"احتفالية
سينمائية لشكسبير"
مثل غيره من كبار الكتاب ، شاعت أعماله الأدبية بين
القراء والجهور ، وقبل ذلك تجسّدت على ركح المسرح في موطنه الأم ، وعلى مختلف
المسارح العالمية ، فكانت الانطلاقة من فرقة شكسبير المسرحية في انجلترا وبريطانيا
والبلاد الغربية وغير الغربية ، الناطقة بالانجليزية أو بغيرها من اللغات العالمية
.
نعم مثل غيره من الكتّاب الكبار ، نال شهرة واسعة غير
أنه كان الأفضل ، ليس بسبب الدعاية ، بل بسبب الوقائع والنتائج والتي تقوم على
مجمل المسرحيات المؤلفة وصنوف أخرى من الكتابات مثل الشعر والأقوال المنثورة ولا
أقول الأدوار المسرحية التي جسدّها على المسرح .
هذا هو (وليام شكسبير)، الكاتب المسرحي الكبير الذي
احتفل العالم سنة 2016 بمرور 400 سنة على وفاته ، وامتدت الاحتفالات طوال العام
الماضي ، وبالطبع كان نصيب عروض الفرقة الوطنية في لندن هو الأكبر، فلقد تم عرض
عشرات العروض في جميع أنحاء البلاد ، بالإضافة إلى مساهمات عالمية أخرى ، فلقد
اختارت فرق من العالم أن تعيد انتاجات (شكسبير) المسرحية ، وبعض هذه الفرق قدمت
الجديد المختلف ، كما حدث عندما قدمت العروض الموسيقية المستوحاة من مسرحيات
(شكسبير) ولا سيما الهزلية منها .
في مصر على سبيل المثال أعيد تقديم مسرحية
"ماكبت" ، وفي تونس عرضت مسرحية " يعيش شكسبير" وهي تجديد
لمسرحية قديمة بعنوان "يعيشو شكسبير" .
في لبنان هناك رقصة مطولة تم عرضها مستوحاة من مسرحية
"روميو وجولييت" ، وكذا والأمر في الأردن وربما في دول أخرى عربية وغير
عربية .
معظم المهرجانات السينمائية في العالم أضافت قسما خاصا
بشكسبير والسينما ، ومن ذلك مهرجان [كان
السينمائي ] ومهرجان [لندن] ، بالإضافة إلى مهرجان [القاهرة السينمائي] والذي أصدر
كتابا خاصا حول هذا الموضوع وعرض مهرجان [ الإسكندرية للبحر المتوسط] أفلاما عربية
وعالمية مقتبسة عن مسرحيات شكسبير .
وبالطبع أشهر الأفلام التي عرضت ، فيلم "
هاملت" وفيلم " عطيل" وفيلم " الملك لير" وفيلم
"تاجر البندقية" .
يذكر أيضا أن السينما العربية قد اقتبست الكثير من
المسرحيات الشكسبيرية ومن ذلك أفلام مثل "ترويض الشرسة " وبالعربية جاء
عنوان الفيلم" آه من حواء" للمخرج (فطين عبدالوهاب) وهو من أفضل
الأفلام، بالإضافة فيلم"استاكوزا" للمخرجة (إيناس الدغيدي) وفيلم
"الغيرة القاتلة" للمخرج (عاطف الطيب) وفيلم " العلمين"
للمخرج (عبدالعظيم خطاب) وفيلم "المجد " للمخرج (سيد بدير) .
***
نشير بعد هذه المقدمة
إلى أن بعض المؤسسات في ليبيا قد تعاونت من أجل تنظيم احتفالية بنفس المناسبة ،
ومن ذلك [ البيت الفني للأعمال الدرامية ] و[ النادي السينمائي الليبي] وبالتعاون
مع [ الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون] وكذلك بإسهام مباشر من [ المعهد
الثقافي البريطاني] ، ولقد انتظمت الاحتفالية بمسرح الكشاف بطرابلس لمدة ثلاثة
أيام بداية من يوم 27-12-2016 .
احتوى برنامج الاحتفالية على تقديم مشهدين من مسرحيتين
وهما " عطيل"
و"هاملت" ، كما جرى التعريف بـ(شكسبير) "حياته
وأعماله" ، كما قُدمت مختارات شعرية من "سونتات شكسبير"، وأخيرا
عرضت ثلاثة أفلام هي على التوالي " هاملت – عطيل – ضجة فارغة " .
هذه الاحتفالية أسهم فيها عدد من المختصين والممثلين
نذكر منهم ( محمد بن يوسف – عبدالرزاق بورونية – انور البلعزي ) . أما الإشراف
العام فلقد كان لكل من ( عبدالله الزروق) و ( رمضان سليم) ، وبالطبع هناك أسماء
أخرى كثيرة في تسجيل الصوت والعرض والديكور وباقي الخدمات الفنية .
لم يكن الجمهور كبيرا، لأن الجانب الإعلامي كان ضعيفا ،
حيث جرت الاستعدادات لهذه الاحتفالية في أسبوع واحد فقط ، ولكن بصفة عامة كان
الجمهور مقبولا من حيث العدد، وذلك أن هذا النوع من المناسبات له طبيعة ثقافية ،
ومعظم الحاضرين من ذوي الاهتمامات النوعية ، كما أن الجمهور قد اعتاد لفترة طويلة
على أنشطة اليوم الواحد ليس أكثر .
من ضمن الفعاليات التي تم اختصارها لعدم وجود الوقت
الكافي ، إقامة ندوة حول (شكسبير وأعماله ) وكذلك إصدار مطوية تعريفية بالكاتب
وأهم أعماله وما اقتبس عنها من أفلام .
إن شكسبير قد اختلف المؤرخون على تاريخ ولادته ولكن من
المؤكد أنه قد توفي عام 1616، بنفس المدينة التي ولد بها [ ستراتفورد] .
لكن بالطبع كانت شهرته بمدينة [لندن] ، حيث انظم إلى
الكثير من الفرق المسرحية ، إلى أن أسس فرقة
خاصة به وعمل بها إداريا وممثلا وكاتبا .
لقد قيل الكثير عن (شكسبير) ، بل أن هناك شكوك حول بعض
أعماله ، ولكن من الثابت أنه كتب العديد من المسرحيات وعرف كيف يضع الأرضية
المناسبة لكل مسرحية ، "روميو وجولييت" جرت أحداثها في إيطاليا ، بينما
" هاملت" في الدنمارك ، و" عطيل" بالقرب من المغرب ، وهكذا
عرف دائما كيف يستفيد من البيئة وتأثيرها على الأفراد .
من مسرحيات (شكسبير) " حلم ليلة صيف – تيتوس – هنري
الخامس – ليلة طويلة واحدة – العاصفة – تاجر البندقية – يوليوس قيصر " وغير
ذلك من المسرحيات ، بالإضافة إلى القصائد الشعرية والنثرية .
" من
المسرح إلى السينما "
كثيرة هي الأفلام المقتبسة عن مسرحيات الكاتب (وليام
شكسبير) ، فلقد تعاملت السينما ومنذ بداياتها الأولى مع هذه المسرحيات وتم تقديم
عشرات من الأفلام الصامتة المستفيدة من مسرحيات (شكسبير) ولا سيما الأشهر منها .
لقد كان فيلم "هاملت" من أوائل الأفلام
المنتجة وقد كان ذلك سنة 1884 في فيلم روائي طويل صامت ، كما تقول دعاية الفيلم
وهو فيلم مفقود ، مع عشرات غيره من الأفلام .
كتب (شكسبير) مسرحية "هاملت" سنة 1602 على
الأرجح وحققت نجاحات واسعة بعد عرضها ، كما اقتبست للسينما عدة مرات ، ومن أشهر
الأفلام ، الفيلم الروسي
"هاملت" لمخرجه (جريجوري كوزنزتيف) سنة 1965 ، كما أن المخرج والممثل
المعروف ( لورنس أوليفيه) قد قدم "هاملت" ومسرحيات أخرى في عدة أفلام
إنجليزية ناجحة ، بعد نجاح نفس الممثل على المسرح وبنفس المسرحيات ، مثل
"عطيل" و"الملك لير" .
من أشهر الأفلام المقتبسة عن مسرحية "هاملت" ،
والفيلم الذي أخرجه وقام ببطولته (كينيث برناه) ولقد بلغ طوله أكثر من أربع ساعات
، وقد أنتج سنة 1996 ، بنكهة إنجليزية وليس أمريكية ، رغم أن هوليوود قد قدمت
"هاملت" بعدة طرق وأساليب ، مع استخدام عدة عناوين مختلفة ، مثل
"أكون أو لا أكون" وهي عبارة يرددها "هاملت" كثير ، كذلك فيلم
" أن تصبح هاملت" وفي بعض الأحيان يستخدم "هاملت" بطريقة
عصرية مغايرة ، كما في "روميو جولييت" .
تقول المعلومات التاريخية الأدبية ، بأن قصة الأمير
"هاملت" قد وردت في كتاب شهير للمؤلف والمؤرخ الدنماركي (ساسكو) ، وقد
نقل فيه قصص كثيرة لمائة أمير من الدنمارك ، وكان "هاملت" أحد هؤلاء ,
وقد استفاد (شكسبير) من ذلك الكتاب وحّول حكاية "هاملت" إلى مسرحية
معقدة ومركّبة وذات طبيعة نفسية ومأساوية ، مع إضافات درامية جديدة ، بل أن عبارة
" أكون أو لا أكون" التي وردت على لسان "هاملت" والتي عالجها
الفلاسفة والمفكرون وعلماء الاجتماع والنفس كثيرا
، قد جاء ذكرها في ذلك الكتاب التاريخي المعروف .
بصورة عامة اقتبست مسرحية "هاملت" إلى السينما
أكثر من 20 مرة وما زالت الاقتباسات مستمرة ، في التجديد مع كل زمن ومع كل تطور
تقني في المسرح والسينما .
***
نتحدث الآن عن
فيلم "هاملت" الذي عرض باحتفالية مسرح الكشاف بطرابلس يوم 27/12/2016 ،
وهو الفيلم الذي أخرجه الإيطالي (فرانكو زيفريلي) في تجربة أخيرة له مع (شكسبير)
قبيل وفاة المخرج .
يتميز هذا المخرج بأسلوب كلاسيكي في الإخراج ومن خصائص
هذا الأسلوب الاهتمام بالديكور والملابس والتركيز على أماكن التصوير والموسيقا
وإظهار بلاغة الحوار من خلال صراع الشخصيات .
لقد بدأ كل ذلك واضحا في هذا الفيلم "هاملت"
والذي أنتج سنة 2003 .
قبل ذلك قد (زيفريلي) فيلم "ترويض نمرة) 1967 ، وهو
عن مسرحية لـ(شكسبير) نالت شهرة كبيرة ، ونال الفيلم المذكور بعض الجوائز ، وكان
من أهم العروض في تلك الآونة ، وخصوصا وأنه جمع بين الممثلة (إليزابيث تايلور)
والممثل (ريتشارد هاريسون) الفيلم الثاني للمخرج كان الأهم ، وهو "روميو
جولييت" إنتاج 1968 ، وما زال ذلك الفيلم يعد من أهم الأفلام المقتبسة
لاعتبارات كثيرة ، أهمها تجسيد الأجواء التاريخية في إيطاليا وحسن التعامل مع
الملابس والموسيقا ، وقد كسب الفيلم عدة جوائز أوسكار .
الفيلم الثالث كان " الملك لير" ولم ينجح الفيلم
كثيرا ثم كان تعاون (زيفريلي) مع الممثل والمنتج (ميل جيبسون) في فيلم
"هاملت".
من أهم الممثلين المشاركين في "هاملت" (ميل
جيبسون) في دور البطولة ، ومن المعروف نجاح هذا الممثل المخرج ولا سيما في
فيلم"قلب شجاع" وغير ذلك من أفلام الحركة والتاريخ .
من الممثلات المشاركات في الفيلم (جين كلوز) في دور الأم
(جرتورد) وهي ممثلة راسخة ، عملت في المسرح والسينما ، ومن أهم أفلامها "
جاذبية أساسية" وكذلك فيلم " شيء ما عن إميلي" وغير ذلك من الأفلام
. أيضا تشارك في الفيلم الممثلة (هيلين كارتر) وقد قامت بدور (أوفيليا) خطيبة
"هاملت" .
***
مرة أخرى تظهر أهمية أماكن التصوير المختارة بعناية ، من
القصر الذي يعيش فيه الأمير "هاملت"، وكذلك باقي العائلة ، إلى التصوير
الخارجي الذي يبرز من حين إلى آخر ، ويتضح كل ذلك في المونولوج الطويل الذي يعبّر
به "هاملت" عن هواجسه وخصوصا وهو يلقيه أثناء تنقله عبر دهاليز وردهات
القصر الكبير والذي كان عشبه مهجور ، وما ينقص الفيلم فعلا هو حركة الناس الخارجية
، وربما كان السبب وراء ذلك أن الفيلم قد التزم بالمسرحية بكل تفاصيلها ، بما في
ذلك وحدة المكان والحدث .
إن قصة "هاملت" معروفة ، وأكثر المهتمين بالأدب
المسرحي يعرفونها جيدا ، ولقد قام العديد
من المترجمين العرب بترجمتها ، ومن أشهر المترجمين ، 0خليل مطران) و( جبرا إبراهيم
جبرا) وغيرهما الكثير .
كما أن البحوث والدراسات قد تناولت مسرحية
"هاملت" من جميع النواحي، وصدرت حوله الكتب .
تبدأ المسرحية وكذلك الفيلم بوفاة الملك الأب ، ثم زواج
الأم الأرملة من العم مباشرة ، وبذلك صار
العم هو الملك الفعلي .
لم يكن "هاملت"الابن راضيا بهذا الزواج ولم
يكن مطمئنا ، فلقد ساورته شكوك الخديعة والخيانة من قبل الأم والعم ، بسبب الزواج
السريع ومراسم التنصيب على العرش السريعة .
وما هو معروف لدى "شكسبير" أنه يستخدم أكثر من
حافز لتحريك الأحداث ، وفي فيلم "هاملت" ، نقل أصدقاء "هاملت"
إليه خبر حضور الشيخ الأب في المنام ليعلن على جريمة القتل التي ارتكبت ضده ،
ويطالب الابن بالانتقام .
هذا الحدث الذي ربما كان وهما ، صار حقيقة بالنسبة
لـ"هاملت" لأنه يستجيب للخواطر والهواجس الكامنة فيه .
حافظ الفيلم على تفاصيل المسرحية ، وانتقلت بالتالي رغبة
"هاملت" إلى التنفيذ ، بعد أن مرّ بتجربة القول فقط ، فهو يردد الكلمات
ويتراجع عند التنفيذ .
لقد ادعى هاملت الجنون لكي يبرر ما سيقوم به أفعال ،
وتخلى عن الفتاة التي كان يود الزواج منها ، لأن رغبة الانتقام قد تملكه وسيطرت
عليه .
بالخطأ قتل
"هاملت" والد خطيبته وكان يظنه زوج أمه وبالتالي مسقط في هاوية القتل .
النهاية شملت موت الأم بالسم الذي أعدّه العم
لـ"هاملت" ، ثم موت العم بسيف "هاملت" وكذلك موت إخوة خطيبته
ثم موت "هاملت" نفسه وبالتالي صار من الممكن إطلاق مصطلح مأساة على
المسرحية وعلى الفيلم .
إن أكثر النقاد لا يعتبرون مسرحية "هاملت" ذات
طبيعة كلاسيكية ، لأنها تعتمد على الشخصية بالدرجة الأولى ، ويأتي الحدث بعد ذلك
وهو حدث لا يقوم على بداية ووسط ونهاية إلا في حدود تطور العمل الفني نفسه .
أيضا هناك زوائد ، حافظ عليها الفيلم ، ومن ذلك مشهد
القبر الذي مرّ به "هاملت"، وكأنه يسير إلى قبره بدون إرادته .
كذلك هناك المشهد المسرحي الذي نجده دائما داخل مسرحيات
"شكسبير" ، مع استخدام مقصود للحفل الجماعي وفي الغالب مع وجود أقنعة
على الوجوه .
بالنسبة للتمثيل سنرى جدية واضحة في معظم الأدوار وخصوصا
(جين كلوز) التي قامت بدور الأم ، ورغم الحضور الجيد للممثل الرئيسي (ميل جيبسون)
، إلا أنه ممثل أقرب إلى الأدوار الكوميدية منه إلى الأدوار الدرامية ولذلك سنراه
ناجحا في أفلام مثل :
"سلسة السلاح الدامي" وفيلم "ماذا تريد
النساء" وفيلم "نظرية المؤامرة "، أما في هذا الفيلم
"هاملت"فقد بدأ باهتا وربما ذهب الدور إليه باعتباره منتجا قبل أن يكون
ممثلا بعكس الممثلة الرائعة (هيلين كارتر) في دور الخطيبة والتي نراه دائما رائعة
في كل أدوارها وخصوصا الأفلام ذات الطبيعة الكلاسيكية الأدبية .
الإنسان من
الداخل
"ماكبت" هو الفيلم الأهم الذي اقتبس عن إحدى مسرحيات
(شكسبير) ، وهي المأساة المعروفة باسم "ماكبت" .
هذا الفيلم من
إنتاج 2015 وهو للمخرج الاسترالي (مايكل غوزول) والذي سبق له أن قدم فيلم "
إكس مين " أو " رجال إكس"، وبالطبع اشتهر المخرج بأفلام أقرب إلى
الرعب إذا جاز التعبير ، وأظن أن هذا السبب هو الذي جعل فيلمه "ماكبت"
يحتوي على مشاهد عنف ودم أكثر من اللازم ، ولكن هذه هي أجواء الفيلم ، فالعنف لم
يكن مجانيا ، بل هو جزء من تعبير الفيلم عن التغيرات التي تصيب الإنسان عند
انتقاله من مرحلة إلى أخرى ، بدون تدبير وقصد مسبق .
أهم ما في الفيلم "ماكبت" 2015 الاعتماد على
الألوان والتي جاءت حمراء على الأغلب ، تعبيرا عن الدم الذي تواصل جريانه مع كل
حدث من أحداث الفيلم .
"ماكبت" قائد عسكري اسكتلندي ، كان أحد قواد جيش (الملك
) ولقد كان انتصاره على كل من خرج عن طاعة الملك مدخلا لرفعة شانه وتميزه ، غير أن "ماكبت" لم
يكتف بذلك بل شق طريقه نحو الاقتراب من السلطة ، وأتاح له مركزه الجديد (قائد
القواد) أن يحلم بذلك ، كما أن الشروط المواتية قد ساعدته كما جاء في المسرحية
الأصل لـ(شكسبير) .
لم يقدم الفيلم المسرحية كما هي ، ولكنه أضاف إليها
الكثير ، ومن ذلك مشهد الطفل الذي شاهدناه في البداية ، وهو على الأرجح ابن
"ماكبت" الذي مات بسبب أو بآخر ولم تصرح المسرحية بذلك ولكن جاء على
لسان السيدة "ماكبت" بأن حليبها تعرض للانقطاع ، مما يوحي بأن لديها
طفلا قد مات ، ولقد التقط سيناريو الفيلم هذا الخيط ليجسده فعليا بالمشهد المذكور
.
من تعبيرات الفيلم استخدام اللقطات الثابتة في المعارك ،
وللمتفرج أن يفسر ذلك بنوع من التجاوز والتوسع ، ذلك أن الصورة الثابتة هي تأكيد
للحظة ، لحظة العنف والقسوة والتطلع نحو التسلط مهما كان الثمن . أيضا تحتوي
اللقطة الثابتة على لحظة رعب تؤكد ما بداخل "ماكبت" من شهوة نحو السلطة
مرورا بالانغماس في بحيرات الدم القادمة .
يبدو فيلم "ماكبت" مرعبا لأنه يكشف عما في
داخل الإنسان من توحش ، وهذا الأمر تكرر سابقا في فيلم "ماكبت" الذي
قدمه (رومان بولانسكي) في سنة 1968 وبالطبع كان من أفضل الأفلام التي اقتبست عن المسرحية ، فهو قد غاض أيضا في
داخل النفس البشرية ليكشفها ، وإن كان الفيلم قد ركّز على السيدة
"ماكبت" باعتبارها صاحبة التدبير والتأثير وممارسة الوصاية والسلطة ،
تعويضا عن طفلها الذي مات كما يفسر ذلك المفسرون.
بالطبع لا نستطيع نسيان فيلم (بولانسكي) ، فهو الأهم ،
لكن الفيلم الجديد "ماكبت" 2015 ، قد استطاع النفاذ إلى داخل النفس
البشرية بصورة مختلفة مستعينا بالأدوات التقنية مثل الغرافيك واستخدام الألوان
وتنوع الملابس والديكورات الداخلية والخارجية .
نعود إلى أحداث الفيلم ، وتحديدا إلى مشهد مهم هو الذي
قاد "ماكبت" نقلة مختلفة لم تكن متوقعة ومثلما حدث في فيلم
"هاملت" مثلا ، عندما ظهر شبح الأب لهاملت وأوحى له بفكرة الانتقام وحرك
في نفسه هاجس الأخذ بالثأر ، كذلك حدث في
فيلم "ماكبت" ، عندما ظهرت الساحرات الثلاث له ولصديقه (بيكون) .
قالت الساحرة كلاما عاما التقط منه "ماكبت" ما
يخدم مصلحته ، واعتبر الكلام مرشدا ودليلا لكي يعمل وهو شديد الاطمئنان للنجاح .
إن الساحرات قد أوحت لـ"ماكبت" بأنه سيصبح
الملك الأوحد ، أما صديقه فهو في طريقه لأن يكون الأب لملك قادم .
بواسطة الزوجة وحماسها وتدبيرها صار الأمر حقيقة ، فقد
ساعدت "ماكبت" في التخلص من الملك عندما تسللت إليه وقامت بطعنه وأكمل
"ماكبت" الباقي . غير أن الفيلم قد جعل من "ماكبت" هو القاتل
الوحيد وهذا تغيير بسيط في جوهر المسرحية ولكنه في الوقت تغيير جوهري .
السبب أن الفعل يقوم به "ماكبت" . أما الإيحاء
فيأتي من الزوجة وتأثيرها وجاذبيتها ورغبتها في أن تصبح ملكة ، تدخل في مغريات
السلطة .
يسقط "ماكبت" بعد قتل الملك في هوة سحيقة ،
فالدم يولد الدم ، حيث يبدأ في التخلص من
مناوئيه ومنهم أبناء الملك الذين فروا إلى انجلترا ، لتبدأ الحرب ضدهم في التوهج
من بعيد .
يقتل "ماكبت" صديقه (بيكون) لأنه سيكون الأب
لملك قادم كما توهم بتنجيم الساحرات ، والنقلة المهمة تتمثل في موت السيدة
"ماكبت" بعد الصراع مع الهواجس والكوابيس التي تأتيها باستمرار جراء
عمليات القتل المستمر ، وخصوصا عند التخلص من كل القادة في وليمة كبيرة تم تدبيرها
باتقان من أجل التفرد بالسلطة .
من الإضافات التي تحسب للفيلم استخدام ميدان الحرب مكانا
لمجريات الأحداث ، عندما تم تنصيب خيام خاصة قريبا من ساحة المعركة ، بديلا للقصر
ودهاليزه وحجراته ، حيث تستقر المكائد دائما في مسرحيات شكسبير .
تظهر الساحرات مرة ثانية لتعلم "ماكبت" بأن
نهايته سوف تحدث عندما تتحرك الغابة ، ويدرك "ماكبت" بأن ذلك من
المستحيل ، إذ كيف للغابة بأشجارها أن تتحرك ؟.
وبالفعل تتحرك الغابة في النهاية ، عندما يلبس جنود ابن
الملك السابق أوراق الشجر ويزحفون نحو القصر وتكون نهاية "ماكبت" الموت
بيد ابن الملك المطارد والذي عاد لينتقم لموت أبيه .
نعم ينزلق "ماكبت" إلى جحيم الحياة بعد أن كان
يعيش هانئا في الفردوس وكأننا أمام قصة آدم وحواء ومقتل قابيل لهابيل ولكن بصورة
مختلفة أساسها ، اشتعال الأهواء الحارقة بدافع الاقتراب من السلطة الدامية .
ضجيج ينتهي
بسرعة
من الأفلام التي لم تنل خطوة من الشهرة الإعلامية ، ذلك
الفيلم المسمى "ضجة فارغة" والتي أنتج عام 1990 وأخرجه(كينيث برناه) وهو
المخرج والممثل الذي تعامل مسرحيا مع عدد من المسرحيات الشكسبيرية ، كذلك أخرج
أفلاما أخرى مقتبسة عن أعمال شكسبير وأشهرها بالطبع فيلم "هاملت" .
هذا الفيلم " ضجة فارغة" أنتج عام 1993 وشارك
في بطولته عدد من النجوم ، أهمهم (كينيت برناه) نفسه بالإضافة إلى (دينيزيل
واشنطون) في بداياته الأولى وكذلك (كينو ريفز) في مطلع حياته السينمائية ، وبالطبع
كانت الممثلة (إيما تويسون) هي الأكثر شهرة وهي ممثلة إنجليزية تعاملت مع أهم
الكلاسيكياتالإنجليزية ولا تكاد تختلف عن (كينيت برناه) في ذلك .
لقد سبق لهذه المسرحية أن نشرت مترجمة ولقد أسماها بعض
المترجمين العرب "جعجة بلا طحن" قياس على المثل العربي القديم .
لقد كتب (وليام شكسبير) المآسي وهي أربع مسرحيات ، وبحسب
حدة المأساة فهي كالتالي : " ماكبت – هاملت – عُطيل – الملك لير " ،
ولكن كتب شكسبير أيضا الهزليات أو المسرحيات
الهزلية ، ومنها "حلم ليلة صيف – وسيدان من فيرونا – وهذه المسرحية
ضجة فارغة" . كما أن هناك مسرحيات تجمع بين الصنفين التراجيديا والكوميديا
وهي الأكثر من بين إنتاج شكسبير .
من الواضح أن بداية الفيلم تتناسب مع سريان الأحداث
المتتالية ، إذ نجد أنفسنا في البداية أمام جماعة تشكل مجموعة موحدة من النساء
والرجال تواجدوا في قصر لأحد الأمراء (دينيزيل واشنطون)وأهم ما في المجموعة تتأتى
أول (رجل وامرأة) تتشابك علاقتهما بين مدّ وجزر إلى أن تصل إلى مشارف الزواج ولكن
بواسطة الخديعة ، كما هو معتاد في مسرحيات شكسبير ينهار هذا المشروع ويتعرض
للانهيار المبدئي .
في المقابل هناك ثنائي آخر ، وهو الرئيسي والذي تعتمد
عليه فكرة المسرحية (إيما تويسون) و ( كينيت برناه) وهو ثنائي يجمع بين الاختلاف
في الرأي والتشاحن ، حتى أنه يصل إلى مرحلة الضجة الفارغة ، لأن الخديعة الإيجابية
وليست السلبية قد أوقعت هذا الثنائي في حالة تجاذب ، فلقد تم إيهام كل طرف بأنه
مطلوب من الطرف الآخر ، وبالتالي فلقد تكونت قصة حب وهمية ثم تحولت إلى قصة حب
حقيقية مع تطور الأحداث.
مثل العادة
أيضا تنكشف الخديعة في نهاية المسرحية ، بوجود الغيرة والأحقاد الداخلية ، ومثل
معظم المسرحيات الهزلية تعود المياه إلى مجاريها السابقة وتنتهي كل الأحداث إلى
زواج مرتقب .
لقد بدأ الفيلم خفيفا ورشيقا مثل المسرحية وخصوصا وأنه
قد احتوى على صخب جماعي يتناسب مع الاحتفالات البهيجة داخل المسرحية ، وأيضا مع
استخدام حدائق وقصور واسعة تساعد على الحركة والتنقل برشاقة . هذا عدا بعض
الإضافات الأخرى التي لا مجال لذكرها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق