التعبير عن الداخل والخارج في فيلم "حراس الصمت"
لم يتم في السابق الاقتراب من أدب غادة السمان، قصصا وروايات، فلم تتعامل معها السينما، رغم الاشارات التي وردت من بعض المخرجين على اختيار بعض الأعمال الأدبية للكاتبة ولاسيما رواية ليلة الميليار.
وأظن أن الأسباب التي تقف وراء ذلك واضحة، حيث أن الانتاج السينمائي في سوريا ولبنان قليل، وهو يحاول الابتعاد عن الأدب، لأن الموضوعات تكتب مباشرة للسينما واعتمادا على رؤية المخرج وحده باعتباره كاتب السيناريو. ورغم كل ذلك فقد تحوّلت بعض الروايات في سوريا الى أفلام سينمائية نذكر منها بعض أعمال الكاتب حنا مينة، مثل قصة على الأكياس وكذلك رواية بقايا صور، الشمس في يوم غائم وآه يا بحر. ومن الكتاب الذين اقتربت السينما منهم الروائي غسان كنفاني وآخر الأعمال الروائية التي تحوّلت الى السينما كانت للكاتب خيري الذهبي وهي بعنوان:" حسيبة" لريمون بطرس، كما أن هناك روايات أخرى متناثرة، لم تلفت الانتباه بسبب ضعف الأفلام المقدمة.
- رؤية سينمائية
بالاضافة الى قلة الانتاج السينمائي والتهرب من الروايات بحثا عن رؤية سينمائية تكشف عن سينما المؤلف بطريقة أو بأخرى، يمكننا أن نقول بأن بعض الروايات تضع في اعتبارها اللغة الأدبية في المقام الأول، فالرواية هنا ليست رواية أحداث، بل رواية لغة وتعبير عن الداخل ووصف، ولا تترك الاحداث إلا في حدود ضيقة جدا.
هذا الأمر ينطبق على أعمال الأدبية غادة السمان. إنها تحيل الرواية الى لغة لا يتوقف السرد فيها، حتى أن هذه اللغة الشيقة تستدعي الحدث وتطغى إليه.
في جميع الأحوال تحتاج مثل هذه الروايات الى صياغة سينمائية غير تقليدية تحتوي على شكل من أشكال المجازفة. كما أن الاقتباس فيها حرّ، وهو يخضع لمشيئة المخرج واختياراته، وبالتالي لا أظن أن السينما السورية قد وصلت الى هذه المرحلة من التعقيد، رغم أن القضية تتوقف على المخرج في جميع الأحوال. لكننا لاحظنا بأن معظم الأفلام المقتبسة عن روايات مطولة قد فشلت. ويمكن أن نخرج رواية رجال تحت الشمس للأديب غسان كنفاني من هذه الدائرة، فقد قدمها توفيق صالح في فيلم متميز بعنوان المخدعون. بالاضافة الى فليم بقايا صور لنبيل المالح.
- الرواية المستحيلة
هذه المقدمة يبدو أنها ضرورية، وذلك بمناسبة اختيار احدى روايات غادة السمان لكي تقتبس للسينما، وقد وقع اختيار احدى روايات غادة السمان لكى تقتبس للسينما، وقد وقع الاختيار على رواية فسيفساء دمشقية أو الرواية المستحيلة لمناسبة تنفيذ بعض الأعمال المرتبطة بدمشق أو أن اختيارها عاصمة للثقافة العربية، وهكذا ارتبطت المسألة بدمشف أولا وأخيرا، ولم يكن الاختيار لمجرد أن الرواية مناسبة للسينما أو أنها أفضل روايات غادة السمان.
بالطبع هذا المدخل ليس أساسيا، لأن المهم أن المهم ألأن العمل قد انجز بصرف النظر عن المجازفات أو الدواعي أو المبررات.
هذه الرواية الطويلة والتي تسير فى نفس السياق: الجاذبية اللغوية وطغيان السرد الأدبي والوصف الجزئي والكلي، قد انتقلت الى السينما وعرض الفيلم المنجز بمهرجان دمشق السينمائي فى أواخر 2010، كما أنه "الفيلم" قد عرض بمهرجانات وملتقيات أخرى.
- أهم الافلام
عنوان الفيلم "حراس الصمت" والمخرج هو سمير ذكرى، ولقد سبق لهذا المخرج أن قدّم أفلاما روائية طويلة، أهمها" حادثة النصف متر" ، ثم فيلم "وقائع العام المقبل"، يلى ذلك فيلم "تراب الغرباء" ثم الفيلم الرابع "علاقات عامة" وهذا هو الفيلم الخامس.
هذا الفيلم أثار جدلا بين النقاد، ليس باعتباره يحوي على امتياز خاص، أو طرح جريء لافت للنظر، لكن لأسباب أخرى، أهمها أنه قد احتوى على الكثير من المشكلات التي تعاني منها السينما العربية عموما ولاسيما في سوريا في السنوات الأخيرة، فالقطاع العام الرسمي يقدّم أموالا من أجل الافلام وأحيانا يقدّم الدعم الكلي أو الجزئي، ولكن النتائج تكون سلبية، وقد لمسنا هذا في أفلام صنعت في سوريا وتونس والمغرب، فالمشكلة تتجاوز إذن القضية الانتاجية الى ما هو أهم ونعني بذلك الجانب الفني وطريقة التعامل مع الفيلم وأسلوب السرد والأهم ضبط ايقاع الفيلم والسيطرة عليه والتحكم فى التفاصيل والجزئيات، ومعرفة ما هو مهمّ وما هو أهمّ.
- أسلوب متكرر
لقد سبق للمخرج سمير ذكرى أن قدّم فيلم "تراب الغرباء" وهو يدور حول شخصية المصلح عبد الرحمن الكواكبي، وسوف نجد أن هذا الفيلم "حراس الصمت" يقترب قليلا أو كثيرا في أسلوبه من ذلك الفيلم. إن كلا من الفيلمين يعتمدان على سيناريو تلفزيوني تتوسع فيه المشاهد الى اتجاهات كثيرة، فلا نعرف فيها الرئيسي من الفرعي ويتطرق كل فيلم الى شخصيات كثيرة بعضها ليس ضروريا ولا يخضع الى مقاييس الاختيار الدقيق.
وفي فيلم"حراس الصمت" الكثير من ذلك، فالفيلم يبدأ بمقتل امرأة بسبب العادات والتقاليد، ورغم أن الأخ الكبير كان سببا في موتها إلا الفيلم يلتقط خيطا آخر وهو الفتاة الصغيرة "زين" وهي التي تعيش بعد ذلك مع أبيها وجدتها في بيت دمشقي كبير.وربما لأسباب معالجة قضايا المرأة يركز الفيلم على الأمّ المتوفاة والخادمة في الجوار والمشكلات التي صادفت تحقيق رغبة الفتاة زين في الخمسينيات في دمشق.
- نقاط معينة
من أهمّ مشكلات هذا الفيلم أن السرد فيه لا يتحرك نحو نقطة معينة ولا يضع في اعتباره تطور أيّ حدث، ولكن تأتي المشاهد في شكل بانورامي متباعد، يمكن أن يستمر لأكثر من ساعتين وربما أربع ساعات، فالفيلم له بداية ولكن ليس له نهاية الفتاة زين هي محور الفيلم، ولكن السيناريو يتتبع خطواتها، بصرف النظر عن أهمية هذه الخطوات، إذ لا يجد المشاهد أمامه إلا محاولات لفتاة تريد أن تؤكد ذاتها وهي تعيش في عالم من التقاليد والتي كانت سببا في وفاة أمها وتكتم العائلة عن أسباب الوفاة.
لهذه الفتاة زين الكثير من الحرية الشخصية والسبب يعود الى الأب الذي يدفع بها نحو هذا الاتجاه، وكذلك بسبب حضور الجدة والذي كان تعويض بحضور الأم.
هناك زميلات لزين في المدرسة ومحاولات لتعلم الرقص والتأثر بالرقصات التي كانت سائدة في فترة الخمسينيات وما بعدها، وهناك بعض التجارب العاطفية المبدئية، وكل تلك حلقات لا تقدم أو تأخر، ولذلك يصاب جمهور الفيلم بالملل وهو ملل لا يخفي وراءه الشيء المهم، لأن النتائج في النهاية تبقى هامشية.
فالفيلم لا يقول شيئا رغم الاطالة والتوسع الجانبي، وأظن مرة أخرى أن مشكلة السرد قائمة، إذ ليس شرطا أن يأتي به بالفيلم بالمبهر ولكن بالبسيط الواضح وبسرد مناسب له لقد احتاج الفيلم الى جهد واضح من أجل خلق خلفية لمرحلة الخمسينيات، بواسطة الملابس بالدرجة الأولى، وبواسطة بعض الوسائل والأدوات، واحيانا الخلفية السياسية والموسيقية. ولكن قضية الحرية بالنسبة للمرأة لم ترتفع الى مستوى الرمز لأن الطرح تناول قضية شخصية محدودة يمكن أن تكون حاضرة الآن، لكنها غير مؤثرة على الصعيد الدرامي.
تتجه زين الى الأدب، وتجد أن أمها كاتبة أيضا، ولكن دون أن يعلم أحد، وهي "زين" تفوز بجائزة كالعادة، وتحاول أن تتعلم الطيران والذي له تعبير عن الارتفاع والتحليق الى أعلى والمغامرة.
كما قلنا تنبني فكرة الفيلم حول فتاة متحررة في غابة من التقاليد وهذه الغابة لها حراسها. إنهم حراس الصمت الذين يريدون أن تبقى الأمور في حالة صمت مطبق، ولا أحد يرفع صوته بالصراخ أو حتى الكلام. والغريب أن الفيلم، يعاقب حراس الصمت هؤلاء، عندما يضيف مشهدا لا مبرر له في أخر الفيلم ويجعل شخصية من حراس الصمت والذين عاشوا من أجل كبت الحرية النسائية، تتحول الى رجل مريض يعاني ويلات وسكرات الموت.
هذه الفتاة زين قدمت من حيث التمثيل لوحدها بشكل جيد "نجلاء الخمري" لها ظروف خارجية وأخرى داخلية، لها حوافز تجعلها تنطلق الى الامام، ولها عقبات أسرة أحيانا تتمثل في الاخوة وبعض الأقرباء، حتى أن الفيلم يبادر فيجعلها ضحية على وشك القتل مثل أمها في أواخر الفيلم.
حسبما أفاد المخرج، فإن هناك مشاهد يمكن أن تحذف للتخفيف من طول الفيلم، كما أن مشاهد الغرافيك ولاسيما طيران الأم بعد موتها ضعيفة ودخيلة على الفيلم.
ولا أعتقد أن حذق هذه المشاهد يساعد على إصلاح الفيلم، فالمشكلة في اختيار المشاهد وتتبع الرواية والدخول في متاهاتها والتمسك بالكثير من الشخصيات التي احتوت عليها.
أقول أيضا إن الشكل التقليدي الذي تمّ اختباره قد أربك السرد، وجعله ضعيفا، وهي مشكلات سبق أن عانى منها المخرج في أفلامه الاخيرة، فمتى يمكن التخلص من كل ذلك والبدء من جديد!؟