصياته بواسطة إرسال

دعوة لحضور حفل خطوبة أولا لفتاة تدعى" انجي" وهي من أصدقاء الجميع منذ أن

كانت طالبة في مرحلة الإعدادية أو ما شابه ذلك.

هناك انجي وخطيبها حسين، وهناك هالة مع زوجها محمد وابنتهما نورا وهناك على

وهو مصور دعاية، وهناك أيضا كريم وهو صيدلي. كما أن هناك إيمان وهي مطلقة

وهناك دنيا وأختها أيمان.

يستخدم الفيلم المشاهد القصيرة نسبيا ولهذا جاء الفيلم خفيفا في سرده، لكن

القصة يشوبها الارتباك، فلا نعرف سببا لاختلاف محمد مع هالة، ولا سببا

لتسرعه حين طلب يد انجى رغم انهما من أبناء الذوات، ورغم أن الأمر لا يخلو

من زواج المصلحة في ظاهره الخارجي، والأغرب قصة دنيا مع أيمان التي تقول

لها مرة واحدة أختي.

يسير الفيلم من حفلة الى أخرى ومن عرض أزياء الى آخر ومن تصوير الموضات

الجديدة الى غيرها، فكل الشخصيات لها علاقة بالديكور والأزياء وليس لها

علاقة بغير ذلك وربما كان أقربهم الى المشكلة الفعلية ذلك الذي يدعى كريم

قام بدوره بشكل جيد معتز التوتي. فهو يعمل معيدا في الكلية اختصاص كيمياء،

لكنه رغم ذلك لا يتوفر على حقه فى السفر الى الخارج في بعثة رسمية وتترك

البعثات الى أصحاب النفوذ أما دور عبد الله مشرف، دكتور جامعي، فهو تحصيل

حاصل لباقي الأدوار الضعيفة، بما فيذلك دور مروة عبد المنعم "هالة" وكذلك

رانيا يوسف "سارة". أما التمثيل الضعيف جدا فقد اجتمع فيه عدد من الممثلين

الشبان ومنهم احمد فلوكس واحمد السعدني ولانا سعيد وتومة وشيرين.

والحقيقة أن لمستوى التمثيل الدور المهم في ضعف الفيلم، رغم أن الأهم هو

عدم حضور حيوية القصة وعدم اقترابها من الجمهور، لأنها تظل مجرد قصة لفيلم

من الأفلام التي تقبل بانتظار نهايتها فقط

مثلما كان هناك تسرع فى زواج إنجي وحسين، سوف نجد سوء تفاهم فى زواج هالة

من محمد، وذلك أيضا من الأشياء غير الواضحة، ويفتعل الفيلم علاقة جانبية

بين محمد والمطلقة سارة لكي يتم الانفصال بين الزوجين.

يذكرنا الفيلم كما قلنا بفيلم سهر الليالى خصوصا بالنسبة لسهر الأصدقاء

والحديث عن الذكريات والعلاقات العاطفية.

لكن القصص الثنائية غير مقسمة بالتساوي، ولهذا يختار الفيلم أن يرجع الى

الخلف ويأتي بمشاهد "الفلاش باك" عندما وصلت رسالة الى دنيا في المدرسة

الإعدادية وهي رسالة تحصلت عليها الفتاة، وظلت معها الى أن جاءت المفأجاة

وقامت بقراءتها في حفل زواج إنجي الذي يتحول الى انفصال من ناحية وزواج من

ناحية أخرى بين علي ودنيا.

لا يحتوي الفيلم على أغنية، وهو من الأفلام القلائل التي لا تظهر فيها

أغنية، إلا أن أغنية الفيلم جاءت في النهاية وعند قراءة الأسماء، وكان يمكن

حذفها. في نفس الوقت ثم استخدام الموسيقى في مشاهد صامتة مطولة لتوضيح مصير

العلاقات العاطفية عند معظم الشخصيات. فالموسيقى غير بارزة ولذلك كانت ناجحة.

أعاد الفيلم فكرة سبق أن تكررت كثيرا، صراع الأختين "دنيا مع ايمان" وكذلك

تقارب الأصدقاء وتباعدهم، والفيلم يدمج العلاقات الشخصية في العلاقات

العاطفية ويرفع من شأن الصداقة ذات الطابع الطفولي ويجعلها هي الأصل لما

يأتي من علاقات متشابكة وهذا الأمر لمسناه في أفلام ربما كانت أفضل كما حدث

بالنسبة لفيلم "أحلى الأوقات" حيث الرجوع الى ذكريات الطفولة المدرسية

وكذلك استخدام فكرة الرسالة العاطفية ذات الطابع الطفولي.

ربما لا يهم أن تتكرر القصص وتتشابه، ولكن من المهم التركيز على كيفية

التعامل مع هذه المتكررات والمتشابهات.

نهاية الفيلم كانت ايجابية بالنسبة لأصحاب الرسالة العاطفية، حيث تطرح في

البداية باعتبارها مشاهد الرجوع للخلف، وينتهي بها الفيلم في نفس الوقت،

وبين هذا وهذا يبقى "فرح انجي" هو البنية الأساسية التي تدور حولها وفيها

الأحداث لكنه فرح إنهار من داخله ولم يتحقق منه شيء.

من الصعب القول بأن هذا الفيلم غير جيّد، فهو لا يخلو من لمسات كوميدية

خفيفة، وهو يسير على ايقاع مقبول، ليس به ملل أو تمطيط، وهذا بالطبع يرجع

الى المخرج الذي أحسن اختيارات مشاهدة رغم أنها أنيقة أكثر من اللازم.

من جانب آخر ومع تكرار الموضوعات وتشابهها أشعر أحيانا بأن السينما المصرية

تسير في شرنقة ضيقة سببها تكرار القصص الموضوعات، وذلك يعود الى عدم

الانفتاح على عوالم أخرى لها علاقة بالأمكنة والأزمنة، فلا أفلام تاريخية

ولا أفلام صعيدية ولا حضور لبيئات مصرية إلا ما يدور فى مدينة القاهرة وفي

زواية ضيقة منها، ولولا بعض التجارب القليلة التي تؤكد على وجود الصناعة،

لكنه لا ليس فنيا ونقديا ما يمس الواقع ولا يناقشه ولا ينتقده.

إن كاميرا هذه النوعية من الأفلام تغازل الواقع وتنظر الى الميزان التجاري

فقط، ولن يتحقق لها ذلك بالطبع، لأن الجمهور لا يتفاعل إلا مع الأفلام التي

تشكل حقيقة فنية وموضوعية.

إننا فى بعض الأحيان لا نكاد نفرق بين هذه الأفلام ومسلسلات التلفزيون، رغم

اختلاف الوسيلة، ومع زيادة رقعة الممنوع، ربما تحولت الأفلام الى نوعية

أخرى من المسلسلات، وحينئذ تفقد السينما أفضل بريقه، بريق الجدل مع الواقع

والنقاش معه، بل تعرية الواقع ليظهر على حقيقته التي تحتفي وراء أقنعة يمكن

اعتبارها مجرد أقنعة مزيفة.