الأربعاء، 20 مايو 2015

 



المتغيرات في مدونة السينما التونسية



قليلة هي الكتب عن السينما التونسية، قليلة رغم كثرتها نسبيا، والسبب في ذلك أن أغلبها أو كلها قد صدر باللغة الفرنسية، ولا ضير في ذلك بالطبع، لأن الفرنسية لغة رئيسية في تونس وبلدان المغرب العربي ولبنان وأطراف أخرى عربية تعيش بين فرنسا وبلجيكا وبعض الدول الأوروبية.

ولكن هذه الكتب المعنية لا تكاد تصدر باللغة الانجليزية أو العربية، وبالتالي تظل حبيسة فضاء ثقافي معين، وعلى سبيل المثال لم يترجم كتاب "عمار الخليفي" والذي كتب بالفرنسية وبعنوان "تاريخ السينما التونسية". كذلك لم يترجم كتاب عبد الكريم قابوس والذي جاء بعنوان "الصمت.. الكاميرا تدور" وهناك كتب أخرى مثل "سينما تونس" للناقد فيكتور باشي.

القائمة قد تطول ومثلما حدث في السنوات الأخيرة، وكما يشير الناقد الهادي خليل، فإن هناك أطروحات جامعية سينمائية حول السينما التونسية أو حول موضوعات داخل السينما التونسية لم تترجم بعد، والترجمة هنا نقصد بها الترجمة الى العربية أولا ثم الى الانجليزية ثانيا.


في جميع الأحوال، توجد مرجعية صحفية وارشيفية  للكثيرين من الأفلام التونسية، ويمكن الوصول الى معلومات دقيقة حول الكثير من القضايا المتعلقة بالسينما التونسية ورغم ذلك يمكن القول بأن المكتبة العربية ينقصها كتاب شامل وموسع حول السينما التونسية، من الجانب التاريخي والنقدي وربما الاجتماعي السياسى أيضا.

ومثل هذا العمل ربما لا تتصدى له إلا مؤسسات معينة بالبحث وجمع المعلومات والتدقيق فيه.

هذا الكتاب "من مدونة السينما التونسية... رؤى وتحاليل" هو أحد الكتب التي يمكن اعتبارها معينة بالسينما التونسية، ليس وفق منهج تاريخي شامل، ولكن وفق منهج انتقائي، يعتمد بالدرجة على ذائقة الناقد واختياراته
. وبحكم أن التجربة السينمائية التونسية محدودة من حيث كمية الإنتاج، لذلك سوف نجد أن اختيارات الناقد الهادي خليل تشمل أكثر الأفلام المنتجة، وسوف نجد أن الأفلام المستبعدة من العرض والتحليل ضعيفة المستوى، أو أنها ذات صبغة كوميدية خفيفة، وأحيانا خارج السياق السينمائى التونسى المتعارف عليه.

الكتاب "من مدونة السينما التونسية" صدر عن المركز الوطني للترجمة ومترجم الى العربية عن الفرنسية، بقلم الكاتب الهادي خليل نفسه، ولذلك سوف يشعر القارىء بأن الكتاب بسيط وتلقائي من حيث اللغة، بل لعله الكتاب النقدي السينمائي الأول الذي يعتمد على لغة عربية مشكلة لغويا، فضلا عن فصاحة البيان ودقة التعبير، رغم أنه- الناقد - يدخل بالكتاب الى مناطق صعبة التلقي أحيانا، ويعبّر عن ظلال أفكار لا تأتي الى الذهن طيعة، والكتابة نجدها على الأرجح مفتوحة تسير مع تفاصيل الفيلم وجزئياته، مفسرة أحيانا مع ميل الى التاؤيل الذي لا يدرك بسهولة.

ومن البداية يعلن الناقد بأن كتابه ليس شاملا ولا يسعى الى الت
أريخ للسينما التونسية، لذلك يقع الكتاب في دائرة الاختيار، وفكرة استبعاد بعض الأفلام التونسية الردئية إن صح التعبير- ليس لها ما يبررها نقديا اذ ليست السينما التونسية كلها بستان جميل، ولعل الناقد يصل الى هذا المعنى عندما يخصص فصلا بعنوان "السينما التونسية... المشاكل والصعوبات".


وفي جميع الأحوال لا يكترث الناقد كثيرا بإصدار أحكام نقدية على الأفلام التونسية، لكنه يتتبع مساراتها وتشعباتها من خلال المخرجين والممثلين، أي من خلال الشخصيات داخل وخارج الافلام وهى التي تأتي فى المقام الأول من حيث الأهمية.

لذلك، يفرد  الكاتب فصلا عن هاته الشخصيات، فيسمى أسماء معينة بقيت في الذاكرة، وهو أمر يخص الناقد، والذي لا يهتم كثيرا بتقديم الدلائل والشواهد لكي يقنع القارىء، بل يسير على قاعدة الإعجاب السريع، والأمر ينطبق على أفلام بعينها مثل "سجنان" و"خليفة الأقرع "و"تحت مطر الخريف" وغير ذلك من الأفلام، وهو أمر كما أسلفنا ينطبق على شخصيات من الأفلام "ممثلين" مثل رؤوف بن غيلان وسلوى محمود ووسيلة شوقي وجليلة بكار ومحمد بن عثمان وغير هؤلاء، وربما شخصيات من الأفلام القديمة بصفة خاصة

في آخر الكتاب جاء الفهرس. أما في أوله فهناك تنويه ومقدمة، ولقد اختار المؤلف التسلسل التاريخي شكلا لتدرج الكتاب، فنجد في الجزء الأول، فترة التأسيس، وهي تشمل الستينات والسبعينات، والعنوان المختار كان أقرب فعليا إلى مبدأ الرهانات والتحديات.
وسنلحظ هنا أن هناك ربطا بين هذه البدايات وحسن استخدام فن السينما على المستوى السياسي، كما تمثل ذلك في استخدام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة للصورة في إيصال غايات خطابه السياسي، فقد اعتبرالمؤلف الجريدة الناطقة "النشرة المصورة" هي المدخل للسينما التونسية، أو لفهم هذه السينما. وبالفعل فقد صدرت "الوقائع التونسية" عام 1968 مع افتتاح مركب قمرت السينمائي.

لسنا ندرى على وجه التحديد هل استغلال السينما سياسيا وبعد ذلك التلفزة، كان له دورا في توجيه هذا التأسيس، بصرف النظر عن براعة الرئيس بورقيبة في التمثيل واستخدام الاكسسوارات المتنوعة، ولاسيما وأن المؤلف لم يرد نصوصا أو مقتبسات في خطب فيها إشارة الى السينما في تونس أو غيرها.

والواقع ان هذا المدخل اللافت للنظر لا يعبر عن ظروف نشأة السينما التونسية والتى جاءت بعد الاستقلال 1956 ومتأخرة نسبيا، لأن أول فيلم كان "الفجر" لعمار الخليفي عام 1966.


ويبدو لي أن الظروف كانت تسمح ببداية مبكرة أفضل، وربما بفيلم أو أكثر ليس لهما علاقة مباشرة بالفكرة السياسية التي تركز على فكرة التحرر الوطني والاستقلال متماهية مع حضور الرئيس بورقيبة نفسه باعتبار صورته الطاغية على الأحداث كما حدث فى أفلام عمار الخليفي عندما كانت كانت  هناك نخبة معينة بالسينما، وكما يذكر المؤلف، فإن هناك جمعية للسينما قد تأسست عام 1949، ولا ندري بالطبع مدى حضور الجانب الفرنسي فيها، لكنها تعد جمعية مبكرة من الناحية التاريخية، ورغم ذلك فإن الإنتاج الروائي الطويل قد تأخر كثيرا.
 كان هناك فيلم "مجنون القيروان 1939" وكان هناك فيلم "جحا "إنتاج 1958.

وقد كانت البداية بأيدى فرنسية، لكنها الإشارة الأولى التي كان بإمكانها أن تولد انتاجات تونسية مبكرة، فضلا عن الأفلام الوثائقية والتي استبعدت من هذه المدونة.

من الأفلام المبكرة التى يركز عليها المؤلف "فيلم مختار للصادق بن عائشة إنتاج عام 1968" وفيلم "حميدة" للفرنسي جان ميشوستيان إنتاج 1965.


والمؤلف ينتقل بين الأفلام لطرح وجهة نظره ولا يتقيد كثيرا بمناقشة فيلم معين دون سواه، كما أن الجزء الأكبر من الكتاب مخصص للتعامل مع بعض المخرجين في بعض أفلامهم المتفرقة، كما عند نوري بوزيد وفريد بوغدير والناصر خمير والجيلاني السعدي ومحمود بن محمود وغيرهم.

يعتبر المؤلف، بطريقة أو بأخرى أن فيلم "مختار" هو البداية الأولى الفعلية للسينما في تونس "لأنه فيلم تونسي قلبا وقالبا"، يعيد الثقة للسينمائيين التونسيين ويسهم فى شق طريق ممكنة للتعبير والاختلاف، وهي مهمة صعبة شاقة والأهم أنه فيلم لا يقع في الدائرة الرسمية السياسية.

من الأفلام التى يقف المؤلف عندها "خليفة الأقرع" لحمودة بن حليمة، إنتاج 1968 وهو مصور بمقاس 16 مم ومقتبس عن أقصوصة للبشير خريف.



كما أنه – المؤلف – يقف أيضا أمام شريط "تحت مطر الخريف" لأحمد الخشين، وهناك أفلام أخرى إضافية مثل سجنان لعبد اللطيف بن عمار وفيلم وغدا لإبراهيم باباي إنتاج 1972.

ان كل تلك الأفلام السابقة. عدا بعض الجوانب الجزئية منها، ليس لها قيمة فنية كبيرة، وسوف نجد أن المؤلف يعجب بها ومن ناحية فردية وشخصية، ومن الطبيعي أن تكون مثل هذه الأفلام صالحة باعتبارها مقدمات تخدم سباق تطور السينما، إلا أنها متواضعة في قيمتها، وتبقى تفسيرات الناقد غير صريحة، لا تخلو من الغموض كما أن الإعجاب يبقى خاصا ومبرراته لا تكاد تصل الى القارىء.


يتوقف المؤلف أمام فيلم" السفراء" للناصر القطاري انتاج مشترك 1975 ويقول عن الفيلم:"
من بين مزايا فيلم السفراء تقطنه الى تشعب ظاهرة الهجرة، واهتمامه بخطابات مختلف الأطراف المعينة، منتقدا اتفاق المسؤولين اللفظي، والممارسات العنصرية تجاه العرب والأفارقة المهاجرين."
ولعل ما يكتبه الهادي خليل عن هذا الفيلم من أفضل الكتابات، وخصوصا في لمسة لتشعبات الفيلم السياسية والأيدلوجية المباشرة منها وغير المباشرة
ومن المخرجين الذين يتوسع بالنقد معهم بنجاح المخرج نوري بوزيد فى كل أفلامه تقريبا. أيضا يهتم المخرج بالناصر خمير وأفلامه المتميزة، وبعض أفلام فريد بوغدير ومحمود بن محمود مثل "عبور "وكذلك أفلام مفردة مثل السامة لناجية بن مبروك و"رقية "للفيتوري بلهيبة و"السيدة" لمحمد الزرن.


هناك أيضا موضوعات عامة حول الاقتباس من الأدب وحول التعامل مع المؤسسة الجامعية والعلاقات العاطفية والضحك والكوميديا.

من آخر الأفلام التى أنتجت ما أخرجه الجيلاني السعدي ونالت أفلامه اهتماما خاصا من المؤلف، وكما قلنا هناك استبعاد لبعض المخرجين، مثل الطيب الوحيشي وعلى العبيدى وعدم اهتمام بالأفلام الأخيرة لإبراهيم باباي، ونلحظ أحيانا بعض التداخل بين الأفلام الروائية القصيرة والطويلة، كما في تناول لفيلم "العتبات الممنوعة" وهو فيلم قصير وكذلك فيلم" فيزا".

كما قلنا، يأتي الكتاب بعيدا عن الاختيار الموسوعي الشامل، ومن مهمة نقاد آخرين إضافة اختيارات معينة لم يتم إدراجها فيه وبالطبع نتعرف على مثل هذا الإصدار بعد سلسة من الكتب للمؤلف مثل "العين الشغوف 1994" – العرب والحداثة السينمائية 1996– رمية النرد 1999 وفي المقابل فإن الكثير من المشكلات التي صاحبت السينما التونسية كما عرضها المؤلف قد تجسدت بشكل واضح في الانتاجات السينمائية الأخيرة، وهي انتاجات ضعيفة المستوى بشكل عام، ولو أراد المؤلف "الهادي خليل" أن يقرأ بنفس طريقته بعض هذه الأفلام، فلن يجد منها حتى القليل.

ليست هناك تعليقات: