الخميس، 23 أكتوبر 2008

البحث عن الخبز والحرية في أفلام كين لوتش








الاقتراب من الحقيقة والابتعاد عنها

عدد قليل جدا من المخرجين العالميين ممن ارتبطوا سياسيا وثقافيا ببعض الأطروحات الفكرية في الخمسينيات والستينيات، مازالوا يلعبون نفس الدور ليس فقط بسبب التراجع في المواقف ولكن لأن المتغيرات السياسية العامة قد أربكت المفاهيم الأيديولوجية وخففت من مقدار التحمس لها، وجعلت الأطر التطبيقية الحياتية أوسع من الآفاق النظرية وأكثر تأثيرا في الواقع المعاش.
المخرج الانجليزي "كين لوتش" أحد هؤلاء فهو الابن البار لمجموعة النظرية الاجتماعية الطبيعية والواقعية الاجتماعية التي تتجه نحو اليسار في معالجتها لقضايا الواقع الاجتماعي وخصوصا للطبقات الفقيرة من العمال فضلا عن سيطرة فكرة التحرر الاجتماعي والسياسي على وعن هذه المجموعة مما يجعل من أعمالها الفنية لصيقة بهذا الاتجاه بشكل أو بآخر.
ولد كين لوتش بيورك شاير عام 1936 وكان أبوه عاملا بمصنع للأكلات، ومن هنا جاء إخلاص "كينيث" للطبقة العاملة، حتى أنه عمل موظفا للطباعة بالسلاح الجوي، كما أنه درس القانون لكنه لم يكمل تعليمه واتجه إلى المسرح تمثيلا وإخراجا، ولاسيما عند بعض الشركات التي تهتم بالمجالات الفنية في "برمنغهام" ثم انتقل للعمل في التلفزيون عام 1961 والتحق عمليا بمجال الإخراج بتلفزيون BBC.

· أفلام الأربعاء:
عام 1963، ولقد باشر بإخراج عدد من الأفلام المرئية "مسرحية الأربعاء"، وهي ذات طابع اجتماعي، تعالج مشاكل الطبقات المتوسطة، بغرض أن يحدث تغيير اقتصادي يتناسب مع الدعوات اليسارية الشائعة في تلك الأزمنة.
أما من الناحية السينمائية فإن أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية وكذلك أفلام الموجة الفرنسية الجديدة، كانت مؤثرة وفاعلة أسهمت في تكوين المخرج كين لوتش وتقديمه للدراما التسجيلية، بطرق فنية مبتكرة وأساليب سرد جديدة، وموضوعات تلامس الواقع مثل جنوح الشباب، ومشاكل المتشردين وقضايا الاتحاد بين القوميات وعمليات الإجهاض، مما خلق علاقة بين التلفزيون والواقع، بطريقة غير مسبوقة أو معتادة.
كانت للمخرج تجربة قصيرة في التمثيل، وساعدته تلك التجربة على إخراج حلقات عرفت باسم "سيارات حرف 2" عام 1962، ثم فيلم "كاثي تعود إلى البيت" عام 1966، والذي حقق نفس النجاح الذي حققه الفيلم التلفزيوني السابق "عند مفترق طرق" وبالإضافة إلى الجمع بين التسجيلية والتكنيك كان الاتجاه نحو الجانب الاجتماعي هو الطاغي والمباشر، وخصوصا عند التعرض للمؤسسات ذات الخدمات الاجتماعية المخصصة لأصحاب الدخل المحدود أو باقي الأفراد من الطبقات العاملة.
أما أول الأفلام السينمائية للمخرج كين لوتش مع زميله المنتج طوني كارنيت فقد كان بعنوان البقرة الفقيرة – 1967 والعنوان يرمز إلى صعوبة الحياة الحديثة واستغلال المدنية بمعايير الحضارة التقنية للأفراد من خلال نموذج الفتاة "جوي" والتي قامت بدورها الممثلة كارول وايت.

· أيام الأمل:
الفيلم الأهم والذي اعتبره النقاد الخطوة الأولى نحو التأسيس لأسلوب خاص بالمخرج هو "كيس" وهو اختصار لاسم نوع من الصقور عمل أحد أفراد الطبقة العاملة على التعايش معه، بعدما صارت فرصته في العمل ضعيفة ولم يجد من يتفاهم أو يتعامل معه.
ومثل الفيلم السابق اعتمد هذا الفيلم على رواية بعنوان "صقر من أجل ولد" لكاتبها باري هاينز.
لا شك أن المخرج كين لوتش هو أحد أبناء التلفزيون ولذلك استمر في العمل به، وأهم ما قدمه كان ملحمة تلفزيونية بعنوان "أيام الأمل" عام 1975 وهي تصور الحركة العمالية من عام 1916 إلى 1926 ولقد احتوت الحلقات على سجالات فكرية أيديولوجية حسب التصورات الماركسية التي يتبنى المخرج الكثير منها فيما يخص العمال وطبيعة عملهم ومستواهم الاقتصادي.. إذا عدنا إلى السينما وجدنا أن هناك فيلما متميزا وهو بعنوان "حياة عائلة – 1971" واشتهر الفيلم بعنوان آخر هو "طفل الأربعاء" ولقد اعتبر بعض النقاد أن الفيلم يقترب من أسلوب "سينما الحقيقة" وهي سينما تعتمد على نقل الواقع صوتا وصورة ولكن المخرج ابتعد قليلا عن قضايا الطبقة العاملة للبحث في أجواء الأسرة من خلال متابعة مصير فتاة وضعتها أسرتها في مصح عقلي، والفيلم جاء محدود الحركة لأنه في الأصل عبارة عن مسرحية بعنوان في ضميرين، لكاتبها دافيد ميرسر.
لا شك أن هناك بعض الأفلام التي لم تدعم مسيرة المخرج، ومن ذلك فيلم "من أجل إنقاذ فيلم للأطفال – 1971" وكذلك فيلم بعنوان جاك الأسود 1979، ثم فيلم آخر بعنوان حارس الطرائد 1980، ويلي ذلك فيلم بعنوان نظرات وابتسامات 1981، ثم فيلم آخر بعنوان "على أي جانب تريد أن تكون؟ 1984، وكذلك فيلم "أرض الأجواء 1986.. جميع الأفلام المذكورة لا تخلو من معالجة لقضايا الطبقة المتوسطة من خلال البحث عن عمل من الأعمال أو البحث عن إثبات وجود معين.
في عام 1990 جاء الفيلم المعروف "الأجندة الخفية" والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان الفرنسي.
لقد اعتبر هذا الفيلم من الأشرطة السياسية التي تشبه شريط "لا مكان للنجاة" ولكن فيه بعض الإثارة وهو يتطرق إلى جريمة قتل ضد شاب من المتظاهرين وهو فيرجل كارثر ثم تولى أحد المحققين ومعه ناشط من حقوق الإنسان التحقيق في الجريمة ليكتشف أن المؤسسات الرسمية لها علاقة مباشرة بالقتل.
في عام 1991 أخرج لوتش فيلما جديدا وهو ريف راف، وهي تعني على الأرجح نغمة موسيقية مرتبطة بعمال البناء في لندن ومشكلة اغترابهم في الحياة الحديثة بسبب مستواهم الاقتصادي المتواضع وعدم حصولهم على أعمال مستمرة.

· الأم العاملة:
على نفس المنوال تقريبا يأتي فيلم الذبابة التي تطير وهو أيضا حول الطبقة العاملة، وتحديدا تدور قصته حول أم لديها أربعة أبناء من أزواج مختلفين ولا تستطيع أن تقدم لهم الرعاية الكاملة بسبب الاضطهاد الذي تتعرض له من العمال أنفسهم.
لقد أنتج الفيلم عام 1993 واشتهر بعنوان الخنفساء يميزه فعليا أن التي قامت بدور الأم ماغي مجرد امرأة عادية لا تعرف التمثيل أو السينما، ولقد اعتبرها بعضهم بأنها أفضل ما في الفيلم وأفضل من أية ممثلة أخرى لأنها من الفئة العاملة فعليا وهذا الاتجاه ليس جديدا على المخرج لأنه يسمح للممثلين بالعمل الحر، وأحيانا خارج السيناريو، وذلك حسبما يتوافق مع طبيعة المشهد والظروف المصاحبة له.
في عام 1993 جاء فيلم من أفلام المخرج المهمة وهو الأحجار الممطرة وتقع أحداثه في لندن وليس أيرلندا مثل الفيلم السابق ولكن الموضوع متقارب، فنحن إزاء رجل فقير لا يجد عملا ويصمم في نفس الوقت على شراء فستان الزفاف لابنته الوحيدة وبمساعدة صديقه ريكي، يمضي رب العائلة بوب نحو السرقة لتدبير أي مبلغ مالي وبأية طريقة، وما يميز الفيلم ليس قصته فقط والتي تتشابه مع موضوعات تشارلي شابلن، ولكن أيضا الحوار والشخصيات وخصوصا أن استخدام لغة شبه خاصة بالطبقة العاملة جعل من الأجواء العامة للفيلم ذات جاذبية خاصة.
يبقى بعد ذلك أن نشير إلى فيلم درامي حربي عرض عام 1996 وهو بعنوان الأرض والحرية، ويتطرق إلى الحرب الأهلية الأسبانية والتي دارت بين أنصار اليمين فرانكو والكنيسة وأصحاب الأرض، وبين الجبهات اليسارية والتي فازت في الانتخابات وكان لابد لليمين من مقاتلتهم لإحباط نتائج الانتخابات، كانت هذه الحرب تمهيدا للحرب العالمية الثانية، وقد وجد فرانكو ومن معه مساعدة كبيرة من هتلر وموسليني واستطاع بهذه المساعدة وغيرها تحقيق النصر، بينما رفضت الجماعات اليسارية تلقي الدعم والمساعدة، كما أنها لم تكن موحدة.

· أغنية الأرض:
إن أساس قصة الفيلم يقوم على ذلك المتطوع اليساري دافيد الذي يدخل إلى اسبانيا للمشاركة في الحرب، ولكن الجبهة اليسارية كانت تميل أكثر إلى الحرب السياسية النظرية المشوشة أكثر من قدرتها على الدخول في حرب نظامية حقيقية.
لم يفز هذا المخرج بجوائز كثيرة ولكن فيلمه هذا أوصله إلى جائزة سيزار الفرنسية كأفضل فيلم أجنبي كما أنه فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي ومنحته لجنة النقاد الدولية فيبريسي جائزتها الدولية.
في عام 1996 جاء الفيلم المعروف أغنية كارلا وهو يسير على نفس النمط السابق، حيث البطل هو جورج سائق حافلة يلتقي بفتاة من نيكاراغوا تدعى كارلا كانت تعيش في بلادها حياة صعبة، أسرتها مشردة وصديقها مفقود، وعندما تعود من إنجلترا إلى بلادها مرة أخرى تجد الأوضاع أسوأ من السابق.
هذا الفيلم هو أول تعاون مع الكاتب بول لفرتي وهو من سيكتب معظم أفلام المخرج اللاحقة، ومن الملاحظ هنا أن المخرج يعود إلى نفس التيمات التي بدأ بها في أفلامه السابقة حيث قصة الحب المتداخلة مع الحرب والاختطاف وصراع الجبهات الحربية المتناقضة.
ورغم أن المخرج يخرج بين الحين والآخر في أفلام تسجيلية مثل ما قدمه حول أحزاب عمال الميناء في ليفربول وكذلك فيلم آخر حول مطاعم ماكدونالدز والمحتجين ضدها، رغم ذلك فإن الفيلم الروائي هو أساس القاعدة الإنتاجية، ولهذا جاء الفيلم الجديد بعنوان "اسمي جو عام 1998، ولقد صادف هذا الفيلم نجاحا جماهيريا غير متوقع، وربما يعود السبب إلى الجانب الدرامي المسيطر عليه، رغم أن الأبطال هم من الطبقة العاملة أيضا، وكذلك يعتمد الفيلم على قصة عاطفية بين جو العاطل عن العمل وسارا العاملة بالمركز الصحي وحيث أن جو كان يسير نحو التخلص من الإدمان يجد نفسه في صراع مع تجار المخدرات وخصوصا عندما يتورط أحد العمال "ليام" في التعامل مع تلك العصابات مما يجبر جو على العودة إلى نفس الأجواء السابقة.
من أهم مزايا الفيلم ما يشير إلى المرونة في تعامل المخرج مع أنواع مختلفة من القصص والمعطيات وليس شرطا أن يكون الأمر داخل الحرب أو المقاومة السياسية أو العسكرية.

· زهور في اليد:
لقد عرض هذا الفيلم بمهرجان كان السينمائي ونال الممثل بيتر مولان جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم وفي الوقت نفسه صار اسم المخرج لامعا بما فيه الكفاية عالميا وهذا ما ساعد على تقديم فيلم جديد من داخل أمريكا وهو الخبز والزهور، إنتاج عام 2000 وهو فيلم ينتقد ظاهرة المتاجرة بالعمال وعدم منحهم حقوقهم الأساسية. كل ذلك من خلال شخصية "مايا" المرأة التي عبرت إلى أمريكا من خلال الحدود المكسيكية، واستقرت مع أختها روزا في لوس أنجلس، حيث وجدت عملا متواضعا، ولكن رب العمل يرفض أن يمنح العمال حقوقهم كاملة، مما يؤدي إلى احتجاجات ضده، تتدخل إحدى المؤسسات السياسية لمعالجة الموضوع، ثم يتبين أن الأمر له علاقة بمصالح مشتركة عامة تقوم كلها على استغلال العمالة الأجنبية.
رغم النقد الواضح لمجمل الحياة الاقتصادية في أمريكا إلا أن الفيلم قد لقي نجاحا كبيرا واعتبر من الأفلام المعاكسة للتيار السائد وفي عودة إلى موطنه وتحديدا إلى يورك شاير الجنوبية يقدم المخرج فيلما جديدا بعنوان "الملاحون" إنتاج عام 2001، وهو يعالج قضايا عمال السكك الحديدية والمخاطر التي تصيبهم جراء عدم توفر الرعاية الصحية وعدم تحقق الضمانات الكافية، رغم خطورة ما يقومون به من أعمال، ولقد جاء الفيلم والذي كتبه أحد العمال بعد حدوث الكثير من الحوادث الخطيرة المتعلقة بعمل هؤلاء العمال الفقراء في إصلاح تقاطعات السكك الحديدية وتغييرها وصيانتها.

· سنوات جميلة:
من أشهر أفلام المخرج في السنوات الأخيرة "السادسة عشرة.. عمر جميل" وتدور أحداث هذا الفيلم حول أم وابنها يسعيان للتخلص من ارتباطهما بتجارة المخدرات، وخصوصا من ابغض العمل، السابقين الأم دخلت السجن بسبب جريمة قتل شاركت فيها، والابن الشاب ينتظر خروجها حتى يمكنه أن يتخلص من متابعة بعض المتاجرين بالمخدرات .
لا شك أن الفيلم يعبر عن رغبة مراهق في تجاوز واقعه الاجتماعي ولكن بالوقوع في براثن واقع آخر أكثر صعوبة وإيلاما.
أيضا هذا الفيلم حقق نجاحا كبيرا 2002 رغم صعوبة لهجته الاسكتلندية وهو فيلم يبتعد قليلا عن السياسة ويقترب أكثر من الواقع الاجتماعي.
كانت من أهم سمات أعمال كين لوتش اقترابها من الأجانب، فمعظم أفلامه لا تخلو من هذه الشخصية وخصوصا وأنها شخصية ضعيفة وفقيرة ويقع عليها الظلم بسبب العمل أو الفرار المستمر أو البحث عن الملاذ أو الملجأ ، وفي بعض الأحيان تكون هذه الشخصيات من السكان المحليين – الأقليات – ومن ذلك هذا الفيلم والذي جاء عنوانه "القبلة الحنونة" إنتاج 2004، والشخصية الرئيسية لقاسم "باكستاني" تضعه أسرته أمام اختيار صعب فهي قد قررت تزويجه من ابنة عمه "ياسمين" ولكنه يفضل امرأة أخرى أيرلندية وكاثوليكية ومدرسة موسيقى وسبق لها الزواج وهذا ما ترفضه أسرته التي ترغب في الحفاظ على عاداتها وتقاليدها وشعائرها الإسلامية في اسكتلندا، تحاول الأخت أن تعمل المستحيل لإنقاذ الموقف لأنها تضررت عندما فشل مشروع زواجها، وفي نفس الوقت يتدخل القس لكي يمنع روزيتا من العمل حتى ترضخ وتنفصل عن قاسم، ورغم أن الفيلم لم يكن مشعا مثل سابق أفلام المخرج إلا أنه حقق نجاحا جيدا وفاز بجائزة الاتحاد الأوربي السينمائية.

· صراع ومقاومة:
في عام 2006 جاء الفيلم الذي نال تقديرا عاليا وهو "الريح التي تهز الشعير" وقد فاز الفيلم بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، يتطرق هذا الفيلم إلى المقاومة الأيرلندية عام 1920 من خلال شخصيتين، وهما الأخوان "دايان وتدي" الأول طالب في الطب يسعى إلى النجاح والعمل في لندن والثاني يقود المقاومة من أجل استقلال أيرلندا وانفصالها.
يصبح كل من الأخوين في المقاومة بعد أن شعر كل منهما بالظلم وشاهدا سويا بشاعة ما تقوم به القوات البريطانية، ولكن بعد المفاوضات والمعاهدة السلمية يتوزع الأخوان على فريقين أحدهما يصر على المقاومة والثاني يقبل بالمصالحة وهذا يؤدي إلى الصراع الداخلي بين الأيرلنديين أنفسهم، بما في ذلك الصراع بين الأخوين.
الفيلم يتباين بين الصراع السياسي والصراع الشخصي، ويعتمد على ميلودراما تقليدية نجح في تقديمها المخرج وخصوصا من الناحية الفنية التقنية ولاسيما التصوير الجيد، حيث مواقع التصوير كانت في أيرلندا نفسها، ولقد عزا النقاد نجاح الفيلم إلى الحرفية والتقليدية التي أعيدت إلى الأذهان بعض كلاسيكيات السينما السابقة.
لابد لنا أن نذكر هنا أن المخرج قد قدم أيضا أشرطة قصيرة وفي مناسبات لها علاقة بالسياسة والسينما، ومن ذلك الفيلم الذي أخرجه مع مخرجين آخرين، بمناسبة 11 سبتمبر 2001، وكذلك الفيلم القصير "التذاكر المجانية" والذي عرض بمناسبة اليوم الخاص بالتعبير السينمائي، مع 34 مخرجا من كل البلدان عام 2005.
من الأفلام الأخيرة للمخرج "إنه عالم حر 2007" وهو يعتمد على قصة مكررة تقريبا تتمثل في امرأة عاملة "إنجي" تناضل من أجل حققها وهي بالطبع أم أيضا ولها علاقات متشابكة مع أصحاب العمل وباقي الرجال، فيما أسماه بعض النقاد الدور الثنائي للمرأة التي تحاول أن تمسك بكل الخيوط دفعة واحدة.
ربما يشبه هذا الفيلم "الزهور والخبز" ولكنه يختلف عنه قليلا وخصوصا وأن السخرية من فكرة العالم الحر تبدو قائمة مازال كين لوتش يعمل وينتقل بين التلفزيون والسينما والأهم أنه يسير على نفس الخط الذي رسمه لنفسه منذ بدايته، ومع بعض المتغيرات الجديدة التي تتطلبها طرق المعالجة الفنية وأساليب السرد واستخدام التقنية المعاصرة.
إن المخرج كين لوتش مخلص لأول فيلم له، إخلاصه لآخر أفلامه، وتبقى قضية الخبز شغله الشاغل، وتبقى قضية الحرية الهاجس الذي يسيطر عليه.

عندما يتحدث المودوفار عن حياته وأفلامه













السينما بوصفها رغبة صعبة المنال

الكتب التي تعتمد على الحوارات المطولة لا تعرفها المكتبة العربية كثيرا، وخصوصا بالنسبة للسينما والمسرح وباقي الفنون، غير أن هذه الظاهرة نجدها منتشرة كثيرا في عقود سابقة ولاسيما في فرنسا، حيث مازلنا نذكر الحوار المطول الذي نظمته مجلة كراسات السينما الفرنسية مع هيتشكوك وصدر في كتاب مستقل بعد ذلك، وكذلك حوارات أخرى مع ألمع المخرجين.
هناك ايضا بعض الاصدارات التى نشرت بمناسبة تنظيم المهرجان القومى للسينما فى مصر بشكل سنوى، وهى إصدارات تحتوى على حوارات مطولة مع الشخصية صاحبة التكريم، مع قراءات أخرى إضافية، كما أن بعض النقاد قد جمعوا بعض اللقاءات وأصدروها فى كتب قليلة، مثل حوار مع السينما العالمية لسمير فريد.
وتبقى رغم ذلك الكتب الحوارية الثقافية قليلة، وان وجدت فهى لا تناقش الأعمال الفنية بقدر ما تناقش قضايا ثقافية عامة.
هذه الكتاب الصادر ضمن سلسلة الفن السابع السورية هو من هذا النوع، فهو كتاب يعتمد على حوار مطول، مع المخرج الاسباني بيدرو المودوفار وقد جاء بعنوان (سينما الرغبات)، ولقد أعده فرديرك ستروس وترجمة فجر يعقوب، وكان الإصدار الأصلي للكتاب ضمن مطبوعات (مجلة كراسات السينما الباريسية).


نواقص واشارات: ـ
لا يوجد بالكتاب تعريف بمن أجرى الحوار ولا توجد أيضا فيلموغرافيا واضحة للمخرج، كذلك لا يوجد تعريف للمترجم ولا تقديم خاص لهذه الطبعة، ولا موقع هذا الكتاب من السلسلة التي تصدرها "مجلة كراسات السينما"، وكل تلك النواقص تعد شائعة وملازمة لسلسلة الفن السابع، والتي نأمل أن تنجح في تدارك كل هذه النواقص لتصل إلى درجة أفضل من حيث المستوى الثقافي والفكري لكل إصداراتها.
في مقدمة الكتاب يشير المترجم فجر يعقوب إلى الاسم العربي لهذا المخرج الاسباني وهو (المظفر) وتكتفي المقدمة بهذه الإشارة، مع تركيز على القراءة الذاتية التي ليس فيها أي تصريح واضح لمقولة معينة، بقدر ما تسير الكتابة نحو إنشاء ضبابية تحتفي بالكتابة في حد ذاتها، وليس كل ذلك من غايات المقدمات التي وجدت لتوضح مرامي معينة تشكل مدخلا ضروريا للتفاعل مع المخرج والمحاور المناقش ومع الأفلام والسينما الاسبانية بشكل عام.
من الصعب اعتبار محتويات الكتاب مجرد حوار يقوم على السؤال والإجابة، لكن المحتوى أقرب إلى النقاش، حيث تنبني الأسئلة على الاستمرارية وتقود إجابات المخرج الى المزيد من الأسئلة.


سؤال وجواب:ـ
الحوار بين فريدرك ستروس والمخرج المودوفار مقسم وفق تسلسل الأفلام من الناحية التاريخية، حيث يأتي الفصل الأول بعنوان: عندما تكون الحياة مجرد كوميديا ! ويشمل الفيلم الأول للمخرج وهو بعنوان: بيبى، لوسي، بوم، وبقية فتيات الحي، ثم كذلك الفيلم الثاني وهو متاهة الرعشة.
لكن المودوفار يتطرق أيضا إلى البدايات الأولى، إلى عام 1972 عندما حاول ان يصنع فيلما قصيرا بكاميرا من قياس 8 ملم، ونجح في ذلك، ثم توالت هذه النوعية من الأفلام مع زملاء له تحت تأثير حركة (موفيرا) التي نمت في نهاية السبعينيات في اسبانيا وكان تأثيرها الثقافي فاعلا على السينما والموسيقى وكذلك الرسم والأزياء.
ولكن مثل هذه الموجات الثقافية، بما فيها (الاندر قراوند) لم تحصر المودوفار في إطار محدد، وخصوصا وأنه يتجه الى تقديم الحكايات التقليدية، ولذلك كانت اختيارات المخرج تفرض عليه البحث عن الفيلم الروائي الطويل خارج إطار الدوائر الفكرية التي جاءت متمردة في المرحلة الانتقالية بين حكم فرانكو والتحولات الجديدة بفعل المتغيرات الديمقراطية.
أهم ما تمكن الإشارة إليه، بالإضافة إلى تعلق المخرج بالقراءة ومحاولة كتابة الرواية، ثم تعلم الموسيقى، هو ذلك التأثر الواضح بالأفلام الهوليودية، ونجد بالكتاب أمثلة كثيرة على ذلك، وخصوصا على مستوى الممثلات ونذكر منهن (مارلين مونرو ـ كارول لومبارد ـ اودرى هيبون). أما المخرجين فهم كثر وخصوصا المخرج الأمريكي "برستن ستردجز" والمخرج (بيللا وايلدر) بالإضافة إلى المخرجين الايطاليين (بازوليني فيسكونتي ـ انطونيونى).
أما الأفلام التي تأثر بها المخرج فهي كثيرة ومن ذلك شريط (المغامرة) وشريط (مرحبا أيها الحزن) وشريط (الينبوع) وأشرطة أخرى لهيتشكوك وفاسبندر.
ومع وجود تجارب في التمثيل، تعتبر قليلة، وكذلك كتابة بعض السيناريوهات الكوميدية في بعض المجلات، صار الاقتراب من الفيلم الكوميدي ممكنا، وبالتالي فقد جاء الفيلم الكوميدي الأول متأثرا بعدد من المعطيات، ولاسيما الأفلام الأمريكية.
وهنا لا تبدو الأسئلة التي يجيب عنها المودوفار محصورة في الفيلم الأول أو الثاني إذ نجده يتحدث عن أفلام أخرى بحسب الضرورة ومن ذلك فيلم (كعوب عالية) وخصوصا عندما يتم التطرق إلى المحقق السري الذي يظهر في بعض أفلامه متابعا لجريمة القتل الرئيسية.


صور وأفلام: ـ
من الفيلم الأول الذي صور بكاميرا 8 ملم إلى الفيلم الثاني (متاهة الرعشة) وهو كوميدي، ولكن من نوعية مختلفة.
في حالة (متاهة الرعش) الأشياء تبدو أقل تعقيدا. الوحدة العضوية تجيء من واقع أن البطلين مختلفتان، والقصة بأكملها مختلفة تماما، وهي فانتازية تقريبا، ولكن بعض العناصر فيها تقدم وثيقة عن مدينة مدريد من تلك الحقبة".
ورغم أن بعض الأسئلة التي أوجزها فردريك ستروس قد ذهبت بعيدا في عالم الطفولة ـ نقصد طفولة المخرج ـ إلا أن المودوفار لا يعتبر أفلامه معبرة عن تجربته الذاتية وكثيرا ما نجده يذكر أفلاما كثيرة تأثر بها وصورا مستقاة من الواقع المعاش فى اسبانيا المعاصرة، ومما يذكره المخرج أيضا استفادته من بعض أفلام برايان دى بالما، ولاسيما طريقه إبرازه للأطفال: "أنهم أطفال يعيشون في عالم عنيف وأنا نفسي كنت طفلا مختلفا وغير مفهوم، وأذكر أنني وعيت شخصيتي بشكل مبكر، فعرفت ما أريد ومالا أريد وهذا سمح لي أن أستفيد من الأشياء من دون مضيعة للوقت".
الفصل الثاني من الكتاب يتطرق إلى ثلاثة أفلام هي: في العتمة 1983 ـ ماذا فعلت كي استحق هذا؟ 1984 ـ ماتادور 1985.
وبطريقة السؤال والجواب تتضح أكثر بعض المعالم حول عمليات الإنتاج والإعداد لهذه الأفلام، ففي الفيلم الأول كان هناك اتجاه لكي يكون فيلما مصورا من أجل بطلة الفيلم المقترحة وهى الممثلة (كريستينا باسكوال) ولكن تغيرات طارئة سارت بالإعداد نحو مسارات أخرى، مع المحافظة على نفس الخط الدرامي والذي يميل إلى نقد الاكليركية الدينية في اسبانيا.
وهذا الفيلم أيضا يعود بالصورة الرئيسية إلى فيلم أمريكي آخر وهو (فينوس الشقراء) والذي قامت ببطولته مارلين ويتريش وأخرجه "فون شتيرنبرغ" عام 1922.


تواصل بين الناس: ـ
رغم حضور الاهتمام التقني ولاسيما تصوير اللقطات المقربة فى فيلم (في العتمة) وكذلك إجابات المخرج المتعددة حول استخدامه للملابس وأنواعها وتعددها والوظائف الدالة عليها، إلا أن (القيمة) الرئيسية هي دلالات الدين، كما يظهر في أفلام تالية مثل: قانون الرغبة ـ تعال وأحكم وثاقي) بالإضافة إلى فيلم (في العتمة).
يقول المودوفار: "في كل الأمثلة التي سقتها تعاطيت مع الديني حتى اعكس مشاعر إنسانية خالصة، والذي يهمني ويخطف لبي ويثيرني في الممارسة الدينية وخصوصيتها هو أنها تعطى ذلك التواصل بين الناس، وحتى بين شخصيتين تحبان بعضهما ومن أهم الأسئلة الموجهة إلى المخرج المودوفار ما يتعلق تحديدا بتعامله مع الممثلات، وهى أسئلة تتكرر داخل الكتاب، ولعل أهم ممثلة أسبانية نالت اهتماما خاص من حيث طرح الأسئلة والإجابة عنها، الممثلة "تشوس لامبرايفا" والتي شاركت مع المخرج فى أكثر من فيلم، كما أنها عملت مع مخرجين آخرين مثل (ماركو فيريرى) وإجابة المخرج تدخل ضمن سياق (إدارة الممثل) وهى مسألة يهتم بها المخرج كثيرا.
والحقيقة تبدو الترجمة واضحة المعاني، تصل إلى هدفها من اقصر الطرق ولقد بذل المترجم جهدا كبيرا في نقل الإيضاحات الخاصة بالأسئلة وكذلك الأجوبة، ولكن تبقى بعض الكلمات الأسبانية التي لم تترجم ونعني بذلك أسماء بعض الأشرطة.
يمكننا أن نذكر بعض الأسئلة الدالة على تفاعل النقاش بين المخرج من جهة والمحاور من جهة أخرى:
ـ هناك مشهد قوي في شريط "في العتمة" .. مشهد النمر الذي تعتني به الراهبة، هذا النمر ليس له دور حقيقي في القصة.. يخيل إلي أنه مادة ديكور فقط، وإنك صورته من أجل مظهره القوي فقط؟
ـ في أفلامك الأخرى نكتشف لوحات طبيعية خالصة، ويبدو أنك تنزع إلى أحداث صدمة بصرية، لكننا نكتشف أنها لوحات ترتبط بالدعاية والترويج للفيلم مثل النمر الذي يستخدم في أفيش "في العتمة" ومثل الرجل صاحب الكاسيت في "تعال واحكم وثاقي" ما الذي يجيب عنه استخدام الشخصيات؟
ـ فيلم "ماذا فعلت كي أستحق هذا؟" يعتبر كوميديا مزيفة إلى حد كبير لو قارناه بفيلم "في العتمة" إنك تضحك كثيرا وتشاهده، مع أن كارمن ماورا شخصية تراجيدية.
ـ "ماتادور" هو أغرب فيلم في مجموع أفلامك، بل هو الفيلم الوحيد حسب رأيي من حيث القيمة التي تبدو أقرب إلى الانبهار بالموت، وهي قيمة هنا أهم من الحكاية التي تروى، هل هذا صحيح؟

موجات خارجية:
في هذا يبرز تأثر المخرج بالموجات الخارجية الأمريكية والأوربية في السينما ولاسيما أفلام الموسيقى والكوميديا، بالإضافة إلى أفلام الويسترن والأفلام البوليسية السوداء وكذلك أفلام الموجة الجديدة والواقعية الجديدة الإيطالية ، ولا ينفي المخرج تأثره بذلك بل يعترف بأنه يعيد إخراج بعض المشاهد من أفلام شهيرة لبعث الحياة في أفلامه كما حدث في فيلم "كيكا" وفيلم "نساء على حافة انهيار عصبي".
تتوالى فصول الكتاب.. سؤال وجواب وتقسيم فيلموغرافيا المخرج إلى وحدات أو أقسام، تنفصل وتتحد بحسب التطور الفني وتجدد الأفلام.
في الفصل الثالث يأتي فيلم شهير للمخرج المودوفار وهو قانون الرغبة ولقد تم تخصيص فصل لهذا الفيلم لأنه قد انتج بواسطة شركة أسسها المخرج نفسه مع شقيقه وكانت مغامرة إنتاجية خطيرة ، لأن الأكثرية وقفت ضد هذا الفيلم ولم ترغب في توزيعه أو تمويله، لكن النجاح في النهاية كان هو المحصلة فلقد نجح الفيلم تجاريا وكان بذلك خطوة نحو نجاح اسم المخرج تجاريا.
تذهب الأسئلة نحو الإنتاج والشركة الجديدة والعلاقة مع الأخ أوغسطين ثم تحليل لشخصيات الفيلم وخصوصا فيما يتعلق بمعالجة الشعور الانساني بأن يكون الانسان مرغوبا وهذا يولد طاقة حركية نجدها عند بطل الفيلم وبوضوح شديد يذكر المخرج مشهدا من الفيلم الشهير "صراع تحت الشمس" لمخرجه كينغ غيدور - انتاج 1947.


وحدات رئيسية: ـ
أهم ما يمكن أن يذكر هو العودة دائما إلى الممثل فهو الوحدة الجوهرية التي يركز عليها المخرج، رغم شغفه بالكوميديا وتقديم الأغاني، وفي هذا الفيلم قانون الرغبة يبرز كل من الممثلين : كارمن ماورا وأنطونيو بانديراس ولقد خصص المخرج المودوفار أكثر من صفحة للحديث عن اكتشافه للممثل انطونيو بانديراس والذي انطلق للعالمية بعد ذلك.
وإذا كان هناك من تعليق حول الإجابات الواردة ولاسيما في هذا الفصل فهو يدور حول بعض المبالغات التي يركز عليها المخرج ، ومن ذلك الاهتمام بالصوت ونقصد أصوات الممثلين، ومثل كل الجزئيات الأخرى فإن هناك نوع من الادعاء من قبل المخرج لأنه يبالغ في تصوير نفسه باعتبارها مهتما بكل شيء وهو في هذا يذهب إلى اعتبار المخرج خالق أول، رغم أن الفيلم يقوم على تفاصيل أخرى مهمة ، مثل التصوير والديكور والموسيقى وهي تقنيات ينسبها المخرج إلى نفسه دائما.
في فصل جديد يتم التعرض إلى فيلمين هما: نساء على حافة الانهيار العصبي وفيلم آخر هو تعال واحكم وثاقي، وهما من أفلام الاستوديو وفيما يبدو الأول كوميديا يقترب من (الصوت الانسانى) لكوكنو، يأتي الفيلم الثانى أقرب الى المسرحية، حيث الفضاء الضيق والذى يحكم على الشخصيات بالعزلة.

ثقافات متعددة: ـ
لابد للقارئ أن يلمس أن الجوانب التقنية قد بدأت تتكشف مع اسهامات المخرج المتعددة فى استخدام التصميمات الغرافيكة، والتكوينات البصرية، والاستفادة، من الاغانى بطريقة أفضل، وتعدد استخدام الألوان بكل دلالتها. وهنا يظعهر شكل آخر من أشكال المبالغة لدى المخرج وخصوصا فيما يتعلق بالتركيبة الكونية التى يسبغها على نفسه، فهو يتنقل بين ثقافات العالم مستفيد امنها، ليعود فى بعض الأحيان الى حياته وعلاقته بأمه وبالمنطقة التى عاش فيها (لامانشا).
أما أهم ما يمكن أن يتوسع فيه المخرج من المجالات الفنية، فهى دائرة العمل مع الممثل، إلى الاسباني أولا وأخير، مع الاحتفاظ ببعض الملاحظات المستندة على الأفلام الأمريكية والفرنسية.
في الفصل المعنون باسم (الجانب المعكوس فى الخديعة) يتطرق الحديث عن فيلمين، هما: ـ كعوب عالية 1991 أولا ثم كيكا 1993 ثانيا. ومن خلالهما يدخل المخرج الى عالم المخاوف والرغبات والكوابيس وهو يقول اعتمادا على ذلك: "لقد تملكني الرغبة كثيرا لأن أصور فيلم رعب، ولكنني لا أعرف حتى اللحظة ما اذا كنت سأتمكن منه، فاهتمامي الخاص بهذه الموضوعة يرتبط بأشياء معينة، فسينما الرعب لا تقدم مخاوفنا، بل أكثر الأشياء عتمة فينا، فهذه الأفلام تتعامل مع الجسد الإنساني بوصفة مادة بدائية ولكن من منظور سوريالي بالكامل تقريبا، فالجسد مشوه ومقطع، وهو المنظر الطبيعي للفيلم، حيث يحدث كل شيء فيه تقريبا، وهذا مثير للاهتمام، ذلك أن هذه القيمة مفتوحة بالكامل وبمعنى من المعاني نحو الكوميديا، وهي تعز على بالي بقوة.".
وعند الوصول إلى هذين الفيلمين، يمتد الحديث أو الحوار الثاني ليشمل بعض الأفكار المتعلقة بالمونتاج والتصوير، فيذكر المخرج على سبيل المثال أن الادعاءات لديه تتكرر لاختيار الأفضل ومن زوايا نظر مختلفة، كما أنه يستخدم طريقة المونتاج أثناء التصوير، ومع تكرار الأغاني في الأفلام، فإن أنواع هذه الأغاني وإيقاعاتها والأصوات التي تؤديها تشغل حيزا مهما من الحوار.

جوانب خفية: ـ
لقد شمل الحوار أيضا مبررات الاستعانة بشقيقه وأمه في التمثيل، وإذا كانت اسماء بعض المخرجين قد ذكرت سريعا فإن التوقف الفعلي كان أمام شخصية في حجم المخرج هيتشكوك ولاسيما فيما يتعلق بالعلاقة المتفاعلة مع بطلات الأفلام، وبصورة أفضل كان الوضع أكثر إيجابية مع مخرج آخر وهو الألماني فاسبندر.
الفصل التالي بعنوان "عش في مدريد" ويركز على فيلمين هما: زهرة سرية 1995، ولحم حي 1997.. في الفيلمين خروج إلى الطبيعة حيث يوقظ التصوير الخارجي الكثير من الأسرار الداخلية.
يصل الكتاب إلى خاتمته بفضل خاص حول فيلم "كل شيء عن أمي 1999" من حيث القضايا التي أثارها وكذلك عرضه بمهرجان كان السينمائي وحصوله على جائزة الإخراج وليس غيرها.
وبالطبع نال المودوفار الكثير من الجوائز ومنها أفلام لم يسجلها الكتاب لأنه صدر قبل إنتاج هذه الأفلام الأخيرة، وكما قلنا يثير النقاش الطويل الكثير من التساؤلات والتي تكشف عن جوانب خفية لمجمل إنتاج بيدرو المودوفار، وهذه الجوانب ليس بإمكان النقاد الوصول إليها من خلال التعامل مع الأفلام مباشرة، ولكن رغم ذلك فإن الحاجة إلى الرأي النقدي تبدو مهمة، وخصوصا أن الكتاب يتبنى آراء المخرج بالضرورة، وهو أقرب إلى السيرة الذاتية التي تقربنا من الأفلام، لكنها لا تطمح إلى أكثر من ذلك، فيما يحتاج القارئ إلى وجهة النظر المغايرة لاكتشاف ما هو مختلف.

الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

عبد اللطيف عبد الحميد داخل التغطية وخارجها
















عبد اللطيف عبد الحميد
داخل التغطية وخارجها: -
الاستجابة المتجددة والتأويل المتعدد
عندما عرض شريطه "الأخير" والذي جاء بعنوان "خارج التغطية" أعتبر المخرج عبد اللطيف عبد الحميد على رأس قائمة المخرجين فى سوريا من حيث عدد الأشرطة، وخصوصا بالنسبة لانتاج القطاع العام الرسمي، حيث يبقى المخرج محمد شاهين هو المخرج الأكثر انتاج فى السينما السورية بشكل عام، ولقد جاء ايضا شريط "خارج التغطية 2007" ليشكل إضافة مختلفة لهذا المخرج الذى رأى بعضهم بأنه قد صار يكرر بعض الموضوعات، التي سبق له أن قدمها فى أشرطته المتتالية، وخصوصا فى شريط "ما يطلبه المستمعون" والذي اعتبر من أضعف الأشرطة التى قدمها هذا المخرج.

بدايات أولى:
لقد بدأ المخرج عبد اللطيف عبد الحميد التعامل مع السينما عقب دراسته فى موسكو واخراجه لبعض الافلام القصيرة مثل: "أمنيات – أيدينا". أما ممارسته العملية للافلام الروائية الطويلة، فقد بدأت مع الشريط المعروف "أحلام المدينة" لمخرجه محمد ملص انتاج 1984، وقد باشر العمل مساعدا للاخراج. ثم عمل ممثلا رئيسيا فى شريط "نجوم النهار" لأسامة محمد إنتاج 1987 والذي قام فيه بالدور الرئيسى، ولقد حقق الشريط نجاحا كبيرا، وخصوصا على المستوى الفني والنقدى، وبالطبع كان يمكن أن يستمر عبد اللطيف عبد الحميد ممثلا، ولكنه اختار التوجه نحو الاخراج، وجاءت مجموعة افلامه لتدل على أنه من أهم المخرجين فى سوريا، فهو المخرج الذى يعرفه الجمهور مباشرة وينتظرون أفلامه، وهو نجم باعتباره مخرجا وهذه ظاهرة غير مسبوقة بالنسبة للسينما فى سوريا.
أول أفلام المخرج كان بعنوان "ليالي بن أوى – 1988" وبالفعل يعد هذا الشريط من أفضل أشرطته، حتى أنه فاز بعدة جوائز دولية ومنها الجائزة الذهبية لمهرجان دمشق السيتمائى، جائزة الزيتونة الذهبية بمهرجان بسوريا، وجوائز أخرى لبعض الممثلين، منها جائزة أفضل ممثل لاسعد فضة بمهرجان دمشق السينمائى.
تدور الأحداث في القرية، حيث تعمل العائلة فى الزراعة، ويسيطر الأب على كل شىء بما فى ذلك اخضاع ابنائه، فيعاقب أحد الأبناء بدفنه تحت الأرض، ويهرب آخر للمدينة، ويدخل احد الأبناء الجيش ليموت فى معركة 1967 – حيث النكسة المرتبطة بالقهر وسيطرة الرأى الواحد والانهيار الداخلي قبل الخارجى.

رسائل بعيدة:
في عام 1991 قدم عبد اللطيف عبد الحميد شريطه الثانى وهو بعنوان: "رسائل شفهية" وفاز هذا الشريط بعدة جوائز، منها الجائزة البرونزية فى مهرجان بالانسيا فى اسبانيا، وتدور الاحداث ايضا فى القرية – من خلال استعراض قصة حب يتم التعبير عنها بواسطة رسائل مرسلة من طرف الى آخر بواسطة رسول ووسيط آخر لقد جاء هذا الشريط بنفس النكهة السابقة والتى تقوم على الكوميديا والتلقائية والبساطة والشخصيات الارتجالية، حتى يبدو الشريط، وكأنه لا يقوم على سيناريو، رغم انه ليس كذلك. وسوف تصبح هذه السمة هى التى تميز افلام المخرج القادمة.
في عام 1994 جاء شريط "صعود المطر" وهو أول شريط للمخرج تقع احداثه في مدينة دمشق، ولا شك أن الثنائية "المدينة – القرية" تبقى هي محور أفلام المخرج، وسوف نجد أن الريف قد ارتبط بالعفوية والتلقائية الى درجة الغرابة واحيانا البلاهة، بينما نجد أن المدينة تحوى الكثير من التراكيب اللامعقولة والتعقيد الفكرى والذهنى، ويتمثل ذلك فى شخصية "صباح" الكاتب في "صعود المطر" الذي يعيش حياة كئيبة وتقليدية وفارغة ولا يجد أمامه الا متابعة قصة حب من بعيد، تجعله يشتعل حماسا، حتى أنه يتابع هذه القصة الى نهايتها المأسوية.
لقد بدا هذا الشريط مختلفا، ولقد جاء فى موعده ليعطى تباينا فى مقاربة الواقع الاجتماعى المعقد، مع استمرار فى طرح أسئلة السخرية والغرابة كما هو ظاهر فى العنوان "صعود المطر.. الى أعلى".

نسيم منتشر:
أما أكثر أفلام المخرج شهرة فهو "نسيم الروح" إنتاج عام 1998 ولقد نال الجائزة الفضية لمهرجان دمشق السينمائى، وقصته تدور ايضا فى المدينة، حيث نجد ذلك الشاب الغريب الأطوار بالمقاييس الاعتيادية، والذى يبلغ به الأمر أن يتنازل عن فتاته من أجل شخص آخر وقرر أن ينتحر من أجلها.
إن روح الإيثار هذه، ربما لا توجد فى المدينة، لكنها استوردت من الريف فى محاولة لدمج عالم القرية مع عالم المدينة.
في عام 2001، عاد المخرج الى الريف مرة أخرى، والى شخصياته البسيطة ولاسيما تلك المستمدة من عالم الاطفال والفتيان، وكان شريط "قمران وزيتونة" الفائز بالجائزة الفضية لمهرجان دمشق السينمائى فى نفس العام، وهو انتاج مشترك مع القطاع الخاص فى أول تجربة للمخرج من نوعها.
وفي عام 2003 قدم المخرج شريطا بعنوان "ما يطلبه المستمعون" يعود فيه الى الستينات ولاسيما تأثير برنامج "ما يطلبه المستمعون" على الوقائع والعلاقات بين الأفراد داخل المجتمع.
وإذا كان الشريط السابق "قمران وزيتونة" يتطرق إلى موتيفات مكررة لدى المخرج مثل الأب العاجز مثلا والأم القوية كما فى ليالى ابن أوى، فإن الفيلم ما قبل الأخير أكثر بساطة، واحيانا يبلغ درجة السطحية مما استوجب المجازفة من قبل المخرج بالتوقف الى سنوات، ثم تقديم فيلم مختلف وهو "خارج التغطية 2007".
إن القمرين هما طفلان، يعيشان قسوة الحياة فى المدرسة وفى العيش وبالتالى يهربان الى اختهما زيتونة القريبة منهما، الا انهما يعودان الى الأسرة التى تعيش مأساة الحرمان، فى بيئة صعبة وحياة أكثر صعوبة.

مخرج وسيناريو:
إن شريط "ما يطلبه المستمعون" يعود بالمشاهد الى ايام الاستماع الى المذياع، وفى الأغلب هو المذياع الوحيد الموجود ببيت أبي جمال، حيث تذاع الاغنيات التى يطبها الناس وكل واحد يهدى ما يشاء الى من يشاء، وهو ما ينطبق على الشاب "جمال" الذي يسير إلى الحرب ويسمع الأغنية التى تهديها إليه الفتاة عزيزية.
لا شك أن مثل هذه الافلام تطرح الكثير من الاشكاليات، وهى تقوم على قاعدة التكرار والتوالى، وهو أمر يجعل من افلام المخرج عبد اللطيف عبد الحميد تشبه بعضها كثيرا، لأن المخرج يكتب كل سيناريوهات أشرطته، وبالتالى فإن الموضوعات متداخلة مع السيرة الذاتية وتعبر عنها، ولو كانت هذه الافلام بعيدة عن السيرة، ولذلك يطلق النقاد على أشرطة المخرج بأنها من نوعية "سينما المؤلف" وخصوصا وأن تحليلها والتعامل معها يرتبط كثيرا بما يقدمه المخرج من رأي فى الحوارات التى تجرى معها.
أما آخر أشرطة المخرج، فقد نال الجائزة البرونزية في مهرجان دمشق السينمائى الدولى 2007، وهو شريط يقترب من السياسة ولكن فى حدود معينة، كما ان فكرته تعد جديدة بالنسبة للسينما السورية على الأقل.
إن المخرج يحاول أن يعطى الموضوعات التى يختارها بعد ان يخرج عن نطاق الحوادث ومجرياتها، بل يمكن ان تسمح هذه الموضوعات بالتأويل والاستجابة المتعددة من قبل الجمهور، لذلك كان عبد اللطيف عبد الحميد من أكثر المخرجين الذين تعرض لهم النقد السينمائى كثيرا داخل سوريا وخارجها.
إن ما يميز هذا المخرج هو الاخلاصه للسينما وبحثه الدائم من أجل تقديم الجديد، ولذلك فهو من اكثر المخرجين العاملين بمثابرة داخل السينما السورية، رغم قلة الانتاج نسبيا. ولا شك أن الجانب العملى فى شخصيته قد جعله أكثر المخرجين قدرة على التعامل مع الزمن، والوصول الى النتائج المستهدفة بأقرب الطرق، وشريط "خارج التغطية" هو أكبر دليل على ذلك.

الثلاثى التقليدي:
تتركز أحداث هذا الشريط على الفكرة المعتادة والمألوفة "الثلاثي".. الزوج والزوجة والعشيق ولكن الأمر مختلف نسبيا هذه المرة، فالأصل هو رباعي وليس ثلاثي، ولكن الحركة الفعلية تتوقف على ثلاث شخصيات فقط.
هناك شخصية رئيسية كما في معظم أشرطة عبد اللطيف عبد الحميد، وهذه المرة تتمثل فى "عامر" الذي له أكثر من وجه. انه شخصية متفانية فى اخلاصها لواجبها وبالأخص تجاه عائلة صديقه "زهير" السجين بلا سبب لمدة زادت على عشر سنوات والذي تبذل أسرته عدة مساع لاخراجه من السجن. يساعدها فى الظاهر عامر نفسه لولا أن الأمور تسير بعكس ما يفرضه الواجب.
لقد سارت العلاقة بين عامر وزوجة صديقه الى اتجاه مختلف، ولم تعد مجرد علاقة تفرضها واجبات الصداقة، بل تحولت الى قصة حب، مع احتياج كل منهما الى الآخر.. الزوجة بسبب غياب زوجها لمدة طويلة والفراغ الذى تعيشه، مع ابنتها الصغيرة، وصديق العائلة "عامر" بسبب الحياة الرتيبة التى يعيشها مع زوجته والتى تعنى بالدرجة الأولى مجرد تحقيق المطالب الزوجية واحضار مستلزمات المنزل واحتياجات الاسرة المتعددة. لقد اصابت سهام الرغبة الصورة المثالية فيه.
يسرف الشريط في تصوير الجهد الذى يقوم به عامر من أجل توفير حاجات أسرته واسرة صديقه، فهو يوصل الفتاة الصغيرة ويجمع طوال يومه المال لصرفه على الأسرتين، أنه يعمل رسميا فى محل حلويات، وكذلك سائقا لتأكسى، بالاضافة الى عمل آخر أخذ حيزا واسعا وهو يتمثل فى تعليمه اللغة العربية لأحد اليابانيين فى دروس خاصة.

لحظة ضعف:
هذه المهن جميعا لا نستطيع اعتبارها قد خدمت الشريط، الا من باب اعتبارها جزءا من الجهد الكبير المبذول لأجل توفير الاحتياجات المادية لأسرته وكذلك أسرة صديقه أو أنها مجرد تكبير لصورة عامر من أجل تصغيرها بعد ذلك ان الشخصية التى تبدو نزيهة ومتفانية من أجل الآخرين، تعانى من لحظة ضعف، هى فى جوهرها خيانة، لكن الشريط يقدمها فى شكل مقبول، فهو لا يقسو على شخصياته ويجد العذر لسلوكها.
وهذا الأمر له علاقة بزوجه الصديق وكذلك عامر نفسه الذى يعانى من مشكلات عائلية، جعلها الشريط تستقر عند الزوجة وحدها، باعتبارها طاردة.
والواقع أن الشريط قد أفسح مسارات متعددة وجعل الدراما ممهدة لعلاقة طبيعية بين عامر وزوجة صديقه، فكل ما فى الشريط يدفع الى ذلك، وربما كان المنطلق هو الواجب، لكن النتيجة كانت مختلفة.
كما قلنا فإن الشريط يعتمد على "ثلاثية" مألوفة، غير أن القضية ليس لها علاقة باكتشاف سر العلاقة العاطفية أو الذهاب الى محاولة الانتقام أو الطلاق أو انهيار العائلة، ذلك أن الزوج "زهير" غائب لأسباب سياسية ولم يفعل عامر لصديقه الكثير من أجل اخراجه من السجن، فهو مستفيد من دخوله هذا السجن واستمرار حبسه، أما زوجة عامر فهى تعمل على اخراج زهير لأنها تريد اعادة زوجها الى بيتها وحدها. بعد أن صار بحكم الواجب الاخلاقى صاحب منزلين وأسرتين، ولها شكوك تتفاقم كل يوم.
خروج ودخول: -
ليس هناك رابط مباشر بين خروج زهير وانتهاء علاقة الخيانة التى عرضها الشريط، فهى علاقة يمكن أن تستمر بشكل أو بآخر، لكن الشريط يعتمد على تعرية الوجه الآخر لشخصيته الرئيسية، لذلك نراها تتحرك بسرعة للايقاع بالصديق السجين، وتتصل بالجهات الأمنية للوشابة به، حتى تطول فترة سجنه الى سنوات أكثر، ورغم ام الوشائة قد تمت، غير أنها لم تتحقق أهدافها، بسبب التوصية الرسمية بانهاء مدة الحبس وكذلك بسبب عجز عامر عن حبك أى قصة مقنعة ضد صديقه اللدود، وهو أمر جعله شخصية متراجعة، متصالحة مع نفسه فى النهاية يقبل بالأمر الواقع ويعود حسبما هو ظاهر الى حالة الصداقة السابقة رغم انه من المستحيل العودة اليها.
هناك فى الشريط تفاصيل كثيرة. عبرت عنها مشاهد بناء العلاقة المتدرجة بين زوجة الصديق وعامر، حتى نهايتها جسديا، كما أن هناك مشاهد أخرى مكملة، أغلبها جاء بحكم عمل عامر سائقا لسيارة أجره، تتوفر فيه معانى الاخلاق والتى يجعله ليحمل الزبائن بدون دفع أجرة احيانا انه يقوم بحمل زبون عاجز من مكان الى آخر. كما انه ينقل امرأة مطلقة الى حلب فى وقت لا يسمح بذلك.
وبهذا تكون الشخصية شبه مثالية، إلا من لحظة الضعف الوحيدة التى تتغلب فيها الرغبة على الواجب.

ليل نهار:
احتوى الشريط على فضاء مدينة دمشق ولاسيما فى الليل وظهرت اللقطات الخارجية افضل من اللقطات الداخلية، أما المؤثرات الموسيقية فقد كانت موزعة على أجزاء الشريط ولا تملك وحده موسيقية موحدة. وخصوصا الموسيقى التى لم يقع الاهتمام بها كثيرا ولم تلفت الانتباه، فهى مجرد مختارات بعيدة عن التناسق.
الأمر نفسه ينطبق على عنصر التمثيل والذى كان متوسطا بشكل عام، ولم يبرز الممثل الرئيسي "فايز قزف" في دور عامر والذى كان متسرعا فى الأداء وحركته سريعة ومتوثرة لا تتناسب مع نوعية الشخصية التى يؤديها.
هناك شيء من الكوميديا تسرب إلى الشريط، من خلال ما يقوم به عامر من أعمال، يسجلها على جسمه حتى لا ينساها، وكذلك بعض السخرية التى نجدها احيانا عندما يتم الاعداد لزيارة السجين زهير ولكن فى اللحظات الاخيرة تلغى الزيارة العائلية.
هناك شخصية الياباني الذي يحاول الحديث بالعربية عن طريق دروس مدفوعة يعطيها عامر نفسه، وهذه الشخصية لها جوانب كوميدية مباشرة، وليس لها تأثير فعلى على محيط الشريط وقصته.
وبالطبع لابد أن ينصرف الحديث الى العنوان: خارج التغطية والذى يوحى بتعبيرات تقنية مرتبطة بالعصر، وبالفعل يشكل "الموبايل" عنصرا مهما داخل الشريط، فمعظم الحوارات تتم عن طريق الموبايل، بل إن الحكم على سلوك الأفراد أنفسهم يعتمد على الانصال بواسطة هذا الجهاز، وسوف نجد أن العشيقة لا تتواصل بالموبايل لأن لها بديل واضح وهو العلاقة الفعلية المفعمة بالحياة مع عامر والتى لا تريدها أن تتوقف. أما الزوجة نفسها فهى لا تتواصل الا بهذه الكيفية، أن تكون داخل التغطية وهو أمر قليل الحدوث، ونهاية الفيلم تقودنا الى انعدام التواصل المباشر مع عامر، ليس مع زوجته ولكن مع المرأة الأخرى، حتى لو كانا سويا داخل التغطية.

الخميس، 9 أكتوبر 2008

ذكريات سيرجيو ليوني الشاحبة












خيوط من الخيال والأوهام والأحلام
بحكم نوعية الأشرطة التى قدمها، هناك عدد من النقاد والباحثين فى مجال السينما من لا يعتبر المخرج الايطالي "سيرجيو ليوني" أحد المخرجين اللامعين الكبار، ممن تشملهم قائمة المخرجين الأفضل فى تاريخ السينما العالمية.
والحقيقة أن هذا التصور قد أوجده عدد من النقاد السينمائيين الأمريكيين، الذين لم ينظروا بعين الرضى الى طريقة تقديم أشرطة الغرب أو ما يعرف بأشرطة "الكاوبوى" وهى الطريقة الأوروبية التى راهن عليها المخرج وجعلها أسلوبا متميزا يتصف به، بينما اعتبر على مستوى القبول الجماهيري مهما ليس فى أوروبا وحدها ولكن فى امريكا ايضا.
لم يكن "ليوني" غريبا عن فن السينما، فقد كان والده مخرجا وممثلا أيام السينما الصامتة، أما أمه فهى ممثلة ايضا. ولم يتمكن الأب "فينسيزو ليونى" من العمل فى الفترة الحكم الفاشي فى اطاليا، ولقد انجز فقط ثلاثة أشرطة من 1939 الى 1945.

عمل مختلف:
ولد سيرجيو ليوني عام 1921 بروما بايطاليا وكان يأمل أن يعمل مثل والده فى مجال السينما، لكن الأب لم يشجع ابنه على ذلك ولذلك درس الأبن القانون، قبل أن يعمل مساعدا خامسا للمخرج (دي سيكا) فى شريطه المعروف (سارق الدراجة – 1948)، كما أنه ظهر فى هذا الشريط فى لقطة خاطفة يتيمة.
أول الأشرطة كان بعنوان (رمز المصارع) وهو يروي قصة مصارع رومانى يضع نفسه فى اسر ملكة سورية لكي يكسب ثقتها، وقد قامت بدور الملكة (انيتا أكبرج) أما دور المصارع فقد قام به الممثل (جورجيس مارشال)، ولقد قام ليونى بكتابة سيناريو الشريط، وأخرجه (فيتوريو جلورى) عام 1959، بينما كان شريطه الأول مخرجا بعنوان (تاكسى يا سيدى) وربما كان شريطا قصيرا، وكل ذلك كان طبيعيا بفضل تجربة العمل فى (استوديو سينستا) بروما فى حوالي (50 شريطا) من بينها بعض اشرطة هوليوود المصورة فى الاستوديو، ومن ذلك شريط (بن هور 1959) لمخرجه ويليام وايلر وشريطه (هيلين ملكه طروادة) لمخرجه روبرت ويلز 1955 وشريط (قصة راهبة – 1959) لمخرجه الفريد زينامان.
فى عام 1959 انجز (سيرجو ليوني) أول أفلامه، وكان بعنوان: (آخر أيام بومباى)، لكنه لم يكن مخرجا بل كان مساعدا أول للمخرج ماريو بونارد، وكان نجاح الفيلم تجاريا سببا فى قدوم فرص جديدة للعمل.
فى عام 1960 اخرج المخرج أول افلامه فعليا، وكان بعنوان (تمثال رودس) ولقد كتب له السيناريو ايضا، وجاء الفيلم من نوعية الأشرطة الضخمة ولقد برع (سيرجيو ليونى) فى مشاهد المعارك وفى ابراز حجم التمثال الكبير، لكنه لم يكن موفقا فى اختيار بطل الفيلم الذى اضطر لصبغ وجهه ويديه لكي يظهر فى شكل عبد رقيق يقوم بالتمرد ضد قادة رودس القديمة وهذا الفيلم من نوع الأشرطة التاريخية الايطالية التى نالت شهرة واسعة عالميا، ولقد عمل فيها أكثر المخرجين فى ايطاليا.

انحسار سينمائى:
فى عام 1963 انخفض عدد المشاهدين وحدث شبه انهيار لصناعة السينما فى ايطاليا وفى امريكا ايضا، حيث لم يعد الاقبال كبيرا على الأشرطة التاريخية الكبيرة مثل (كليوباترا – 1961) والذى فشل فى عروضه الأولى انذاك. ولهذا صار هناك توجه نحو البحث عن البدائل الجديدة، وحين عرض الشريط اليابانى (يوجمبو) عام 1961 لمخرجه (أكير كيروساوا) كان أقرب الى افلام الغرب الأمريكى، ولكن على الطريقة اليابانية، وحقق الشريط نجاحا فى ايطاليا وأوروبا، فاستفاد ليونى من ذلك لعمل أفلام الغرب على الطريقة الاوروبية الايطالية، ومن هنا جاء تعبير (أفلام السباغيتي).
ولابد من الاشارة هنا الى أن هناك تجربة سابقة فى انتاج هذه النوعية من الأفلام، وكانت فى المانيا فى البداية، وقد اعتمدت على قصص شعبية لكاتبها (كارل مايا) عرفت باسم (قصص الوينتو) ومن ذلك شريط (كنز البحيرة الفضية) وأيضا هناك افلام ظهرت فى اسبانيا ومنها شريط (المسدس يعترض) 1964 لمخرجه (ماريو كايانو) والذى صور فى نفس الوقت مع شريط (بيونى) المعروف (من أجل حفنة من الدولارات).
ولكن المسألة هنا تختلف قليلا، فالأشرطة الأوروبية السابقة، كانت تسعى لتقليد أفلام الكاوبوى الأمريكية التقليدية، بينما ذهب ليوني بعيدا عن ذلك، ناحية الصورة مثلا يبدأ فليمه الأول بافتتاحية هى عبارة عن كتلة صغيرة من البياض على واجهة الشاشة الحمراء المليئة بالدماء، وتتسع هذه الدائرة بالتدريج، انها رؤية لافلام الغرب، فيها جوانب اخلاقية خفية ولكن المزاج الفني مختلف، وكذلك العقدة وخطوط القصة الرئيسية والفرعية. ولابد من الاشارة الى ان (ليونى) قد أضاف إلى نوعية أفلام الغرب الأمريكية تطورا واضحا متميزا وخصوصا فى الشكل.

سلوك غامض:
كما نعلم، من كلاسيكيات الأشرطة، فإن الابطال هم عادة يظهرون فى صورة حسنة، وكذلك الاشرار منهم، حتى أن القبعة البيضاء ارتبطت بالرجل الطيب والقبعة السوداء ارتبطت بالرجل الشرير، هذا ما يحدث فى أفلام الكاوبوى ولكن عند (ليوني) اختلفت الصورة. أن ابطال الغرب واقعيون أكثر، بل هم شخصيات مركبة، وكأنها ذئاب معزولة، لا يحلقون وجوههم ابدا وعليهم كتل من الأوساخ، يمكن أن تشعر المشاهد بروائح خفية. كما ان الشخصيات غامضة فى سلوكها، تظهر عواطفها الايجابية احيانا، لكنها فى الأغلب قاسية الطبع وسيئة السلوك، وهذا الرسم المختلف للملامح كان له الأثر الواضح على انتاجات الأفلام فى مرحلة ما بعد (ليوني).
والغريب أن هذا المخرج لم يشاهد الغرب الأمريكي ولا يجيد اللغة الانجليزية ولكنه تأثر بأفلام الغرب منذ صغره ثم قرأ الكثير بعد ذلك.
هكذا كان الأمر فى الفيلم الأول (قبضة من الدولارات) بموسيقى مختلفة صارت جزءا من الفيلم الايطالي (اينيو موركونى) وهو الذى عمل معه فى أشرطته التالية وكان نجاح األفلام من نجاح الموسيقى.
وبخلاف أشرطة الكاوبوي التقليدية، فإن الموسيقى فى افلام (سيرجيو ليونى) الثلاثة الأولى قد اندمجت مع المؤثرات الصونية، مثل أصوات الرصاص والمدافع، والغناء والصفير والضربات، وكل ذلك شكل فى موسيقى (موركوني) متخيلا صوتيا ممنوعا، بدا اقرب الى محاولة صناعة ايقونات صوتية مزخرفة نموذجية الاختيار.
لقد عرفت أفلام (ليوني) الثلاثة الأولى باسم ثلاثية الدولارات، وقد جاءت على التوالى: -
1 – قبضة من الدلارات 1964 .
2 – من أجل قليل من الدولارات فأكثر 1965.
3 – الطيب والشرير والقبيح 1966.
ولقد اختار لها ممثلا اشتهر فى التلفزيون وهو (كلينت ايستوود) ليكون نموذجا للرجل الصامت القاسي الملامح الذي لا اسم له، وقد وجد ليكون فى خدمة بعض الاشخاص الابرياء دائما، ولقد أجمع النقاد على ان الفيلم الأفضل هو الأخير (الطيب والشرير والقبيح) وأن الاسم المناسب لهذه الثلاثية هو (ثلاثية رجل بلا اسم).

أفلام الغرب:
من الطبيعى ان تكون هذه الأفلام قريبة من أفلام الغرب، وخصوصا عندما تظهر تلك المشاهد المعروفة لرجل الكاوبوى وهو يتنقل وحيدا بين المرتفعات والهضاب، غير أن الصورة التى نقلها ليوني كانت مختلفة قليلا بالتركيز على حرارة المكان وغرابة الجغرافيا وإضفاء مزيد العزلة على ابطاله.
ورغم ان الشخصيات قريبة من الواقع، إلا أن المشاهد البانورامية فى أفلام ليوني ذات طابع غير واقعى، ويمكن اعتبارها سوريالية، وربما كان ذلك لأن مواقع التصوير الأولى التى اعتمد عليها كانت هى مخلفات لفيلم اسبانى ترجع احداثه الى 1930، مما يرجع اعتماد المشاهد على دلالات بعض اللوحات السوريالية للرسام الاسبانى سيلفادور دالى.
قد يكون هذا الراى الذى ساقه بعض النقاد فيه بعض المبالغة، ولكن لا يمكننا اغفال اعتبار تلك اللوحات الخلفية لمعظم افلام (ليونى) وكأنها كوابيس ليلية مرعبة. وربما عاد الأمر الى طريقة التصوير ايضا، ولاسيما فى فيلم (الطيب والقبيح والشرير) الذى ينزع نحو اللاواقعية فى التصوير بفضل مدير التصوير (تونينو ديلي). بينما اختلف الأمر قليلا فى الفيلمين الأولين بسبب وجود مدير التصوير (ماسيمو ديلمانو).
لا شك أيضا بأن غرابة سلوك الشخصيات، كان له الدور المهم فى جذب الجمهور، انها شخصيات متمرغة فى الأرض، تضحك بنزق احيانا، أغلبها ملتحية ولهانزعة سادية. واذا كان الاعتماد جزئيا على بعض الممثلين الايطالييين، فإن البطولة قد ذهبت لممثل فى حجم كلينيت ايستوود والذي صار نجما بعد ظهوره فى الثلاثية. كذلك استفاد المخرج من الممثل الامريكى (لي فان كليف) وصنع منه نجما ايضا، فى عدد من افلام الويسترن الايطالية.
ورغم كل ذلك، فإن نجاح الثلاثية لم يكن كبيرا فى امريكا – بعكس اوروبا، والسبب يرجع الى الأسلوب الذى اتبعه المخرج فى عدم التركيز على الحكاية والاعتماد على تصرفات الممثل الغريبة وكذلك اختيار اللقطات المتميزة والتى تتكرر فى معظم افلامهز


حكاية مفتوحة:
لكن ذلك لم يمنع شركة (بارامونت الامريكية) من دعوته لاخراج فيلم جديد لها وهو (حدث ذات مرة فى الغرب)، حيث الميزانية الكبيرة، وكذلك وجود عدد من الممثلين النجوم، ومن هؤلاء الذين استعان بهم (هنرى فوندا وتشارلز برنسون وكلوديا كاردينالي الايطالية التى تعمل بين امريكا وايطاليا. ولقد كتب قصة الفيلم بالمشاركة المخرج بيرتولوتشى وكتب السيناريو رفيق المخرج (سيرجيو دوانتي)، ولم ينجح الفيلم تجاريا فى امريكا، وربما كان السبب يعود الى مونتاج التسخة الأمريكية الذى تسيطر عليه الشركة المنتجة، بينما نجح الفيلم فى اوروبا، واعتبر ايضا من الأفلام المهمة بالنسبة لطلبة الكليات والمعاهد المتخصصة.
لقذ ذهب هذا الفيلم (انتاج 1968) بعيدا نحو الميثولوجيا فى تصوير شخصيات الغرب الامريكي باعتبارها نماذج بعيدة عن التاريخ والواقع. ومرة أخرى نجح المخرج فى ابراز مفهوم الايقونات الغربية وهو أمر اعتبره بعض النقاد قريبا للفن الحديث - وربما ايضا فنون ما بعد الحداثة، كما اوضح ذلك الناقد (فريدرك جامسون) فى كتابه حول هذا الفليم، والأهم أن النظرة الخارجية لصورة امريكا عند المخرج (ليوني) ظلت بسيطة من الناحية الفكرية وهذا ما عكس تعويضا على مستوى التعامل مع تفاصيل الصورة، وقد جاء على ذلك من خلال صورة الحلم بالافلام فى طفولة المخرج، عندما كانت صورة هوليوود هي المسيطرة، فيما يعرف باسم اللاوعي الطفولي لم تكن هوليوود إلا حلما، أبطاله بعض النجوم الذين تأثر بهم المخرج مثل غاري كوبر وإيرول فلين.
ومما يقوله ليوني في هذا الصدد بأنه كان ينظر إلى أمريكا وفي طفولته باعتبارها حالة متخيلة ومثالا أعلى، ثم صارت بالنسبة إليه مجرد واقع بعد أن دخل الأمريكان إلى إيطاليا بالعساكر والسيارات، وهم أقرب إلى المخادعين أو هم أبناء الأرض المادية الأقرب إلى المتعة والأغراض الدنيوية.
وهذا التباين بين النظرة الحالمة والنظرة الواقعية الحقيقية عكس مفهوم تصورات ليوني السينمائية في أفلام الغرب.

صورة متخيلة:
إن أمريكا هي صورة لكل من عرف أمريكا من خلال السينما ولم يعرفها عن قرب، وهي نظرة جيل من المخرجين في أوربا، حيث نلمس التناقض بين أمريكا الحلم كما جاءت في السينما مثلا ، وأمريكا الواقع في السياسة الخارجية، وبالتالي لا يمكننا القول بأن المخرج يحب هذا الغرب أو ينظر إليه بإعجاب كبير، ولهذا يعمل على تفريغه من محتواه الواقعي ليجعله اسطورة، إنه يفرغ أمريكا من واقعها ليجعلها أسطورة وبالتالي يحقق المعادلة المفقودة في داخله، كما أن يحاول تقطيرها للعودة بها إلى عناصرها الأساسية كما يتحول الغرب إلى فضاء له جاذبية خاصة، يعتمد على مهارات الأفراد ليس كما تصوره هوليوود في نهاية بطولية للرجل الأبيض، بل للوصول إلى قلب الرأسمالية الأسود، وإزالة ما يمكن تسميته بالزخرفة اللامعة التي تعتمد على فكرة العدل والحرية والحضارة.
من جانب آخر لا تدعي النماذج التي قدمها ليوني بأن لها رسالة كما حدث في الكثير من الأشرطة الغربية الأمريكية، وهي ليست نموذجية بل هي تعبر عن الطاقة الفردية المتحررة وربما المتوحشة، وهي أخلاقيا تتصف بالبرود، ربما لأنها لا ترتدي القشور الحضارية التي تدعيها.
لقد استمر ليوني في إنتاج الأفلام ومن ذلك فيلم للمخرج تونيني فاليري بعنوان ليس عندي اسم – 1973 وأفلام أخرى مثل الساذج والشركاء – 1975، وفيلم القطة – 1977، وفيلم اللعبة – 1979، وكذلك المرح جميل -1980، وفيلم بعنوان الأبيض والأحمر والأخضر – 1981، وفيلم بعنوان العظيم – 1986، كما أنه أخرج حلقات تلفزيونية تجارية لقنوات مرئية أوربية.
أما بالنسبة للإخراج فقد قدم عام 1972 شريطا بعنوان الوضيع وقد عرض أيضا بعنوان قبضة من الديناميت وهو يتطرق إلى ما كان يعرف باسم الثورة المكسيكية من خلال صراع بين ثائر مكسيكي وهو شان مالروي وقام بدوره جيمس كوبون في مواجهة لص وهو خوان ميراندا وقد قام بدوره رود ستايغر ورغم معالجة الفيلم لموضوع الثورة إلا أنه ليس فيلما سياسيا ولا يعكس وجهة نظر يسارية أو يمينية، رغم أن القضية السياسية كانت مطروحة في الأشرطة الإيطالية، من خلال الأشرطة السياسية أو قبل ذلك في الواقعية الإطالية.
وبهذا يمكن اعتبار المخرج خارج السرب رغم اهتماماته الفكرية ومشاغله الثقافية المتعددة ونقصد السرب الإيطالي من المخرجين اللامعين.
آخر أفلام المخرج جاء بعنوان حدث ذات مرة في أمريكا، وهو شريط يقترب من أشرطة المخرج السابقة، ويعتمد على رواية بعنوان القلنسوة، لكاتبها هاري غراي وتتطرق إلى مرحلة الصراع الدامي بين العصابات في عقد من السنوات 1920 – 1930، كما أنها تتطرق إلى أثر العنف والجشع في تداخل المعاني والمفاهيم بين الصداقة وعلاقات التفاعل الاجتماعي بين الأجناس وكل ذلك يحدث في تداخل مراحل تطور الغرب الأمريكي.
لقد كانت هناك نسخة طويلة للمخرج، عرضت في أوربا ونسخة أخرى مختلفة أمريكية لشركة الإنتاج "قصيرة" عرضت في أمريكا والاختلاف بين النسختين كبير فإحداهما تنسب إلى المنتج والأخرى إلى المخرج.
ويعد هذا الفيلم من أقوى الأفلام، رغم نزعته إلى الغموض وتخلى ليوني فيه عن قصص الغرب الفعلية التقليدية.
لقد قام بالدور الرئيسي في الفيلم روبرت دي نيرو وهو الممثل الذي كان يتمنى أن يعمل معه منذ البداية، ولكن الظروف جاءت بممثل آخر كان ناجحا وهو كلينت إيستوود، والذي كان امتنانه كبيرا للمخرج سيرجيو ليوني حتى أنه أهدى إليه فيلمه الشهير "اللامتسامح" والذي فاز عنه بأوسكار أفضل مخرج عام 1992.
الجانب الآخر أن عددا من المخرجين قد صرحوا بتأثرهم بهذا المخرج ومنهم سام بكنباه، جون ميليوس، كونتين ثارانتينو، مارتن سكورسيزي، يحدث كل ذلك رغم قلة الأفلام التي أخرجها.
في عام 1929 ولد سيرجيو ليوني وفي عام 1989 توفي بسبب أزمة قلبية حادة، وخلال فترة الستين عاما التي عاشها كانت أقدامه خارج إيطاليا، فهو من المخرجين الذين يتعاملون مع السينما باعتبارها الفن الشامل المعلق بخيوط من الخيال والأوهام والأحلام وفوق كل ذلك سينما تستمد جمالياتها من داخلها وتبحث عن المغاير لتحتمي به من هجمات الطفولة وذكرياتها الشاحبة.

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

مايكل مان.. المخرج ذو الوجوه المتعددة








اتجاهات ومدارس سينمائية: -

مايكل مان.. المخرج ذو الوجوه المتعددة

المخرج مايكل مان هو أحد المخرجين الذين صنعوا أفلاما قليلة طوال رحلتهم السينمائية، ومازال هذا المخرج قليل الإنتاج الى هذه اللحظة لكن نجاحه تجاوز الإخراج الى كتابة السيناريو والإنتاج وكذلك تقديم المسلسلات المرئية الناجحة.

ولد "مايكل مان" فى شيكاغو عام 1943 من اب مهاجر روسى استقر فى امريكا عاملا فى مجال بيع الخضروات والفواكه. أما الأم فهى أمريكية ومن أسرة متواضعة اقتصاديا، ورغم ذلك فإن الابن مايكل قد اختار أن يعمل فى الموسيقى منذ البداية ومع تخصصه فى اللغة الانجليزية إلا اهتماماته امتدت الى مجالات أرحب شملت التاريخ والفلسفة والنحت، وهو أمر انعكس على أفلامه بعد ذلك، من حيث تكريسه لمبدأ الجدية وطرح الموضوعات المختارة بوعى وتقنية عالية.

ومثل كل مخرج، فقد كان هناك دائما فيلم أول له التأثير الكبير عليه وكان هذا الفيلم هو (لستانلى كوبريك) الشهير بعنوان "دسترانجلان" أو "كيف أتوقف عن القلق وأحب القنبلة – 1964".

درس مايكل مان السينما فى المعهد الدولى للفيلم بلندن، ثم عمل بعد ذلك فى مجال الإعلانات التجارية وبصحبة جيل من المخرجين ومنهم ريدلي سكوت والآن باركار وادريان لين.

أول أفلام:

فى عام 1971 عاد المخرج الى امريكا واخرج فيلما تسجيليا بعنوان (17 يوما تحت الخط)، ثم عمل بالتلفزيون وكتب وأخرج عدة حلقات من مسلسلات مختلفة، الى ان جاء فيلم المخرج الأول والذى أعد فى البداية خصيصا للتلفزيون، وهو (أميال جريكو) عام 1979 وقد فاز الفيلم بجائزة الإخراج وأفضل فيلم فى جوائز (اويمى) الشهيرة.

ومن الأعمال المرئية، الشهيرة التى عمل فيها منتجا منفذ (شرطة ميامى – قصة شرطي) ومن الطبيعى ان يكون له تأثير فنى واضح من الناحية الفنية على هذه الانتاجات، رغم انه فى بداياته الأولى.

نجح الفيلم الأول (أميال جريكو) وخصوصا وأن موضوعه يقترب من عالم السجناء، حيث يأمل سجين لمدى الحياة فى المشاركة بسباق الاولمبياد ويحول السجن الى مكان للتدريب.

ومن مميزات الفيلم الجانب الواقعى المسيطر عليه. كما بدت المزاوجة واضحة بين الاتجاهين الاوربى والامريكى فى الإخراج، وكذلك غلبة الأسلوب التسجيلي وحضوره على الجو العام للفيلم.

نجاح واسع:

فى الفيلم الثانى للمخرج كان النجاح أوسع، وقد جاء الفيلم بعنوان (اللص) أنتج 1981. وهو أول فيلم سينمائى للمخرج، اعتمد فيه على كتاب لفرانك هومير بعنوان (غزاة البيت).

ربما كان الفيلم قريبا من الأفلام السوداء، ولكنه لا يخلو من انتقاد جماعى للطبيعة الفردية. من خلال التركيز على شخصية اللص (المعزول) (فرانك) والذى قام بدوره الممثل (جيمس كان)، عندما يخرج من السجن عازما على عدم العودة إليه، ولكن هناك من يدعوه للقيام بعملية أخيرة يكسب منها مالا وفيرا يساعده على العيش بهدوء بعد أن خرج من السجن، وتكون النتيجة فقدان فرانك لكل أخلاقه القبض عليه، ولقد أعادت السينما الأمريكية على وجه التحديد هذا الموضوع مرات عديدة، وبطرق مختلفة، ولكن يبقى فيلم مايكل مان من أهم الأفلام المتميزة فى استمرار لنهجه الواقعى، حاول مايكل مان أن يقدم فيلما قريبا لفيلمه "السابق" واختار بعد قراءات عديدة رواية بعنوان (الحارس) وهى أقرب الى روايات الرعب المتخيلة بما تحتوى عليه من هلوسة وكوابيس مرتبطة بالحرب العالمية الثانية، من خلال قصة ويحرص عدد من النزلاء فى قلعة برومانيا هاجمتها القوات الألمانية.

هذا الفيلم الغرائيبي لم يحقق النجاح المتوقع، رغم وجود وعدم من (الممثلين الجيدين مثل (أيان ماكلين وسكوت غلين وجيركين بروغونف والطبع ينسب كلا الفيلمين الى المخرج لأنه أيضا كاتب للسيناريو.

أنتج الفيلم السابق عام 1983 ولقد عمل المخرج بالإنتاج لسنوات معينة ثم اخرج فى عام 1986 فيلما بعنوان (الراجل الصياد) وهو مقتبس عن رواية بعنوان (التنين الأحمر) لتوماس هاريس، وهى تتعرض لقاتل يرتكب سلسلة من الجرائم وهو (هانيبال) بينما يحاول العميل السرى باترسون الكشف عنها ومعرفة هذا القاتل الذى يملك قدرات خاصة نفسية وعقلية. ولقد اعيد هذا الفيلم بعنوان آخر وهو (صمت الحملان، والقاتل فى الفيلمين يتراوح بين شخصين الأول هو هانيبال والثانى هو (بافالوبيل).

أسطورة ولكن: -

ان الفيلم يحتوى على أكثر من مجرد الشكل الظاهرى للقصة، ولكن النجاح الذى أصاب الشريط الثانى كان كبيرا (1991) والشهرة التى نالها المخرج الثانى (جوانان ديمى) كانت أوسع، والسبب يعود الى تركيز الفيلم الثانى على النزعة الوحشية داخل الإنسان بما تحتوي عليه من قدرات خارقة. أما فيلم مايكل مان فهو فيلم يتحسس الجانب الواقعى الاجتماعى ويبتعد عن الأسطورة فى إطارها البدائى.

كان أشهر الممثلين الذين اختارهم المخرج للعب الأدوار الرئيسية، وليام باترسون وكيم قريست ولعب دور "الدكتور" بريان فوكس، ومما تناوله النقاد فى هذا الفيلم التجاوز فى استخدام الألوان ونوعية اللقطات والزوايا المتعددة، حتى اعتبر فيلم (الرجل الصياد) من الأفلام الكبيرة من الناحية التقنية وأعطيت له أحيانا تفسيرات سياسية متباعدة القراءة، بل هناك من قارنه بالفيلم الشهير تلصص توم (إنتاج 1960 لمخرجه (مايكل باول).

لم يحقق الفيلم نجاحا واضحا فى دور العرض، ولم ينجح أيضا عندما بث مرئيا، والفيلم يعبر عن حاجة المخرج للإنتاج التلفزيونى وتداخل السينما مع التلفزيون. ومن جانب آخر كان هناك استعداد دائم لفيلم كبير، وكان هذه المرة بعنوان (آخر أيام الموهيكان) إنتاج عام 1992. ويعد هذا الفيلم من أشهر الأفلام الناجحة الذى يجمع بين المغامرة والتاريخ والدراما، وكان البداية الحقيقية للمثل (دينيس دى لويس).

استفاد المخرج من فيلم بكرة صغيرة عيار 6/فم أنجز عام 1936 للمخرج "جورج ساتيز" معتمدا على رواية لجيمس فينمور كوبر، ومع إعادة كتابه السيناريو بمشاركة مايكل مان أنتج الفيلم الجديد وحقق نجاحا كبيرا ونال اوسكار الصوت لعدد من التقنيين.

ترجع أحداث الفيلم الى عام 1757 عندما كان يتواجد فى امريكا الانجليز وكذلك الفرنسيون، ومع وجود آخر القبائل الهندية (الموهيكان) ومنها البطل الاسطورى (هوكاى).

هناك أيضا قصة حب بين ابنة الضابط الانجليزي (كورا) والتى قامت بدورها (مادلين ستو) وعملية الإنقاذ والصراع الدائر لمحاولة البقاء على قيد الحياة لبواقى القبائل الهندية، ولعل بعض النقاد وقد أشار الى إمكانية اعتبار هذا الفيلم من الملاحم التاريخية القريبة لأفلام سيسيل دي ميل، بل وقرن أيضا بالفيلم الشهير الذى تدور أحداثه فى نفس الإطار وهو (الحبل الأسود) 1991 لمخرجه بروس بيرسفورد، تفوق الفيلم بوضوح شديد.

يحتوى الفيلم على مشاهد بانورامية تظهر الطبيعة المتميزة للبيئة فى تلك العقود والبدايات الأولى لاستخدام الرصاص من قبل الجيش الانجليزى ضد أصحاب النبال والأسهم والأدوات الحربية التقليدية رغم تصنيفه بأنه فيلم مغامرات بامتياز إلا أنه قد احتوى على ما هو أكثر من ذلك، ولاسيما فى مجال إبراز التقاليد الهندية والملابس والعبارات فى مواجهة نهائية مع متغيرات الحضارة الحديثة.

حرارة ساخنة: -

فى عام 1995 ياتى الفيلم الشهير للمخرج، وهو (حرارة)، ومثل العادة، فإن مايكل مان يجرى الكثير من اللقاءات والحوارات مع عدد من المجرمين والسجناء قبل كتابة السيناريو، كما أنه يتعرف على موضوعات أفلامه بالقرب أكثر من الشخصيات، ولقد حدث هذا فى أفلام سابقة وفى هذا الفيلم (حرارة) فإن المعايشة هى أكثر من السابق.

وجاءت النتيجة ايجابية، حيث أعتبر من أهم الأفلام الكلاسيكية الأمريكية تعتمد القصة على الصراع بين الطرفين المتقابلين، اللص ورجل البوليس الأول (ماكلوى) روبرت دى نيرو والثانى (هانا) آل باشينو.

ومثل العادة يصل الصراع الى أوجه بسبب ذكاء وألمعية الأطراف المتصارعة غير أن (حرارة) يتعمق فى الوقائع والتفاصيل، وكأنه قد أعتمد على رواية أدبية، رغم ليس كذلك.

ان المواجهة بين الطرفين المتصارعين تكشف عن حاجة كل منهما للآخر لكي يضمن كل طرف أن يستمر فى عمله، ويحقق النجاح المطلوب، وبالتالى فإن الانتصار الأخير مؤجل بسبب هذه الحاجة، فالعداوة الظاهرة تبدو شكلية لأن الحاجة ملحة الى الخصم لتأكيد الذات، وهى حاجة تزيد عن الحاجة الى صديق أو شريك، ومن جانب آخر تعمل الزوجة على إيقاف روح المغامرة لكل الإطراف، لكن هذه المغامرة مستمرة الى النهاية.

بالإضافة الى الممثلين السابقين هناك أيضا (فال كليمر – جون فوت – أشلي جود – هامك ازاريا). والتمثيل فى هذا الفيلم عنصر نجاح مهم.

غلة جديدة: -

مع آل باشينو كانت النقلة التالية، وكان الفيلم بعنوان (العارف) عام 1999، وبطولة الممثل (رسل كرو) ومع الاعتماد على مقال للكاتبة (مارى برينر) بعنوان: الرجل الذى يعرف كثيرا. ولم يختلف هذا الفيلم عن سابقه كثيرا، وخصوصا من الناحية الفنية، لكن الموضوع هنا هو المسيطر مع قلة الحركة وعناصرها، والاعتماد على التوتر والتشويق.

يبدو فيلم (العارف) وكأنه أفضل أفلام المخرج، فهو يوظف كل العناصر الفنية لمصلحة الفيلم، ويتجه نحو الجانب الانتقادى السياسى ضد الشركات الكبرى على وجه التحديد.

أما قصة الشريط فهى مواجهة بين خبير بشركة التبغ (جيفرى وقرد) والذى يضع على الملأ معلومات خطيرة، حول ما تقوم شركته الكبرى من عمليات لوضع مادة مخدرة داخل لفافات التبغ المباعة لكى تجعل المستهلكين أكثر ادمانا على بضاعتها المباعة، ويتعرض جيفرى الى التهديد ومعه أسرته ويقف معه مقدم برنامج (ستون دقيقة) من خلال إحدى القنوات المرئية (بيرجمان) لتقديم التقرير المفصل عن عمليات التصنيع داخل الشركة.

فى الفيلم صراع داخلى بين الإخلاص للقسم الخاص بالشركة من قبل المهندس (راسل كرو) والتصريح بما هو غير قانونى من ممارسات تستخدم لاستغلال المواطن.

لقد تم ترشيح الفيلم الى عدة جوائز أوسكار، لكنه لم يفز بأية جائزة ورغم فوز الفيلم بعدة جوائز، إلا أن مايكل مان لم ينل جائزة أوسكار أفضل مخرج وكانت فرصة بالنسبة لفيلم (العارف) يصعب تكرارها بسبب قلة الأفلام التى يخرجها مايكل مان.

الحياة والواقع: -

يتجسد الاهتمام بالوقائع الحياتية فى فيلم مهم من أفلام المخرج مايكل مان، وهو فيلم (علي) إنتاج عام 2000. ورغم عدم النجاح التجارى للفيلم وكثرة الانتقادات حوله، إلا أن طبيعة هذا الفيلم تجعله من أفلام السير الذاتية المتميزة أيضا نجد أن الفيلم قد اختار قطاع زمن معين من حياة الشخصية وركز عليه، لا يتعدى العشر سنوات أى من عام 1964 الى عام 1974. وهى الفترة المهمة التى كسب فيها محمد على كلاي لقب الملاكم الأول فى الوزن الثقيل، ثم انتقاده للتدخل الامريكى فى فيتنام وسحب اللقب منه وفقدانه البطولة وإعادتها من جورج فورمان. كما يناقش الفيلم بعض القضايا السياسية والاجتماعية التى لها علاقة بالملاكم محمد على كلاى واعتناقه للإسلام وتأثير بعض الوقائع عليه، مثل اغتيال مالكولم اكسى ومارتن لوثر كينج. إن نوعية الفيلم ليست درامية، مع نزوع نحو تجسيد الأحداث فعليا ومن ذلك ما قام به الممثل (ويل سميث) من تدريب شامل فى الملاكمة وزيادة وزنه واستخدام ملاكمين محترفين داخل الفيلم وعناية بالملابس والديكورات وتفاصيل الحياة اليومية التى يتفنن فى ابتكارها مخرج مثل مايكل مانى.

نعم لم ينجح الفيلم كثيرا – رغم استخدامه واستغلاله لكل شىء، والسبب يعود الى برودة الفيلم وعدم حيوية الأحداث، مقارنة بالحيوية التى كان عليها الملاكم فعليا.

ومن الناحية الفنية هناك امتيازات جيدة للفيلم أهمها جمع المخرج للثقافة الزنجية مع الملاكمة، وتأكيد الذات فى مواجهة العنصرية، ونقل الصراع من داخل الحلبة الى خارجها وبالعكس.

ولولا بعض الاعتبارات التى تخص السوق ومتطلبات الإنتاج التجاري لامكن القول بأن المخرج يقترب من السينما الشاعرية أحيانا، وبالتالى يمكن مقارنته ببعض المخرجين الكبار مثل تاركوفسكى أو بريسون أو بازولينى.

الكفيل الأول: -

فى عودة الى أجواء العصابات والمطارات يقدم المخرج فيلما جديدا، وهو (الغامن) 2004 بطولة توم كروز وجيمى فوكس، ويعتمد الفيلم على

تناقض شخصيته.. الأول فينست وهو قاتل متهور يحمل حقيبة مالية والثانى ماكس وهو سائق تاكسى يختلف تماما فى كل شىء عن الشخصية الأول واعتماد على هذا التناقض تدور أحداث الفيلم، مع تواصل عمليات القتل المتتالية وتورط السائق مع القاتل منها.

لقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا وخصوصا من حيث الإخراج فنيا، كما أن الحركة والتشويق الظاهرى تتكفل ببعض الاعتبارات الأخرى، ذات الطابع الفلسفى التى تحضر فى خلفية الأحداث، وهذه ظاهرة لازمت المخرج مايكل مان حيث يقدم فيلما بسيطا فى ظاهره وعميقا فى محتواه الفعلى.

بعد ذلك مباشرة جاء فيلم (شرطة ميامى – 2006) وهو فيلم سبق ان أنتجته مايكل مان فى شكل مسلسل ناجح (1984 – 1989)، والفيلم من النوع البوليسى المتحرك الملىء بالمطاردات وصراع عصابات التهريب، ورغم النجاح التجارى للفيلم، إلا انه يعد من الأفلام البسيطة فى موضوعها، ولا تتحقق فيه الا كثرة المشاهد العنيفة واستخدام لعبة التشويق والإثارة والإبهار، مع استغلال حضر أكبر عدد من النجوم مثل كولين فاريل وجيمس فوكس.

لا يستخدم المخرج فى فيلمه قصة واضحة، لكنه يستفيد من بعض الحلقات التلفزية. لتقديم فيلم فيه الكثير من التسجيلية أحيانا.

يمكن القول بأن نجاح المخرج مايكل مان لا يوازيه الا نجاح المنتج فى عدد من المسلسلات مثل (قصة جريمة) 1986 وكذلك أفلام مثل (الطيار – 2004) ثم الفيلم المعروف (المملكة) 2007 والذى اعتبره بعض النقاد أقرب الى المخرج، لأنه لم يكتف بالإنتاج، أشرف عليه فنيا رغم أن الفيلم قد نسب لمخرج آخر أيضا هناك فيلم للممثل ويل سميث بعنوان (هانكوك) وهو من إنتاج مايكل مان 2008.

وهكذا جمع المخرج بين الإخراج والإنتاج وتأليف القصة وكتابة السيناريو وكلها وسائط فنية تسمح بالقول بأن الفيلم ينتمى الى خصائص مدرسة مايكل مان الفنية، فهو مخرج مؤلف رغم قدرته على الإمساك بالجمهور وجعل السينما أداة من أدوات الإمتاع والتشويق، وهى على ما هى عليه، تحمل معها ما يحضر فى الخلفية لتجعله بارزا فى الوقت المناسب.