الخميس، 10 يونيو 2010


اسمى خان ومريض بالتوحد اولا واخيرا

يتحدث أهل الإنتاج السينمائي في البلاد العربية والإسلامية كثيرا عن تلك

الأفلام التي يمكنها أن تنتج وتعرض عالميا للدفاع عن صورة المسلم كما

قدمتها وسائط الإعلام والإنتاج، ولاسيما في السينما والتلفزيون في أمريكا

والدول الغربية عموما.

نعم، هناك متغيرات كثيرة، ولاسيما بالنسبة للسينما، ذلك أن أكثر من فيلم

أمريكى قد أنتج في السنوات الأخيرة يحاول أن يكون منصفا بقدر الإمكان

وبالطريقة الأمريكية التي تضع النتائج دائما في مصلحة المواطن الأمريكي.

نعم، هناك وجهات نظر منصفة تقريبا أو على الأقل محايدة، وخصوصا بالنسبة

لقضايا تبدو لنا عادلة مثل قضية العراق أو قضية أفغانستان أو بعض القضايا

المحلية الأمريكية التي لها علاقة الجاليات الأجنبية عموما والجالية

المسلمة على وجه الخصوص.

تتحدث عن تلك المؤسسات الكبيرة الرسمية.

وكذلك المؤسسات الخاصة، والنوايا تبدو طيبة في عمومها، إلا أن الناتج يعد

سلبيا، فلا أفلام عربية وإسلامية أنتجت، ولا مسلسلات تلفزيونية، ولا برامج

خاصة بالوسائط المتعددة، وربما لا توجد مطبوعات في هذا المجال.

وحتى ذلك المسلسل التركي الشهير "وادي الذئاب" وقبل ذلك الفيلم السينمائي

نفسه نجده خارج السياق لأن جمهوره تركي أو عربي من أبناء المنطقة ولا يتوجه

الى الخارج.

وكما قلنا عند معالجة الكثير من الأفلام الأمريكية فإن 11/9 يعد ّعلامة

فارقة من حيث اختيار الموضوعات في السينما الأمريكية.

والتعامل مع النماذج والشخصيات غير الأمريكية، من الثقافات الأخرى، وتعدّ

شخصية المسلم من أكثر الشخصيات التي ظهرت في السينما الأمريكية في الأعوام

الأخيرة، ولاسيما وهي شخصية متهمة دائما ومع سبق الترصد بالإرهاب، حتى

تحولت الى نمط معين لا يكاد يقبل التغيير، وهذا هو حال السينما الأمريكية،

نراها تبحث عن الأنماط، ولا تكاد تتبدل هذا الأنماط إلا بعد سنوات من

التفاعل والتغيير الوارد من الخارج.

لقد أثار فيلم"اسمي خان"الكثير من الخواطر في النفس، ذلك أنه فيلم هندي

إنتاج 2009 وعرض في الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية، وحقق نجاحا جيدا على

الصعيدين الفني والتجاري، والأهم أنه عرض داخل أوروبا وأمريكا وكتبت عنه

مقالات كثيرة لها طابع ايجابي. كما أنه عرض فى بعض البلدان العربية، بعد

انقطاع طويل للسينما الهندية، وهو أمر حدث في مصر والخليج.

وبالطبع كنا نأمل أن تقوم مؤسسات الإنتاج العربي بإنتاج مثل هذا الفيلم،

وحبث أن ذلك لم يحدث فقد كان يمكن استيراد وعرضه فى دور العرض العربية

باعتباره نموذجا للفيلم الذى يمكن أن يتسلل الى الخارج ويحمل رسالة واضحة

لمصلحة الشخصية المسلمة أينما كان.

خصوصا وأن موضوعه يقوم على نبذ التطرف وزرع دعوة الأفلام، فضلا عن تصحيح

المقولة الخاطئة المنتشرة إعلاميا المرتبطة بالمسلم والتي تضعه في خانة

الإرهاب بحسب التصورات الغربية والأمريكية المتسرعة.

اسم الفيلم "اسمي خان.. وأنا لستا إرهابيا" لمخرجه" كاران جوهار" وهو مخرج

ليس لديه انتاج كثير، كما هو معتاد في السينما الهندية. أما الممثل الرئيسي

فهو الهندى المسلم "شاروخ خان" المعروف بأدواره المتعددة فضلا عن عمله في

مجالي الإنتاج السينمائي والتوزيع.

سوف يذكرنا "شاروخ خان" وبدوره هذا بأدوار عرفناه في السينما العالمية، ومن

ذلك دور داستن هوفمان في فيلم "رجل المطر" ودور توم هانكس في فيلم "فورست

غامب" والفيلم القديم للمثل الراحل بيتر سيلر"أن تكون هناك" وجميعها أدوار

تجمع بين البساطة والتلقائية والنقد الاجتماعي وأحيانا السياسي.

الأقرب الى هذا الفيلم "رجل المطر" المعتمد على قصة حقيقية لرجل مصاب

بالتوحد، فنجد الشخصية تتكرر في فيلم "اسمي خان" بواسطة رضوان خان المصاب

بالتوحد أيضا، ضمن خانة تعرف باسم "متلازمة ابرجر" وهي فئة لها سمات وخصائص

متقاربة، ومن ذلك الخوف من الأماكن المرتفعة والارتباك عند مشاهدة اللون

الأصفر، بالإضافة الى باقي صفات التوحد والتي تجعل من الشخصية أقرب الى

الشخص المريض، لكنه لكنه ليس مريضا فعليا.

علينا أولا أن نحدد بأن الفيلم إنتاج هندي، له خصائص وسمات الفيلم الهندي

كما هو متعارف عليها، وحتى إذا قلنا بأن الفيلم له هدف سياسي ورسالة

مباشرة، فإن ذلك من خصائص الفيلم الهندي فعلا، فالاتجاه العام الغالب على

هذه السينما اختيارها للموضوعات البسيطة غير المركبة واختيارها للأشكال

البسيطة في السرد وتطور الأحداث والوصول الى النتائج.

لكن الأهم أن هذه السينما تنتظر الى الأحداث دائما على أنها في حال تغيير،

وأن من الممكن البلوغ الى الغايات المثالية، وهذا ما يحققه بطل الفيلم

رضوان في رحلته الصعبة، حيث يمكنه أن يعطي ولا يأخذ، ويمكنه أن يكون

نموذجيا في عالم يخلو من المثالية.

الفيلم من النوعية العاطفية والتي تجيد السينما الهندية تقديمها، حيث يختفي

المنطق وتقديم الأسباب والمبررات والشواهد، ولعل في اختيار نموذج الشخص

المريض نفسيا دلالة على ذلك، لنه شخصية تتحرك بدوافع داخلية ولا تأثر

بالأفعال الخارجية المضادة له، ولهذا لا نجد رضوان منفعلا أو حاسما أو

عدوانيا. إنه صورة لا يمكن أن تتحقق إلا بشخصية رجل مريض بالتوحد.

الأم "راضية" هي التي تصنع طبيعة الحدث، لكنها تختفي منذ البداية. إنها

المعلم البسيط الطبيعي، وبدون تعقيد.. هناك فئة الأخيار وهناك فئة الأشرار.

لا يوجد شيء آخر، لا تقسيم عرقي أو ديني، رغم أحداث الشغب بين المسلمين

والهندوس في الهند 1882.

هذا المبدأ البسيط ينقله رضوان، مثل راضية ... من الرضى الى أمريكا حيث

يعيش أخوه زاهر ومعه زوجته حسيبة.

يبدأ الفيلم من المطار، عندما يدخل رضوان الى أمريكا ويعيش فيها وينتقل من

ولاية الى أخرى، ولأنه كلف نفسه بمهمة إيصال رسالة الى الرئيس الأمريكي فقد

أراد التوجه الى واشنطن، وعندما يعامل بقسوة لأنه مسلم وتطول فترة التفتيش،

بفقد رضوان طائرته ويختار أن يركب الحافلة، وفي فترة الانتظار وبوجود مفكرة

صغيرة معه تبدأ أحداث "الفلاش باك" لنعرف البدايات الأولى لحياته طفلا، مع

أمه وأخيه.

مثل العادة في الأفلام الهندية. الأم هي الحكمة والقداسة، ورضوان هو ابن

أمه. ولقد أشار الفيلم الى شيء من الألمعية صاحبت طفولة رضوان وهو ذكاء

اقترن أحيانا بمرض التوحد، فهو مثلا يصطلح الأدوات القديمة جميعها ولا تفهم

كيف يمكن كذلك، وهو أيضا يمتاز بذكاء حادّ أحيانا، فهو يخترع يفوز في لعبة

صعبة مع الطفل سمير، والفيلم كما قلنا يعتني كثيرا بالجانب العاطفي ويهمل

التطور المنطقي للأحداث ولا يرسم اجابات لكل ما يقدمه من تفاصيل وأحداث صغيرة.

يعمل رضوان في الترويج لمواد التجميل وينجح في ذلك بمساعدة أخيه زاهر الذي

يستقر في أمريكا لسنوات طويلة. وأثناء ذلك يتعرف على امرأة تدعى" مانديرا"

وهي هندوسية مطلقة ولها ولد يدعى سمير. ومثل العادة تنشأ قصة حب سينمائية

على الطريقة الهندية تندمج فيها الأغنية مع الرقص والموسيقى ويؤدي ذلك الى

تصوّر مثالي لحالة تصل الى مرحلة الزواج، رغم معاناة رضوان من مرض التوحد.

في أكثر من مشهد يؤكد الفيلم على بساطة هذه الشخصية وتعاملها التلقائي مع

الأحداث، فهو يمتاز بالصراحة وعدم المجاملة وينظر للأمور دائما على إنها

جدية وحقيقية، وبهذا الصدق مع النفس يتمكن رضوان من مواجهة العالم من حوله،

رغم كل الصعوبات التي يكثر منها الفيلم.

فعليا تبدأ الأحداث عندما يتقل الطفل سام بسبب عنصرية عدد من رفقائه في

المدرسة وفي اعتداء ينجح الفيلم في تقديم ترتيباته، فهو من ناحية يعبّر عن

العنف ضد هذا الطفل والذي حمل اسم خان المسلم بعد زواج الأم من رضوان خانا،

ومن ناحية أخرى هناك إصرار من الطفل على المواجهة الفردية بكل السبل، وكانت

نتيجة الحادث، وفاة الطفل.

تعتبر الأم أن سبب موت طفلها يعود الى زواجها من مسلم ولذلك تقرر الانفصال

عن رضوان، وفي حديث مطول معه، تطلب منه أن يطوف أمريكا بكاملها وأن يبلغ

الآخرين بأنه ليس إرهابيا، كما إن عليه الوصول الى رئيس الولايات المتحدة

الأمريكية لإبلاغه بهذه المقولة: اسمي خان ولست إرهابيا.

بمعنى أن تهمة الإرهاب تحاصره دائما ولا سبيل من الخروج عن طوقها، وهي صورة

يكسر خان إطارها فى النهاية.

يختار الفيلم أن تكون البداية من هذا المنطلق، ويكون هدف رضوان الوصول الى

الرئيس لإبلاغه بهذه الرسالة.

يعمل خان فى إصلاح السيارات والأدوات الكهربائية وتقوده قدماه الى منطقة

فقيرة، يتعرف فيها على فتى صغير ينقذه بعد سقوطه من على الدراجة وهو داريل،

لا\يعود الفيلم الى الأم الزنجية "ماما جيني"، ويستثمر الفيلم حضور خان

لمصلحة التعاون بين الناس، حيث يحضر قداسا في الكنيسة ويغنى مع الجميع

أغنية تتناسب مع الموقف المحزن الشامل الذي فقدت فيه الأم جيني ابنها أثر

وفاته في أفغانستان.

لقد نجح سيناريو الفيلم في إثارة هذه القضايا الجانبية، كما نجح فى جعل

أحداث 11/9 حاسمة، عندما أظهر خان وهو يتبرع مع زوجته الى ضحايا الأحداث من

رجال الإطفاء الذين فقدوا أثناء قيامهم بواجبهم في إنقاذ الهالكين عند سقوط

البرجين، وكأنه يقوم بشعيرة الصدقة.

أيضا أضاف السيناريو وجود أسرة أخرى مجاورة لأسرة خان، فقدت الأب بسبب موته

في العراق "سارة ومارك وريس الابن".

لعل هذه الجزئيات تضيف الى جوهر الفيلم الكثير، وخصوصا وأن استخدام

الموسيقى والغناء كان مؤثرا وحيويا، وكما قلنا فإن الفيلم يلجأ الى التأثير

العاطفى.

ومن الطبيعي أن يركز على الغناء والموسيقى وكذلك المشاهد الخارجية

المتنوعة، من الطبيعة الى الأرض المنبسطة مثل الملاعب، الى حركة السيارات

في الشوارع ومع التنقل في أنحاء امريكا، وكل ذلك خلق حالة من التنويع أضافت

للفيلم الكثير، رغم الإطالة الواضحة التي تشتهر بها السينما الهندية "150

دقيقة".

يبالغ الفيلم في إبراز القيم الأخلاقية لشخصية رضوان، لكن ذلك كله عن قصد

فهو شخص يقف بين وضعين وعليه أن يختار، ويجد نفسه مع أهل الخير، هكذا

ببساطة أيضا، ولعل تبسيط الأشياء والنظر إليها بعين غير معقدة قد أتى من

واقع شخصية الرجل المريض بالتوحد، ولو كان الأمر يخص شخصية سوية ما تحقق كل

ذلك الاختيار الذي راهن عليه الفيلم.

من الجزئيات التي يبرزها الفيلم الصراع بين الهندوس والمسلمين داخل أمريكا،

أيضا مسألة الحجاب، عندما تخلت مدرسة عن حجابها بدافع الخوف ثم عادت اليه،

فضلا عن الابتعاد الظاهري عن الدين الاسلامي عند بعض الأفراد، والفيلم وعلى

لسان شخصيته الرئيسية يفرد مساحات لقراءة آيات من القرآن الكريم وكذلك

تصوير لشعائر الصلاة.

والأهم من ذلك الخلاف في الرأي الذي نشب بين الدكتور فيصل وخان بسبب النظرة

الأحادية والضيقة لتفسيرات الدكتور للقرآن، للغرض الدعوة الى العنف

وممارسته، ولهذا وقف خان ضده، ثم أبلغ عنه الجهات الأمنية، لكي يتمكن من

الخروج من السجن الذي أودع فيه بتهمة الارهاب ومحاولة الوصول الى الرئيس

الامريكي، وبالتالي فهو شخصية مفتوحة الصدر على الانسانية وفي المطلق.

لم يتمكن خان من مقابلة بوش الأبن، لكنه تمكن من مقابلة الرئيس الأمريكي

الجديد ولقد أظهرهما الفيلم تمثيلا، بعد أن صار خان أقرب الى البطل الشعبي،

فهو قد انتقل الى المناطق المنكوبة باعصار "مولى" وحاول المساعدة، حيث

تتواجد الأم جين وابنها. وأيضا خرج من السجن بعد اثبات براءته بالصوت

والصورة، وكل ذلك حرك قضية مانديرا وابنها القتيل، حيث أبلغ صديقه الصغير

"ريس" عن القتلة، فانتقلت القضية الى العدالة بعد أن أغلق ملفها لعدم معرفة

الجناة.

بعد مقابلة الرئيس الأمريكي بارك أوباما، تعود مانديرا الى خان، فقد تعهد

رضوان بالوصول الى الرئيس واسماعه المقولة التىي يحملها معه: اسمي خان ولست

ارهابيا.

أما الأهم فهي تلك الرسالة التى حرص خان على ايصالها الى الرئيس، من قبل

أحد رجال البوليس الساخرين منه بالمطار، والتي تتضمن نقل تحيات المفتش جون

ماراشال. وقد وصلت الرسالة بالفعل.

إن رضوان خان المريض بالتوحد قد نجح فيما قام به من عمل، ولكن ليسوا كل

الناس مرض بهذا المرض ولذلك هم يفشلون. إنه اختيار سينمائي دققيق من سينما

لها تاريخها الطويل وتجربتها الرائدة!