الأربعاء، 3 مارس 2010

انتهاء أيام كازانوفا في العار



رحلة من النهاية الى البداية


بلا شك تتيح جائزة نوبل لصاحبها الكثير من الحركة، ليس فقط على صعيد البيع
والتوزيع والنشر المستمر، ولكن عن طريق الاستفادة من أعمال الكاتب الأدبية
فى تصنيفات أخرى أهمها السينما والمسرح والتلفزيون.

الكاتب جون كوتسي من جنوب افريقيا حاز على جائزة نوبل للآداب عام 2003 وهو
مؤلف لعديد الروايات ومنها "رض الغسق" عام 1947 و"من قلب البلاد" 1979
و"بانتظار البرابرة" 1980 و"حياة وأزمنة مايكل" 1983 ثم "العدد وعصر
الحديد" والسيرة الذاتية في ثلاثة أجزاء ورواية "اليزابيت كستلو" ورواية
"الرجل البطيء".

أما رواية "العار"، 1999 فهي من أشهر روياته وقد فاز عنها بجائزة البوسم في
نفس العام ومهدت لفوزه بجائزة نوبل.

ربما اختيرت بعض الروايات للاقتباس السينمائي وكذلك التلفزي، غير أن رواية
العار قد اشتهرت باعتبارها فيلم سينمائى أخرجه المخرج الأمريكي "ستيف
جاكوبز" والذي سبق له أن قدم بعض الأفلام مثل: "الرجل الذي تعرفه 1984 –
الاسبانية2001 ".

لا نريد أن ندخل في مقارنة بين الفيلم والرواية، فذلك موضوع يؤكد أيضا
بالنسبة للروايات الصادرة في افريقيا وأمريكا اللاتينية، ويكفي أن نذكر على
سبيل المثال اقتباس رواية "العمى" لساراماغو واقتباس رواية "الحب في زمن
الكوليرا" لماركيز وغير ذلك من التجارب التي تتوارى فيها السينما خلف
الرواية، إلا في حالات نادرة، والأمر يتوقف دائما على مستوى الإخراج ومستوى
طموح الفيلم وتحرره من هيبة الرواية وتعامله مع فن السينما بشكل مباشر.

منذ البداية ندرك بأن هناك مسافة زمنية تفصل بين ماضي جنوب افريقيا
وحاضرها، ونقصد بالماضي ذلك الميز العنصري الذي كان يهيمن على الافارقة في
ذاك البلد، وسيطرة الأوروبيين البيض على مقاليد السلطة واستفادتهم الكاملة
من ثروات البلاد، ثم بعد ذلك النقلة السريعة باتجاه إقامة دولة افريقية
تحكمها الأغلبية الافريقية وليس الأقلية البيضاء.

نعم ذلك جزء من الماضي الذي انتهى أو كاد سياسيا وتاريخيا، لكنه في مجال
الأدب لم ينته بعد، فالعودة الى ذلك الماضي تأتي من خلال البحث في الحاضر،
والذي يحمل بين طياته بعض التفاصيل، والتي لابد من التصريح بها، همسا أو
صراحة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تصورات فردية أو رؤية جماعية.

لا يخلو الأمر من انتقاد حاد للذات، ومقاربة للواقع بشكله الحالي، والذي
على كل الأجيال أن تتقبل به، إذا أرادت أن تستقر كما هي مع الاعتراف بكل
المتغيرات.

يبدأ الفيلم بمشهد يتطلع فيه البروفسور "ديفيد لوري" الى فناء الجامعة التي
يعمل بها أستاذا لمادة الاتصالات وكذلك مادة الأدب الأوروبي منذ البداية
تصبح رؤية لوري هي الأساس، فكل شيء يأتي عن طريقه، فهو الراوي الذي علينا
أن نتتبعه أينما يمضي.

الفيلم يسير نحو البساطة ويقتصد في أشياء كثيرة، ومن البداية يدرك المشاهد
ذلك، فالجامعة صغيرة وعدد الطلبة قليل والحركة متواضعة، والعالم الذي
تقتنصه آلة التصوير محدود جدا.

ان البطل يعاني من مشكلة منتصف العمر، يعالجها جنسيا مع امرأة متزوجة تدعى
ثريا، متزوجة أيضا ولها أبناء، والمسألة بالنسبة إليها مجرد علاقة تجارية
بينما ينظر ديفيد الى العلاقة على أنها حالة مؤقتة، حيث ربما تستبدل ثريا
بغيرها، ولاسيما وأنه مطلق ويعيش وحيدا، بعيدا عن كل شيىء، بما فى ذلك
ابنته" صوفي". إن الهوس بالجنس يقود الشخصية الى مغامرة تلو الأخرى.

البداية الحقيقية للفيلم، نراها مع محاولة تعرف البروفسور ديفيد على طالبة
تدعى "ملايني"، يظهرها الفيلم فتاة سمراء، افريقيّة، بها مسحة من الجمال،
تشغل وقتها بالعمل في المسرح الجامعي وهي فيى السنة الأخيرة، ورغم ذلك يظهر
التعارف بين الشخصيتين وكأنه أمر يحدث للمرة الأولى.
يسرع الفيلم في تصوير العلاقة الثنائية، ورغم إنها "ملايني" لا تظهر ترحيبا
بالعلاقة وتقابلها بفتور حسي واضح، إلا أنها تستجيب لها، مما يعني انتشار
أمر العلاقة بين الطلبة وكان لصديقتها أيضا دور مهم، رغم أنها لا تظهر فى
الفيلم .كل ذلك يؤدي الى اتهام ديفيد ورفع دعوى ضده من قبل أسرة الفتاة،
بعد مواجهة مع الأدب، وخلاصة التهمة الاعتداء على فتاة صغيرة السن "أقل من
18 سنة" والتحرش الجنسي، مع استغلال الوظيفة لمصالح ورغبات فردية.

لا يركز الفيلم أيضا على المكتب التأديبي الذي اعد لغرض محاكمة ديفيد، فهو
ليس محاكمة قانونية، لكنه يسير في طريق المصالحة، حيث تركت الفتاة الدراسة،
بعد انتشار أمر علاقتها مع الأستاذ، واستغلال ديفيد للوظيفة في اعتبار
الفتاة غير منقطعة عن الدراسة ونجاحها رغم ذلك في المادة التي يدرسها. يسير
الفيلم أيضا نحو اهتماما ديفيد بالشعر من خلال مناقشة أشعار وود زورث
وأشعار بيرون، ويجعله الفيلم مهتما بالموسيقى والعزف، ولكن ليس الى درجة
تأليف أوبرا كاملة كما هو حاضر ف الرواية..

هل هذه هي الفضيحة؟ وهل هذا هو العار؟

يبدو الفيلم باردا في تناوله لهذه القضية، فالفراغ يحيط بالشخصيات من كل
مكان، حتى في المدينة نفسها، ولا يفهم من ذلك توفر رؤية معينة واضحة، لكن
معظم المشاهد تأتي وفق سياق ثنائي، حوار بين طرفين على الأكثر، واختفاء
الحيوية التي تتناسب مع هذه الأجواء والتي لا تظهر فيه خلفية واضحة لجنوب
افريقيا، إلا من خلال المساكن المختارة بعناية والملابس والأدوات اللافتة
للنظر.

يطرح الفيلم قضية الأجيال، ومن وجهة نظر أوروبية، الجزء الأول نجد ديفيد
الأستاذ الجامعة الذي يرتكب خطأ كبيرا يلحق به العار، لكنه رغم ذلك لا
يوافق عل الاعتذار، ويعتبر نفسه مخطئا فقط، ويوافق على كل الدعاوي المرفوعة
ضده.
تبدو فكرة الاعتذار بالنسبة إليه غير مقبولة، وهذه الفكرة سبق أن طرحت على
المستوى الاجتماعي العام عندما عقدت مجالس شعبية لمحاكمة الذين ارتكبوا
أخطاء كبيرة في حق السود من البيض، وتمت التسوية بالاعتذار الشفهي، وأشرف
على ذلك فعليا نلسون مانديلا بنفسه.

لكن بالنسبة لطبقة من المتعلمين يبدو الاعتذار مسألة غير مقبولة، وخصوصا
عندما يتعلق الأمر لحاجة جسدية عامة "الجنس" هي كما يقول ديفيد ملك للجميع
عند الموافقة والرضى.

هذا المستوى الأول والذي تقع أحداثه بالمدينة، يقابله مستوى آخر تقع أحداثه
في الريف، فقد قرر ديفيد بعد أن عزل من عمله وصار عليه أن يعمل أي عمل آخر
عدا التدريس، أن يرحل الى الريف، حيث تعيش ابنته صوفي لوحدها مستفيدة من
أرض العائلة التي ورثتها عن العائلة.

لم يهتم الفيلم بفكرة أن دافيد كاتب، يهتم بالأدب وله منشورات سابقة، وان
كان ذلك قد برز في مشهد أو أكثر. المهم أن البروفسور الذي يمثل شريحة
النخبة المثقفة من السلالة الأوروبية يجبر على ترك المدينة والتوجه الى
الريف ولو كان ذلك بصورة مؤقتة.

إن دافيد لا يعتبرها ما حدث له مع الطالبة ملايني عارا، وعليه أن يعيش
التجربة بطريقة أخرى، لكي يصل الى حالة تسمح له بأن يتعايش مع الواقع
الجديد.. إنه من جيل سابق بحكم العمر، وابنته من جيل لاحق. جيل ما قبل
الاعتذار وجيل ما بعد الاعتذار.

القصة الثانية التي أعتمد عليها الفيلم تبدو ومنفصلة عن القصة السابقة، لكن
الشخصية المحورية واحدة وهي تقريبا تستقطب كل الفيلم، ولقد اختير لدور
دايفيد الممثل "جون مالكونتيشي"، صاحب التجربة الكبيرة في التمثيل وفي
تقديم الأدوار الجيدة، ومن الناحية الشكلية يبدو الدور مناسبا للمثل.

غير أنه فعليا تختفي الشخصية أو تكاد من حيث التأثير والفعالية، فمجمل
الأداء يظهر رومانسيا حالما، بما في ذلك التعبير بالصوت، بينما الشخصية
التي تتوافق مع دافيد ينبغي أن تكون شرهة متكالبة على الحياة.
والحقيقة أن برودة الفيلم وعدم حيويته وحياديته المبالغ فيها، كل ذلك قد
أسهم في جعل الممثلين على الهامش من حيث التأثير.

عندما يصل دافيد الى مزرعة ابنته يجدها تعمل لوحدها تقريبا، ويساعدها في
ذلك بطرس الزنجي الذي يسكن بجوارها ويملك أيضا قطعة أرض ومسكنا ملاحقا
ويؤدي خدماته في الحالتين.

لا يبدو أن هناك توافقا بين الأب وأبنته في الرأي، فهو يطلب منها أن تعود
الى هولندا وتستقر بها ولكنها ترفض، وتقبل بهذا الدور، مزارعه التي تبيع
أسبوعيا ما تنتجه مزرعتها الصغيرة فيى سوق القرية المجاور.

ربما كان وضع الفيلم أفضل حالا فى هذا الجزء، لكن الكاميرا تبقى باهتة رغم
ذلك، ويخلو الفيلم تقريبا من الشخصيات ذات الحضور الاجتماعي، ويظهر الفراغ
واضحا، وحتى مشهد السوق الأسبوعي بدا ضعيفا لم يخدم الفيلم كثيرا.

وينطبق ذلك على مشهد الحفلة الليلية تنتقل الأحداث من المدينة الى القرية،
وينتقل ديفيد من العمل الرسمي المقترن بالأدب الأوروبي وعلو المركز الثقافي
والاجتماعي، ينتقل للقيام بالمال هامشية حيث نراه يساعد بطرس في أعمال
صغيرة لا يعرف عنها الشيء القليل.

انه ينتقل أيضا الى عمل آخر لا يعرف عنه شيئا، إذ يساعد "بيف شو" في حقن
بالإبر، ثم رميها في المحرقة للتخلص منها. وينطبق ذلك بالدرجة الأولى على
الكلاب.

هناك رمزية مباشرة، فقد صار ديفيد مجرد صورة لهاته الكلاب التي جاء أوان
التخلص منها. هناك علاقة جسدية وليس لها أهمية بين ديفيد وبيف شو، والأهم
هو العار القادم في صورته الأخرى.

تتعرض لوسي للاعتداء من قبل ثلاثة أشخاص من الزنوج، كما ضرب ديفيد وقتلت
كلاب الحراسة التى تربيها وتتاجر بها لويسي، وفر الجميع بعد اغتصاب الفتاة
وكأن شيئا لم يكن.. تلاشت الحادثة مثلما تلاشت سيارة ديفيد المسروقة.

يشك ديفيد في بطرس بأنه وراء كل ما حدث، لأنه يريد الرحيل للوسي وبالتالى
شراء الأرض منها مجبرة. وتزداد الشكوك عندما يجد أحد الأفراد في حفلة،
الولد الصغير دعا إليها بطرس ولكن هناك فرق بين الجيلين في التعامل مع
مفهوم العار.

تقبل لوسي بالعار الذي لحق بها في سبيل أن تبقى بالأرض وتقبل أن يتزوج بها
بطرس ليحميها ويكون أبا شرعيا لأبنها القادم من الاغتصاب.. اغتصاب ثلاثي
وكأنه رمز لاغتصاب جماعى. إنه رد فعل للقتل الذي أصاب الافارقة وهو رد فعل
لعملية اغتصاب قام بها الأب ضد فتاة افريقية ولو كان الأمر قد جاء فى صورة
مختلفة.

تبرز الممثلة "جيسكا هان" في دور لوسي، المرأة المستعدة دائما للتراجع
والرضى بالأمر الواقع، فهي تقبل أن تكون مجرد زوجة ثالثة في سبيل طفل قادم
مجهول النسب يجمع بين المرأة الأوروبية والأب الافريقي. هذا الخليط هو
الجيل القادم الذي يجمع بين جيلين سابقين.

هناك عودة لديفيد الى المدينة، فهو يزور جامعته الأولى ليحضر مسرحية تمثل
فيها ميلاني نفس الدور القديم والتي عنوانها "الغروب فى صالون غروب".

عودة أخرى الى ذكريات قديمة وزيارة الى بيت ملايني، حيث يقدم الاعتذار هذه
المرة للأب ويطلب السماح من الزوجة، بل يجثو على ركبتيه من أجل ذلك.

عودة أخرى الى ابنته ولكن بعيد عنها وقريب منها في نفس الوقت. حياة ريفية
بسيطة وكتابة وعزف على الموسيقى وبهذه الصورة ينتهي الفيل.

لا شك أن قوة الفيلم قد جاءت من الموضوع فقط، ولكن الشخصيات لم ترسم بدقة
كافية ولذلك لم تبق حاضرة بما فيه الكفاية، إلا باعتبارها رموز لواقع متغير
في جنوب افريقيا.

من الواضح أن الفيلم قد تم تقسيمه الى جانبين.. أوروبي وآخر أفريقي، ولذلك
انقسمت بطولة الفيلم دراميا بين دائريتين أيضا، والموسيقى كانت معبرة
افريقيا وأحيانا كانت أقرب الى الأوبرا ويبقى السياق فوق كل ذلك، محكوما
بالازدواجية أو الثنائية الافريقية/ الأوروبية ولكل منها تصوراتها الخاصة
المختلفة، ولعل محاولة دمج هذين التصورين في إطار واحد من شواغل الفيلم
الأساسية، اعتمادا على النص الروائي والذي يبدو أنه قد تعالى على الفيلم
كثيرا بحيث صار هذا الفيلم مجرد نسخة باهتة من الرواية.

ليست هناك تعليقات: