الثلاثاء، 16 فبراير 2010

الآن ديلون... صورة الذئب المتوحد فى عزلته




الذئب المتوحد فى عزلته


اعتاد مهرجان دمشق السينمائى أن يحتفى بعدد من الشخصيات العالمية السينمائية فى كل دورة من دوراته، وأحيانا يحتفى بسينما من السينماءات، وفى جميع الأحوال، فإن تظاهرات خاصة سينمائية تعد لهه الشخصيات أو لتلك السينما. ولا عزو إذن ان نجد قسما منفردا داخل فعاليات المهرجان مخصص للسينما اليابانية أو الهندية مثلا. أو نجد قسما قد خصص لأفلام مخرج مثل دون فورد أو فريتز لافع، أو تظاهرة لممثل مثل جيمس دين أو مارلين مونرو أو كلارك نجيل. نجد كل ذلك ويضاف على محتوى الإصدارات التى تسمى سلسلة الفن السابع، كتابا يليق بكل اسم من الأسماء، وهكذا جاءت الكثير من الكتب السينمائية حول هذه الأسماء وحول السينمات والاتجاهات والقضايا التى شغلت السينما العالمية، ويمكن أن نذكر كتب كثيرة حول جون فورد وفيللنى وتشارلى شابلن وانغمار بيرجمان وجيرارد يبار ديو وغير ذلك من الأسماء.
سينما وزمن :-
من أفلام الكتب التى صدرت ضمن سلسلة الفن السابع السورية، كتاب بعنوان "الآن ديلون... نجم من سينما الزمن الجميل" وقد حمل الرقم (173) من السلسلة المذكورة وقد ترجمه (محمد علام خضر). ولكن، وهذه من الملحوظات السلبية، لم يأت ذكر الاسم مؤلف الكتاب الاصلى، كما لم يتم الإشارة الى العنوان الاصلى ولا دار النشر أو تاريخ الطبعة. ومن الواضح أن العنوان قد جاء بصياغة عربية كاملة تعبر عن الحنين الى الماضى، وهو أمر لا يمكن أن يكون فى العنوان الرئيسي وباللغة الفرنسية، حيث يتم التركيز على الحاضر بالدرجة الأولى ولا يحمل الماضى تلك القداسة التى يضعها المترجم العربى عندما يخنار عنوان مبتكرا ليس له أية علاقة بالأصل.
جاء هذا الكتاب فى شكل سيرة ذاتية، كتبت بشكل محايد تقريبا، وهى صياغة خارجية لسيرة حياة وأعمال الآن ديلون، لم يكتبها ديلون بنفسه، ولكن صيغت بلسان شخص آخر، هو أقرب الى السارد الذى يبدأ من نقطة معينة وهى الطفولة، الى أن يصل الى النهاية، وقد تكون هذه النهاية لحظة الموت وقد تكون مرحلة معينة لابد أن يصل إليها النجم، كما هو الحال بالنسبة للممثل الفرنسي الآن ديلون والذى تجاوز فى الكتاب الخمسة والسبعين عاما – 2004 وبالتالى فإن الممثل قد تجاوز عمره حاليا الثمانين عاما، وهو لم يزل بعد يشغل جزءا من الساحة السينمائية الفرنسية، رغم ابتعاده عن الأضواء، أو بالأصح انحسار الأضواء عنه.
سيرة أفلام:-
ينتمى هذا النوع من الكتابة الى السيرة، لكنها ليست سيرة حياتية مفصلة ودقيقة، لانها تركز على الأفلام بالدرجة الأولى، فهى سيرة حياة وأفلام، والواقع أن هذه النوعية من الكتب قد ازدهرت كثيرا فى أمريكا وأوروبا، ولاسيما بالنسبة للنجوم من الممثلين، ولا عجب إذن أن نقرأ أكثر من كتاب حول انطوني كوين وشارلتون هيستون ومارلون براندو بريجيت باردو وعزيتا غاربو وغيرهم الكثير، وهى كتب بأسماء كتاب، اختاروا أن يتجهوا فى كتاباتهم الى هذا المنحنى، وربما كان الدافع تجاريا، لأن هذه الكتب توزع بشكل جيد وخصوصا إذا كانت مزودة بالصور المختارة بعناية وتضيف جديدا على مستوى المعلومات الشخصية.
لست أدري لماذا لا يتوفر هذا النوع من الكتابة بالنسبة للسينما العربية، رغم وجود النجوم والشواهد على ذلك كثيرة؟ فما أكثر الفنانون الذين يمكن أن تروى سيرتهم الفنية والعملية، وتلقى رواجا عند الجمهور!
فى هذا الكتاب (الآن ديلون.. نجم من سينما الزمن الجميل) نقرأ فصولا من سيرة هذا النجم الفرنسي الذى اشتهر بوسامته والتى رشحته لكى يكون أحد أهم نجوم السينما الفرنسية فى ربع قرن من الزمن.
لم يهتم الكاتب بحياة الفنان فى طفولته الأولى، فقد مر الآن ديلون بتجارب قاسية وحياة صعبة منذ ولادته عام 1935 بباريس تم انتقاله بعد انفصال والديه للعيش فى دار للرعاية الاجتماعية، ثم عمله فى أعمال مهنية كثيرة أشهرها قصاب فى محل زوج أمه.
دخل الآن ديلون الجيش وتنقل بين القوات الجوية والبحرية وأبحر الى سايغون أثناء الحرب الهندوصينية، وكما هو معروف عنه فقد أشتهر بعناده الشديد ومغامراته الكثيرة، ولذلك قضى فترة فى السجن العسكرى وصلت الى عدة أشهر..
خطوة أولى:-
تعرف على المطربة داليدا فى بداية حياتها الفنية. غير أن الشخصية المهمة التى أثرت فى حياته هى الممثلة الفرنسية بريجيت أوبير والتى عرفته على عدد من السينمائيين لكى تتاح له فرصة العمل. كما عاش معها تجربة التعرف على مهرجان كان السينمائى، والتقى ببعض المخرجين والمنتجين من هوليوود وعلى رأسهم (هنرى ويلسون) وكذلك المنتج ديفيد سيلزنك. وبالفعل تم الاتفاق مع ديلون على تعلم اللغة الانجليزية ليبدأ العمل فى هوليوود.
فى عام 1957 أسند إليه المخرج الفرنسي (ايفا ليغريه دورا فى فيلم عندما تتدخل المرأة) والذى عرض فى أوروبا وأمريكا بعنوانين مختلفة.
فى نفس العام عرض عليه المخرج مارك اليغريه دورا جديدا فى فيلم (شقراء المصاعب) بالاشتراك مع جان بول بلمندر، وبعد سنة، عمل ديلون مع الممثلة رومي شنايدر فى فيلم (كريستين) للمخرج بييرغا سبار، وكان هذا الفيلم هو نقطة الانطلاق الرئيسية فى عالم السينما.
ما يتميز بها هذا الكتاب أن عبارته العربية سلسلة، وهو يكاد يخلو من الأخطاء، كما أن الكاتب الأصلى قد أفرد صفحات للأفلام التى يتناولها، فهو يسرد قصة الفيلم ويوضح الشخصيات التى فيها، مع التركيز على دور الآن ديلون بالطبع.
ممثل وأدوار: -
سوف توالى أفلام الممثل، وتبقى شخصية الرجل الوسيم والشرطى البارد الأعصاب وأحيانا رجل العصابة الذى يتصف بالنذالة والخسة من متعلقات شخصية الآن ديلون وهو ما نجح فى تجسيده فى معظم أفلامه.
ما يميز الكتاب أنه ينتقل أحيانا الى الشخصية الأخرى المقابلة، فيتناولها بالسرد وتقديم المعلومة الأولية، كما حدث مع الممثلة رومي شنايدر والتى صارت عام 1959 خطيبة الآن ديلون.
لكن المؤلف لا يستطرد كثيرا فى ذلك، لنه يعود بسرعة الى الشخصية الرئيسية، فيذكر باقى الأفلام والتى تأتى متتالية، فبعد فيلم كريستين الناجح، يأتى فيلم آخر ربما أكثر نجاحا على المستوى التجارى وهو (نساء ضعيفات) عام 1959 لمخرجه (ميشيل بوا سرون) والذى قدم الآن ديلون فى فيلم آخر وهو (طريق الشباب).
يتوقف مؤلف الكتاب أمام عدد من الأفلام المهمة فى حياة النجم الآن ديلون، ومن ذلك فيلم (شمس ساطعة) 1960 للمخرج رينيه كليمان. وبالطبع هناك أيضا الفيلم المتميز (روكو وأخوته) 1960 للمخرج لوتشينو فيسكونتي، وقد فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان البندقية، ولاشك أن هذا الفيلم قد أكد نجاح الممثل وهو أمر عالجه النقاد كثيرا، فلم يعد الآن ديلون مجرد ممثل جميل المظهر، بل هو ممثل شخصيات مركبة، تقترب من التراجيديا ويعكس ما بداخل الشخصية من انفعالات وأحاسيس ولا يكتفى بالتعامل مع الظاهر فقط.
وعن طريق المخرج الايطالي فيسكونتي عمل ديلون أيضا على المسرح، بمشاركة رومى شنايدر، وكانت المسرحية الناجحة (للأسف إنها عاهرة) هى النتيجة التى أكدت نجومية ديلون وشنايدر فى نفس الوقت ولقد أعاد ديلون التجربة المسرحية أكثر من مرة. لقد توالت الأفلام، وكان أهمها (متعة الحياة) عام 1961، وهو فيلم ناطق بالايطالية والتى أتقنها ديلون، بالإضافة الى الانجليزية والفرنسية، وكل ذلك أهله للدخول الى السينما الاوروبية من بابها الواسع.
من أشهر الأفلام أيضا (قصص حب مشهورة) والذى أنتج عام 1961 وهو فى فيلم فرنسي من إخراج ميشال بواسرون، ورغم ان الفيلم قد احتوى على قصص منفصلة موزعة على عدد من الأبطال، إلا أن هذه التجربة كانت تمثل أول تعارون بين ديلون وبريجيت باردو.
أضواء ساطعة:-
يلقى الكتاب أحيانا أضواء على بعض المخرجين الذين تعاون معهم الآن ديلون، وهذه ميزة جيدة، كما حدث فى فيلم (الكسوف 1962) وهو يمثل الجزء الثالث من ثلاثية المخرج الايطالي انطونيونى بعد المغامرة والليل، ولعل اختيار
انطونيونى لهذا الممثل كافيا للدلالة على الأهمية التى يمثلها ديلون، بعد تجربة كبيرة مع فيسكونتي.
من الطبيعة أن يفرد الكتاب بعض الصفحات لعلاقات الآن ديلون العاطفية، فهو معشوق النساء كما يطلق عليه، ولكن معظم الصفحات جاءت بحذر شديد، لأن التركيز كان أكثر على الأفلام، وهذا ما يعطى قيمة ثقافية للكتاب.
يذكر الكاتب أن الآن ديلون كان مرشحا لدور (شريف على) فى فيلم دافيد لين (لورانس العرب) ولكن المشكلة كانت فى العيون الزرق التى يحكى يتحلى بها الممثل ولم تنفعه العدسات اللاصقة لإخفاء لون العيون، وبالتالى انتقل الممثل عمر الشريف الى هذا الدور بعدما كان مقدرا له دور آخر وهو معاون لورنس نعم هناك أفلام كثيرة جاءت فى الطريق، فتحول الممثل الآن ديلون الى رجل غني، فدخل مرحلة الإنتاج وكتابة السيناريو، كما أنه صار من هواة جمع التحف وبيعها وفى مراحل لاحقة أسس فى سويسرا مجموعة شركات خاصة به للعطور الرجالية والنسائية وشركة للأدوات المكتبية. كما أس شركة طيران للطائرات العمودية وشركة أخرى لساعات اليد، وبالتالى فقد تحول الآن الى مؤسسة مالية واسعة.
رجل ونساء:-
يقول مؤلف الكتاب بأن ديلون قد تعرف لأول مرة على سيدة مطلقة تدعى (ناتالى بارتليمى) وفى عام 1963 تزوجها بعد انفصاله عن خطيبته رومي شنايدر وبعد فترة انجبت الابن الأول لديلون وهو انطونى، والذى كان دائما على خلاف مع والده بعد ذلك. وحتى عندما انتقل ليعيش معه.
إثر ذلك دخلت حياته الممثلة (ميراى دارك) وكان قد انفصل عن زوجته الأولى وقد افردت هذه الممثلة جزءا من مذكراتها حول تجربتها العاطفية مع الآن ديلون فى كتابها (مادام القلب يعشق).
هناك بالطبع بعض الممثلات ممن ارتبط بهند يلون عاطفيا، ومن ذلك الممثلة الأمريكية (إنجي ديكنسون) أما زواجه الثانى فقد كان من (روزالى فان بريمن) واستمر لمدة 14 سنة وأنجب منها والدين طفل وفتاة وكانت النهاية بالانفصال.
لقي الآن ديلون مصاعب حياتية كثيرة ومنها مقتل حارسه الشخصي ولقد وجهت التهمة إليه، لكنه كان برئيا غير أن شوائب كثيرة لحقته وربما كان لها تداعيات سياسية.
أفلام ناجحة:-
من الأفلام الجيدة التى حققها ديلون فيلم الفهد عام 1963 لمخرجه فيسكونتى أيضا فيلم الروز رويز الصفراء والذى اجتمع فيه لأول مرة مع الممثل عمر الشريف وكان الفيلم من إخراج انطوني أسكويت.
يمكننا أن نذكر أفلام كانت ناجحة ورشحته لجوائز كثيرة، ومن ذلك.. هل تحترق باريس لرينيه كايمات والرجل الساموراى لجان بيير ميلفيل. أيضا فيلم (حوض السباحة) مع رومى شنايدر وفيلم وجه اجرامى وفيلم بورسالينو وفيلم مادلي وفيلم الدائرة الحمراء ثم فيلم الشمس الحمراء الذى وزع فى جميع أنحاء العالم تقريبا. اما الجائزة الوحيدة التى تحصل عليها فكانت السيزار الفرنسي.
من الأفلام المهمة (اغتيال تروتسكى) لمخرجه جوزيف لوزى عام 1972، وفيلم رجلان فى المدينة – 1973 لمخرجه خوسيه جيوفاني وفيلم السيد كلين – 1976 للمخرج جوزيف لوزى وفيلم زورو 1975 لمخرجه دوتشيوتيسارى.
لقد استمر الآن ديلون يعمل باستمرار، رغم أن بعض أفلامه لم تنجح، وكان يعلن باستمرار عن رغبته فى ترك مهنة التمثيل، لكنه يعود دائما وبصور مختلفة، وأشهر أفلامه فى الثمانينات كان (قصة حب سوان) للمخرج الالمانى فولكر شلوندورف.
من أفلامه الأخيرة.. الموجة الجديدة 1990 للمخرج جان لوك غودار وفيلم عودة كازانوفا 1992 للمخرج أدوارد تيرمان وفيلم مائة ليلة وليلة 1995 للمخرجه انيس فاردا. كما ان الممثل لم يترك أفلام الحركة والإثارة، بل استمر فيها رغم تقدمه بالعمر، ولهذا السبب أيضا اتجه الى التلفزيون للعمل فى بعض المسلسلات مثل مسلسل فابيو مونتال 2002 ومسلسل فرانك ريفا 2004.
لقد احتوى الكتاب على صور منوعة وملونة لبعض أفلام الآن ديلون، ولكن يبقى نص الكتاب هو المهم، فلقد قدم لنا المؤلف خارطة لحياة وأفلام ديلون وأقترب أيضا كمن السينما الفرنسية والعالمية وكان ناجحا فى كل الاختيارات والمختارات.

هناك تعليق واحد:

allam khoudr يقول...

لا يسعني إلا أن أتقدم لكم بجزيل الشكر وكل التقدير لهذا التحليل والدراسة المعمقة للكتاب الذي يتناول حياة النجم الكبير ديلون. وأود لفت الانتباه إلى أن الكتاب حمل على صفحة الغلاف اسمي محمد علام خضر كمعدّ ومترجم لهذا العمل، وكلمة إعداد في هذا السياق تعني عدم وجود مؤلف محدد للكتاب وإنما تشير إلى أن المحتويات مستوحاة من مصادر متعددة ومتنوعة قام المعدّ بجمعها وربطها معاً لتكتسب صفة العمل الموحد ضمن قالب كتاب وتحت عنوان أطلقته بنفسي على هذا العمل بما أنه بالأصل عبارة عن مقالات وكتابات مختلفة استغرقت مني نحو أربعة أشهر ونيف في جمعها ونقلها إلى العربية وربطها وصياغتها من جديد. لذلك لم يتم ذكر تفصيلات لا وجود لها أصلاً، كاسم دار النشر أو اسم المؤلف ... واكتفت المؤسسة العامة للسينما، مشكورة، بالتنويه إلى أن الكتاب من إعدادي وترجمتي
مع مودتي واحترامي
محمد علام خضر
allam.khoudr@gmail.com