الثلاثاء، 10 فبراير 2009

---- تنظيرات سينمائية -- زيغفريد كراكاور





إذا كانت السينما تمثل فناً ، فلا ينبغي إطلاقا وتحت أي ظرف من الظروف الخلط بينها وبين الأشكال الفنية القديمة من الفن .


المنظر السينمائي:

زيغفريد كراكاور: 1899-1966

كاتب وباحث سينمائي وعالم اجتماع ألماني، عمل في العشرينات والثلاثينات بنحو نشط في ميدان علم الاجتماع ضد الفاشية.

هاجر كراكاور بعد استلام هتلر للسلطة إلى فرنسا أولاً، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليعود مرة أخرى وبعد اندحار الفاشية للاستقرار في ألمانيا.

تتلخص الأعمال الرئيسية لكراكاور في مجال النظرية السينمائية في كتابين هما: "التاريخ السيكولوجي للسينما الألمانية " 1948م و " طبيعة الفيلم " 1960م . ففي الأعمال النظرية لكراكاور المشار إليه آنفاً تتضح وبجلاء الوحدة القوية بين التاريخ والتقنية ، وعلم الجمال ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس بالرغم من أن المنظر الألماني وفي المقدمة التي صاغها لكتابه الأول يعتبر أن هذا العمل في المقام الأول عمل تاريخي بحت .

يعطي كراكاور في هذا العمل تعريفا فريدا لطبيعة الفيلم ، تعريفا يمكن وصفه بأنه قد أعطى المنظّر الفرصة ليجمع في وحدة واحدة بين الاتجاه الاجتماعي والاتجاه السيكولوجي في السينما عندما يوثق في هذا البحث ويعمل على تثبيت أن في تفاصيل الحياة اليومية تكمن رسالة الفيلم المحددة بطبيعته .

لا يرى كراكاور في السينما الألمانية التاريخ الخاص بها ، فالمنظّر مثله مثل المصور الألماني الشهير (ف . زاندر) الذي قام بتصوير دورات فوتوغرافية أبرز فيها تفاصيل الحياة اليومية للألمان وأنشأ على ضوئها البورتريه الجماعي للقومية الألمانية ... يرى في السينما الألمانية تلك الدوافع الاجتماعية التي يجب أن تثري انطباعاتنا ، وتعمق معارفنا عن ألمانيا قبل هتلر ، يرى في السينما الألمانية تلك الصفات السيكولوجية القومية التي ساعدت على نشوء الفاشية .


إن المكانة الرئيسية في كتاب كراكاور "التاريخ السيكولوجي للسينما الألمانية " تحتلها تلك المسائل السيكولوجية التي ينظر إليها في علاقتها الوثيقة مع الطبيعة الفوتوغرافية للفيلم من جهة ، ومع المهام ذات السياق الاجتماعي الخاص من جهة أخرى .

وكراكاور في كتابه ، وفي معرض تصديه ومناقشته لبعض التفاصيل الوظيفية للسينما من وجهة نظره يقول : " تظهر الحياة الروحية في العناصر والتوليفات المختلفة للعالم الخارجي ، وعلى الأخص في تلك الظواهر السريعة غير الممتدة التي تشكل جوهر أي انجاز سينمائي حينما يعيد صياغة العالم المنظور ، إنها تتبدى هناك حيث سريان الحقيقة الحية أو العالم الأصغر التخيلي فيصبح الفيلم هو المفتاح الذي يتيح فهم تلك العمليات السيكولوجية الخفية عن العين " .

أما في ما يتعلق بالتاريخ السينمائي فإن ما يثير الاهتمام الفعلي في المقام الأول لدى كراكاور وبهذا البعد الحيوي من الأنواع الفيلمية ، هو تلك الأفلام التي تعمل على تمجيد المواضيع السيكولوجية وترتبط بهذه الأوضاع أو تلك ، مثل أحوال ما بعد الحرب العالمية الأولى ، وظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية ، أو زمنية وصول الهتلريين إلى السلطة في ألمانيا .

يحتوي كتاب " طبيعة الفيلم" – السفر النظري لكراكاور على – مقدمة وثلاثة أجزاء وخاتمة ، ففي المقدمة والجزء الأول يتطرق المؤلف إلى الخصائص الجمالية العامة للصورة الفوتوغرافية والفيلم ، وفي الفصلين الأخيرين يخصص الكاتب الحديث عن الخصوصية الفنية لفن السينما ، أما موضوع الخاتمة فيتعرض للإنتاج السينمائي الأخير – حسب المرحلة الزمنية التي يغطيها الكتاب .

يخلص كراكاور في الجزء الأول من مؤلفه ، وبعد استعراض تاريخي مستفيض حول الخصائص الفنية للفوتوغرافيا إلى أنه "وعلى مر تاريخ الفوتوغرافيا يلاحظ وجود نزعتين : نزعة واقعية ترى نموذجها الأعلى يتمثل في التوثيق الواقعي للأحداث ، ونزعة شكلية تضع الأهداف الفنية غاية لها " . غير إن النزعة الفنية هي اليوم كما في السابق ليست متحدة مع أهداف الواقعيين ، على أن ذلك لا يقر أو يمنح المصور الفوتوغرافي الواقعي الإذن في الابتعاد عن الحلول الجمالية ، فكراكاور يرى أن النظر إلى الفوتوغرافي كعملية استنساخ فني للواقع لا يعدو أن يكون سوى تفكير بالٍ وساذج ، إنه يلفت الانتباه إلى الفنانين الواقعيين الذين عاشوا في كوربي في القرن التاسع عشر حين وقفوا على مبدأ الحقيقة الحياتية والموضوعية ، ونظروا لإبداعهم كخدمة للثورة التي لم يحالفها التوفيق في عام 1848 .

إن المبدأ الأساسي للفوتوغرافيا من وجهة نظر كراكاور يتلخص في ضرورة حساب توظيفها كأداة تعبيرية خاصة ، فالتاريخ الحقيقي للفوتوغرافيا من مرحلة ظهورها إلى هذا الوقت يثبت بحسب تعبيره : " إن الفوتوغرافيا تقدم الملاحظة عندما توجد في أساس من العلاقة بين صدق الواقعية والاستفادة من الخصائص التسجيلية للكاميرا في التنبيه والكشف عن جوهر الواقع الفيزيائي " . إن بعض المصورين في الكثير من الحالات يعملون على تقليد الرسومات استخفافا بوظيفة الفوتوغرافيا ، فعلى العكس من ذلك يجب أن يكون المدخل الأساسي للمصورين والمحدد للجمالية هنا متجليا في المدخل الذي يختاره المصور من المادة ، كما في الاستخدام الصحيح للخصائص الطبيعية للفوتوغرافيا وجاذبيات الشرائح التي تقوم بإنتاجها ، فالمدخل الفوتوغرافي – كما يعتقد كراكاور – عليه أن يتمسك وتحت كل الظروف بالاتجاه الواقعي ، إذ أنه وعلى هذه الفكرة تغدو الوثيقة الفوتوغرافية المباشرة ذات قيمة جمالية وتعبيرية أقوى على الرغم من عدم الاكتمال التكويني لها ، فبالنسبة للنزعة الطبيعية للفوتوغرافيا يتعامل كراكاور مؤولا عدم نظامية واكتمالية المحتوى إلى حالة التشويش واللبس الفكري الذي يكون عليه المصور ، إذ أن كل العوامل السابقة بوجهة نظره مترابطة بالسلوك الموضوعي للتعبير الفوتوغرافي الذي يعمل على تعريفها في إطار الملامح الجذابة المتمثلة في الحقيقية ، والتاريخية ، والتوثيقية ، " إن الصورة الواحدة يمكن أن تكون جميلة في إطار فوتوغرافيتها "

.

يختتم كراكاور الباب المخصص للفوتوغرافيا بسؤال هل يمكن اعتبار الفوتوغرافيا فناً ؟ مجيباً في ذات الوقت على هذا السؤال بالنحو التالي : " ينطوي عمل المصور على جهد إبداعي ، ولكنه يختلف عن الأشكال الإبداعية التقليدية ، كما هي القيمة الجمالية للفوتوغرافيا تغدو في مستوى ما أثرا للوظيفة الظاهرية لها " ، ويمضي المنظّر موضحا ومنبها إلى أن الإبداع الفوتوغرافي لا يجب مزجه مع الإبداع الشكلي للفوتوغرافيا التي تعمم في داخلها حلول المسائل الجمالية ، فمثل هذا التعميم من شأنه وضع الفوتوغرافيا في تلك النظرية التي تقوم بين النسخ العفوي والإبداع ، فظهور الفوتوغرافيا برأي كراكاور " لم يغير تصوراتنا عن الطبيعة الواقعية للفن بالقدر الذي أغنى تلك التصورات بظواهر جديدة ، إنها لا تكون عملا فنيا في المفهوم التقليدي ولكنها وبأي حال ليست بالتجريد وإنما تأكيد جمالي " .

وكراكاور ، في تحليله للطابع الجمالي للسينما يعلن أن طبيعة الفوتوغرافيا تواصل حياتها في الطبيعة السينمائية عندما تكون وبأساس تلك الطبيعة السينمائية التقنية السينمائية الخاصة كالصورة المتحركة ، فالخصائص المركزية للسينما تلتقي بالكامل مع خصائص الفوتوغرافيا وبذلك النحو الذي تلتقي فيه جمالياتها مع الواقع المادي المحسوس ، إن السينما هي تلخيص النزعة الفوتوغرافية العفوية غير النظامية ، المتصلة ، المحددة كتعبير جزئي عن الواقع في حركته تواصله ، أما خصائصها التقنية فتختلف عن الفوتوغرافيا على الرغم من الاستعارة التي تأخذها منها في اللقطة الكبيرة ، واستعمال العدسات ، والكادرات السالبة ، والبعد الثنائي ... بالإضافة للملامح والخصائص السينمائية التي تعبر عنها الوسائل التقنية كالمزج والحركة البطيئة والسريعة ، كما تداخل الأزمنة.

إن الوسيلة التقنية الأساسية للسينما هي المونتاج الذي يعمل على صناعة وتوضيح الأفكار بواسطة التوظيف المحكم للكادرات .

كراكاور في بحثه عن قوانين للمونتاج رأى أن أحد تلك القوانين يتمثل في " أن احتياج كل عمل سينمائي إلى التوليف يتم في إطار درامي محدد بهدف تطوير المضمون وتعميق التصور في كل العلاقات المرئية وغير المرئية لذلك العمل " ، فعبر تلك الصورة يحدث الارتباط بين المونتاج والخصائص الجديدة لطبيعة السينما ، وعن طريق الأسلوب الواقعي يستطيع الفيلم أن يظهر الواقع في حركته ، في جزء منه ، وفي الثانية ، فالسينما " يمكن أن تخطف الواقع المادي في جميع علاقاته المتنوعة ، وفي المرحلة المقتطعة برؤيتها – الأمر الذي يكون كذلك ضروريا في الفوتوغرافيا " .

إن الأفلام برؤية كراكاور تبدو في قيمة جمالية كاملة فقط عندما يتم خلقها على الوسائط الأساسية للسينما ، وكذلك هو الشيء نفسه يجري في الفوتوغرافيا ، فكلا الفنين يمتلكان القدرة على إيجاد وتوفير صلة سليمة بين الواقع والفكر ، " إنهما يصنعان تقاليد موجودة بالأصل في تاريخ السينما – تقاليد تمتد من السينما الفوتوغرافية للإخوة لومير وأفلام الإبداع الشكلي لجورج ميليس " .

في القسم الثالث لكتابه والذي يناقش فيه طابع الجماليات العامة للخصائص السينمائية يطرح كراكاور سؤالا : هل السينما فن ؟

يلاحظ المؤلف أنه وعن طريق مشاهدة الفن السينمائي يتم فهم حصيلة من الأفلام التي تشبه الأعمال الفنية التقليدية ذات الإرادة الإبداعية الحرة ، الإرادة التي تشكل مادتها من تكوينات متفردة ومؤثرة في المنهج السينمائي الذي يعطي انتباها لواقعية الكاميرا التي تتوظف من منطلق وأساس الثقة في الشكل الإبداعي لصانعيها ، فالقيمة الجمالية المكتملة في واقع الأمر لا توجد بكل الأفلام ، وإنما بأفلام معينة تتميز بواقعية أداء الكاميرا كما في فيلم "نانوك" لفلاهيرتي و" زيايزا" لروسليني و"المدرعة يوتومكين" لايزنشتين ، فإذا كانت السينما فناً فلا يجب خلطها مع الأشكال الفنية القديمة كما يرى المنظّر

عن المصدر---الصور-كاراكاور-ايزنشتاين-الاخوين لوميير-اوفلاهيرتى.

ليست هناك تعليقات: