الخميس، 7 أكتوبر 2010




مهرجان دمشق السينمائي.. متغيّرات جديدة وآفاق بعيدة


يذكُر الناقد والمخرج صلاح ذهني بأن أول مهرجان سينمائي انعقد بالوطن العربي وفي إفريقيا وفى آسيا كان مهرجانا سينمائيا عالميا عرف باسم "مهرجان السينما الدولي بدمشق" عام 1956.

وكان هذا المهرجان متكاملا، لأن به لجنة تحكيم وجوائز وأفلام عالمية متعددة، كما كان له شعار يتناسب مع تلك المرحلة وهو "في سبيل الصداقة والتفاهم بين الشعوب" انعقد المهرجان المقصود لدورة واحدة ولم يتجدد، رغم أن معرض دمشق الدولي الذي احتوى المهرجان قد استمر بعد ذلك.

طال الانتظار طويلا، وانعقدت أثناء ذلك تجارب سينمائية من المهرجانات العربية، منها مهرجان السينما الإفريقية الآسيوية فى مصر ثم مهرجان قرطاج "أيام قرطاج السينمائية" والذي استمر وحيدا واستثنائيا، الى أن ظهرت مهرجانات أخرى بعد ذلك "مهرجان قرطاج عام 1966"، و"مهرجان القاهرة السينمائى عام 1977".

ثم توالت المهرجانات حتى صارت أكثر من الأفلام العربية المنتجة كما يقولون، والتبس فيها العامل السينمائي مع الثقافي والسياحي والإعلامي، بل إن دول غير منتجة للأفلام ترصد الميزانيات الكبيرة لتنظيم المهرجانات، كما حدث لدول الخليج مثل الإمارات "أبو ظبي – دبي" وكذلك قطر وأحيانا البحرين وعمان وبلغ الأمر الى أن يقام في دولة مثل المغرب أكثر من عشرين مهرجان سنويا والبقية تأتي.

لا شك أن في ذلك جوانب ايجابية، لكن ظاهرة مهرجانات السينما تبدو ومصطنعة في عدد من الدول العربية، لا تتناسب مع إنتاجها وثقافتها حتى أن مهرجانات يستفيد منها الخارجي ولا يستفيد منها ابن البلد، وحتى أن مهرجان يسمى مهرجان الخليج السينمائي وزع جوائزه على دولة واحدة في إحدى دوراته وهي العراق لأنه لا توجد دولة منافسة للعراق في الخليج غير السينمائي.

مهرجان دبي السينمائي، مهرجان استعراضي ومهرجان أبو ظبي السينمائي ما هو الا تقليد للمهرجان السابق ومنافس له بصرف النظر عن الإنتاج، وتبقى المهرجانات الرئيسية هي أساس السينما مهما اختلفت المتغيرات تبقى أيام قرطاج السينمائي هي الأهم ويبقى مهرجان دمشق السينمائي هو الأصل، ويبقى مهرجان القاهرة السينمائي هو الأكبر ويبقى التجديد الفعلي والتطور مرتبط بمهرجان مراكش السينمائي وباقي المهرجانات التي تدور في فلكه.

مهرجان دمشق السينمائي له نكهته الخاصة، باعتراف الجميع، ربما بسب المكان، كما عبّر عن ذلك شعار للمهرجان في دورة من دوراته، لكن المكان وحده ليس كافيا – ذلك أن العمل الجماعي الواضح هو شعار المهرجان الدائم، مع محاولة لاستقطاب أهم الأفلام العربية واختيار أفلام مميزة لتكون في صدارة الافتتاح والاختتام.

ولا شك أن جغرافيا المكان بالنسبة إلى دور العرض سبب مهم في إنجاح تظاهرة المهرجان، وفي ذلك لا يختلف مهرجان دمشق السينمائي عن مهرجان قرطاج السينمائي، ولاسيما مع افتتاح دار الأوبرا في دمشق حيث يتسع المكان لمئات الكراسي، بما في ذلك حفل الافتتاح المهيب التي امتاز به مهرجان دمشق في كل دورة.

أتذكر وفي إحدى دورات المهرجان أن صعدت ممثلة فرنسية وقالت بأن على رئيس مهرجان "كان" السينمائي أن يأتي الى مهرجان دمشق ويتعلم منه كيف يكون الافتتاح!
ليس في الأمر مبالغة، ولكن يتميز حفل الافتتاح في مهرجان دمشق السينمائي بحسن اختيارات الاستعراضات وتصميم الراقصات، مع تركيز على أهم محاور وأقسام المهرجان، حيث يختلط المحلي في سوريا مع العربي والعالمى.

وبالطبع شهدت الدورات الخمس الأخيرة تطورا رائعا من حيث التنظيم وبرمجة العروض، والتأكيد على الجانب الكلاسيكي من السينما، بالإضافة الى ما هو حديث من كل أنحاء العالم.

لم يكن مهرجان دمشق السينمائي عالميا بالمعنى الشامل، لقد كان ولفترة طويلة ينعقد مرة كل سنتين، منذ تأسيسه عام 1979، وكان مختصا بأفلام آسيا وأمريكا الجنوبية والأفلام العربية على عكس مهرجان قرطاج الذي كان مختصا في أفلام افريقيا والبلدان العربية.

ومن الطبيعي أن ينتظم المهرجان بالتناوب وأن يحدث بينهما تعاون وتآخي ولكن في حدود معينة ومحدودة، لأن عوامل الاختلاف كانت واضحة حتى وصل الأمر الى القطيعة غير المعلنة.

قلنا، لقد كان مهرجان دمشق السينمائي مرتبطا بالسياسة ولكن بمعناها العام ولقد كان شعاره "من أجل سينما متطورة ومتقدمة" ويدور في فلك الاتجاهات الاشتراكية ولذلك كان حضور الاتحاد السوفيتي قويا وكذلك كوبا، بالإضافة الى الجزائر وعرضت أيضا أفلام من فيتنام وكوريا الشمالية وألمانيا الشرقية وبالفعل كان مهرجان دمشق بوابة للأفلام الجيدة من المنظومة الاشتراكية كما أنه كان معبّرا عن مرحلة معينة سادتها التوجهات اليسارية، وخصوصا ونحن نعلم بأن عدد منن المخرجين في سوريا قد درسوا في الاتحاد السوفيتي وتأثروا ايجابيا بالسينما التقدمية.

وكيفما كان الأمر لقد مرّ مهرجان دمشق السينمائي بمرحلة جيدة، وكان متميزا وعن طريقه عرضت العديد من الأفلام حول القضية الفلسطينية، وخصوصا تلك الأفلام الوثائقية المتميزة لعدد من المخرجين من سوريا وفلسطين ولبنان والعراق.

كما أن بعض أفلام المهرج يوسف شاهين قد عرضت بالمهرجان، بالإضافة الى تجارب يغلب عليها المضمون السياسي.

ويكفى أن نقول بأن فيلم مثل" شمس الطباع" التونسي، بالإضافة الى "الأسوار" العراقي قد فازا سويّا بالجائزة الذهبية فى الدورة الأولى للمهرجان، كما أن فيلم" القلعة الخامسة" السوري قد توّج بالجائزة الفضية، وهكذا سوف يكون السباق موحدا فتبرز أفلام لها طبيعية واقعية سياسية واجتماعية، ولكن السياسي هنا يتداخل مع النضالي، وذلك بالطبع يتماشى مع نوعية الأفلام المنتجة في تركيا مثلا، حيث تنال الأفلام التركية الجوائز باستمرار وكذلك الجزائر وكوبا وسورية بالإضافة الى التجارب الرائدة فى السينما الهندية.

من الواضح أن الجمهور في سوريا كان المدخل لإنجاح المهرجان من دورة الى أخرى، فقد شهدت القاعات ازدحاما شديدا، ولاسيما من قبل الطلبة والطالبات، وعرضت قاعات الندوات نقاشا عالي الوتيرة، حول الأفلام ،ولاسيما بالنسبة للأفلام السورية والتي تعرض لأول مرة في المهرجان وينتظرها الجمهور بلهفة.

ومن جانب آخر احتوت دورات المهرجان المتعددة على ندوات سينمائية طالت موضوعات مختلفة لها علاقة بالسينما العربية الطويلة والقصيرة، شارك فيها أهمّ النقاد العرب.

ولابد من الإشارة الى أن السينمائيين العرب كانوا يحضرون أغلب الدورات وكان الوفد المصري هو أكبر الضيوف دائما بسبب ثقل السينما المصرية وإنتاجها المتعدد ومشاركتها المتصلة. غير أن كمية الجوائز التي تتحصل عليها هذه السينما قليل بداية من "سواق الأتوبيس" وانتهاء بفيلم"واحد صفر" ومرورا بفيلم" القبطان" وغير ذلك من الأفلام. أما الجوائز الفردية فكانت من نصيب الممثل المصري أو الممثلة المصرية بداية من نجلاء فتحي وإلهام شاهين وانتهاء بمجموع الممثلين والممثلات في فيلم سهر الليالي، وغير هؤلاء.

منذ سنة 2003 تغيّر وضع المهرجان، وتغيرت لائحته الداخلية وصار قسم المسابقة الرسمية مفتوحا أمام كل دول العالم، وقد أحدث ذلك نقاشا موسعا.

غير أن الأحوال سارت مع التغيير، وخصوصا ونحن نعلم بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي، أن القاعدة الاشتراكية السياسية قد خف بريقها الإعلامي، ولم تعد هناك الدولة النموذج ومن الطبيعى أن تهبّ رياح التغيير الى مهرجان دمشق السينمائي فيتحول الى مهرجان دولي تشارك فيه كل الدول، ولذلك صار من الطبيعى مثلا أن تفوز اليابان بالجائزة الذهبية وأحيانا السيف الدمشقي – وتفوز دول أخرى مثل تشيكيا أو الأرجنتين. كما ان المشاركات قد اتسعت لتشمل دول اوروبية مثل فرنسا وايطاليا والمانيا وسويسرا وغيرها بالاضافة الى امريكا الشمالية.

وفى مجال الاستضافة انفتح المهرجان على السينما العالمية، ولم تقتصر الأسماء على الاتحاد السوفيتي كما كان في السابق، بل تمت دعوة نجوم من فرنسا مثل" كاترين دينوف" وضيوف من ايطاليا مثل" كلوديا كارنيال" ومن البوسنة مثل المخرج "اميركوستاريكا."

كما أن لجان التحكيم قد دخلها مجال التغيير الواضح، ومن الطبيعي أن نرى مخرجا فرنسيا مثل "ايف بواسيه" يترأس لجنة التحكيم الدولية، أو يترأسها مخرج كبير مثل" كوستاريكا" والقائمة تطول لتشمل العديد من الأسماء.

هذا التحوّل نحو المهرجان السينمائي العالمي المفتوح في مسابقته الرسمية أمام كل دول العالم، يعني بصورة أو بأخرى زيادة المسؤولية التنظيمية والإدارية والمالية الخاصة بالمؤسسة العامة في سوريا ومن خلال وزارة الثقافة.

فالمهرجان إذن له صبغة رسمية وإن كان ذلك لا يؤثر بالضرورة على مجمل الاختيارات السينمائية من حيث نوعية الأفلام وتعدد الأقسام ولا شك أن الجوار يلعب دورا في بنية المهرجان، حيث تحظى دول مثلما إيران وتركيا ولبنان ومصر على سبيل المثال على خصوصية متميزة. كما أن فلسطين، الهوية والوطن، ينعكس حضورها على المهرجان بصورة مختلفة من دورة الى أخرى.

ولعل تحوّل المهرجان الى فعالية سنوية سينمائية يعد انطلاقة سينمائية جديدة غير متوقعة واستجابة للمتغيرات الجديدة وخصوصا ونحن نعلم بأن المهرجانات العربية قد صارت جميعها سنوية من مراكش الى أبو ظبي والى دبي و القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية والرباط وبلا شك ان تأثير المهرجان لا يكون الا سنويا ودورة هذا العام 2010 ستكون الثالثة على مستوى الانجاز الجديد في التحول الى مهرجان سنوي يسعى الى نيل الاعتراف الرسمي بمكانته الدولية.

وبما أنعكس هذا النشاط على حجم الإنتاج السينمائي في سوريا، ولو بصورة قليلة، حيث صار الإنتاج ملازم لمواعيد مهرجان دمشق ومحدود فيلمين تقريبا كل سنة، مع جملة من الأفلام القصيرة الوثائقية والرسوم المتحركة، وربما ارتفع مستوى الإنتاج ليصل الى غايات تتناسب مع عالمية مهرجان دمشق السينمائي والذي يشكل حدث ثقافيا وليس مجرد تظاهرة سينمائية يمكن نسيانها بسهولة.

من مزايا مهرجان دمشق السينمائي تلك الإصدارات السينمائية الرفيعة المستوى والتي اشتهرت باسم سلسلة الفن السابع وتجاوز عددها الآن 200 كتابا بين الاعداد والترجمة والتأليف.

لا شك أن هذه الإصدارات تشكل مكتبة سينمائية مهمة، لم يحققها أي مهرجان آخر، وهذا يدل على ان الاختيار الثقافي هو سمة المهرجان الرئيسية، ولا سيما ونحن نعلم بأن المهرجان يوفر لجمهور دمشق وخارجها دمشق الفرص الكبيرة لمتابعة أفضل الأفلام والتي من الصعب متابعتها في دور العرض، والتي بدأت تحقق قفزة جيدة في العاصمة دمشق.

ولهذا السبب ولغيره نقول بأن مهرجان دمشق السينمائي قد حرك سواكن كثيرة وأدخل السينما في دائرة الاهتمام بقصد التواصل معها والهم جعل مدينة دمشق عاصمة سينمائية تنجح في مجال السينما بعد أن نجحت في مجال الثقافة والدراما التلفزيونية.