الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

"دخان بلا نار".. قليل من العنف والسياسة




فيلم سياسي ولكن


هناك العديد من الأفلام التي أنتجت في لبنان وكان محورها الحرب اللبنانية،

ولعل أفضلها تلك التي جعلت من الحرب خلفية لأحداثها، كما في فيلم "بيروت

الغربية" مثلا أو بيت الزهر وقبل ذلك أفلام مارون بغدادي وبرهان علوية وغيرهم.

وهذا الفيلم من الأفلام الحديثة، ليس على مستوى الإنتاج فقط، ولكن على

مستوى مجريات الأحداث، حيث تقع زمنيا بعد اتفاق الطائف وبعد مقتل رفيق

الحريري، والوضع السياسي في لبنان يكشف عن أجواء سياسية محتقنة، بسبب

التدخلات الخارجية وصراع القوى السياسية المحلية والتي لم يشر إليها الفيلم

إلا من مداخل عامة فقط.

هناك أصوات متعددة سياسية يسمعها من خلال جهاز المذياع المتفرج وكلها تشكل

دائرة رمادية، بعيدة تماما عن الشعارات المرفوعة، والتي توهم بأن لبنان هو

ملتقى التوازن والتعايش السلمي وواحة للحرية والديمقراطية.

* فيلم سياسي ولكن

إذن يمكن أن نعتبر هذا الفيلم من ضمن الأفلام الانتقادية التي تطول الواقع

السياسي في لبنان، فهو بشكل أو بآخر فيلم سياسي، مهما كان الاختلاف حول

مستوى الدلالة السياسية والمدى الذي وصل إليه النقد السياسي للأوضاع

القائمة، كما يعرضها الفيلم وليس كما يتصورها المتفرج أو يرغب في مشاهدتها.

نحن نتحدث عن فيلم "دخان بلا نار" والذى أخرجه سمير حيشي في آخر إنتاج

روائي طويل له، بعد أن قدّم عددا من البرامج والمسلسلات التلفزية مثل: جيران

مجنون ليلىسارة، بالإضافة إلى فيلمه المعروف الإعصار.

سوف يلفت انتباها ومن المشاهد الأولى الحرص على تقديم فيلم فيه قدر من

التشويق، لكن الموضوع لم يحمل بذور التشويق، حيث تبدو القصة وهي تحتوي على

قدر من الاصطناع لكي تستقيم الخطوط في النهاية لتقديم جرعات من السياسية

المباشرة. وبعض المشاهد العنيفة المتصلة بالاعتقالات غير القانونية التي

تمارسها جهات غير واضحة الملامح كما يتضح من سياقات الفيلم.

الحقيقة أن منطقة الغموض تتسع، ليس لاعتبارات فنية، ولكن رغبة من صناع

الفيلم في السير على خطوط محايدة، أو بعيدة عن الأشواك، وبالتالي فقد حاول

السيناريو عدم تسمية جهات الأطراف الفاعلة في لبنان، رغم أنها واضحة في

النهاية.

إن أهم خط فى الفيلم هو ما يمثله "خالد" وهو مخرج حضر من مصر إلى لبنان لكي

يكتب السيناريو حول الاعتقالات في لبنان أو الحريات في هذا البلد، وهو يحمل

وجهة نظر مفادها أن لبنان هي أفضل البلدان العربية التي تتيح فضاء من

الحرية في التعامل مع هذه الموضوعات. وبالتالى نجد أن خالد هذا يردد القول

المعروف بأن لبنان هو سويسرا الشرق وبسبب ذلك يختارها مجالا وموضوعا لكتابة

هذا السيناريو.

من هذه البداية يظهر الارتباك الواضح في الفيلم. فهذا القادم من مصر يبقى

مجرد شخصية خارجية تصور الأحداث من الخارج، وكتابة السيناريو المزعوم تبقى

قضية إضافية وليست رئيسية ولا تبرر الإقامة في بيروت لمدة طويلة وقصيرة.

أضف الى ذلك استخدام "خالد" لكاميرا تصوير صغيرة، يصور بها الأحداث التي

تقع في الشارع وهو أمر يجعله أقرب إلى الصحفي، وكان يمكن أن تك تكون مهنته

صحفية فعلا، لولا تلك الأوراق التى يعلقها على حائط الغرفة والتي يقول

بأنها أجزاء من السيناريو الذي يكتبه.

من الواضح أن شخصية خالد وقد قام بأدائها الممثل خالد النبوي قد وضعت

لاعتبارات تسويقية، الهدف منها هو ترويج في مصر وعدد من البلدان الأخرى.

وعلى الرغم من أن هذا الممثل كان عديم الحضور وباهتا كما في معظم أفلامه،

إلا أن التصوّر القائم على نجوميته كان أمرا جليا. نقول ذلك رغم أن الشخصية

كانت غير مناسبة، وكان الأقرب أن يقوم بها صحفي قادم من بلدان غربية، من

فرنسا أو ايطاليا أو أمريكا، رغم أن ذلك قد تكرر في أفلام لبنانية كثيرة.

* تجربة وكابوس

نسير من البداية الى النهاية، وكأننا بالفيلم يفند الفكرة القائلة بأن

لبنان بلد الحريات، ومن خلال التجربة القاسية التي تعرض هذا المخرج، والذي

كان في تصوره أوهام عن لبنان صارت في النهاية كابوسا مريعا، مرور التجربة

الاعتقال بدون سبب واضح.

هذا الخط الضعيف فى الفيلم، خط المخرج خالد، يقابله خط آخر ظهر فى البداية،

ولعله يشكل أفضل مشاهد الفيلم. حيث نرى موكبا غريبا من نوعه، به عدد من

السيارات وعدد من رجال الحماية، يطلقون الرصاص في الهواء، وهو مشهد أقرب

الى أفلام العصابات. بالرغم من أنه يصور انتقال أحد سفراء الدول من مكان

الى آخر، وكان الإيحاء واضح بأن الموكب يخص السفير الأمريكي.

بالتوازي مع كل ذلك هناك شخصية أخرى من سهل البقاع، تركب سيارتها لغرض

الانتقال الى بيروت وتذهب ضحية إطلاق الرصاص العشوائي من قبل رجال الموكب

السريع. لقد أجاد الفيلم تصوير كل ذلك، وكان القصد هو الرفع من إيقاع

الفيلم، يمكن الأمور من العودة إلى مجرياتها الخافتة عندما تعود الكاميرا

الى الشخصية الرئيسية.

في حوار ضعيف المستوى بين عدد من الشخصيات، فالعلاقة بين رولا وخالد متوترة

بلا مبرر واضح، وهي تغار عليه حينا وتعود لتعيش معه في أحيانا أخرى، بينما

تتداخل العلاقة بين خالد ورنا في مشهد عاطفي افتراضي، ربما كان جزءا من

السيناريو، لكنه بسبب اشتباه معين، وربما يطيل من الفيلم فقط.

شخصية أخرى يصادفها خالد ويطلب منها تقديم الاعترافات المصورة، يستجيب له

في البداية، ثم يصبح واشيا عليه في نهاية الفيلم.

الفيلم أيضا يسير في خانة أخرى وهي استعراض أساليب مختلفة للتعذيب في السجن

ومنها ما يسميها "البيانكو"، وبالطبع ليس هناك مبرر واضح لكل ذلك، لأن

العداء للأفراد ليس واضحا، ولا توجد له أسباب مقنعة.

يعتمد الفيلم على التوازي في سير الأحداث، حيث نجد حدثا معينا، يقابله حدث

آخر، وينتج الإخراج فى ذلك، ولكن كما قلنا لا يوجد موضوع واضح تستند عليه

الأحداث ومجرياتها.

* مراسم فلكورية

في المقابل هناك اطالات ليس لها ما يبررها، كما في استعراض مراسم الجنازة

في سهل البقاع وتقديم الفولكوريات الخاصة بالعزاء، بما فيها الحوار حول دفع

الفدية من طرف السفارة ورفض زعيم المنطقة لذلك واختياره المواجهة بديلا

لذلك، ولاسيما عند رفض السفارة الاعتذار وتقديم القتلة الى المحاكمة.

ولعل الاعتماد على الموسيقى كان جليا في كل ذلك، وهي موسيقى يغلب عليها

الطابع الأوبرالي الحزين، وكأن الفيلم كله لحظة عزاء بدوافع عشوائية تندفع

وتسير نحو مصير مأسوي ومحتوم.

يصل الفيلم الى نهايته مبكرا، اذ يتم القبض على المخرج خالد، ويصبح معتقلا

تمارس ضده أساليب التعذيب المختلفة وتوجه ضده تهمة التعرض لموكب السفير

الأمريكي ويقول الفيلم بأن المخرج قد ودع السجن بالبراءة بعد عشرة سنوات من

الاعتقال.

وهنا يضع الفيلم مفارقة قد تبدو سطحية، ذلك أن الأجهزة الرسمية من خلال

قنواتها المرئية تعلن عن أخبار مثيرة من النوع السياسي، فقد تحول المخرج

خالد الى عضو في شبكة لتنظيم القاعدة.

وقبل ذلك تحوّل الحارس الذي وضع قنبلة في السيارة الى جزء من خطة لإرهاب

المنطقة، وهكذا دواليك بحيث يصبح الإعلام الرسمي بعيدا عن الحقيقة، في

محاولة منه لتدويل كل المشكلات الصغيرة.

لا شك أن الفيلم يقترب من الأفلام البوليسية السياسية التي انتعشت في مراحل

مختلفة في ايطاليا ولاسيما في السبعينيات، عندما يتم الزج بالأبرياء في

السجون لأسباب غير معروفة، ثم يجدون أنفسهم في الخارج بعد سنوات منت

التجارب القاسية، ولعل الفيلم الشهير "انتهى التحقيق المبدئى.. انس

الموضوع"هو خير شاهد على ذلك، غير أن هذا الفيلم "دخان بلا نار" يكتفى

بانتقاد الجهات الرسمية ويقدّم دليلا معكوسا لتلك الفكرة الرائجة التي تقول

بأن لبنان هو بوابة الحرية والديمقراطية.

وبالإضافة الى التمثيل الضعيف لخالد النبوي وديمون بوعبود وشخصيات أخرى

جانبية، سوف نجد تميزا خاصا للممثلة سيرين عبد النور في دور "لبنى" رغم أنه

دور غير واضح الملامح، فلا نعرف ماذا تفعل؟ وماذا تريد هذه الفتاة التي

تنتقل من حفلة الى أخرى؟.، مقتربة ومبتعدة عن الشخصية الرئيسية خالد.

كما أننا لا نجد سببا في جعل محل هذه الشخصيات هامشية، بلا دور فعلي تقوم

به، وأحيانا تكون الأدوار نمطية، كما في رجال الاعتقالات والمسؤول الأول عن

السجن والفتاة العشيقة، ومرة أخرى نقول بأن ضعف القصة بكل ما فيها من خيوط

درامية مصطنعة، كان سببا في جعل الفيلم فعليا دخان بلا نار وفي أحيان أخرى

"نار بلا دخان".