الاثنين، 7 مايو 2012



شعاع مرسل
من الغرفة المظلمة
حديث عن الوجد الفوتوغرافي

مجنونة أم حكيمة ؟ قد تكون الفوتوغرافيا هذا أو ذاك ، حكيمة لو أن واقعيتها تظل نسبية ومخففة بالعادات الجمالية أو التجريبية ، مجنونة لو أن هذه الواقعية مطلقة ، ولو يمكننا القول أصلية ، تعمل على إعادة الحرفية إلى الوجدان العاشق المرتعب ، حركة تقليب صارم ، يحوّل مسار الشيء سوف أطلق عليها كي أنهي حديث الوجد الفوتوغرافي .
اسم الكتاب ( الغرفة المضيئة) والمؤلف هو رولان بارت ، الفرنسي ذو النزعة التحليلية التأملية ، والتي اشتهر بها منذ أصدر كتابه (الدرجة الصفر للكتابة) والذي ترجم إلى العربية بعدت طبعات .
تتميز أعمال الكاتب رولان بارت، بالتعددية ، فهي تزيد عن خمسة عشر كتاب في الأدب والتحليل والقراءة المفتوحة ، المعتمدة على السيمياء . وهكذا نجد كتباً في النقد الأدبي وأخرى في الموضة وثالثة في التصوير وفي الميثولوجيا والتاريخ الحضاري . ومن ذلك ـ درجة الصفر للكتابة ـ ميثولوجيات ـ خطاب عاشق ـ درجة الخصائص الشخصية للمثقفين ـ النقد والحقيقة ـ شذرات ـ مقالات نقدية ـ سوليدز الكاتب ، وغير ذلك من الكتب .
رغم ذلك لم يكن بارت منظراً فلسفيا بمعنى الكلمة ، لأنه لم يسع إلى بناء نظام من الفكر مثل ـ سارتر ـ بل عمل على الانتقال من نظرية إلى أخرى ومن فكرة إلى فكرة .
لقد استخدم أجهزة تحليلية متداخلة (لسانية ـ بنيوية ـ علاماتية) ، وفوق هذا، فهو ذلك اللغوي البارع الذي اعتنى بالأدب ، فكان أحيانا أديباً أكثر منه ناقداً .
أظن أن هذا الكتاب ( الغرفة المضيئة) من أواخر كتبه ، فقد صدرت طبعته الفرنسية الأولى عام1980م. أما الترجمة العربية فقد صدرت متأخرة نسبياً عن المركز القومي للترجمة في مصر عام 2010 ، وقد قامت بها هالة نمر ، أما المراجعة فقد قام بها أنور مخيث مترجم كتاب ( نقد الحداثة) لـ"الآن نورينا".
سوف يكشف الكتاب عن صورته عبر إهداء مشروع يقول ( إجلالاً لخيال سارتر) وسوف نجد أيضاً عنواناً جانبياً : تأملات في الفوتوغرافيا.
أما مدخل الكتاب فيحتوي على صورة بولارويد بعنوان دانيال بونتييه لعله ملتقطها وقد كتب التاريخ1979.
كل ذلك يجتمع مع صورة فوتوغرافية وضعت على غلاف الكتاب وقد تكررت في الداخل  الصورة بعنوان(الجرو) وهي لكيرتيز ، وهو مصور اختيرت له عدة صور .
تحت الصورة هذه (غلاف الكتاب) نجد قراءة مؤداها أن الصبي في داخل الصورة لا ينظر إلى شيء ، بل يمسك بجرو صغير يضعه في موازاة جسمه وتنبعث من داخله نظرة تعبر عن الخوف والحب .
إن كل الصور الموجودة بالداخل هي صور للقراءة المبدئية الأولية وليست للتحليل المطوّل . ولكن لا يعني ذلك أن موضوع الكتاب نقدي وفكري لأن الطريقة والصياغة والأسلوب ، ثلاثية يسيطر عليها النزوع الذاتي ، فالقارئ بذلك يشتبك كثيرا مع التفاصيل الذاتية الخاصة بـ(رولان بارت) ، ليس على الصعيد العائلي فقط ، ولكن يستثمر الكاتب علاقاته وقراءاته من أجل الاقتراب من الفوتوغرافيا .
نتصفح الفهرس ، فترشدنا الموضوعات إلى المحتوى ، ولقد سار النص بالترقيم من 1 إلى 48 . أما الفهرس فهو يشمل عنوانين من 1 إلى 48 أيضاً ولا نعرف مبرراً لعدم إيراد العنوان في داخل المتن ، إلا القول بأن المؤلف قد سعى إلى ترتيب هذه الوضعية باختياره في الكتيب الأصلي ، وسار الكتاب المترجم على نفس المنوال .
يبدو الكتاب أحيانا وكأنه يتطرق إلى بديهيات عامة يمكن أن تستنتج للوهلة الأولى ، كالقول مثلاً بأن الصورة تكرر ميكانيكا عالم يتكرر وجودياً .
ذلك لأن ما تنسخه الصورة لا يحدث إلا مرة واحدة ، وكالقول أيضاً بأن الصورة لا تتمايز عن مرجعيتها بمعنى أن الفوتوغرافيا تحمل دائما مرجعها .
لكن رغم ذلك فالفوتوغرافيا اتجهت لأن تكون مبحثاً عند الكاتب ، لم يتصاعد لكي يكون فلسفياً ، غيرانه مرتبط بعلوم أخرى وقبل كل شيء بالكثير من الذاتية والانفعال .
يقول رولان بارت : هناك ثلاثة مقاصد للصورة .. أن تفعل . أن تتحمل . أن تتطلع . وهذا يعني وجود الفاعل والمشاهد والمرجع وهو موضوع الصورة والذي يعتني به المؤلف بشكل خاص . حيث يعني الموضوع (هالة العمل المصور) أو ذلك المجال الشبحي للصورة .
وهكذا يبعد بارت منظور المصور ويبقى على التعلّق بالخبرة الموضوعية لما يمكن أن يشاهد ، وكذلك خبرة الذات أي ذلك الشخص الذي يتأمل الصورة .
يقول بارت : ( إن صورة المصور كانت على العكس موصولة بالرؤية المتقطعة لشباك غالق الغرفة المظلمة ، ولكن بسبب ذلك الانفعال لم استطع الحديث عن الفوتوغرافيا ، لأني لم أتعرّف عليها أبداً ، لم استطع الانضمام  إلى هذه الجماعة التي تتعامل مع الصورة من منظور المصور ، لم أمتلك تحت تصرفي سوى خبرتين : خبرة الذات المشاهدة وخبرة الموضوع المشاهد ) .
يتراوح بحث الكاتب في موضوع الصورة إلى اقترانها بالحضارة ثم بالغرابة وهي تكملة للرسم وفن المنمنمات ، ولعل ظاهرة مشاهدة الإنسان بجسده فيها علامة على انفصال مراوغ للهوية .
عبر التاريخ يطرح  السؤال من يملك الصورة ، هل هو المصور ؟ أم أنه الموضوع ، والإجابة تظل مفقودة ، ذلك لأن الشخص موضوع الصورة تتجاذبه أطراف عديدة فهو شخصيات متعددة . إنه الشخص نفسه ، والشخص الذي يواجه المتفرج والشخص الذي رأى المصور بأنه الموضوع الفعلي ، ثم الشخص الذي استعمل للاستعراض الفني .
وهكذا تصبح الصورة ذات المعنى السطحي أبعد غوراً مما نتصور لأنها تركيبة متنوعة من الأشياء والأشخاص .
يبحث الكتاب في صورة الوجه بالدرجة الأولى ولكن هناك أشياء وتظهر بين الحين والآخر ولكنها مرتبطة بالأشخاص . والأهم أن هناك بعض النقاط غير الواضحة ، وبالتالي فإن الغموض يظهر ويختفي في تعابير الكتاب ، لأن الصورة نفسها بها الكثير من الغموض : هذه اللحظة شديدة الغموض ، حيث للحق أقول لا أكون ذاتًا ولا موضوعاً ، لكن بالأحرى ذاتً تشعر أنها تصير موضوعاً ، أعيش من ثم تجربة مصغرة للموت ، أصير بالفعل طيفاً ، يعرف المصور ذلك جيداً .
وهنا يقرن المؤلف بين الصورة والموت ... كيف ؟ .
لأن الصورة يصنعها الآخرون ، عندما ينظرون إليها ويتلاعبون بها أحياناً ، إنها تصبح شيئاً مختلفاً عن الأصل ، والأصل يصبح مفقوداً ، بمعنى أن صاحب الصورة يموت بحقيقته ، فالصورة تقتل صاحبها ! .
ومما ينقله المؤلف عن سارتر قوله : ( تحدث حالات تتركني الصورة فيها في حال من اللا مبالاة إلى درجة إنني لا أتحقق حتى من كونها صورة . الصورة هي التآلف المبهم لموضوع ، والأشخاص في الصورة يتشكلّون تماماً بصفتهم شخوصاً، ولكن فقط بسبب مشابهتهم للبشر دون أي قصدية خاصة . يترددون بين مراس الإدراك . ما بين العلامة والصورة ، دون الدنو نهائياً من أيهما ) .
بين الحين والآخر ، يستدعي رولان بارت صورة معينة ، يتناولها بالقليل من المعلومات ، على سبيل المثال ، صورة ملتقطة عن بُعد ، ينسبها لمراسل هولندي يدعى كوين فيسنيج في نيكاراجوا عام 1979 ويقول بأنها استوقفته أو إنها موجودة لا أكثر ، حيث لا تحليل ، وتشمل الصورة جنديان على اليمين وراهبتان على اليسار وجندي آخر يترك لوحده ، وفي صورة لنفس المراسل ، نجد الثنائية تتكرر ولا تفسير خاص ، بينما توصف صورة أخرى بأنها جميلة ولكنها لا تستوقف الناظر ، ومن خلال الغياب يعدم الوضوح ، فينبعث المفهوم المستحدث الذي ينحته الكاتب . يسمى ذلك بمصطلح(الستوديوم) وهي كلمة إغريقية قديمة
يُقصد بذلك التطبيق على شيء ما ، أو المذاق الذي يشعر به شخص ما ، إنه شروع في محاولة فهم ولكن بطريقة عجلى وبلا بصيرة نافذة ، أي بلا دراسة . إنه حالة تذوقية يعيها الإنسان في شكل ما وفي إيماءة وفي بعض الوجوه والزخارف وكذلك الأفعال .
وفي مجال مقارب لذلك لتحديد الإيقاع داخل الستوديوم يتم الحديث عن العنصر الثاني والذي يُقصد به ما ينبعث من الصورة من شعاع أو معنى أو سهم أو وخزة أو علامة وهنا نجد أمامنا مصطلحا جديدا ، من نحت المؤلف ، يعتمد على كلمة إغريقية ليست زمنية والمقصود هو(البونكتوم) إنها كلمة مثل الثقب أو البقعة أو بالأصح رمية النرد .
بصورة أكثر وضوحاً يقول الكاتب عن الستوديوم " أنه الحقل الرحب للرغبة الفاترة ، للاهتمام المتنوع ، للمذاق المتناقض" وهكذا يدخل الميل وتدخل الجاذبية والرغبة ولكن بغير حماس .
بمعنى آخر يعد الستوديوم تربية ومعايشة لمقاصد المصور ولكن بدون الإيمان المطلق بها يشير المؤلف رولان بارت إلى بعض الفروقات بين الصورة والكلمة ،ذلك أن الكلمة تأملية وصفية ، بينما الصورة تستقر في التفاصيل وأحيانا المعرفة الأثنولوجية. وهنا يتحدث بارت عن نوع معين من الصور أشتهر في عقود معينة، ونقصد به ذلك النوع الذي يقدم معلومات حول الملابس مثلا والوجه ونوعية الخلفية واستخدام الأشياء والأدوات ، وبهذا المعنى فإن الصورة تقدم معرفة أو معلومة .
هناك صورة يذكرها الكاتب وينشرها الكتاب بهذا المفهوم ، إنها للمصور (وليام كلاين) وقد التقطت عام1959 بموسكو ، وهي توضح عدة شخصيات من خلال القبعات على الرؤوس أو أشكال قصة الشعر ، وبذلك سوف نجد أمامنا في الصورة أكثر من سبعة رؤوس وكل رأس مختلف عن الآخر .
والواقع أن هذا المفهوم (المعرفي) يشير إلى الفوتوغرافيا التي تقدم معرفة تحتية بسيطة ، تفاصيل حول السكان وملابسهم وطرق وأساليب عملهم ، كيف كانت الأظافر والأحذية وغيرها ، والصورة هنا أفضل من رسم البورتريه طبعاً ، أي أننا نقول بأن السينما(الصور المتحركة) تبقى هي الأفضل في هذا المجال ، وكما قلنا فإن ذلك ليس إلا مرحلة أولى ، فما تقدمه الصورة في القرن الواحد والعشرين يشير إلى مدلولات سياسية تكشف عن الأسرار بالدرجة الأولى وخصوصاً وأن التواصل على مستوى الاتصالات وتبادل المعلومات ، قد جعل الصورة تتراجع في مجال تقديم المعلومات .
يكرر بـارت في ثنايا الكتاب ذلك الربط غير الواضح بين الصورة والموت ، ولا سيما عند جمع المسرح مع الفوتوغرافيا ! "الصورة الفوتوغرافية هي مثل المسرح البدائي ، مثل لوحة حية ، مثل مجازية الوجه الساكن المخضب الذي نداء الموتى تحته" .
على المسرح نجد بعض الممثلين في حال انفصال عن الجماعة ، لأنهم يقومون بدور الموتى. سوف نجد التمثال النصفي الطوطمي وقناع النو الياباني وسوف نجد راقص الكاتا كالي الهندي والذي يغطي وجهه بمسحوق عجينة الأرز ، وهكذا تتخذ الصورة شكل البحث عن الموت ، بل القول بأن هذه الصورة حية يذهب بنا إلى تعبير الموت أيضاً .
من جانب آخر تعتمد الصورة على الصدمة أي الحدث بحركة غير منتظرة ، وذلك يذهب بنا إلى علاقة الصورة بالندرة بمعنى البحث عن النادر والغريب . أيضاً تعتمد الصورة على فكرة تثبيت نقطة معينة لا يمكن للعين العادية أن تكون بديلاً لها ، وهكذا نجد ما يطلق عليه بحسب تعبير الكاتب(القوة السحرية) والمعنى هنا يقصد به تجميد الصورة لمشهد معين .
هناك أيضاً الإبهار المرتبط بصور معينة ، وهذا له علاقة بالخداع البصري واستغلال العيوب التقنية وكلها عوامل تصب في فكرة المفاجأة في الصورة.
وبالطبع يذكر المؤلف عشرات الأمثلة للصور والتي صورت من قِبل مصورين ومراسلين وفي آخر الكتاب نقرأ ثبتا بذلك ، ومن عناوين هذه الصور :
1-       الحمراء غرناطة لـ"شايز كليف ورد ـ (1854-1956) " .
2-       بورتريه عائلي لـ"جيمس فان درزي ـ (1926) " .
3-       الأول من مايو لـ"وليام كلاين ـ (1959) " .
4-       موثق رسمي لـ"ساندر" .
5-       لحن عازف الكمان لـ"أبوتي ـ المجر ـ (1921) ".
6-       أم الفنان أو زوجته لـ"نادارـ (1957) " .
7-       المائدة المنصوبة من صور المتحف (1822) .
8-       الجرو لـ"كيرتيز ـ (1928)".
كما أن الكتاب يضيف أسماء المصورين الأصلية ، لمن أراد الاستزادة .
هناك بعض الأفكار التي يطرحها الكاتب بصفته باحثا ينزع نحو الانتروبولوجي ومن ذلك فكرة القناع ، ففي صورة بعنوان(مولود عبداً) يظهر الوجه(بورتريه) وكأنه قناع لجوهر العبودية ، والربط هنا شديد بين الصورة والرسم ومجال الأنتربولوجيا ، بينما تأتي صورة ساندر والتي عنوانها (موثق عقود) مختلفة ومعاكسة ، لأن الوجه فيها لا يشير إلى الحقيقة والمقصود الوجه غير المتوافق مع العرق الأصلي للنازية .
ان المشكلة المثارة تطرح عندما تنطق الصورة بالمعنى أكثر من اللازم بمعنى أنها صورة تدعو للتبصر وتدبر المعنى ، والصحافة أحياناً لا يستهويها هذا النوع من الصور غير الانقلابية .
عن صورة(الحمراء)لـ"شارل كليفورد" ، حيث المنزل الريفي بغرناطة يقول المؤلف الكثير ، ويجعل الصورة سكنية وليست سياحية ، لأن صورة المكان أو المنزل و البيت تدعوك إلى الحلم بالسكن فيه فعلياً وليس مجرد التمتع السياحي بمنظره .
اسم الصورة(أو أن أحيا هناك) في إثارة إلى الرغبة بالسكن هناك ، وهذه الرغبة (تتعلق بنوع من التبصر يحمل على السير إلى الأمام .. أو نحو الوراء .. في حركة مزدوجة أنشدها بودلير في الدعوة إلى السفر والحياة السالفة . هناك يقين يدفع بأن المكان قد سبقت زيارته أو الوجود به ، أو القول بأن هناك ما يدفع نحو الذهاب إليه مستقبلاً ، هذا هو المكان المؤثر في أي صورة وربما أي لوحة ذات قيمة عالية ، إنه مكان حميم ، سبق لنا التواجد داخله ، كما فعلت صورة الحمراء ، بهذا المنزل الذي يشدنا إليه وكأنه رحم يستنهض الأم بداخل المشاعر على حد تعبير فرويد .
1-       يقول المؤلف مختصراً بعض تصوراته الأولية نحو الصور التي يمر بها من صفحة إلى أخرى في الكتاب :" كان عليّ أن أغوص أكثر في نفسي ، التي اكتشف بداهة الفوتوغرافيا ، هذا الشيء الذي يراه أي شخص وهو يتطلّع إلى صورة ما ، والذي به يتميز في عينيه عن أي صورة أخرى ـ لابد لي أن اقدم اعتذاري وتداركي للأمر" .
يتحول الكتاب إلى معالجة ذاتية لمسألة الصور ، بين الأم والذكريات القديمة وربما صور أقدم للعائلة ، ولا مانع من استحضار أسماء بعض الكتاب عندما تقترب المعاني من بعضها ، سوف يظهر بروست وفاليري وبريخت في حدائق الشتاء لتواسي الكاتب والذي يبدو وكأن تأليفه للكتاب قد جاء من هذا المنطلق ، منطلق التعلق بصور الأم القديمة .
يقول الكاتب :" إن طبيعة كل صورة متزامنة بشكل ما مع مرجعيتها ، ليكتشف ذلك التزامن مرة أخرى من جديد ، مأخوذاً في غمار حقيقة الصورة ، ولذا وجب عليّ قبول الجمع بين صوتين صوت المألوف وصوت التفرد" .
يربط مؤلف الكتاب بين الميتافيزيقا والصورة ، ومرة أخرى تلوح لنا علامة الموت ، فالصورة تسمح بتقدير الحياة والموت وربما تدلنا على الانقراض ، الصورة محاولة للبقاء ضد الانقراض والتلاشي .
والسؤال يعلن عن نفسه .. أين ذلك الشخص الذي يظهر في هذه الصورة أو تلك ؟
لقد كان يوما ما هنا ! ونظن أنه موجود في مكان ما .
يعيد المؤلف رولان بارت طرح بعض القضايا حول الصورة الفوتوغرافية ، ولا مانع أيضاً من النظرة الأدبية التي تطلبت مقارنة بين الكلمة والصورة أو بين الأدب(الرواية) والصورة ، ومن هنا برز المنحى الأدبي للكتاب .
من ضمن الإضافات ، الربط بين الجنون والصورة ، ويتعرض المؤلف إلى فيلم فيلليني(كازانوفا) في مناقشته لهذا الأمر ، بينما في جهة أخرى موازية يحاول المجتمع(أي مجتمع) أن يضفي الحكمة على الصورة من خلال(تلطيف الجنون) وذلك بطريقة الاقتراب من العين ، وان ربط الفن بالفوتوغرافيا ، وكذلك بطريقة التصميم والتجميع وجعل كل الصور مألوفة بحيث لا تتميز صورة عن أخرى ، حيث الصور أكثر حيوية من الناس وكل شيء يتحول إلى صورة .
يقول الكاتب :" ما يميز المجتمعات التي يقال أنها متقدمة ، هو أن هذه المجتمعات تستهلك اليوم صوراً ، ولم تعد مثل تلك القديمة ، تستهلك عقائد ، إذن هي مجتمعات أكثر تحرراً وأقل تعصباً ، ولكن أيضاً أكثر زيفاً ، أقل أصالة ، وهو ما نترجمه في الوعي السائد بالاعتراف بتأثير الضجر المثير للغثيان ، كما لو أن الصورة بتصميمها أنتجت عالما بلا اختلافات " .