"أمير البحار".. واجهة سياسية لفيلم يفتقد إلى المنطق الداخلي
يبدو أنه من السهل إعداد قصة سينمائية لتكون مشروعا سينمائيا صالحا لكي يتمّ
تنفيذه في شكل مخطط عام أو سيناريو خفيف، المهمّ فيه أن يرعاه نجم من نجوم
الكوميديا ممن يتربعون على السوق التجاري.
يبدو أنه من السهل أن يتمّ كل ذلك في عالم السينما المنتجة في مصر هذه
الأيام، ولاسيما عند بعض الكتاب الذين استطاعوا فرض حضورهم السينمائي من
خلال ما يختارونه من سيناريوهات بعضها صالح وبعضها ضعيف.يوسف معاطي هو أحد
فرسان السيناريو في هذه المرحلة، فقد اشتهر بعمله مع عادل أمام وقدّم معه
أهم أشرطته الأخيرة ومنها :"عريس من جهة أمنية" و"مرجان أحمد مرجان"
و"السفارة في العمارة" و"بوبوس".
كما أنه قدّم بعض الأفلام المعروفة والناجحة مثل"طباخ الريس" "بطولة طلعت
زكرياء".. وكذلك تعاون مع محمد هنيدي في أفلامه الأخيرة، وحمل آخر فيلم
أيضا توقيعه وجاء بعنوان" أمير البحار" " 2009".
يستقيد معاطي من الخلفية السياسية الشائكة التي تبرز من خلال واجهة الأحداث
الرئيسية ولا مانع من الاقتراب بسطحية من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية
الواقعية ويتم الاكتفاء بخط رئيسي ضعيف أساسه قصة حب - يصيبها الوهن في
البداية، ثم تزداد قوة مع مسرور الأحداث وحتى الوصول الى النهاية الايجابية
المفتعلة.
في هذا الفيلم ،أمير البحار، يتم الاعتماد على الممثل الرئيس الأوحد وهو
محمد هنيدي، ليصبح هو موضوع الفيلم بأكمله، وبالتالي لا يختلف هذا الفيلم
عن الأفلام السابقة، فعلى الجمهور أن يتابع بطلا واحدا،و كل الشخصيات
والأحداث مسخرة لخدمته، والتجربة ليست غريبة، لأن كل الأفلام الكوميدية
الأخيرة تسير على نفس النسق، والاختلاف فقط، أن يكون الممثل هو محمد سعد أو
عادل إمام أو محمد هنيدي أو هاني رمزي أو أحمد أدم، ومن النادر أن تتبدل
الخارطة ويتم الاستعانة بعدد من الممثلين بدلا عن الممثل الواحد، وهذا
الأمر ينطبق أيضا على أفلام الحركة والأفلام البوليسية وغيرها.
* حوادث القرصنة
يستفيد السينارست من حوادث القرصنة التي تحدث بالقرب من شواطىء الصومال في
البحر الأحمر، ومن بينها الاستيلاء أحيانا على بعض السفن المصرية والمطالبة
بضريبة كبيرة، لتركيب قصة متعلقة بشخص فاشل اسمه أمير، وهو طالب
بالأكاديمية البحرية، مكث لسنوات طويلة ولم يتخرّج، ولا نفهم سببا لذلك إلا
لجعل الفيلم هكذا، فأمير البحار يقود سفينة الأب الى وجهة مجهولة، وهو لا
يكاد يفهم شيئا من علوم البحرية، ولأنه كذلك، تقع السفينة في الأسر من قبل
قراصنة ربما كانوا من الصومال أو من اريتريا أو أي بلد مجاور لهم.
نفهم أن أمير نور الدين كبير في السن فعليا، محمد هنيدي قد تجاور الخمسة
والأربعين، ورغم ذلك فهو يحب فتاة تسكن في جواره وهي سلوى والتي هي في نفس
الوقت ابنة رئيس الأكاديمية، وهي فتاة صغيرة السن وتنظر الى أمير باعتباره
أقرب الى أخيها، فهي لا تبادله الحب بسبب هذه النظرة الأخوية وعدم التناسب
في العمر كان واضحا هذه المرة.
يبدو الفيلم مصطنعا في قصته من البداية الى آخره، ويبدو أن صناع الفيلم لا
يهمهم الا وجود بعض المواقف الكوميدية المعتمدة على الكلام، وعلى طريقة
محمد هنيدي في التمثيل، من حيث إلقاء التعليقات الساخرة، وهي فى الحقيقة
ليس كذلك.
في الفيلم شخصية أخرى اسمها نزار هو رفيق لأمير ولكنه تخرج مبكر وصار أشبه
بمدير الأكاديمية ولا تفهم كيف يكون ذلك.
في بعض اللحظات نشعر بأن الأحداث قريبة لذلك الفيلم المعروف"إسماعيل ياسين
في الأسطول"، عندما نشاهد محمد هنيدي وهو يعاقب بسبب عدم تقديره لنوعية
العمل الذي يقوم به داخل الآكاديمية.
فعليا يظهر أمير وكأنه محمد هنيدي وليس مجرد طالب في الأكاديمية البحرية،
فهو يستقطب الاهتمام، وهو محطّ اهتمام رئيس الأكاديمية الهلباوي، وخصوصا وأن
العلاقة بينهما تعود الى زمن بعيد قد مضى.
يلعب دور الهلباوي الممثل الفلسطيني غسان مطر وقد اشتهر بدور زعيم العصابة،
وفي هذا الفيلم يبدو أقرب الى ذلك، حيث يظهر صراخه المرتفع وتشنجه المبالغ
فيه، مع مسحة كاريكتورية تتناسب مع الأفلام الكوميدية.
نصف الفيلم الأول يبدو بسيطا ولا يعبّر عن شيء، فهو مجرد ثرثرة، أحيانا بين
هنيدي وعائلته، وفي بعض الأحيان مع عائلة الهلباوي وابنته سلوى والأم مها
أبو عوف.
وتتكرر تقريبا نفس الفكرة المتعلقة بالفتيات العوانس، فأمير لديه أربع
أخوات ينتظرن الزواج ولكن لا فائدة، والأغرب أن أمير هذا يتحكم فى البيت
وهو يفرض على أخواته عدم الخروج، ولا مانع من وجود فتاة حجمها كبير، تلعب
دور الأخت التى لا تتفنن إلا الأكل وهي تستخدم جسمها ووزنها الكبير
للارتطام بالأخ أو الأب أما الأم "هنا الشوربجي" فهي وكما يصوّر لنا الفيلم
تبالغ في تدليل ولدها أمير، في كل ما يقوم به من سلوك، بعكس الأب لطفي لبيب
والذي قدم دور سبق وأن رأيناه أكثر من مرة.
*صديق وصديقه
لا تفهم شخصية نزار من داخل الأحداث أو من خارجها، فهو ينتقل من فتاة الى
أخرى، ورغم ذلك يعرض عليه صديقه أن يتوسط له مع سلوى، وكأن أمير لا يعرفه،
وهو أيضا "نزار" مدير الأكاديمية البحرية وسلوى هذه ابنة رئيس الأكاديمية،
وعلى الجمهور أن يتقبل كل ذلك اللامنطق من وصف للأحداث وتتابعها غير المقنع.
لا شك أن المخرج وائل إحسان، يهتم كثيرا بالمشاهد السينمائية ويضع في
اعتباره أيضا الاهتمام بالديكورات والإضاءة ويختار أحيانا مواقع جيدة
للتصوير، ولكن السيناريو المرتبك لا إمكانية للتعامل الفني معه، وخصوصا
نوعية الشخصيات المختارة ومساراتها الدراسية.
لا يمكن للمتابع أن يفهم كيف وصلت الأمور الى النهاية، وهي نهاية مفتعلة
تقريبا، ونقصد بذلك أن تهرب سلوى في ليلة عرسها، بحجة اكتشافها لشخصية
نزار، فهو ليس مجرد عاشق للنساء، بل هو مراوغ ويحترف هذه المهمة، ولا تفهم
أيضا كيف ساءت الأحداث الى هذا الاتجاه، إلا أن هناك حجة واحدة يكررها
الفيلم وهي شعور سلوى بأن أمير هو مجرد أخ لها.
من جانب آخر يدخل الفيلم في اشتباكات درامية لا مبرر لها عندما يقرر حقيقة
معينة ثم يتراجع عنها، وهي تقوم على فكرة الراضعة المشتركة بين سلوى وأمير.
في لحظة واحدة يجتمع أفراد العائلة في سفينة الأب نور الدين والذي يقول
الفيلم بأنه بحار ولا يقوم أي مشهد دال على ذلك أو يذكرنا ذلك بفيلم نور
الدين والبحارة.
تهرب سلوى الى السفينة التي يوجد بها أمير، ونعلم بأنه قد صار خارج
الأكاديمية لأن رئيس الأكاديمية قد قرر فجأة منحه شهادة النجاح وبشرط غريب
وهو ألا يعمل بهذه الشهادة داخل مصر ولا تعرف كيف يمكن أن يكون ذلك.
استعان صناع الفيلم بممثلة غير معروفة كثيرا لتكون في الواجهة أمام محمد
هنيدي وهى شيرين عاجل وقد بدت صغيرة السن، يتقارب دورها مع المراهقة، كما
إننا لا تكاد نعرف عنها شيئا، فهي تنتظر الأزواج فقط وتتهرب منهم في نفس الوقت.
هناك أيضا الممثل ياسر جلال والذى قام بدور الخصم الصديق، ودوره غير مرسوم
بدقة لأنه يفعل كل شيء، فهو صديق البطل أحيانا، وأحيانا المنافس له على حب
البطلة، وفي بعض الأحيان الشرير الذي ينهزم في النهاية عندما يظهر على
حقيقته وهو البريء الذي يغفر عن ذنوبه بالاعتراف.
حاول الفيلم أن يقدّم بعض الشخصيات الكاريكتورية ومنها الشاعر المضطرب وهذه
شخصية تكررت كثيرا، وخصوصا عندما بدا الهدف هو تصوير بعض هوامش الرومانسية،
ولكن شخصية الشاعر جاءت مرتبكة وخصوصا وأن أمير نفسه يدخل الى بوابة الشعر
بدون مبرر منطقي لذلك.
هناك شخصية أخرى "ممس" قام بأدائها الممثل محمود محمود، وهي شخصية البلطجي
ولكن خفيف الدم والذي يلجأ الى ركوب قوارب الهجرة ويجد نفسه وحيدا في عرض
البحر، وقد بدا ممثلا جيدا رغم كل شيء.
هناك، مشاهد كثيرة زائدة فمحمد هنيدي يضرب باستمرار أقرب ممثل له وهناك
وشخصيات كثيرة من الممثلين من الوزن الثقيل لغرض الإضحاك الشكلي فقط.
هناك شخصية كاريكاتورية تأتي في النهاية، وهي شخصية "حزنان" وقد قام
بأدائها الممثل ضياء المرغني وكان أفضل ما في الفيلم.
شخصية حزنان هي مجرد قرصان يقوم باختطاف سفينة أمير بعد أن ضاعت في البحر
الأحمر بسب جهل القبطان والذي يصوره الفيلم غبيا الى أبعد الحدود، ورغم ذلك
فقد جاء العنوان أمير البحار.
كما قلنا وقياسا على أخبار القرصنة، فإن القرصان وجماعته يسيطرون على
السفينة ويطلبون فدية كبيرة جدا لا تتفق ونوعية من على السفينة، ورغم ذلك
فإن الفدية تأتي من الدولة وتلقى من اعلى بواسطة طائرة عمودية، ولكن وبعد
استلام المبلغ كاملا يتمكن أصحاب السفينة من السيطرة على الوضع وبالتالي
يتحولون الى قراصنة يطلبون فدية من القراصنة الكبار.
هناك ولا شك بعض المواقف الساخرة كما في ذلك القرصان الذى يضرب الجميع
لمجرد سماعه كلمة نعم، وإن كان الفيلم يسير نحو التهريج عند اقترابه من النهاية
* نهاية متسرعة
يحاول الفيلم أن يجعل النهاية المؤثرة بالقبض على الجميع ومحاولة تقديمهم
للموت، فرصة لكي يعترف كل فرد بالمساوئ التي قام بها وعدم رغبته في الموت
رغم ذلك، وهذه الاعترافات جاءت متسرعة ولا ضرورة لها سواء بالنسبة لنرى سبب
المشكلة أو الأم التى بالغت في الحرص على ابنها.
حاول الفيلم أن يستفيد من البدر والسفينة، بلقاء الفتيات الأربع مع عدد من
الرجال، وبالتالي فتح الطريق أمامهن للزواج. كما أن الفيلم تماهى مع فيلم
تيتانك وحشر أغان جيدة ولكن لحنها مسروق من أحد مسلسلات الكرتون.
يمكن أن يكون هذا الفيلم ناجحا على المستوى التجاري، لكنه فيلم يفتقد الى
صنعه السيناريو ولا يهتم بالحوار ويترك مساحات فارغة لا تملأ الى بالوصلات
التي لا مبرر لها.
إن المشكلة تبدو واضحة في فقدان الفيلم للمنطق الداخلي، وحتى في حال
اعتباره مجرد فيلم للترفيه فإن هناك غرابة وعدم وضوح في طبيعة بناء القصة،
وهذا يعني عدم احترام للمتفرج على كل حال.
يبدو المخرج أمل إحسان متمكنا ولكنه يحتاج الى فيلم يقوم على سيناريو
مقبول، ولكن اعتبار هذا الفيلم من أضعف أفلام المخرج مقارنة بفيلمه السابق
رمضان مبروك أبو العالمين، وربما الأفلام السابقة مثل مطب صناعى واللي بالي
بالك وعندليب الدقي وبوبوس، وهي أفلام لا تخلو من مشكلات تتكرر أيضا
وباستمرار مع استمرار هذه النوعية من الإنتاج السينمائي بقوالب ومواصفات
ثابتة وأنماط أكثر ثبات وأسماء وادوار موحدة ومتشابهة وهكذا تصنع الأفلام
من داخل السينما نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق