الخميس، 15 يوليو 2010



الغرائبية بوابة السينما إلى الشرق


إذا رجعنا الى سجل المخرج البريطاني "مايك فيويل". سوف نجدا لهذا المخرج بعض العلامات السينمائية المميزة. بكل تأكيد لا توجد أفلام التفوق الواضحة من الناحية الفنية أو التجارية، فهو مخرج لم يترشح لجوائز الاوسكار على سبيل المثال، لكننا سنجد له الحضور السينمائي والذي يدفع بشركات الإنتاج لترشيحه مرة تلو الأخرى الى العمل السينمائي المتكرر.من أشهر أفلام المخرج مايك ينويل "أربع زيجات وجنازة واحدة – 1994" بالإضافة الى "ابتسامة موناليزا – 2003".
قبل ذلك هناك فيلم "نحو الغرب 1992" وفيلم الرقص مع الغريب 1985.
على أن أشهر أفلامه "الجزء الرابع من هاري بوتر – 2005" وفيلم "الحب في زمن الكوليرا 2007" وبعض النقاد يرون فليمه "دوني براسكو – 1997" من أفضل أفلامه.
في عام 2010 عرض له هذا الفيلم "أمير فارس" وفي عنوان جانبي "رمال الزمن".. ويقع الفيلم ضمن سلسلة الأفلام ذات النزعة الغرائبية التي يطلق عليها اسم "أفلام الفانتازيا"، وفد صادفنا منها الكثير من انتاجات السنوات الأخيرة، وخصوصا عندما تختلط الفاتنازيال بالخيال العلمي، ويمكن اعتبار فيلم قراصنة الكاريبي قريب من هذه النوعية. وقد سبق للمخرج أن قدم فيلما يميل الى الهزل والفانتازيا وكان بعنوان "نحو الغرب".
تبقى أفلام التاريخ القديم والأسطورة هي التي تخدم الأغراض التجارية بالدرجة الأولى وخصوصا عند استخدام التقنية الحديثة، وعندما نشاهد هذا الفيلم "أمير فارس" سوف نتذكر أفلام من طراز "لص بغداد" مثلا وبعض قصص ألف ليلة وليلة، وعدد كبير من الأفلام الغربية التي تعرضت للشرق القديم أو الحديث أو حاولت المزج بين الاتجاهين.
غير أن هذا الفيلم لا يقترب من معالجة موضوع الشرق فقط، لأن فكرته قد عرفت منذ عشرين سنة على أنها لعبة الكترونية شهيرة، تقوم على فكرة أساسها محاولة الوصول الى خنجر الزمن وتكرار التجربة أكثر من مرة.

لا نستطيع أن نحكم على تجربة نقل اللعبة الالكترونية الى فيلم بشكل مطلق، لكن اللعبة تبقى دائما مفتوحة على هدف معين بمعنى أن تكون هناك تجربة مغامرة، يقوم بها شخص وتوضع العراقيل أمام هذا المتسابق، ومن خلال المرور من مراحل صعبة الى أصعب، يمكن أن يصل المتسابق الى النهاية بعد أن يقضي على كل الحراس. وفي حالتنا هذه يوجد حنجر الزمن المحروس في المكان المقدس وحوله الساعة الرملية.

إن مسألة نقل اللعبة الى فيلم تتطلب إضافة أحداث واختصارات أخرى وهي مسألة شائكة ومعقدة، وحتى لو كانت اللعبة لشركة سوني وإنتاج الفيلم لشركة "والت ديزني"، فإن الخطأ يمكن أن يتسلل، مهما كان الشكل بديعا وساحرا ومقترنا بروعة الشرق في الملابس والمعمار والصحراء.

من هنا يبدو هذا الفيلم "أمير فارس" ضعيفا، لا يتوفر فيه أي حدث مقنع، كما أنه مليء بالثغرات والتفاصيل، يجنح الى الهزل بلا مبرر، ويفتعل الصراع من أجل كلمات باردة تقال في النهاية ليس إلا، انه فيلم يعتمد على جسد التقنية وبلا روح.

ومثل عادة الأفلام الخرافية أو الأسطورية، يتم اختيار البطل من عامة الناس "داستن" إنه مجرد طفل مشاغب كانت ستقطع يده عقابا له، وهو العقاب المرتبط بسبب السينما الغربية ببلاد الشرق وحدها. غير أن الأمير ينقذه ويختاره ابنا له ليعيش مع ولديه الصغيرين
.
يظهر الملك كما هي العادة مخلصا وخيرا "الملك شارلمان". اما الأخ وهو نفسه المستشار فهو يمثل الشر. الأول قام بدوره "رونالد بيكاب" والثاني قام بدوره "بن كنغسلي". هناك أيضا الأمير توس والأمير قارسيف والأخ بالتبني داستن والذي قام بدوره الممثل "جاك جلينهال".

يبدأ الفيلم بغزوة قام بها الملك شارلمان وأتباعه ضد مدينة قريبة لفارس وهي "غوشي" والتدبير كان باسم المستشار أو ساعده في ذلك أولاد الملك الثلاثة، رغم أن داستن لم يوافق على مبدأ الحرب.

ويبدو أن إمكانية تطويع لعبة شهيرة لتكون سيناريو لفيلم سينمائي لم تتحقق بنجاح ولذلك أعتبر النقاد بأن هذا الفيلم هو من أسوأ الانتاجات السينمائية في السنوات الأخيرة.

يكتشف المتفرج بأن هناك خنجرا قد وقع بالصدفة في يد داستن بعد أن هاجم المدينة واستطاع اختراقها، وفي الواقع لم تكن هذه المدينة إلا ان النوع المسالم، تحكمها أميرة "تامينا" وربما كان هدف وغاية السكان حراسة الخنجر السحري في مبنى مقدس قديم.

تقول الأسطورة بأن مدينة ما قد غضبت عليها الآلهة في زمن قديم واستمر الغضب بجميع أنواع القسوة، الى أن تقدمت فتاة واختارت أن تكون قربانا، فاختارت لها الآلهة هدية وهي خنجر سحري له خاصة إعادة الزمن الى الوراء عند لمس أحد أطرافه.
لسنا ندري سببا لهذا الجري وراء هذه الأفكار الخرافية الأسطورية، والتي تبتعد عن العلم قليلا أو كثيرا كما في فيلم "آلة الزمن" مثلا، ولكن إذا قلنا الشرق فإن مثل هذه التصورات تبدو تلقائية، فهو موطن الخرافة بحسب الادعاء الفكري الغربي والنظرة الاستشراقية المتعارف عليها
سوف ننتقل الى آخر الفيلم، إذ أن الغزوة قد تمت بنجاح واحتلت المدينة وظل البحث جاريا عن الخنجر السحري الذي يعيد الزمن الى الوراء، هكذا ببساطة، يعود الزمن الى الوراء.
في آخر مشاهد الفيلم يتقدم الأمير قارسيف وهو الذي حكم فارس بعد وفاة والده الى تامينا الأميرة التى تحكم مدينة غوش المحتلة، يتقدم إليها بالاعتذار عن غزو بلادها ويطلب منها الصفح، على أن تتزوج داستن، ليعيش الجميع فى سلام.
وبالفعل يتم ذلك، ولسان حال الشخصيات يقول لأن الاعتذار واجب، ولكن الإمبراطورية الكبيرة في العادة لا تعتذر ولا الدول الكبرى مثل أمريكا تقوم بذلك.
على نفس سياق فيلم "افاتار" تغزو دولة متقدمة تقنيا شعبا مسالما بحجة البحث عن معدن ثمين صالح لخدمة التقدم العلمي.
في فيلم أمير فارس تغزو إمبراطورية كبيرة "الفرس" مدينة مجاورة بحجة وجود أسلحة مخزنة في المدينة، والحقيقة أن المدينة بلا سلاح ولا يوجد بها شيء، ولكن العم نازيم وهو شقيق الملك ينشلا هذه الدعاية ويشجع على الحرب، لأنه يرغب في الوصول الى الخنجر السحري وله هدف من كل ذلك.
في الفيلم تفاصيل كثيرة، منها مثلا مقتل الملك شارلمان بواسطة ثوب جديد أعد ليقدم هدية له بواسطة داستن، وهو الثوب الذي يحترق داخليا ويكون سببا في الوفاة العاجلة. على أن العم نازيم هو المدبر الحقيقى للجريمة.
تطال التهمة داستن، فيهجر المدينة مع الأميرة تامينا ويكون الصراع حول الخنجر في البداية، ثم تتحول الرحلة الثنائية الى علاقة عاطفية.
هناك أشرار في الفيلم، ومنهم مثلا الشيخ عمر الذي يعمل معارضا برفضه تقديم الضرائب، وهو يقود مجموعة الحشاشين المعروفة، لكنه شر خفيف، لأن الشيخ عمر يساعد الطرفين على المواجهة، ان الشر المطلق هو نازيم فقط.
هناك الشخص المتحول والذى يدخل في مواجهة مع داستن في النهاية، وهناك العم الذي يسيطر على الأوضاع تقريبا حتى اللحظة الأخيرة.
يتم تجريب الخنجر ثلاث مرات في الفيلم، ويتأكد داستن من العودة الى الماضي، وخصوصا عندما أصيب وتأكد الجميع من موته، ثم عاد الى الحياة بعد لمس الخنجر.
يحتاج الخنجر السحري الى رمال خاصة لكي يعمل، وعندما يستخدم بطريقة سيئة فإن هناك سلبيات كثيرة سوف تحدث.
إذا عدنا الى النهاية مرة أخرى وجدنا ذلك الرمز الصريح المباشر، فنحن إزاء صراع سياسي معاصر، لأن الادعاء بوجود أسلحة خطيرة عند بعض الدول هو حافز على الغزو، ومثلما كان في حالة غزو أمريكا للعراق، فإن الرمز يأتي من قصة خرافية، عندما تعزو إمبراطورية فارس مدينة صغيرة "غوش" ثم تكتشف عدم وجود هذه الأسلحة الخطيرة، ولكن هناك أغراض سياسية أخرى خفية يخفيها حجاب يعتمد على مصالح شخصية سياسية.
مثل العادة يموت العم نازيم الشرير في النهاية، ولقد استخدم الفيلم طرق وأساليب كثيرة لتوضيح شكل الصراع، ولاسيما من حيث استخدام الخلفيات الغريبة.
وفي هذا السياق، فإن الفيلم قد اعتمد على ديكورات جذابة، بالإضافة الى الإخراج المرئي "الغرافيك". ولا ننسى الملابس التي هي أساس الفيلم.
أما باقي الموضوع، فهو مفكك، من الفكرة الأساسية نفسها الى معانيها "السياسية المباشرة، وربما بدا الفيلم أحيانا أقرب الى سينما الأطفال، ولكنه ليس كذلك نقطة الضعف الأخرى التمثيل والذي بدا أقرب الى الصنعة، وخصوصا عند بطل الفيلم "جاك جليتهال" وهو اختيار رديء، لأن الممثل غير ملائم للدور.
يمكن اعتبار باقي الممثلين في حالة نجاح، ولكن ما يجدي كل ذلك إذا السيناريو مجرد تجميع لمشاهد فيها الكثير من الغرائبية المجانية.
من الطبيعة أن تكون في الفيلم الموسيقى شرقية متنوعة من هنا وهناك، وكان واضحا وجود بعض الألحان للموسيقار فريد الأطرش.
أخيرا لماذا كل ذلك؟ لماذا البحث عن الخنجر السحري من قبل العم نازيم ولماذا دبر مسألة قتل أخيه بواسطة الرداء الهدية؟ ولماذا حاول التخلص من داستن؟ ولماذا ورد الجميع فى هذه الحرب؟
إن الإجابة ببساطة تعود الى رغبة نازيم فى إعادة الماضي البعيد بواسطة الخنجر، عندما أنقذ أخيه من الحيوانات الشرسة، وتمنى لو انه لم يفعل، لأن ذلك معناه انه قد صار حاسما منذ تلك الفترة. فقد ضاعت منه فرصة التخلص من أخيه. إنه يريد العودة الى الماضي، عند نقطة معينة، فلا ينقذ أخيه الملك وبالتالي يصبح حاكما بدلا عنه.
بالطبع سوف يجد المتفرج أمامه فكرة سطحية وسوف يجد أن السينما تضحك عليه في بعض الأحيان، بل يمكننا القول بأنها تفعل ذلك في أغلب الأحيان.

الأربعاء، 7 يوليو 2010


نحواتجاهات جديدة فى السينما العربية

الناقد السينمائى أمير العمرى من نقاد السينما الذين يتعاملون مع الأفلام بجدية، والمعنى هنا أن الكتابة على الفيلم تتحرك نحو اعتبار الفيلم إنتاج ثقافى وفني له مداخله الخاصة به، كما انه يحتوى على رؤية وتصور معين، بالإضافة الى حضور الخلفية التقنية الفنية الجيدة الكفيلة بإنجاح الفيلم ولا شىء غيرها.

أصدر الناقد عددا من الكتب ومنها: سينما الهلاك والذى تحول فى طبعته الثانية الى ما يشبه القاموس الموسع حول اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية.

هناك أيضا كتاب (اتجاهات جديدة فى السينما وكتاب هموم السينما العربية، وكتاب السينما الصينية الجديدة وكتاب مترجم حول المخرج أوليفر ستون وآخر ما كتبه كتاب (حياة فى السينما).

يهتم الناقد أمير العمرى كثيرا بالأفلام وفقدها، ذلك النقد الذى أتفق على تسميته بالنقد التطبيقى الذى يتعامل مع الأفلام مباشرة، وهو يقابل النقد الأدبي التطبيقى الذى يتعامل مع النصوص الأدبية.

لا نريد أن تدخل فى تصنيفات نقدية سينمائية مباشرة، وما يمكن أن يقال فعلا أن إقامة الناقد بلندن لفترة طويلة ومغادرته لمصر، قد جعلت قلمه متحررا من الشللية الضيقة، ومراعاة ظروف الإنتاج والصداقة ومتطلبات وضرورات الحياة، وهذا ما أنعكس على كتاباته بشكل واضح، ورغم ذلك لابد من الإشارة بأن تعامل الناقد مع الأفلام الأجنبية، يرفع من قيمة الكتابات النقدية، ربما لأمر يخص المستوى الفنى للفيلم الأجنبي، وهذا ما ينطبق أيضا على بعض الأفلام العربية، كما فى هذا الكتاب (اتجاهات فى السينما العربية)، ولازلت أذكر أهمية ذلك الكتاب النقدى التطبيقى الذى أصدره أمير العمرى وهو (اتجاهات جديدة فى السينما) والمقصود بذلك السينما العالمية.

هناك فرق واضح فى مستوى الكتابة النقدية السينمائية الخاصة بالفيلم الأجنبي وتلك الكتابة بالفيلم المصرى. ورغم ذلك، فإن الفيلم العربي (غير المصرى) يختل مكانة خاصةعند الكاتب، بحسب ما هو معروض فى المهرجانات السينمائية التى يحضرها الناقد كثيرا أما الأفلام المصرية التجارية فلا تحضى من الناقد باهتمام إلا المتميز منها أو ما أشتهر منها بطريقة إعلامية تلفت الانتباه.

سنرى فى الإهداء الوارد فى الصفحة (5) من هذا الكتاب ما يساعدنا على فهم بعض جوانب العملية النقدية لدى الكاتب. يقو ل الإهداء: (الى جيل جديد يسعى بجدية لفهم لغة السينما). وأول مفاتيح تلك فكرة فهم الفيلم نفسه، حيث يكون مسعى الناقد أن يستوعب الفيلم بقدر الإمكان ويفهم أبعاده، مع التركيز على المستوى الفني والتقنى وهذا يعنى فهم السينما.

النقطة الثانية "الجدية التى يتعامل بها الناقد أمير العمرى، وهى الكلمة الواردة فى الإهداء، حيث تتضح الجدية فى التعامل مع الفيلم وبالتالى لا تضيع الكتابة النقدية فى تفاصيل هامشية وربما خارجية.

أما الاختيار الثالث فيتمثل فى مصطلح الجيل الجديد الوارد فى الإهداء، وهنا ندرك بأن الجانب المستقبلي هو المهم بالنسبة بالناقد أمير العمرى، ليس على مستوى تعاقب الأجيال فقط، ولكن على مستوى التعامل مع الأساليب الجديدة فى النقد السينمائى كلما كانت الظروف سانحة.

تطرح مقدمه الكتاب قضية هوية الفيلم العربي، ليس فقط فى إطار مصطلح الهوية الواضح، عندما يكون الإنتاج خاصا بدولة عربية معينة، حيث يبقى الفيلم المصرى عربيا، وكذا السورى أو الجزائري والكويتي والعراقي وغيره. ولكن أيضا عندما يتداخل مفهوم الهوية ويتشابك مع اختلافات فى المعنى، لأن هناك أفلام يتم إنتاجها من قبل أطراف ليست عربية، ولكن رغم ذلك فالموضوع عربي والمخرج عربي، وهذا ما ينطبق على أفلام أجيال من العرب التى تستقر وتعيش فى فرنسا أو بلجيكا وتعمل فى أفلام ذات طبيعة عربية.

بصرف النظر عن مناقشة هذا الموضوع والوصول فيه الى نتائج محددة، يجمع الكتاب أفلام كثيرة لا نجد لها تعريفا جامعا إلا قولنا بأنها أفلام عربية وهى كذلك فى جانب من جوانبها، وعلينا أن نقبل باتساع هذا المصطلح (السينما العربية) لكى لا يكون ضيقا كما أعتدنا فى سنوات ماضية كان الإنتاج فيها محصور فى إنتاج الدولة الرسمى.

من الأفلام التى يتناولها الناقد.. فيلم طرفايه أو باب البحر لمخرجه المغربي داود أولاد سيد فى ثالث تجربة روائية طويلة له، وسوف نجد أن الناقد يرتفع بقلمه كلما كان الفيلم جيدا كما فى هذا الفيلم، حيث يضىء المقال بعض المناطق الخبيئة فى الفيلم، ولاسيما وان أسلوب أولاد السيد يعتمد على عدم التصريح المباشر وإخفاء الكثير من الأشياء بانتظار أن يكشفها المتفرج بنفسه.

نفس الأمر ينطبق على فيلم (أخي عرفات) لرشيد شهراوي من فلسطين، حيث يكشف الناقد عناصر التميز الواضحة لهذا الفيلم، من حيث جمعه لحضور الممثل مع الشخصية الرئيسية فتحى عرفات، شقيق ياسر عرفات وكذلك الربط بين العام والخاص وآثاره الأسئلة المتتالية.

يقول أمير العمرى: (غير أن أبرز ما يميز الفيلم ذلك الوجه الآخر لياسر عرفات الذى يخرج به المشاهد من خلال روايات فتحى عن شقيقه، وما يحتفظ به من عشرات الصور النادرة منذ الطفولة، والتراجيديا التى تجعل نهاية الرجلين متقاربة زمنيا، وكأنها تشهد على نهاية عصر، وبداية عصر آخر).

لا نستطيع القول بأن مقالات الكتاب متوازية بشكل واضح، فالأفلام يمكن أن تكون غير جيدة منذ البدء ويحكم نهائى وتصبح القضية فى سرد ما يؤيد هذا الحكم السلبي. وأما ان يكون الرأى ايجابيا فباقى المقال يعمل على توضيح ذلك واثبات هدة النتيجة.

سوف نجد ذلك فى عدد من المقالات. إلا ان الأفلام المباشرة سياسيا لا تستجيب لذائقة الناقد كما فى فيلم (أحلام) العراقى لمحمد الدراجى، وكذلك فيلم (عبور التراب) من كردستان.

يمر الناقد على أفلام كثيرة مثل حليم لمخرجه شريف عرفة من مصر، وفيلم (كيف الحال) من السعودية، ورغم الفارق بين الفيلمين، إلا ان الناقد يتعامل بهدوء مع (كيف الحال) ويبالغ فى تقديم سلبيات (حليم). أي أن الناقد يضع اعتبارات معينة خارجية ولا يركز دائما على الفيلم فقط، وهذه صورة تدفعها ظروف ممارسة النقد السينمائى وعلاقته بالقضايا الذاتية والنفسية.

لا يقع الاهتمام بالأفلام من داخلها دائما، بل من خلال التأثر

بما يكتب ويشاع عنها ليجد الناقد نفسه فى النهاية بين أن تكون الدعاية فى مستوى الفيلم أو العكس. هذا ما حدث للفيلم الجزائرى (بركات) لمخرجته جميلة صحراوى.

بالنسبة لأفلام التونسية لا نكاد نجد إلا فيلم واحد وهو (عرس الذيب) للمخرج جيلانى السعدنى، بينما يبقى فيلم (كسكسي بالسمك) لمخرجه عبد اللطيف قشيش فيلما فرنسيا، رغم أنه يعالج قضايا الجاليات العربية المغاربية فى فرنسا ويتطرق الى الثقافة المحلية الأصلية.

من الأفلام المغربية التى يتعامل معها الناقد أمير العمرى بالنقد، فيلم (قلوب محترقة) للمعربي أحمد المعنونى، والناقد يطرى الفيلم كثيرا، لأنه يستجيب لعدد من التساؤلات الجمالية والفكرية. كما ان الفيلم يعبر عن الكيفية وليس مجرد الرسالة أو موضوع الفيلم، ولعل ذلك من أهم شواغل الناقد، حيث يتم التركيز على المسألة الجمالية قبل كل شىء.

جاء فى الكتاب: (يجعل المعنونى من فيلمه قصيدة بصرية بليغة، فيها من الذات بقدر ما فيها من الواقع، لكنه ليس شاعرا من شعراء زمن البطولات والآمال الكبيرة والجموع الصاعدة المتطلعة الى الكلمة الرنانة، بل شاعر الانكسار الفردي).

هناك أفلام كثيرة يتناولها الناقد وفى الغالب يكون مدخل كتاباته، مناقشة الهالة الإعلامية حول الفيلم، ثم محاولة دحضها، وفى جميع الأحوال لا يمكن لأى فيلم إلا نادرا أن يرتقى الى مستوى الهالة الإعلامية المتوقعة ولكن يمكن ان يحدث العكس، فنكتشف أن هناك فيلما جيدا لم يتم التركيز عليه إعلاميا، وبذلك تظلم بعض الأفلام لأن الجانب الاعلامى فيها كان طاغيا وعند المشاهدة الفعلية نجد ان هذه الهالة أعلى مما هو متوقع.

يصعب على الناقد أن يتخلص من الإعلام، لأنه يشاهد الفيلم أحيانا وهو مدفوع بهذه الدعاية. والواقع أن الناقد أمير العمر ينشغل كثيرا بهذا الموضوع، فالأفلام التى لا يعرف عنها أي شىء مسبق تبقى هى الأفضل بالنسبة إليه، بينما الأفلام التى يسمع أو يقرأ عنها مسبقا لا تنال عنده الرضى.

هذا ينطبق على فيلمين وربما أكثر وهى أحلام وسكربنات.

فى جميع الأحوال يركز الناقد على أفضل ما فى الأفلام، واللغة التى يستخدمها من النوع السهل والبسيط وهى لغة تصل الى هدفها مباشرة،لغة مختصرة وبليغة وقد جاء ذلك بالطبع ربما بسبب كثرة التعامل مع الصحافة الإعلامية.

يتطرق الناقد الى أفلام كثيرة منها مثلا أفلام من لبنان مثل (بدي أشوف) وفلم (على الأرض السماء). كما يتطرق الى بعض الأفلام المصرية مثل عين شمس وبصره وهى فوضى والغابة، وهى أفلام متباينة المستوى، مع تركيز شديد على التجارب الجديدة للشباب وفى اختيار الموضوعات غير المستهلكة

من الأفلام السورية التى يناقشها الناقد.. خارج التغطية لعبد اللطيف عبد الحميد وفيلم حسيبة لريمون بطرس.

أيضا هناك نقاش لبعض الأفلام ذات الإنتاج المشترك، مثل فيلم (كل ما تريد لولا تناله) للمغربي نبيل عيوش، والفيلم الفرنسي (بلديون) لرشيد أبو شارب، وفيلم الاندلس للمخرج آلان غومى.

والحقيقة أن بعض الأفلام المذكورة فى الكتاب ليس لها علاقة بالسينما العربية، ومن ذلك الفيلم الاخير المذكور سابقا، وكذلك فيلم (موسم الجفاف) لمحمد هارون من تشاد، فهو فيلم افريقي، وفى جانب آخر يصنف فيلم البيت الأصفر على أنه فيلم أمازيغى،غير عربى رغم انه إنتاج جزائرى، كذلك الأمر بالنسبة للفيلم الكردى عبور التراب وبهذا يرتبك مصطلح السينما العربية أو يزداد غموضا.

إن أغلب الأفلام التى تم ذكرها فى الكتاب هى مشاهدات من مهرجانات، والرؤية هنا من داخل المهرجانات السينمائية، ولذلك لا نجد حضورا لمستوى تعامل الجمهور مع هذه الأفلام، وحتى النجاح الذى يذكر أحيانا هو نجاح على المستوى الاعلامى وليس ذلك النجاح التجاري المقترن بصناعة السينما.

من الطبيعى أن نقول بأن هذه الأفلام وغيرها مما لم نذكره مما تعرض لها الكاتب بالنقد، هى من أفلام المهرجانات، وهى اختيارات فيها سيطرة واضحة للجانب النخبوى، ولا ضير فى ذلك طالما ان الكتابة فيها الكثير من الإمتاع وتضيء جوانب من السينما تحتاج الى المزيد من التركيز والإضاءة.