الأربعاء، 13 يناير 2010

"حلم نورما جين".. صورة امرأة لا ترتعش




لون النص


" نورما جين".. السقوط الى أعلى

لو قلنا بأن عنوان هذا الكتاب "حلم نورما جين" ولم يضف اسم مارلين مونرو،

لكن يمكن أن يكون رواية أدبية، رواية بسيطة على أيّ حال، وفي أفضل الأحوال

يمكن أن نصف الكتاب بأنه سيرة روائية، وقد يكون ذلك الوصف أقرب الى

الحقيقة. لقد صاغت الكاتبة "كاترين كروهن" كتابها "مارلين مونرو.. حلم

نورما جين" بطريقة سردية عامة، لم تتدخل في تفاصيل حياة الممثلة مارلين

مونرو، ولم تلجأ الى التحليل واستغلال المقاربة الاجتماعية، ولم تذهب بعيدا

في شرح الظروف الأسرية للممثلة، ولم تبرز الكثير من دهاليز الحياة

الاجتماعية في أمريكا منذ ولادة مارلين عام 1926 الى حين وفاتها عام 1962.

كما أن الكاتبة لم تقدم معلومات كثيرة حول هوليوود والخلفيات التي تدور

فيها كواليس عالم الإنتاج أثناء سيطرة الشركات الكبرى على الاستوديوهات

السينمائية وعلى رسائل الإعلام والدعاية.

* فتاة ضحية

يمكن القول بأن الكتاب هو مجرد قصة طويلة، كتبت بطريقة السرد المحايد، ولم

يكن يقصد منها إلا تقديم مارلين مونرو باعتبارها ضحية لمجتمع تسيطر عليه

فكرة المرأة الأنثى، فاستخدم جسدها وسيطا لجذب الجمهور وبصناعة تضيف الى

الواقع الكثير من التشويق والإبهار، وهذا هو حال السينما مع الكثير من

الممثلات، فليست مارلين مونرو هي الأولى في هذا المجال، ذلك أن السينما قد

اعتمدت على جمال المرأة وقدمته بأساليب مختلفة منذ السينما الصامتة، بل

هناك من الممثلات من وصلن الى حدّ الأسطورة مثل "غريتا غاربو" و"مارلين

ديتريتش" و"جين راسل" وغيرهن الكثير من خارج امريكا مثل "صوفيا لوران"

و"كانديس بيرجن".

هناك تداخل بين السيرة الذاتية والرواية، وفي هذا الكتاب البسيط سوف نجد

محاولة لبسط نفوذ أحد النوعين ليسيطر حينا ويتراجع في أحيان أخرى، ورغم ذلك

فإن الصورة النموذجية لمارلين مونرو تبقى كما هي متخيلة، إذ لم تحاول

المؤلفة تمزيقها الى قطع صغيرة، وهكذا ظل الجانب المظلم من الشخصية في

الظل، والحقيقة أننا لم نجد في هذا الكتاب صورة المرأة العادية التي تعيش

حالات من الرغبة والحسد والخوف والحقد والكره الشديد، بل وجدنا الجانب

المضيء فقط، الجانب المبهر الذي لا يرتعش أبدا. امرأة متماسكة حتى النهاية

وهو أمر غير قابل للإقناع.

صدر هذا الكتاب عن سلسلة الفن السابع والتي تصدرها المؤسسة العامة للسينما

في سوريا وحمل رقم "172" والمترجم هو محمد علام خضر وبالطبع جاءت الترجمة

عن اللغة الانجليزية، وبلغة عربية مشرقة وصافية وخالية من الأخطاء الطباعية

التي تفسد القراءة إن وجدت.

وكما قلنا فإن الكتاب من النوع البسيط، والسبب يعود الى أن الكاتبة الأصلية

هى كاترين كروهين صاحبة المؤلفات العديدة الموجهة الى الأطفال والناشئة

واليافعين، بالإضافة الى تقديمها لعدد من الروايات المتخيلة والتى تقترب

أحيانا من الخيال العلمى لنفس الشريحة الاجتماعية.

لعل أهم ما قدمته هذه الكاتبة المولودة فى ألمانيا عام 1961، والتى تعيش فى

امريكا، تلك السير الذاتية المبسطة لعدد من المشاهير، ومن هؤلاء مثلا الفيس

بريسبي والأميرة ديانا وشاكيرا واوبرا وينفرى وآخر كتبها كان حول مايكل

جاكسون، بالإضافة الى أسماء أخرى خارج عالم الغناء والسينما.

غير أنه من الواضح أن الترجمة العربية قد قصد بها اعتبارات أخرى، فالمهم هو

تقديم صورة مصغرة للممثلة مارلين مونرو، الرمز الذي ارتفع بالنجومية الى

مستوى صناعة الأسطورة، وما يرتبط بها من اعتبارات تجارية واستهلاكية. وأظن

أن الحاجة الى الكتاب آخر مترجم عن مارلين مونرو تبقى أكثر إلحاحا، فهذه

النجمة تعبّر عن تعقد الحياة المعاصرة، وإذا كان هناك أكثر من أسطورة قد

صنعت، قبلها وبعدها، فهي المرأة، رمز الإغراء والجاذبية والأنوثة في مرحلة

معيّنة دون غيرها، فقد سيطرت طوال عقدين على بريق الشاشة.

يحتوي الكتاب على عدة فصول، تبدأ من طفولة نورما جين الى يوم موتها منتحرة

ليست مؤكدة، لأن الكاتبة تطرح مقدمة أخرى تقوم على فكرة تعاطي الحبوب

المنومة والتي كانت تكثر منها مارلين في أيامها الأخيرة لأسباب نفسية

واجتماعية، بل أن المؤلفة تصور شركات الإنتاج وكأنها السبب الرئيسي وراء

تعاطي الممثلين لجميع أنواع المنشطات وكذلك جميع أنواع حبوب التهدئة.

إن مقدمة هذا الكتاب تبدأ بطريقة موفقة، عندما تختار الكاتبة لبطلتها أن

تنظر الى السماء وذلك دلالة على رغبتها الجارفة بالارتفاع الى قامة النجوم

والخروج من إطار الأوقات العادية الرتيبة التي يفترض أن تسيطر على حياتها.

في يوم عيد ميلاد نورما جين، وهو الاسم الحقيقي لمارلين مونرو، وباعتبارها

أمها تعمل مساعدة "مونتير" في أحد الاستوديوهات، فقد طلبت الأم من الطيار

أثناء تصوير أحد الأفلام أن يمرّ على بيتها من أعلى وأن يحلق قريبا من

ابنتها الصغيرة، لكي ترى الفتاة الطائرة المروحية وهي تقترب من سقف المنزل.

* فتاة يتيمة

ندرك من خلال تتبع الفصول الأخرى أن نورما جين قد عاشت فقيرة، فهي تنقل من

بيت الى آخر، لأن الأمّ عاجزة عن تربية ابنتها الصغيرة، ولم يقف الأمر عند

هذا الحدّ فالفتاة عاشت بلا أب، فهي لا تعرف لها أبا، ولاسيما وأن الأم قد

عرفت عشاقا كثر، حتى إذا ترسخ في ذهنها بأن زوجها مارتن والذي عاش لمدة

سبعة أشهر هو الوالد ابنتها، وهو الإيحاء الذي غرسته الأمّ "غلاديس" في نفس

ابنتها بتلك الصورة المستقرة دائما أمامها عندما تأخذها معها الى منزلها

بين الحين والآخر، ولمن لمدة قليلة تعود بعدها الفتاة اليتيمة الى كنف

الأسرة التي تعيش معها نظير مبلغ بسيط تدفعها الأمّ وأحيانا لا تدفعه.

في سنوات المراهقة، ومن خلال نظرات الآخرين، عرفت نورما بأنها جميلة وحاولت

أن تستمر ذلك في إقامة علاقات جيّدة مع الجميع. غير أن نظرتها الى نفسها،

تبدو غير واضحة، لأن الشكل الخارجي لا يعنيها كثيرا بقدر ما يعنيها أن تعبّر

عن نفسها من الداخل.

هذه الصورة، حتى لو كانت افتراضية، نجحت المؤلفة في توظيفها الى أبعد

الحدود والى النهاية المؤلمة، حيث يفرض عليها الجميع أن تكون شكلا فاتنا

ومثيرا وترى في نفسها أنها أفضل حالا عندما تكون صادقة مع نفسها ومع

مشاعرها الداخلية، ولقد استجابت نورما الى ذلك والى حين فقط.

طوال حياتها سارت نورما جين تحت ضغط الدوافع الصعبة الخارجية، وحتى زواجها

المبكر الأول كان بسبب الحاجة، حيث نقلت الأم ّ"غلاديس" الى المستشفى بسبب

مشكلات نفسية عويصة وشائكة، وسافرت العائلة التي عاشت معها للعمل في مكان

بعيد لا يتوافق مع حضور نورما في لوس انجلوس وبعض الأماكن القريبة من

النجوم، حيث استقر في نفسها لأمد قصير بأنها يمكن أن تكون ممثلة أو عارضة

أزياء.. تقول المؤلفة: "كانت نورما جين تحب الاستئثار باهتمام الآخرين،

بصرف النظر عن نوع هذا الاهتمام، ولعل ذلك جعلها تشعر بأنها محبوبة وعوض

لها عن الحب الذي افتقدته في طفولتها".

* البحر والسماء

لا ننسى أن مارلين مونرو قد كتبت مذكراتها وربما استفادت المؤلفة كاترين

كروهين، من هذه المذكرات، لذلك نراها تنقل نصا دالا هو كالاتى: "لم أحلم في

حياتي أن أحدا يحبني كما كنت أشاهد غيري من الأطفال الذين يتلقون الحب

والمعاملة الطيبة.. فحب الآخرين لي أمر لم أصل إليه في أحلامي، بل إنه

تجاوز عتبة خيالاتي.. لذلك عوّضت عن شعور الحب المفقود بتخيلاتي في جذب

انتباه الآخرين نحوي ولفت انتباههم بمظهري وحثهم على النظر اليّ والنطق باسمي".

وانطلاقا من الفكرة المطروحة في الكتاب فإن هناك جاذبية معينة تسحب نورما

إليها.. نورما القادمة من دار الأيتام والتي تنظرها نورما التي تنتمي للبحر

والسماء.

تتحوّل الفتاة الى عارضة أزياء وتنجح في ذلك بسبب أنوثتها الواضحة وبسبب

المشية المصطنعة التى كانت تجيدها وصارت بالتكرار عادة ميزت مارلين مونرو،

في عروض الأزياء وفي السينما بعد ذلك بسنوات.

لقد اندفعت الفتاة من تلقاء نفسها الى استوديوهات هوليوود، وكانت معجبة

بجين راسل فى البداية وتعشق كلارك غيبل وتذكر المؤلفة بأن نورما قد اقتصدت

مبلغا ماليا من أجرة ركوبها الى المدرسة الثانوية لأجل أن تشاهد فيلم "ذهب

مع الريح".

فى استوديوهات فوكس تمكن "بن ليون" مكتشف المواهب من إدراك قيمة اكتشافه

لهذه الفتاة التي تبدو مرتبكة وحائرة، لكنها واثقة من نفسها.

* علامات النجاح

تغيّر الاسم الى مارلين مونرو وبدت علامات النجاح تظهر، بدرجات قليلة،

متراوحة بين النجاح والفشل الى حين الوصول الى أدوار البطولة المطلقة.

في مرحلة لاحقة تزوجت من "جو ديما جيو" ولكن أرادها مجرد زوجة للبيت فجاء

الطلاق للمرة الثانية بعد سنوات قليلة، ولتستمر مارلين في تحقيق النجاح،

حتى صارت نجمة الإثارة ورمزا من الرموز التجارية للسينما الأمريكية، إذا لم

نقل الثقافة الأمريكية

من الواضح أن الكاتبة تقف الى جانب مارلين مونرو المرأة الحقيقية وليست

المرأة التي صنعها الإعلام وكرستها وسائل الدعاية بشعر أشقر وملابس ضيقة

وابتسامة وقفت مارلين ساعات طويلة أمام المرأة لتتقنها.

تقول الكاتبة بأن مارلين قد دخلت أستوديو الممثل لتتعلم التمثيل درست الأدب

ورسمت اللوحات وكتبت الشعر وعرفت جانبا من الأدباء والكتاب، وكان ذلك مدخلا

لكي تتزوج من الكاتب" أرثر ملير" وهو زواج لم يستمر طويلا أيضا.

لم تركز الكاتبة على علاقة مونرو بجون كيندي ولكنها ذكرت تلك الأغنية التي

غنتها في عيد ميلاده، ولعل مارلين كانت ناجحة أيضا في الغناء، فقد اشتهرت

أغنياتها الكثيرة التي غنتها فى الكثير من الأفلا.

* فتاة بسيطة

لقد عانت مارلين مونرو من الأضواء وحاولت أن تهرب منها، وحاولت أن تكون

مجرد فتاة بسيطة، لكنها لم تستطع، ولذلك حملتها الدعاية فوق طاقتها

وأجبرتها على أن تعيش بالكحول والحبوب المهدئة حتى اللحظات الأخيرة عند

موتها بستة وثلاثين عاما فقط.

في الكتاب فهرس لكل أفلام مارلين مونرو ويمكن أن نذكر منها: "سكوداهو

سكوداهي" 1947 – سنوات خطيرة – سيدات الكورس – سعادة الحب – تذكرة الى

توماهوك 1950 – غابة الإسفلت – كل شيء عن ايف – كرة النار – لكمة قوية –

قصة وطن – أحاسيس تزيدك شبابا – عش الغرام – فلنجعل الأمر شرعيا – مواجهة

تحت جنح الليل – لسنا متزوجي – لا تكلف نفسك عناء طرق الباب خداع القرود –

ازدحام بالمشاهدين – نياغارا – السادة يفضلون الشقراوات – كيف تتزوجين

مليونيرا – نهر بلا عودة – عالم الاستعراض الرائع – سبع سنوات من التفكير –

موقف الباص – الأمير وفتاة الاستعراض – البعض يفضلونها ساجنة – الإقبال على

الحب – الناشزون – 1961 وكان آخر أفلامها.

لقد احتوى الكتاب على ملحق بالصور الملونة، ولقد جاء الملحق مزدحما بالصور

وكلف بلا معنى، إلا أن يكون الكتاب صغير الجسم لا يتجاوز المائة صفحة، ولا

أن أن كتابا بسيطا موجها للناشئة يكفي في هذه الحالات، وخصوصا أن مارلين

مونرو نجمة تقودنا الى علاقات متشابكة ومتداخلة تخترق علم النفس والاجتماع

بل ومعالجة أعسر الظواهر التي أنجبتها السينما في مئويتها الأولى على الأقل.

ليست هناك تعليقات: