الأحد، 30 نوفمبر 2008

أربعة أفلام للمخرج هيتشكوك









خيوط من الشك والارتياب


لم يكن المخرج ألفريد هيتشكوك "1899 – 1980" فقط مخرج أفلام ذات موضوعات وقصص تروى بإمتاع وتشويق، بل كان أيضا مخرجا تقنيا وجد الحلول للكثير من المشاهد مستعصية التنفيذ في أفلامه، إنه المخرج الذي يغزل أفلامه من الوضوح والغموض ولذلك بقيت أفلامه حية إلى الآن.
هناك من لا يعلم بأن المخرج قد عمل في افلام صامتة ومن ذلك فيلم بعنوان حديقة المتعة – 1925 وكان أول أفلامه الناطقة الابتزاز – 1929 والذي كان خاتمة لسلسلة من الأعمال السينمائية مثل الخاتم 1927 ، زوجة المزارع 1928 – النزيل 1926.


• قيد الدراسة:


إن أفلام المخرج الناجحة كثيرة، وهي لازالت قيد الدراسة والتحليل حتى الآن، ومئات الكتب التي نشرت عن هيتشكوك ليست كافية لمعرفة الخلفيات التي تتحرك وراء أفلامه، حيث تلعب العوامل الذاتية والعقد النفسية المركبة الدور الرئيسي لتحريك الشخصيات ودفعها إلى التعبير عن نفسها بواسطة الجريمة التي يتم ارتكابها أو الجريمة التي يتم الكشف عنها.
من افلام المخرج المعروفة لعبة الجسد 19
31 – الرقم 17 – الرجل الذي يعرف أكثر 1934 – تسعة وثلاثين خطوة 1935 – العمل السري 1939 – المراسل الأجنبي 1940 – ربيكا 1940 – السيد والسيدة سميث 1941 – الشك 1941 – ظلال الشك 1943 – قارب نجاة 1944 – المسحور 1945 - فندق جامايكا 1939 – السيدة المختفية 1938 – سيء السمعة 1949 – الحبل 1948 – منصة الرعب 1950 – تحت مدار الجدي 1949 – غريب في القطار 1951 – أنا أعترف 1953 – أمسك اص 1955 – مشاكل هاري 1955 – الرجل الخطأ 1957 – الطيور 1963 – الستار الممزق 1966 – التوباز 1969 – المجنون 1972 – عقدة العائلة 1976.
سوف نترك أكثر الأفلام للمخرج ونتحدث عن اربعة منها لأنها حسب راي النقاد هي الأفضل من النواحي الفنية والتقنية ولقد اختيرت لتكون ضمن قائمة أفضل مائة ف
يلم في تاريخ السينما العالمية والبداية ستكون بهذا الفيلم الذي اشتهر حتى صار جزءا من الذاكرة السينمائية، وكيف يمكن للمشاهد أن ينسى هذا الشريط "سايكو" فهو أحد أهم أشرطة التشويق والإثارة، ويعد مدرسة لازال الطلاب يتعلمون منها كلما تابعو مشاهد هذا الشريط.
إنه أحد أربعة أفلام يمكننا أن نتحدث عنها باعتبارها الأكثر تأثيرا على الجمهور وهي الأفلام التي تعلق في الداكرة، فلا يمكن أن نغفل عنها.

فيلم ورواية:

يقوم الفيلم "سايكو" أو المضطرب على رواية بنفس العنوان لكاتبها روبرت بلوك وصدرت عام 1959، وهي تعتمد على حادثة شبه حقيقية تناقلتها وسائل الإعلام واساسها قاتل يرتكب سلسلة من الجرائم يدعى إدوارد جين.. ولقد قام كاتب السيناريو جوزيف ستيفانو بصياغة الفيلم مع إظهار التغييرات الضرورية المناسبة، غير أن الصياغة النهائية تنسب لمخرجه هيتشكوك الذي قام بتأخير كل شيء مهم إلى نهاية الفيلم، حتى يسمح بوجود أكبر قدر ممكن من التشويق والإثارة.
أما القصة نفسها فتعتمد على موظفة تعمل في مكتب مخصص لبيع العقارات وهي متذمرة جدا بسبب نقص المال لديها، فهي على علاقة بشخص معين وتحاول الزواج، لكنه يصرف كل مرتبه على نفقة زوجته السابقة.
في ولاية أريزونا تدور أحداث هذا الفيلم حيث تزداد توترا عندما يطلب رب العمل من الموظفة "ماريون" الممثلة "جانيت لي" إيداع مبلغ كبير في المصرف، فتسرق المال وتفر من المدينة، وفي الليل تقيم في فندق صغير تجد فيه شابا خجولا ذا شخصية ضعيفة تتحكم فيه والدته التي تقيم معه.
أما أهم ما قدمه الشريط فهو مشهد الحمام الشهير الذي يتحول إلى أشهر مشهد في تاريخ السينما، حيث نجد ما يوحي بوجود عجوز تقتل الفتاة، ثم نجد الشاب الذي يعمل في الفندق "نورمان" يقوم بمحاولة إخفاء معالم الجريمة، يحتوي المشهد على 80 لقطة وهو بطول دقيقتين فقط، ولكن هناك إبراز لكل تفاصيل الجريمة بكثير من الإثارة والغموض.
يتولى محقق خاص التحقيق في السرقة واختفاء الموظفة، لكنه يقتل بينما نكتشف في النهاية أن الشاب يقوم تتدبير جرائم القتل وهو يرتدي ملابس والدته ويقوم بدورها أثناء تنفيذ الجريمة، أما الأم فهي غير موجودة أصلا.
لقد اعتبر هذا الفيلم "سايكو" من أشهر وأفضل أفلام هيتشكوك، كما أنه استخدم نموذجا للأفلام الدراسية في معاهد وكليات السينما ولقد اجتمعت في الفيلم عناصر مهمة ناجحة، أهمها الإخراج المتقن وقوة النص والحوار وكذلك التمثيل والموسيقى والتصوير، ولذلك رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار لكنه لم يفز بأي منها، وفازت الممثلة جانيت لي بجائزة الكرة الذهبية.

• نجاح كبير:

من الناحية التجارية حقق الفيلم نجاحا كبيرا ، أكثر من 50 مليون دولار، مع ملاحظة أن معظم شركات الإنتاج كانت قد تهربت من المغامرة بإنتاجه، ولذلك استخدم هيتشكوك طواقم عمل تلفزيونية وليست سينمائية، ومن ناحية أخرى اعتبر الفيلم من الأفلام الحساسة التي تناولت علاقة الابن بأمه وكذلك استخدام ملابس النساء، واستعراض الخيانات الزوجية بشكل ظاهر.
ولقد استفاد الممثل أنطوني بيركنز من دوره وقدم سلسلة من الأفلام التي سارت في نفس المسار لكنها لم تكن ناجحة.
ومن الظواهر التي تحسب لهذا الفيلم منع دخول الجمهور أثناء عرض الفيلم، وهي الطريقة التي استمرت عليها العروض بعد ذلك.
أيضا أعيد سيناريو الفيلم في فيلم جديد للمخرج غاس فان زانت عام 1998 ولكن لم ينجح الفيلم فالمسألة ليس لها علاقة بتنفيذ السيناريو، ولكن بالأجواء العامة التي يصنعها الفيلم عن طريق مرخه.

شمال غرب:

الفيلم الثاني هو أيضا لا يمكن نسيانه، لأنه أحد أهم الأفلام السينمائية العالمية، وهو إنتاج سنة 1959 وقد قام ببطولته كل من كاري غرانت وإيفا ماري سانت وجيمس ستيوارت.
وبالطبع يعد الفيلم من كلاسيكيات السينما، فقد بلغ هيتشكوك فيه قمة تألقه وتميز ببراعة في التشويق والإثارة، وجمع الفيلم كل المقومات الفنية الناجحة مثل الإخراج والسرد والسينما فضلا عن الموسيقى والتمثيل.
وبخلاف بعض الأفلام الأخرى للمخرج فإن فيلمه هذا يعتمد على المطاردات، فعبر رحلة طويلة من نيويورك إلى شيكاغو تقوم مجموعة من الجواسيس بمطاردة مدير ناجح لشركة من شركات الإعلان وقد قام بدوره الممثل كاري غرانت، وهي مطاردة خاطئة بسبب الاشتباه في هذا الشخص باعتباره جاسوسا وقاتلا في نفس الوقت، فعليا هناك أكثر من مطاردة ومن ذلك مطاردة داخل رحلة بالقطار ومطاردة أخرى في مناطق قريبة من داكوتا الجنوبية حيث تتواجد تماثيل رؤساء أمريكا.
ومن أهم عوامل التشويق أن الجاسوس الافتراضي هو مجرد شخصية وهمية تم ابتكارها لتضليل الجواسيس، بقصد القبض عليهم وهذا ما تحقق فعليا في نهاية الفيلم.

مشهد شهير:

كالعادة يضيف هتشكوك مشهدا مثيرا في كل ما يقدمه، وفي هذا الفيلم نجد مشاهد مطاردة في حقل زراعي واسع، بواسطة طائرة للرش، بالإضافة إلى التصوير الخارجي، هناك مشاهد داخلية اعتمدت على الديكورات ومن ذلك مثلا محاكاة الممرات الداخلية لمقر هيئة الأمم المتحدة بعد أن رفضت الهيئة التصوير داخلها.
أما العنوان شمال غرب فهو بدون مدلول مباشر حيث لا يوجد مكان أو اتجاه بين الشمال والشمال الغربي، ولكن الدلالة تشير إلى البحث العبثي أو البحث عن الشخصية الوهمية، مع الاستفادة من مقولة لهاملت توضح ذلك المعنى الخفي عند شكسبير.
ولتقريب بعض المعاني جاءت رحلة البحث أحيانا بواسطة شركة الطيران شمال غرب، ولكن يبقى العنوان رمزيا وليس واقعيا.
ولم يكن الممثل كاري غرانت هو المرشح للدور بل جيمس ستيوارت ولكن الأخير بدا أكبر سنا وغير مناسب للدور، مع العلم بأن الممثل كاري غرانت كان قد عمل مع هيتشكوك في أفلام سابقة مثل الارتياب 1941 وسيء السمعة 1946 وامسك اللص 1955.
هناك ممثل آخر مهم أضيف إلى الفيلم وهو جيمس ماسون، وبالتالي كان هناك تجمع كبير لممثلي هوليوود في هذا الفيلم، ورغم ذلك لم ينل أية جائزة أوسكار، وكان التعويض بالنجاح التجاري الكبير الذي تحقق سابقا ومازال يتحقق حتى الآن.

• اللعب مع الجمهور:

إذا قلنا بأن المخرج العالمي الفريد هيتشكوك يتلاعب بأنفاس ومشاعر الجمهور فذلك أمر لا يحتاج إلى نقاش، رغم أن فكرة اللعب هذه ليست أساسية من حيث الاستعمال، والتعبير فهو مصطلح قد يعني عدم الجدية، الأمر الذي لا يتفق مع ما يطرحه هيتشكوك ، فهو شخص جاء إلى ابعد الحدود في كل ما يقدمه من أفلام وما يطرحه من أفكار.
يبدو أن هذا الأمر واضحا في فيلم "النافذة الخلفية" إنتاج 1954 وهو الذي يعد أيضا من افضل مائة فيلم قدمتها السينما العالمية طوال تاريخها.
ومن أهم ما حققه هذا الفيلم أنه نجح على المستوى التجاري وحقق مكاسب مادية كبيرة، وفي نفس الوقت نال ثقة النقاد، ومنهم من اعتبره الفيلم المثالي للمخرج لأنه جمع كل معالم التميز والإبداع.
يستند الفيلم إلى رواية قصيرة بعنوان "لابد أن تكون هناك جريمة" وهي للكاتب وليام وولريش وصدرت عام 1942.
أما الشخصية الرئيسية فهي لمصور صحفي "جيف" يصاب بكسر في ساقه ويجد نفسه مرغما على البقاء على كرسي متحرك لعدة اسابيع، لقد وجدت شقته في نيويورك في مكان مناسب تشرف على ساحة واسعة وحولها عدد من الشقق الأخرى، والأهم أن بإمكان "جيف" أن يتابع جيرانه من خلال نوافذهم المفتوحة، وتحولت متعة متابعة الجيران أو التلصص عليهم من بعيد عن طريق المنظار إلى عادة تسيطر عليه تماما إلى درجة الهوس وبذلك يتعرف على معظم جيرانه من خلال النافذة فهذه راقصة الباليه التي تتدرب يوميا وهذه أيضا العانس التي تنتظر الزواج وتلك الفتاة التي تهوى النحت والحمام الشمسي اليومي وغيرهن.
أما الأهم بالنسبة للجيران فهو الزوج البائع المتجول الذي يتشاجر مع زوجته المعقدة، والتي تختفي ولا تظهر مما يوحي بأن هناك جريمة قد وقعت.
ويقدم الفيلم إشارات إلى هذه الجريمة عندما يشاهد من بعيد الرجل وهو يغسل السكاكين وكذلك يحمل بعض الحمولات إلى الخارج مما يشير إلى تقطيع جسد الزوجة.

• ثلاثة اشخاص:

إن المصور الصحفي قعيد المكان وهو لا يتعامل إلا مع ثلاثة أشخاص وهم الممرضة التي ترعاه وخطيبته عارضة الأزياء وصديقه ضابط الأمن الذي لم يقتنع بوجود جريمة قتل رغم الدلائل التي تشير إلى ذلك.
ويتم اكتشاف الجريمة عندما تزور الخطيبة شقة القاتل ولكنه يعود فجأة ويحاول قتلها، ولا ينقذها إلا حضور الشرطة في الوقت المناسب.
إن التشويق يزداد حدة لأن الأحداث يتابعها المشاهد من خلال وجهة نظر المصور القعيد على كرسيه والعاجز والذي يهاجمه القاتل عندما يلمح أن هناك من يراقبه.
ومبلغ الإثارة يصل إلى مداه لأن الجمهور يشعر دائما بأنه عاجز وأنه يتابع كل شيء عن بعد وخصوصا أن مشاهد الفيلم قد صدرت معظمها في شقة صغيرة، عدا المشاهد الأخيرة في النهاية، والحقيقة أن التشويق يؤدي إلى الإثارة وليس العكس في هذا الفيلم، وهي إثارة داخلية نفسية تلعب على وتر حساس عن الإنسان.

• أساس الموضوع:

ومن الأهمية بمكان القول بأن هيتشكوك هو اساس القصة لأنه جوهري، لذلك استخدم موقعا خارجيا ضخما في شكل بناية سكنية لها عدة طوابق، وقد تم ذلك لأول مرة حيث أدار المخرج الممثلين والطاقم الفني بواسطة جهاز لاسلكي.
ومن أشهر الممثلين الذين عملوا في هذا الفيلم جيمس ستيوارت، أما غريس كيلي فقد اختيرت لهذا الفيلم لأنها المفضلة بالنسبة لهيتشكوك وقد سبق لها أن عملت معه في عدة أفلام.
وكالعادة لم ينل الفيلم اية جائزة رغم أنه ترشح لأربعة أوسكارات ولكنه حقق ارباحا كبيرة، فقد وصلت إيراداته إلى 37 مليون دولار بينما كانت تكاليف إنتاجه مليوني دولار فقط.
وبسبب نجاح الفيلم فقد أعيد إنتاجه في فيلم تلفزيوني عام 1998 ولكن لم يتحقق النجاح لهذا الفيلم المشروع وهذا يعني أن هناك دائما وصفة خاصة لا يحسن إعدادها إلا المخرج هيتشكوك بصرف النظر عن القصة والشخصيات ويتوقف الأمر في الغالب على تقديم التفاصيل الصغيرة والعناية بعناصر الفيلم المختلف.

• هوس وعجز:

إذا انتقلنا إلى فيلم آخر من أفلام هيتشكوك سوف لا نجد شريط "الطيور" مثلا أو "ريبيكا" رغم أن الجمهور يفضلها أحيانا على غيرها لكننا نجد شريطا آخر وهو "الدوار 1958" والذي اعتبره بعض النقاد أهم فيلم في تاريخ السينما.. نقول ذلك ونحن نعلم بأن النقاد أنفسهم كانوا قد شنوا حملة على الفيلم بعد عرضه مباشرة.
اعتمد هذا الفيلم على قصة مكتوبة خصيصا للسينما بعنوان "من بين الموتى" وقد اشترك في كتابتها بيير بويلو وتوماس نارسيجاك ولكن السيناريو اختلف قليلا عن القصة الفرنسية حيث يقوم المخبر السري "جون" بمهمة خاصة بعد أن استقال من الشرطة واساس المهمة هو تعقب زوجة صديق ثري لفهم اسباب تصرفاتها الظاهرية الغريبة.
من جانب آخر يعاني "جون" من الدوار عندما ينزل إلى أسفل أو يصعد إلى أعلى ولذلك ترك سلك الشرطة، لأنه كان سببا في هلاك أحد زملائه.
تطورت العلاقة بين "جون" والزوجة "مادلين" تمثيل كيم نوفاك، من مجرد متابعة وتعقب بين الحدائق والمتحف إلى علاقة عاطفية، لكن مادلين تسقط من البرج العالي ولا يستطيع المخبر أن ينقذها، ثم يتعرف على امراة تشبهها كثيرا "جودي" والتي تتنكر لتقتل الزوجة بتدبير من الزوج نفسه.
يخوض هيتشكوك في تنويعات كثيرة، الهوس والحب الرومانسي والعجز الجسدي والخيانة، مع تداخل وتشابك بين النوع البوليسي والرومانسي وإضفاء المزيد من الغموض على الشخصيات.


• البطلة مادلين:

هناك ايضا اهتمام كبير بالملابس وخصوصا بالنسبة للبطلة مادلين، وكذلك عناية بالموسيقى المستقاة من أعمال فاغنر الموسيقية مع تنويع في استخدام الإضاءة وتوزيعها، كل ذلك ساهم في إنجاح الفيلم بطريقة متدرجة.
في الأيام الأولى لعرض الفيلم لم يحقق الفيلم النجاح المطلوب، ولكن مع مرور الوقت اكتشف الجمهور وكذلك النقاد الأسرار الكامنة في الفيلم ولم يسهم التمثيل هذه المرة في إنجاح الفيلم إلا من حدود ضيقة، وخصوصا بالنسبة لجيمس ستيوارت الذي بدا أكبر من سنه وكذلك كيم نوفاك التي لم تقدم سابقا على تجارب من هذا النوع رغم نجاحها النسبي.
لقد رشح الفيلم لجائزتي اوسكار ولم يفز بأي منهما، فقد فاز بمعظم الجوائز الفيلم الاستعراضي "جيجي".
كما بلغت ميزانية هذا الفيلم أكثر من 2.5 مليون دولار أما العائد فقد بدا ضعيفا حوالي 25 مليون دولار وكان النجاح حليفه في العروض المتتالية الخارجية.
من خصائص فيلم "الدوار" أنه من أكثر الأفلام إثارة للنقاش، فقد كتب عنه الكثير واعتبره الباحثون في مجالات الدراسات النفسية أقرب إلى اللوحة العامة، التي يمكن أن تقرأ من جوانب مختلفة لأن العامل النفسي هو الذي يقود ويحرك الشخصيات.
لاشك أن هناك آراء نقدية كثيرة لا ترى في الأفلام المذكورة سابقا الصورة المثالية النموذجية بالنسبة لما قدمه هيتشكوك من افلام وسيما بالنسبة لأفلام مثل "ظلال الشك، ريبيكا، الرجل الذي يعرف أكثر، فندق جامايكا، الحبل، الطيور" ولكن تتداخل النقاشات في إطار من اختلاف وجهات النظر ولعلنا لا نختلف كثيرا حول الفكرة التي تقول بأن هيتشكوك هو صورة كلية لا تقبل التجزئة فهو مجموعة من الخيوط المتشابكة المتداخلة التي تسير في سياق واحد، رغم أنه ليس كاتبا بصورة دائمة، لكنه يجعل من قصص الآخرين صورة من عالمه الرحيب الذي يصعب مقاومة إغراء السقوط في الفخاخ التي ينصبها، فهو هيتشكوك صانع الدهشة والحيرة والغموض.

السبت، 29 نوفمبر 2008

لعبة اسمها التسلل والاقتحام--فيلم لانطوني مانغويلا





عندما يتسلل الثعلب إلى الحديقة



بعد 11 سبتمبر 2001 لم تظهر فقط موجة من الأشرطة العربية لها علاقة بالصراع في بعض المناطق الدولية الساخنة كما في أفغانستان والعراق ولبنان وبعض البلدان الإفريقية.. ولكن برز اتجاه في السينما يتطرق إلى الأقليات العرقية في الدول الأوروبية وفي أمريكا تحديداً مع التركيز على ما يسمى بفكرة "الاستبعاد والاندماج" في المجتمعات الغربية.. وما يعني ذلك من تحليل لفكرة الفواصل والتقارب بين الثقافات المختلفة والتشابك والتداخل بين

لهذا السبب أنتشرت الشخصيات الأجنبية في الأفلام الأمريكية والأوروبية وتم التعامل معها، ليس بأعتبارها نماذج لها تأطير معين ولكن شخصيات حية ومتفاعلة ومتغيرة. وهذه مسألة ايجابية في تطور نوعية الإنتاج السينمائي وفي تخلصه من الدعاوى السياسية المباشرة.

وفي الحقيقة لقد أسهم بعض المخرجين في التأكيد على هذا الاتجاه وكان أغلبهم من الأقليات الوافدة من أوروبا وأمريكا ومن السكان الأجانب الذي استقروا وعاشوا بشكل

ما يشبع الثقافة عموماً.

من هؤلاء المخرج المعروف أنطوني مانغويلا الذي ولد في بريطانيا ولكن من أبوين ايطاليين مهاجرين وبالتالي فإن أفلام هذا المخرج قد أكتسبت هذا الانفراج على ما هو غير أوروبي والانفتاح على ما يعرف بالخارجي

ولقد بدأ ذلك واضحا في معظم أشرطة المخرج ومنها "حقيقي ومجنون وعميق 1990 ــ المريض الانجليزي 1996 ــ مستقر ريبلى الموهوب 1999 ــ الجبل البارد 2003، ثم هذا الفيلم (تكسير واقتحام 2006).

في الأفلام المذكورة سابقا سوف نجد بعض الشخصيات (الخارجية) بمعنى وافدة على المجتمع الغربي أو ما يمكن تسميته أحياناً بالشخصيات الغريبة ــ الغرباء..

والذين مشكلتهم أبدا هي مقدار تكيفهم أو عدم تكيفهم مع المجتمع الجديد الذي ينتقلون إليه لأسباب كثيرة لها علاقة بالجوانب السياسية والاقتصادية بسواء كان الأمر متعلقا بعوامل أفراد لها جاذبية داخلية أو عوامل طرد خارجية.

في هذا الفيلم "تكسير واقتحام" نجد أنفسنا أمام اقتحام فعلي، تقوم به مجموعة من الأفراد "عصابة للسرقة" تقطن حي شعبي يسمى "تقاطع كنيج"، يضم عدداً كبيراً من الوافدين إلى لندن من المهاجرين للعمل لفترات تطول أو تقصر، ويختار الفيلم "كاتب القصة هو منغويلا نفسه" مجموعة من البوسنة ومن الشباب الذين يجيدون القفز ويتدربون عليه بمهارة عالية تسمح لهم بتسلق الجدران والأماكن العالية.. وبالتالي سرقة المحتويات من المنازل والمؤسسات المجاورة والبعيدة.

مؤسسة "الإنجاز الأخضر" للبناء تسعى لتطوير هذا الحي ووضع نماذج هندسية جديدة.. ولذلك انتقلت بمقرها إلى قلب حي تقاطع كنيج لتكون قادرة على إنجاز العمل اليومي بكل العاملين الذين يعملون فيها، بما فيهم المهندس المعماري "ويل" يقوم بالدور الممثل "جودلو"..


رغم أن الفيلم يبدأ بتهويمات بين هذا المهندس ورفيقته ليف حول الدائرة الوهمية التي تحيط بالأفراد ولا يستطيعون الخروج منها.. إلا أن بداية الأحداث فعليا نراها عندما يقوم الفتى "ميرو" بتسلق مبنى المؤسسة وفتح الباب لزملائه لسرقة المحتويات، وخصوصاً أجهزة الحاسوب، بما فيها الحاسوب الشخصي للمهندس "ويل"..

تطال التهمة من يقوم بالنظافة، ويصر رفيق المهندس "ساندي" على أن الفاعل هي من تقوم بالتنظيف "عاملة من نيجيريا" على أساس أنها الوحيدة التي عرفت الشفرة الخاصة بفتح الباب الرئيسي.

هناك تكسير للزجاج من أعلى السطح بعد متابعة الكاميرا "ميرو" من بعيد لعملية تركيب آلة الفتح والإغلاق وتسجيل رقم الشفرة، وهناك اقتحام من الباب الرئيسي لسرقة حواسيب الماكنتوش الخاصة بالعمل.

يكافئ العم المسؤول على تصريف المسروقات الفتى "ميرزاد" على جهوده الكبيرة في السرقة ويهدي له الحاسوب المحمول الخاص بالمهندس ليتابع عن طريقه المشاهد المصورة لحياة المهندس العائلية، وعلاقته بأبنة رفيقته "بي" التي تعاني من الآرق ومن مرض التوحد، رغم أنها تجتهد في مجال الرقص الإيقاعي والبالية.

فئة أمام أخرى:

يقسم الفيلم فضاء الأحداث إلى قسمين: الأول الجيتو الذي يسكنه هؤلاء المهاجرين المتعددي الأجناس، والثاني المكان الأرقى الذي يسكن فيه المهندس مع كل من الأم ليف وهي مخرجة أفلام وثائقية من أب أمريكي وأم سويدية، ومشكلتها هي ابنتها التي تعالجها عند طبيبة تدعى روز ماري.

وهنا نلمس التقسيم الطبقي الواضح والخط الفاصل بين الجانبين على المستوى الثقافي والاقتصادي، ولاسيما عندما يقوم المهندس مع صديقه بانتظار السارق والتربص به لمعرفته والقبض عليه، بعد أن عاد للمرة الثانية وترك "سي دي" خاصة بالمهندس مع حفظ كل ما في الجهاز من مواد.

يتدخل المهندس ويل إلى هذا المجتمع الصغير الذي يسكن الجيتو عندما يشرع في العمل لتطويره وكذلك عندما يتابع السارق إلى حيث يسكن، ليبدأ في التعرف على الأم "أميرة" وهي بوسنية مسلمة هربت من الحرب في سرايفو مع ابنها وتركت زوجها الذي لا تعلم عنه شيئاً.

علاقة متشابكة:


تتحول العلاقة المنفعية إلى علاقة عاطفية، ولكن قبل ذلك وعندما تتعرف الأم "أميرة" على مقاصد المهندس الفعلية، تعمل على الإيقاع به بواسطة تصويره في لقطات مخلة بالشرف، لغرض إرغامه على عدم توريط ابنها والقبض عليه بتهمة السرقة.. ولكن الأحداث تسير نحو اتجاه آخر عن طريق من يعمل في الشركة وكذلك التحري الذي تولى ملف القضية، فيتم القبض على ميرزاد وإيداعه السجن، ورغم أن الأم تحاول أن تستجدي "ويل" لمساعدتها في إنقاذ ابنها، ثم العودة به إلى سرايفو.. إلا أنه لا مجال لإنقاذ الابن، ولا تسير الأحداث نحو ذلك، إلا عند مكاشفة ويل رفيقته "ليف" بكل ما حدث، لنصل في النهاية إلى سحب الشكوى بالسرقة والاعتراف بالعلاقة السرية بين أميرة وويل، وفي ذلك، كما يتصور صناع الفيلم، تراجع من قبل هذه الطبقة الغربية المترفة بحضور الآخر في محيطها بعد أن كان سبباً رئيسياً في تهميشه وعدم الاعتراف بحضوره.

لم يركز الفيلم كثيراً على الفوارق بين القسمين، السكان الأصليين والغرباء، فالملابس متقاربة والتداخل في العلاقات واضح، ومن هنا جاء التركيز على التمثيل ليكون الفارق الأساسي بين فئتين مختلفتين، وبهذا المعنى، فإن الممثلة الأكثر حضوراً هي "جوليت بنوشيه" الفرنسية التي يمكنها أن تقدم عشرات الأدوار بنفس المستوى، ولا يتعلق الأمر بلهجتها الشرق أوروبية في نطق الإنجليزية ولكن أيضاً في علاقتها بابنها ومرارة حياتها والتغافل عن كونها أنثى، إلا في اللحظات الأخيرة عندما تلتقي بالمهندس ويل.


ربما كانت مشكلة هؤلاء المهاجرين أقوى، من الناحية المادية، عمال من إفريقيا ومن البوسنة وروسيا، يحتاجون إلى المال، وللتأكيد على ذلك، جاءت الشخصية الثانوية التي تحضر دائماً في أفلام أنطوني مينغويلا، وهي شخصية المرأة المهاجرة من روسيا والتي تعمل ليلاً امرأة طريق تبحث عن الزبائن بطرق مختلفة..

ولقد استخدمت في مشاهد انتظار ويل لقدوم السارق الليلي.. أما مشكلة الفئة الأخرى، فهي ليست واضحة، تمتد لتشمل مشكلات اجتماعية وفردية لا علاقة أحياناً بالسويد، ثم التفكير في الانتحار، والإحساس بالذنب، والحاجة للخروج من الدائرة المغلقة وتكسير الطوق الذي يحاصر الشخصيات، أي أنها تحتاج إلى تكسير واقتحام نحو الخارج، بينما الفئة الهامشية الفقيرة تحتاج إلى تكسير واقتحام نحو الداخل.

ليس بالضرورة أن يكون هناك توافق بين الفئتين، ولكن يمكن الوصول إلى حلول مشتركة، قوامها التنازل والاقتراب نحو الفئات الهامشية من الغرباء، مثلما اعترف ويل بعلاقته مع أميرة.. ومثلما أضطر ساندي إلى عدم الإصرار باتهام الزنجية ايريكا بتهمة السرقة.

استخدم الفيلم ما يمكن تسميته بالمجاز في التعبير عن موضوعه، ولطالما كرر ويل استخدامه لفكرة التعبير بالمجاز عندما يفشل في التعبير عن أفكاره مباشرة.

قلب موحش:


لم أجد مبرراً لإدعاء الشقاق بين بيل ورفيقته ثم عودة الأمور إلى مجرياتها بعد ذلك، وهي نهاية لا تستقيم معها الأحداث التي تجعل من المشكلة قائمة أبداً، إلا أن منطق مينغويلا الكلاسيكي يقود دائماً إلى مثل هذه النهايات التي تنهي الفيلم وتنهي الحدث وتكتم السؤال في آن واحد.

هناك سرقة أخرى كشفت عنها الأحداث، عندما طالبت فتاة الليل الروسية بأجرها على مجرد إضاعة الوقت والرقص داخل السيارة، ولم يستجب لها ويل، تعلمت على سرقة السيارة ثم ارجعتها بعد ذلك، مثلما ارجع ميرزاد أسطوانات "السي دي" الخاصة بالمهندس.



الحقيقة أن الفيلم قد استخدم مشاهد كثيرة خارجية داخل الفيلم للكشف عن بعض تفاصيل العلاقة بين الفتاة "بي" وبين عائلتها، وكذلك لتوضيح بعض المجريات التي كانت سبباً في هجرة المرأة البوسنية وابنها إلى لندن.

ثقافات متداخلة من الكلمات واللغات والأغاني والرموز، حاول الفيلم إبرازها ولكن بدون رجوع إلى اثنوغرافيا باردة ورمزية، ولعل هذا ما انقذ الفيلم نسبياً، رغم ما به من تفصيلات غير مقنعة على مستوى المنطق الداخلي للفيلم.

لقد أضافت الممثلة "جوليت بنوشيه" دوراً جيداً إلى أدوارها المختارة بعناية، مثل رجفة الكائن التي لا تحتمل 1988 - ثلاثية الأبيض والأزرق والأحمر- عشاق على الجسر 1999 - شكولاته 2000 - في بلادي 2005 - الفصل الرائع 2005 - أيام في سبتمبر 2006.

أما "جود لو" فهو يحضر ويغيب في أدواره المتلاحقة، ولكن بعض الأدوار الأخرى تبقى هي الأهم ومن ذلك "العدو على الأبواب 2001، طريق الخلاص 2001، الجبل البارد 2003، القطع النهائي 2004، الاقتراب 2004، العطلة وكل رجال الملك 2006".

ربما يمكننا القول بأن أكثر المستفيدين هي الممثلة روبن رايت والتي سبق أن عملت في أفلام مثل "السقوط إلى أسفل 2001، الحب فعليا 2004" فقد كانت الممثلة الأكثر اقناعاً في الشريط.

من اللافت للنظر أن المخرج قد استخدم تنويعات موسيقية متعددة، تعبيراً عن سياق الفيلم التي يفترض وجود ثقافات متعددة، لكنه لم يهتم بملابس الممثلين، حتى أنه قد شاهدنا أكثر من شخصية بملابس واحدة، مثل ميرزاد "رافي كافرون"، فالهدف هو عدم إبراز الاختلاف الظاهري على حساب الاختلافات الجوهرية التي تحملا كل شخصية معها، وهو ما يدفع نحو العودة إلى المبدأ والمنطلق وليس الاندماج مع ما هو جديد.