حوار مع
الفنان علي ماهر
اعداد رمضان سليم
الفنان
علي ماهر: حالة خاصة
ليس هناك اختلاف كبير في وجهات النظر حول إبداعات الموسيقار
علي ماهر ، فهو أحد أهم المجددين على مستوى التلحين في ليبيا وأعماله الكثيرة
والمتنوعة تشهد بذلك .
اختلف الفنان علي ماهر عن الذين سبقوه ، فهو القادم إلى عالم
الموسيقى ، معتمدا على خلفية موسيقية أساسها الجانب الأكاديمي من ناحية وعلى
التراث الموسيقي في ليبيا وكذلك على الإضافات التي قدمها الملحنون في المشرق
العربي ومغربه من ناحية أخرى، فهو بذلك قد تشكل وفق نسيج وخليط جامع بين الموسيقى
المحلية والشرقية، ولقد أنعكس ذلك ولا شك في تنوع ألحانه على مستوى اختيار الجملة
اللحنية وتعدد ألوان الغناء لديه والقيمة الفنية العالمية لكل ما قدمه للمطربين في ليبيا وخارجها .
التقت مجموعة من أصدقاء دار حسن الفقيه وهم إبراهيم حميدان
ومفتاح قناو ورمضان سليم مع هذا الفنان في بيته وتم تسجيل حوار مطول معه حول
تجربته الفنية ولقد اخترنا من هذا الحوار بعض الأسئلة والإجابات وفق الآتي :
س1 : نرحب بالفنان علي ماهر ونطرح عليه السؤال التقليدي حول
بداياته الفنية وكيف جاء إلى عالم التلحين والموسيقا؟
ج1 : نشكركم في البداية ونرحب بكم وأقول بأن مكان ولادتي مدينة
طرابلس عام 1945م ، والدراسة الأولى كانت بمدرسة المدينة القديمة ، ثم ثانوية
طرابلس ، يلي ذلك جامعة بنغازي – كلية الاقتصاد والتجارة .
بعد التخرج عملت سنة بمصرف ليبيا المركزي 1966م ، ثم انتقلت
إلى قسم الموسيقا بالإذاعة الليبية .
من ناحية أخرى كانت لي اهتمامات فنية منذ الصغر وانتسبت في
فترة معينة إلى الكشافة الليبية برعاية المرحوم علي خليفة الزائدي ومارست الرسم
والتمثيل . وكذلك غناء الأهازيج وكان معي عبدالرحمن قنيوة. ومن ناحية دراسية،
وخلال الدراسة بجامعة بنغازي ، تعلمت الموسيقا في الفترة المسائية على يد الأستاذ
خليل بكري .
في قسم الموسيقا بطرابلس اجتزت امتحان القبول عازفاً وملحنا
وقدمت أول أغنية وهي ( طوالي) عام 1967م ، يلي ذلك أغنية (بلد الطيوب)
وأيضا أوبريت (هند ومنصور) عام 1971م. وبعد ذلك سافرت إلى القاهرة لدراسة
الموسيقا والمسرح ونلت بكالوريوس التخصص وكذلك دبلوم دراسات عليا وعدت عام 1977م
على أمل أن تقدم أعمالي في المسرح الغنائي ، ولكن ذلك لم يتحقق !
س2 : من أهم الموسيقيين الذين تأثرت بهم ؟ وما هي المؤثرات
الفنية بشكل عام ؟
ج2 : تأثرت بكل الكبار في الغناء العربي" محمد عبدالوهاب
وأم كلثوم ورياض السنباطي وفيروز في لبنان
، أيضا التراث الليبي المحلي ولقد أكملت الدراسة الموهبة والاستعداد .
س3
: كيف جاءت الأغنية الأولى(طوالي) وكيف كان استقبال الجمهور لها ؟
ج3
: في عام 1967م كان هناك تنافس بين الملحنين والمطربين ، ولقد قدم وحيد خالد أغنية
مع خالد سعيد وهي (يا قمر علالي) وفكرت أنا والكاتب الغنائي مسعود القبلاوي
في تقديم ما هو جديد وفي نفس الوقت قريب إلى الناس .
لم
يكن الموضوع مطروحا حينها ولكن جاءت الأغنية تعبيرا عن الحنين إلى الوطن والإحساس
بالغربة . وبعد جلسات طويلة قدمنا هذه الأغنية ، وكان فيها تجديد في الكلمة
واللحن وتنوع في الكوبليهات ، بل يمكن
القول بأنها أغنية خارج الروتين التقليدي وخارج القالب المتعارف عليه ، فهي قد
سلكت طريقا غير مسبوق ، وكان لها أصداء واسعة في الصحافة وعند الجمهور ، ومما
أذكره أنه كان هناك برنامج إذاعي اسمه "سهرة الخميس" ، حول الأعمال الغنائية
الجديدة وشغلت الأغنية هذا البرنامج بالكامل ، والمهم أنها وصلت إلى كل الفئات ،
بل وصلت إلى تونس بعد ذلك وانتشرت .
س4
: ما هي قصة أغنية (بلد الطيوب) ؟
ج4
: كما كانت أغنية (طوالي) هي نوع من أنواع التحدي ، كذلك الأمر بالنسبة لأغنية
( بلد الطيوب) فهي تحدي من نوع آخر ، وكان من الصعب أن تستمر ملحنا ، ما لم
تقدم الجديد بعد نجاح (طوالي) .
وجدت
قصيدة (بلد الطيوب) للشاعر علي صدقي عبدالقادر في أحد دواوينه – هناك من
يرى بأنها نشرت في مطبوعة معينة ولم تنشر في ديوان – ولقد تعاونت مع الشاعر في
قصيدة أخرى وهي (كم اشتهي) وهي من ديوان (قرط أمي) وفي الحقيقة لم تكن
للأغنية أية خلفية سياسية ، بل كانت أغنية وطنية تستعرض حب الوطن في شكل جميل وأظن
أن اختيار المطرب محمود كريم كان موفقا أيضا ، فهو أحد الأصدقاء وقد عرف من خلال
برنامج ركن الهواة المسموع للراحل كاظم نديم .
ولقد
كانت هناك فكرة أن يغني الأغنية المطرب المغربي عبدالهادي بلخياط ولكني وجدت أن
الأغنية ليبية وينبغي أن يغنيها مطرب من ليبيا ، ومما أذكره عن هذه الأغنية أن
الراحل حسن عريبي قد اعترض على استعمال "شطر" (يا ليل يا لالي)
باعتبار إن ذلك له علاقة بالمالوف والموشحات ، وقد تدخل حينذاك الراحل خليفة
التليسي والذي كان وزيرا للإعلام من أجل تسوية الخلاف وبالفعل انتهى الأمر بعد أن
استمع إلى إحدى بروفات الأغنية .
وبالطبع
كان استقبال الجمهور كبيرا ، فهي أغنية سلسة وفاق نجاحها ، أغنية ( طوالي)
، حتى صارت حديث الساعة .
أقول
..... إن القصيدة كما نعرفها ، لها قالب تقليدي يمكن اعتباره صعب ولا يستوعبه إلا
مهتم .
قصيدة
(بلد الطيوب) خرجت عن القالب التقليدي المتعارف عليه ، وقدمت بطريقة جديدة
حتى نشعر وكأنها أغنية عادية أو شعبية .
سجلت
الأغنية مرة واحدة ، وأذيعت في حفلات غنائية كثيرة ، وفي بعض الأحيان يطالب
الجمهور بإعادتها عدة مرات في الحفلة الواحدة .
احتفظت
الأغنية بنجاحها وبعد 1969م سارت الأمور في البداية على نفس الوتيرة وظلت الأغنية
تذاع بشكل عادي ، ولكن بعد سنوات تم إيقاف (بلد الطيوب) والحجة أن الأغنية
لها طبيعة إقليمية ، أو هكذا كان الإدعاء ، وخصوصا إن الاتجاه العام كان قوميا
والاحتفاء بأغاني الوحدة العربية هو الأساس والحقيقة إن الأغنية كانت وطنية تتغنى
بليبيا بطريقة عاطفية هادئة .
المنع
امتد إلى أغنية أخرى وهي أغنية (تعيشي يا بلدي) وهي أيضا للمطرب الراحل محمود
كريم ، وقد قيل وقتها إن الأغنية حزينة يمكن تشبيهها بمن يبكي فقدان أسرته .
أيضا
هناك أغنية تم الاعتراض عليها وهي أغنية ( كل شيء تغير يا حمام حتى ضحكة جارنا)
والسبب المعنى الذي تم تأويله بعدة تفسيرات سياسية .
س5
: ما هي أفضل الأغاني التي لحنتها بالنسبة إليك ، ومن أهم أفضل المطربين ؟
ج5
: الأغاني كثيرة ، ولكن (طوالي) ثم ( بلد الطيوب) و(سلامي قله) و(قناعك)
و(غني لي الليلة) ..أما المطربين فهم كثر مثل : محمود كريم – محمد رشيد –
محمد السيليني – ومن العرب : وديع الصافي – عبدالهادي بلخياط – ميادة الحناوي –
وعُليا – وغير ذلك من الأسماء .
س6
: نسألك عن بعض الأغاني .. مثل (سلامي قِله – أم الظفاير – صباح الخير يا
عبدالله)؟
ج6
: (سلامي قِله) أغنية عن البحر وغناها محمد رشيد والكلمات لأحمد الحريري
وتتغنى بالبحر والبحارة ، ولقد قدم الراحل كاظم نديم أغنية أخرى جيدة عن البحر وهي
أغنية (على الموجة عايشين سهارا) من كلمات أحمد الحريري، ومن الطبيعي أن
يقود التنافس النبيل إلى تقديم أعمال جيدة ، أما أغنية (أم الظفاير) فقد
كانت أقرب إلى التحدي ، وهي تجربة مهمة حاولت فيها أن أرد على من يقول بأن اتجاه
علي ماهر شرقي ، ولذلك قدمت هذه الأغنية وغناها محمد السيليني وظهرت في فترة مبكرة
وبعدها تم إنتاج عدد من الأغاني في نفس النوع .
أما
أغنية ( أرحميني) لعبدالهادي بلخياط عام 1973م ، فقد كانت كلاسيكية إلى حد
ما ولكن فيها تجديد أيضا في القالب ، فهي سهلة وإيقاعها مقبول وهذا ينطبق أيضا على
أغنية (غني لي الليلة) والتي كتبها الدكتور علي فهمي خشيم .
وهكذا
جاءت الكثير من الأغاني نتيجة تحدي من الداخل أو الخارج .
أغنية
(صباح الخير) وهي جزء من مجموعة أغاني الصباح وقد لحنت معظمها وأنا في مصر
ولذلك غنيت بعضها بنفسي والسبب إن الإذاعة الليبية في فترة معينة طلبت أغاني تقدم
في الفترة الصباحية واستجبنا إلى ذلك وقدمت بعض الأغاني .
س7:
نلحظ أن الفنان علي ماهر بعيد نسبيا عن الإعلام ... ما هي الأسباب ؟
ج7
: الأسباب كثيرة ... ذلك أن الفنان لا ينبغي له أن يجري وراء وسائل الإعلام ، بل
أن وسائل الإعلام هي التي تبحث عنه ، لأن القضية ليست مجرد قضية ظهور ، وخصوصا إن
من يقدم البرنامج يبحث عن شخص معين لغرض تسجيل زمن معين ثم إذاعته للحصول على مبلغ
معين ، فهو لا يهتم بالمحتوى فعليا .
أيضا
عشنا مرحلة طويلة في السابق كان هناك فيها سعي لمحاربة الفنان باسم محاربة
النجومية ، بل كان هناك تدخل لإفساد علاقة الفنان بالآخرين ، وخصوصا من الوسط
الفني ليتم ضرب علاقات الفنان الخارجية .
كان
هناك اتجاه إلى الأغنية البدوية لتكون مسيطرة ، واتجاه إلى الأغاني التي تتغنى
بالفرد وهذا كله يبعد الفنان عن الإعلام ، ومن حسن حظي إنني لم أستلم أية جائزة من
الدولة ولا أظن إن في ذلك خسارة ، فذلك أفضل والتكريم الحقيقي ممن يقدرون الفن
والجهد وليس مجرد التكريم السياسي .
أخيرا
شكرنا الفنان علي ماهر على هذا اللقاء مع أملنا أن يتجدد الأمل مع أعمال جديدة
يضيفها إلى مكتبة الأغنية الليبية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق