الأحد، 22 مايو 2016




علي ماهر .. من نجاح إلى آخر
رمضان سليم
عندما جاء الفنان علي ماهر إلى الساحة الغنائية في ليبيا في أواخر الستينيات ، كانت الأغنية الليبية قد شقت لنفسها اتجاها متميزا لدى المستمع ، وربما حضورا أساسيا في المجتمع ، رغم أن الأغنية الشرقية هي التي كانت مسيطرة على المنطقة العربية إجمالا ، من خلال حضور فرسان الغناء من أمثال محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ورياض السنباطي ومن كان قبلهم ومن جاء بعدهم من أمثال عبدالحليم وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ومحرم فؤاد وغيرهم .
رغم هذه الأجواء الشرقية الواضحة بحضور إسمهان وليلى مراد وسيد درويش وبصورة خاصة أم كلثوم رغم ذلك فقد فرضت أسماء ليبية كثيرة نفسها في مجال الموسيقا والغناء ، ومن منا لا يذكر أسماء مثل فؤاد الكعبازي ومحمد مرشان وبشير فحيمة ، وبعد ذلك محمد رشيد وعبداللطيف حويل ومحمد صدقي وغيرهم . وبالطبع تبقى الألحان الطرابلسية وألحان التراث الليبي من الشرق والجنوب والموشحات والأذكار ونوبات المالوف المصدر الملهم المسيطر على ساحة الغناء في ليبيا .
الفنان علي ماهر قدم إلى الموسيقا والغناء في ليبيا والأغنية الليبية مقترنة بطابعها المحلي القريب إلى المستمع بصورة متطورة أو بصورة تقليدية شعبية واضحة المعالم . 
بصرف النظر عن نوعية المؤثر الفني ، المحلية الليبية أو الشرقية المتنوعة ، فمن الواضح أن الفنان علي ماهر قد أضاف ما هو جديد ومختلف إلى الأغنية الليبية ، وبالطبع من مهام الباحثين وضع هذا الجديد تحت الأضواء لمعرفة نوعه وتحديد تفسيراته ودراسة مظاهر هذا التجديد ، رغم أن هناك بعض المجددين غيره ، إلا أن إنتاج علي ماهر الغنائي والموسيقي قد رسم  معالم التجديد بشكل واضح من الصعب الاختلاف حولها .


وأظن أن الأغنية الليبية قد كانت على حال معين ، وتحولت عند علي ماهر إلى حال آخر ، من حيث نوع وطبيعة اللحن بالدرجة الأولى .
ذلك يرتبط من ناحية أخرى مع اختلاف شعراء الأغنية الليبية ، فقد بدت بوادر التجديد في كلماتها مع عدد من الشعراء الجدد الذين أهملوا بعض الكلمات القديمة والصور المألوفة ، بحثا عن المغاير بحسب التطور الاجتماعي في المجتمع الليبي المرتبط بتطور المدينة ، وحضور الكيان السياسي ومتغيرات ما بعد مرحلة النفط ، وحضور التعليم والمؤثر الثقافي والذي نراه مؤثرا شرقيا ، ليس في مجال الأغنية ولكن في أنواع أخرى أشهرها وأوضحها الأغنية ....
قدمت أغنية (طوالي)عام 1968م وكانت أول أغنية من ألحان علي ماهر، وقد كتب كلماتها مسعود القبلاوي وهو شاعر غنائي ، يمكن القول بأنه يجمع بين التقليدية النابعة من الشعر الشعبي ومتطلبات الأغنية الحديثة القابلة للتلحين اعتمادا على جزالة الألفاظ ومرونة الكلمات ، وكل ذلك قد أسهم في تشكيل تعاون مشترك بين الشاعر والملحن من أجل تقديم ما هو جديد ومتميز ومختلف وناجح أيضا .

لقد جاءت ( طوالي) جامعة بين سمات وخصائص الأغنية الليبية من ناحية والنغم الشرقي من ناحية أخرى . وقد وقع الاختيار على مطرب جديد برز من ركن الهواة الذي كان يعده الفنان كاظم نديم ، وكما يقول الفنان علي ماهر ، فإن نجاح أغنية ( يا قمر علالي) للملحن وحيد خالد كان حافزا لنا للبحث عن النجاح بطريقة أخرى ، وبذلك ولدت (طوالي) .
تبدو أغنية طوالي وكأنها عاطفية ، بل هي كذلك رغم أنها تجمع بين الحنين إلى الوطن وأحضان الأسرة بكامل أفرادها ، مع شوق إلى ذكريات الطفولة ، وبذلك تصبح (طوالي) أغنية وطنية عاطفية في نفس الوقت رغم أن موضوع الهجرة والعودة غير مطروح إلا من باب التجديد .
من الناحية الفنية اعتمدت (طوالي) على تنوّع في الكوبليهات وبدون مجموعة صوتية تكرر المطلع ، فهي أغنية فردية لها خط تصاعدي تبدأ من نقطة معينة وتنتهي بأخرى في نهاية المطاف .
على نفس السياق جاءت الأغنية الثانية (بلد الطيوب) عام 1968م ، فهي أغنية جديدة ، سهلة وبسيطة يمكن حفظها بسبب اللحن والكلمة ، رغم أنها قصيدة كلاسيكية للشاعر علي صدقي عبدالقادر ونشرت في أحد المطبوعات السيارة ، إلا إنها أغنية عاطفية وطنية ، وسارت على نفس المنوال ، أغنية فردية بدون كورس أو مقدمة تتكرر، بل يبلغ التصاعد منتهاه باستخدام تواشيح  الغناء والآهات المتصاعدة في نهاية الأغنية ، فهي أغنية حالات وليست مقاطع.
وبذلك صارت القصيدة مجرد أغنية قريبة من المستمع .

تتوالى الأغاني بعد ذلك وظل النزوع نحو التزاوج بين المحلية الليبية والنغمة الشرقية قائما، بل هو الملمح الرئيسي في التجديد عند علي ماهر، رغم إنه قدم ألحان أخرى مختلفة مثل (أم الضفاير) ذات الطابع الشعبي ، ولكن هناك شيء إضافي يشعر به المستمع وهو إضافة الملحن حتى لا يقع اللحن أسير الموروث الشعبي فقط ويذوب فيه ولكن اللحن يتجاوز الموروث ويصبح ملمحا واضح الأبعاد يقول بأن هناك ملحن يقف وراء اللحن وهذا الملحن يرتبط بالنزعة الشرقية الغنائية كما كان الأمر .
الأقرب أن نقول بأن علي ماهر هو ابن المدينة الذي يقدم الحان المدينة الجديدة والتي نشأت فعليا في بداية الستينيات مع الطفرة النفطية وطابع الحداثة النسبي الذي هيمن ولو شكليا على إطار المدينة ، ولكن ابن المدينة  اعتمد على التراث المسموع أيضا باختلاف أنواعه وكانت الصياغة النهائية مركبّة.
بهذه الطريقة اقترب علي ماهر من بعض الملحنين في ليبيا مثل كاظم نديم وعبدالجليل خالد وأشرف فهمي ووحيد خالد وتتميز بالمستوى الرفيع حيث يتصور المستمع أنه من الممكن سماع الأغنية بلحن آخر ولا شك أن تماسك الأغنية هو الذي يضيف إليها قوة ، بحيث تقبل من المستمع العربي عموما وليس المستمع الليبي فقط .
سوف يستمر علي ماهر في مجال التجديد ويقدم أعمالا جيدة مع محمود كريم وخالد سعيد ومحمد السيليني وراسم فخري ولطفي العارف وغيرهم ولا أظن أن هناك امتياز لكلمات الأغاني التي قدمها إلا عندما يرتبط الأمر مع كلاسيكية مسعود القبلاوي وتجديد احمد الحريري وعبدالسلام خزام وبعض كلمات القصائد الأخرى ، ذلك أن كلمات الأغاني ظلت على نفس المنوال السابق وليس لها أية مزية في قيمة ومستوى ألحان علي ماهر . 

أما الأصوات فقد أسهمت في نجاح الأغنية وخصوصا الأصوات المختارة بعناية ، ليبية أولا ثم عربية بعد ذلك . رغم الأصوات العربية لم تضف الكثير لألحان علي ماهر .
في مجال الأوبريت الغنائي قدمّ علي ماهر مبكرا أوبريت (هند ومنصور) ثم درس مجال الموسيقى والمسرح في مصر أكاديميا ، وكان ينوي أن يستمر في التجربة ، ولكن  قلة الإنتاج وصعوبته حالت دون ذلك .
الأمر اختلف بالنسبة للأغنية ولا سيما القصيدة التي حققت على يديه نجاحات جيدة ، وخصوصا التعاون المشترك مع المطرب محمود كريم في قصائد مثل (كم اشتهي) وقصيدة (قناعك) ، وبعض الأغاني الأخرى مثل (أقبل الصبح) وأغنية (ربيع الخاطر) وأغنية (تعيشي يا بلدي) وبشكل عام لا يستخدم الكورس في مثل هذه الأغنية ، وعندما يستخدم – الملحن- المجموعة الصوتية نجد أن الأغنية أو القصيدة لا تعتمد على الوحدة العضوية في اللحن بل مجموعة من التركيبات المتناثرة موتيفات، وأظن أن التجربة مع الأصوات الليبية تبقى هي الأفضل والأنجح .
لا أميل كثيرا إلى تجربة علي ماهر مع المطرب المغربي عبدالهادي بلخياط ، رغم أن الجهد في تلحين القصائد كان كبيرا ومتميزا ، ورغم نجاح هذه الأغاني في ليبيا والمغرب ، والسبب يعود إلى أن المستمع يشعر وكأنه أمام تفاصيل مجزئة ولا تكاد تتضح فكرة وحدة الأغنية التي اعتادها المستمع للملحن كما في كثير من الأغاني – وربما تكون طريقة الغناء لدى المطرب هي السبب ولكن الأمر سيكون ناجحا مع مطربين مثل ميادة الحناوي ووديع الصافي وسعاد محمد والأغنية الجيدة التي غنتها عُليا ( لا القلب قلبي ) .
من جانب آخر نقول بأن عدم توفر أصوات نسائية ليبية جيدة قد حال دون تقديم الأغنية العاطفية أو العاطفية الوطنية أو العاطفية الشعبية وهذا الثلاثي النوعي جوهر نجاح علي ماهر بشكل جيد من حيث النوع والعدد .
من التجارب العاطفية أغنية حديثة وهي لمصطفى طالب وكانت بعنوان (ننسى) وهي من النوع الذي لم يتكرر كثيرا وربما كان وراء هذه الأغنية نوع من التحدي وأظن أن التحدي هو دائما سر نجاح الفنان علي ماهر .




ليست هناك تعليقات: