الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

في "بلد البنات".. أربع فتيات يبحثن عن الأوهام والأحلا





كل فتاة تبحث عن حل مناسب



المتابعون لأحوال السينما العربية يعلمون جيدا بأن قضايا المرأة منذ زمن

بعيد قد شغلت صناع الافلام، فمن مدافع عن حقوقها الى محلل لمشكلاتها، ومن

مستفيد من حضورها الجمالي والتجاري الى مناقش ومعالج للقضايا الاجتماعية

الواقعية والتي تملك المرأة بالنصيف الوافر فيها.

ذلك حدث منذ بدايات السينما في مصر ومنذ انتج فيلم "ليلى" 1927، حيث الصراع

بين الاجنبية والصحراوية، وايضا فيلم الضحايا وقبله في الصحراء وغير ذلك من

الأفلام التي نرى فيها المرأة قد صارت أحد الضحايا الاجتماعية بسبب سؤ سلوك

الرجل أو بسبب الظروف والأحوال المالية الدافعة للانحراف.

نجاح الأفلام

لقد انجزت الكثير من الأفلام خارج اطار السينما المصرية ايضا، وهي أفلام

شهدت نجاحا كبيرا. كما في تونس والجزائر والمغرب وسورية ولبنان. لأن قضية

المرأة قد ارتبطت بالتحولات الاجتماعية المتتالية، ولم تتوقف المتغيرات

التي تدور في اطارها مشكلات الفرد والمرأة، ولاسيما مع وجود مخرجين وكتاب

اشارو الى هذه الموضوعات على أنها جوهر القضية الاساسية وليس مجرد حشو أو

تزيين أو هامش أضيف للتسلية فقط.

كانت كتابة الرجل هي البداية، وكان التنازل أقرب الى الطرح الاجتماعي الذي

يمضي نحو اثارو المشكلة الاجتماعية، في تبني للقضايا العامة أولا واخيرا.

أما الكتابة النسائية فقد اندفعت نحو الكشف عن جزئيات وتفاصيل المشكلة

النسائية، وكأن القضية امرأة معينة، بينما الاتجاه السائد يقول بقضية

المرأة بوجه عام.

قلم للكتابة

اذا كان هناك اختلاف بين القلم الرجالي والقلم النسائي، فهو يرجع الى هذا

الأمر وليس غيره، ففى حين يركز القلم الرجالي على قضية المرأة باعتبارها

نوع وفى طرح عام له علاقة بالقضية الاجتماعية العامة، نجد فى المقابل أن

القلم النسائي يركز على امرأة معينة وعلى تفاصيل خاصة وفي الغالب لا يرتفع

هذا القلم بالموضوع من الخاص الى العام، بل يبقى في اطار خصوصية الطرح الذى

يتشابك نسائيا ويتداخل، أكثر من تفاعله مع حضور الرجل نفسه.

لا نريد أن نقول بوجود كتابة أنثوية لها مدولات متميزة فى مقابل كتابة

رجالية مخالفة أو غير مخالفة، لكن هذه الكتابة تبقى حاضرة تفرض نفسها فى

اطار ما يمكن تسميته بالدائرة النسوية..

جديد قديم

هذا الفيلم والذى عنوانه "بلد البنات" يسير نحو نفس المنحى السابق المتعارف

عليه، انه يتعامل مع قضية المرأة، ولكن بمقاييس تبدو مختلفة قليلا. إنه لن

يذكرك بفيلم "أريد حلا" مثلا لسعيد مرزوق ولا الافلام التي اقتبست عن قصص

احسان عبد القدوس أو يوسف ادريس، واحيانا بعض روايات نجيب محفوظ، وفي كل

الاحيان افلام كثيرة قدمها بعض المخرجين مثل بركات وسعيد مرزوق ومحمد خان

وعاطف الطيب وغيرهم.

سوف لن يذكرك هذا الفيلم بكل ذلك. إنما يمكن للمشاهد أن يتذكر فيلم بعنوان

"بنات وسط البلد" مثلا أو فيلم أقل مستوى وهو "لحظات أنوثة" وفيلم "أحلى

الأوقات" للمخرجة هالة خليل او الفيلم اللبناني "سكر نبات" للمخرجة نادين

لبكي، وكل هذه الأفلام المنتجة في السنوات الاخيرة، والتي تتعامل مع

النماذج النسائية باعتبارها صيغ مفردة لها همومها الخاصة وهي بعيدة قليلا

عن قضايا الاسرة والأطفال والطلاق وباقي الضغوط الاجتماعية.

ملصق وعنوان

قبل كل ذلك لابد أن يكون المدخل هو ملصق الفيلم، إذ نجد كل الملصق صور

لأربع فتيات وقد وقفن بالطول، بينما تغطي أوراق التوت المنطقة الوسطى لكل

منهن. فيما تظهر اجزاء قليلة من السيقان حتى القدمين عارية، بعكس النصف

الاعلى الذي برز بملابس كل فتاة على حدة.

لقد اعتمد الملصق على العنوان الاصلي للفيلم وهو "ورق توت" وكما قلنا

تستخدم العناوين لغرض الجذب التجاري احيانا، وهي يمكن أن تكون معبرة ايضا

عن المعنى.

ففي مثل هذا الفيلم يسمح العنوان بالكشف عن جوهر المشكلة، بحيث لا يتم

التستر على القضية بالملابس، وانما يكون الفاصل هو مجرد ورقة توت، والأمر

يعود الى قصة آدم وحواء، اذ كل شيء يبدو مكشوفا، إلا ما هو ضرورى لاعتبارات

العفة أو القبول الاجتماعى أو الرهان على فكرة الغريزة وحدها.

ربما لاعتراض الرقابة، تغير العنوان الى "بلد البنات" ولكن الملصق ظل كما

هو، والمعنى هنا محلى جدا اذ تعنى بلد البنات دنيا البنات أو عالمهم.

أربع بنات

يبدأ الفيلم بعدد من البنات "أربع بنات" يسكنون حجرة واحدة في سكن جامعي،

وربما تم اختيار اليوم الأخير لوداع الدراسة الإعلامية الجامعية، حيث

الاحتفال بذلك عن طريق سهرة تعود الفتيات بعدها في آخر الليل، ولا ندري

ماذا يريد الفيلم أن يقول من وراء ذلك، الا التأكيد على رغبة الفتيات في

المغامرة وتكسير الروتين تعبيرا عن الحرية الشخصية.

قبل هذا المدخل هناك مقدمة أولية، تعود بنا الى الفتاة "تهاني" وهي صغيرة

في قريتها الصحراوية، عندما تصعد الى أعلى النخلة متشبتة برغبة أن تكون مثل

الأولاد رغم الظروف التي تضعها فى الممنوع في كل تصرف تقوم به.

فعليا يبدأ الفيلم عندما تسكن الفتيات في شقة يتم ايجارها في منطقة شعبية

كما يقول الفيلم ولا ندري سببا يبرر عدم اظهار هذه المنطقة ولو بطريقة

محدودة، ولذلك اختفى الناس في هذه المنطقة بشكل نهائي عدا جارة واحدة تقوم

بدورها "مها أبو عوف"، مع الاشارة بأن ميزانية الفيلم محدودة جدا.

يتبع الفيلم مسار كل شخصية، لكنه يعود احيانا ليظهر الشكل الجمعى لوجود

الفتيات في مكان واحد، وفى هذا الجانب اضاع الفيلم وقتا طويلا فى الحوار

المتشعب الثنائي أو الثلاثى، وكذلك التركيز على الجانب الخارجى ظل ضعيفا

الى حد ما، فى المقابل الاحداث الهامشية التي تحدث في الشقة.

رغم ذلك، فإن كل فتاة تأتيها الفرصة لاستعراض مونولوج داخلي تشرح فيه

مشكلتها الخاصة من وجهة نظرها وحدها دون غيرها.

الشخصية الأهم

كما قلنا هناك الفتاة "تهاني" وقامت بدورها بكفاءة "ريم حجاب" وهي الشخصية

الأهم تقريبا، انها فتاة تعمل فى الصحافة تتعرف على مخرج سينمائى لتقيم معه

علاقة، بدون تردد، ولأنها تبحث دائما عن الحب، فهي الأكثر استجابة له،

وعندما تصبح حاملا، تساعدها صديقتها في دفع مبلغ مالي من أجل عملية اجهاض

محفوفة بالمخاطر، وعندما ينتهي الفيلم نجد الفتاة تهاني تعود الى قريتها

وهي كبيرة ليتحول شبح الماضي الى جزء من الحاضر المقبول.

من النماذج النسائية أيضا نجد الفتاة "نور" تقوم بدورها فريدة الجريدي، وهي

فتاة تبدو متزنة، تقيم علاقة عاطفية مع زميل لها في العمل، لكنها لا تتمادى

أكثر من ذلك، فهي مترددة قليلا، وتكتشف في النهاية انه يخونها مع فتاة

أخرى، نفس الفتاة لها مرجعية أسرية، فقد زارها أبوها في الشقة التي تسكنها،

ووجدها قد حضرت متأخرة ليلا ولذلك انصرف عنها بشكل شبه نهائي بما يعني

انتقاد ذاتها بشكل مستمر.

نفس الخيبة تتكرر مع شخصية أخرى وهي "فرح يوسف" والتي تميل الى الانطوائية

ولها ميول شعرية وتعاني من مشكلة في مظهرها بسبب عيوب في وجهها، وهي تبحث

عن الحب لكنها لا تجده.

النموذج الرابع "سمية الجويني" – ممثلة تونسية تقيم علاقة مع مديرها في

العمل الذي يكبرها بسنوات وتتطلع الى أن يطلق زوجته ليتزوج منها، لكن كل

ذلك لا يتم، وهذا يجعلها تتجه الى العمل الاجتماعي والمطالبة بحقوق المرأة.

طريق مسدود

وهكذا نجد أن الفتيات جميعا قد انهارت علاقتهن بالرجل، فقد وصلن الى طريق

مسدود، رغم إن الرجل هو الفكرة الرئيسية المسيطرة عليهن.

ان كل فتاة تبحث عن حل مناسب وتجده خارج التجربة العاطفية، لأن كل تجربة

عاطفية محكوم عليها بالفشل المسبق.

سوف نرى في الفيلم وبوضوح شديد اقصاء للجانب الاجتماعي الاسري، فكل فتاة

تعيش بعيدا عن أسرتها، بل لا نعلم شيئا عن هذه الاسرة، ولهذا كانت التجارب

الخاصة متحررة نسبيا، ولا مانع ان يركز الفيلم كل السهر الخارجي للفتيات

وكذلك الحرية الكاملة في اقامة العلاقات العاطفية والجنسية احيانا، وكل ذلك

بسبب عدم حضور الجانب الاجتماعي المتمثل في الاسرة، وهذا انعكس ايضا فى

مفهوم العلاقة مع الرجل، لأن كل فتاة لا تفكر جديا فى الزواج، وربما لا

تسعى اليه، بقدر ما يعنيها أن تكون لها علاقة عاطفية ترضي مظاهر كبرياء

الانوثة فيها.

رغم التفاصيل الكثيرة وعدم وجود دراما متحركة، إلا أن الفيلم يمتاز بحس

عالى فى تعامله مع الموضوع المطروح، وخصوصا مع عدم توفر مفهوم الاصلاح أو

الحكم الاخلاقى على التصرفات والسلوك.

مشاهد تعبيرية

رغم هذه الانسيابية فى تتابع المشاهد، إلا أن استخدام بعض المشاهد السريعة

الحركة كما في حركة الشوارع العامة وفي لقطات من أعلى، قد قطع التسلسل

الطبيعي للاحداث، فحركة الشارع لا تأثير لها في الفيلم تقريبا، لأن

السيناريو مبني على المشاهد الداخلية على الأغلب. كما إن هناك مشاهد

تعبيرية غير موفقة، لاسيما مشاهد الاحلام المزعجة والتى ظهرت مباشرة الى

أبعد الحدود.

من جانب آخر تطغى احيانا على الفيلم بعض الظواهر الثقافية الفكرية، مثل

الحديث عن فوكو وصلاح شاهين والتطرق الى قضايا العراق وفلسطين، وفي بعد آخر

الحديث عن نجوم السينما، وكلها مظاهر لم تستخدم بشكل جيد، لأنها مجرد موضوع

لمناكفة بين الفتيات.

ايضا يمكن القول بأن شخصية "مها أبو عوف" لم تستغل بشكل مقنع إلا لاحضار

الاكل واستقبال أسرة احدى الفتيات، كما أن زوجها يغيب، مثلما تغيب شخصيات

الحي الشعبي بشكل كامل.

لقد اعتمد الفيلم على الوجوه الجديدة وكان موفقا في ذلك، ولاسيما في اختيار

الممثلة ريم حجاب ذات المظهر المتميز سينمائيا، ولقد سار الفيلم في اتجاه

تقديم الاغاني معتمدا على أغنية محمد منير والتى عنوانها "بلد البنات"،

بينما لم تبرز الموسيقى بشكل ظاهر ومن افضل مشاهد الفيلم انتقال تهانى من

انتظار صديقها الذي تأخر الى حلبة الرقص والغناء والمشاركة فيها بحيوية وهو

دليل على منتهى الاقبال على الحياة.

اما المخرج عمرو بيومي فقد سبق له أن اخرج فيلما تلفزيا بعنون الجسر ولقد

اعتبره النقاد تجربة جيدة في حينها وقد كان ذلك منذ سنوات، ولا شك أن

المسافة الزمنية كبيرة بين الفيلمين، مما يعنى صعوبة الحكم على تجربة

المخرج. أما الكاتبة علاء الشافعى فهي تخوض تجربتها الأولى في السيناريو

مستندة على تجربة صحفية فى النقد السينمائى، وقبل كل شيء تجربة حياتية تبدو

لصيقة بصرف النظر عن اتقراب أو ابتعاد النماذج، ولعل هذا الاقتراب قد

الفيلم بالكثير من الطزاجة والحيوية تفتقد في افلام اخرى.

ليست هناك تعليقات: