"دكان شحاتة": انفعالات ساخنة على سطح بارد
إذا عدنا الى الفيلم الأول للمخرج "خالد يوسف" وقد كان بعنوان "العاصفة
2001" وجدنا به بعض الجوانب التي ظلت تتكرر في أعمال المخرج بعد ذلك، ونقصد
بعض التبعات الفنية وكذلك الاهتمامات والمشاغل، وربما نضيف الى كل ذلك
طريقة المعالجة الموحدة التي لم يتخلص منها المخرج الا في بعض الافلام
القليلة مثل "ويجا 2005 ـ انت عمري 2005 ـ خيانة مشروعة 2006" وذلك بحسب
ظروف كتابة القصة والسيناريو، وبالتالي فغن باقي الافلام والتي يعتبرها
النقاد أكثر أهمية هي في الغالب من تأليف المخرج، كما أنها تسير في نفس
الاطار تقريبا، ونقصد بذلك أفلام مثل "هي فوضى 2007 ـ حين ميسرة 2007 ـ
الرئيس عمر حرب 2008" والفيلم الأخير للمخرج "دكان شحانة 2009".
خلط الأوراق
سنرى في فيلم "العاصفة" ارتباكا على مستوى الرؤية السياسية المشوشة والتي
تخلط الأوراق فيما بينها لمصلحة طرح الكثير من الشعارات والتي لا يحتملها
الفيلم او ليس هناك امكانية لتحملها، ولذلك تأتي هذه الشعارات سريعة
واعلامية وتميل الى المنظور التعبوي الذي ينظر الى الجمهور على أنه حشد،
يندفع وراء الميل العاطفي والغريزة التلقائية ولا مجال لديه للتوقف
والتفكير أو التأمل. ان خالد يوسف هو من تلامذة المخرج الراحل يوسف شاهين،
لكن الفرق بينهما شاسع في التفكير، فالأول لا ينطلق من الفكرة وبالتالى لا
يهتم بالتحليل الجزئي، بينما يركز يوسف شاهين على الفكرة ولا سيما في
افلامه الاخيرة، وتستخدم العواطف والاهواء والرغبات مجرد توابع تخدم الفكرة.
في مجمل أفلام المخرج خالد يوسف تجري الشخصيات وراء الاهواء وتتحرك بدافع
الرغبات، وحيث أن هذه الاهواء وتلك الرغبات متغيرة، نجد الشخصيات قلقة
تندفع في عدة اتجاهات ولا يحكم سلوكها منطق داخلي موحد.
الأمر الثاني بالنسبة الى افلام هذا المخرج خالد يوسف يعود الى
الميلودراما، وهي مرتبطة بالعواطف و الاهواء ايضا، حيث يشتد الصراع بين
الشخصيات، ولاسيما بين أفراد العائلة الكبيرة أو الصغيرة، واحيانا يكون
الصراع بين الاشقاء "العاصفة ـ دكان شحاتة"، وبطريقة أشد وأقوى، صراع حول
المال أو المرأة أو الجاه.
واذا كان المخرج يوسف شاهين يزيح الميلودراما نحو الأغنية أو الاستعراض
الراقص، فإن خالد يوسف يستخدم الغناء احيانا لاضفاء المزيد من التوتر على
الميلودراما الاجتماعية والسياسية.
من الانشغال بالقضية السياسية المباشرة الى استخدام الميلودراما الحادة،
تصاغ افلام خالد يوسف في قالب تجاري يركز على الجنس واشهار الفضيحة، وتلعب
المرأة بالنسبة اليه النموذج القادر على الغواية من ناحية، وهي حافز تتحرك
به الأحداث من ناحية أخرى، باعتبار المرأة غاية في حد ذاتها يتصارع حولها
الرجال.
كاتب ومخرج
في الفيلم الأخير لهذا المخرج "دكان شحاتة – 2009" أشياء من ذلك، ورغم ان
الفيلم له مؤلف وهو ناصر عبد الرحمن، وقد سبق أن كتب أفلاما مثل المدينة
2000 وحين ميسرة 2000 وحين ميسرة 2007 وهي فوضى 2007 وجنينة الأسماك 2008
والغابة 2008، وهذا الفيلم دكان شحاتة، وكل تلك الفلام تكشف عن اختيارات
مختلفة قليلا أو كثيرا في الموضوعات عما هو سائد فى السينما المصرية، كما
ان مجمل الأفلام يركز على المحور الاجتماعي حتى وان كان المنطلق فرديا
وخاصا، وفكرة الجمهور هي نقطة الالتقاء بين المخرج والمؤلف.
مثل العادة يعتمد الفيلم على شخصية الرجل الفني ولو كان غير مليونير، ووجود
الرجل الغني الذي يتنازل عن بعض ماله بطريقة أو بأخرى لمصلحة أطراف فقيرة
يتيمة تتواجد في مجمل الأفلام، بما في ذلك الأفلام ذات المنحى، المختلف
ولقد اختير في فيلم دكان شحاتة أن يكون مناضلا بالمعنى السياسي المباشر أو
معارضا بكمعنى أدق، وهو يسارى يطبق ما يؤمن به، فيتنازل عن جزء من حديقة
الفيلا التي يسكنها الرجل الذي يعمل معه وهو حجاج "محمود حميدة" ليقيم
عليها دكانا صغيرا يضمن به مستقبل أطفاله.
وهذه الشخصية اليسارية "د. مؤنس" التى اعتادت السجن في مرحلة حكم "السادات"
تبدو سطحية ذات طابع تنظيري، وخصوصا وانه يفكر بأن يكتب الفيلا كلها باسم
حجاج لأنه يعمل فيها فعليا وليس مثل ابنه الذي سيملكها بالوراثة، وليس له
بها علاقة فعلية عاطفية وانما علاقة منفعية لأن الابن يعيش في امريكا بعيدا
ان المبالغة في تصوير طيبة الرجل اليساري لن تخدم مقدمة الفيلم ونقطة
الانطلاق أو مشروعية الدكان نفسه، لكنها فرضية مقبولة حسب السياق العام
المبني على فكرة التقسيم بين اليسار واليمين فكل ما هو يساري أو اشتراكي
جيد، وكل ما هو يميني يكون على العكس.
مقدمة مطولة
ان المقدمة الارشيفية المطولة توحي بذلك ايضا، فهي تسجل بعض الاحداث
السلبية خلال فترة حكم السادات واحداث أخرى ايضا، الى حدود سنة 1981. أما
نهاية الفيلم فهي عام 2113 وتشمل الفترة المختارة منظورا سلبيا يركز عليه
الفيلم، وبالاضافة الى المادةء الارشيفية المطولة هناك الغناء الذي يميل
الى الحزن للتأكيد على فكرة الميلودراما وعلى عذابات الناس وقساواة الحياة
التى يعيشونها، وهو اتجاه يمضي مع بداية الفيلم الى نهايته.
من الناحية الشعورية، يجد المتفرج أمامه فيلما ثقيلا، به تفاصيل كثيرة
وتشعبات ليس لها مبرر، ولهذا يشعر هذا المتفرج بالراحة التامة عندما ينتهي
الفيلم ويتخلص من الوصلات المتعددة، التي تحاول المعالجة ربطها ولكن دون
جدوى في البداية نجد أمامنا حجاح الذي يعمل في فيلا المناضل اليساري الذي
يدخل الى السجن ليخرج منه، وحجاج هذا يحب زوجته الثانية كثيرا وبالتالي فهو
ينتظر بلهفة قدوم مولودهالأول منها والذى اسماه شحاتة لأنه طلبه مباشرة من
الله بعد أن خانته زوجته الأولى وانعكس ذلك على اولادها "نجاح وطلب وسالم"
فالمولود الجديد مرحب به أكثر اسمه، اطلق على الدكان الجديد، ومع موت الأم
بعد الولادة ازداد الارتباط البرىء ولا تكاد توجد علاقة عضوية بين هذه
القصة وقصة سيدنا يوسف، فالأمر لا يعدو أن يكون تكريسا دراميا للصراع
الدرامى بين الأشقاء مثلما سبق أن تابعنا في أكثر من فيلم ميلودرامى مصري
أو هندى، رغم ذلك فالطفل نبي الحلم والأمل والطيبة يبعث لمجتمع متطاحن.
والواقع أن البدايات الأولى يمكن اختصارها بواسطة لقطات فلاش باك لأن
الفيلم احتاج الى ساعة كاملة من العرض لكى يبدأ، بل هو لم يبدأ عمليا إلا
بعد وفاة الأب ونشوب الصراع بين الأخوة حول الدكان، كما ان هناك صراعا
جزئيا حول الفتاة بيسه بين شحاتة واخويه سالم وفي الحقيقة هو صراع من طرف
واحد فقط
حركة مشهد
يعتمد المخرج خالد يوسف على مسألة الاهتمام بالمشهد وتفاصيله، من حيث حركة
الممثل والديكور والملابس وحسن اختيار موقع التصوير "داخلي أو خارجي" كما
أنه يهتم بالتوتر الدرامي والمبالغة في اظهار الانفعالات، ومن هنا نجد
مبررا لكثرة وحدة الصراخ واحيانا سيطرة العنف، ولا أظن أن هناك من هدفا
واضحا إلا محاولة كسب الجمهور بأي طريقة، فالتفكير في الجمهور من القضايا
الرئيسية التي ينشغل بها المخرج.
لهذا السبب تقريبا نجده يختار المطربة "هيفاء وهبي" في دور الفتاة "بيسه"
ورغم أنها مقبولة سينمائيا باعتبار أن هذا الفيلم هو الأول لها، إلا أنها
لم تكن موفقة في أكثر من مشهد وخصوصا بالنسبة الى صوتها غير الواضح أحيانا.
اما الدور النسائى الثاني فهو لنجاح وقامت بالدور "غادة عبد الرازق"، وهي
الأخت التي تقف مع أخيها شحاتة ضد أخوته لكنها تظهر وتختفي حسب الطلب ويمكن
إلغاء دورها دون أن يتأثر الفيلم، والسبب يعود الى أنها لم تقم بأي رد فعل
حقيقي طوال الفيلم.
بيع وشراء
بعد متغيرات سياسية واجتماعية مهمة يعود ابن الدكتور مؤنس وبعد وفاة ابيه
من امريكا، ليبيع الفيلا الى أطراف تدفع مبلغا كبيرا نظير البيع، ويكسب
الأخوة التعويض المالى ليصبح الصراع أشد حدة؟، ويبالغ الفيلم في تقديم
التفاصيل التى تؤكد على طيبة الأخ شحاتة فى مقابل جشع الاخوة، ويصبح شحاتة
ضحية، ربما لكسب ود المتفرج، وخصوصا أنه لا يقوم بأي فعل لايقاف خصومه أو
نيل حقه وهو ما يتعارض مع الشخصية السوية والطبيعية، وفى حال قبوله يصبح
مجرد رمز لحالة النبوة، لا شك في أن هناك تدخلا واضحا خارجيا يفرض على
احداث الفيلم تطورها ونقصد بذلك وجهات نظر المخرج أو الكاتب الخارجية وهي
كثيرة جدا، حتى يمكن القول بأن المخرج موجود دائما يلقى بظلاله على الفيلم
ويجعل احداثه تسير حسب تصور المخرج وليس حسب الحدث من تلقاء نفسه.
نظرة مباشرة
من وجهات نظر المخرج التي تلقى بثقلها على الفيلم النظرة السياسية
المباشرة، حيث نجد أن الشخصية احيانا تتحول الى رمز، مثل شحاتة مثلا والذى
بدا شخصا غريبا في تصرفاته، والسبب يعود الى أنه رمز للطيبة وليس شخصية عادية.
هناك ايضا شخصية حجاج "والذى قام بأدائها محمود حميدة بتفوق" والتى تقترب
من الرمز الأبوى، كما أن بيسه هى الأخرى تبدو وكأنها رمز احيانا، ولكن
الفيلم يحتاج اليها باعتبارها شخصية عادية فتستمر على هذا الاساس الى نهاية
الفيلم.
بسب المتغيرات الاجتماعية الخطيرة، يصبح الاخوة اغنياء ويتحول الدكان
الصغير الى سوبر ماركت، ولكن الأخ شحاتة يلقى به في السجن بسبب تهمة تزوير
ختم الأب وبالطبع لا يدافع الأخ المظلوم عن نفسه، لكي يستمر الفيلم في
غيابه، بما في ذلك زواج الأخ سالم من بيسه بمباركة الأخ كرم الذى قام بدوره
بطريقة كاريكاتورية عمرو عبد الجليل وبتفوق ايضا. وفى هذا الجانب يكرر
الفيلم مشاهد فيها محاولات بيسه للانتحار لكى يجعلها متعلقة بشحاتة، حتى
النهاية عند الاستسلام في الزواج وفي الاغتصاب الذى قام به الزوج ضد زوجته.
رموز مباشرة
من الرموز المحشورة في الفيلم صورة عبد الناصر الذي حاول عن طريقها حجاج سد
بعض الثغرات. لكنها لم تسد بسبب اتساعها، كما أن الفيلم يعرج على بعض
المآسي، مثل غرق العبارة المصرية ومشكلة رغيف العيش ـ بل يجعل العامة
يسرقون القطار المحمل بالقمح في حالة من اللامبالاة والتسيب، وأظن أن
التعريج على مثل هذه القضايا بشيء من التسجيلية الدرامية لم يخدم الفيلم،
بل جعله جامعا وليسا مانعا يطرح كل شيء ولا تفهم هذه الاضافات الا بقصد
التأثير الانفعالي في الجمهور، من جانب آخر يفقد المخرج ما يكسبه من تقنية
عند طرح المفهوم الدرامي والفكري للفيلم بشكل عام. ومن هنا يمكن القول بأن
المخرج يبرهن على انه مخرج جيد لكنه لا يقدم فيلما جيدا، وهو أمر تكرر في
أفلام المخرج السابقة.
عندما يخرج شحاتة من السجن، يبحث عن أخوته، ويستعين ببعض الرفاق واصدقاء
العائلة، ويصل فى النهاية اليهم، ليقدم حسن النية متمثلة في صورة ابيه،
لكنه يقتل من طرف اخيه سالم الذي تزوج من بيسه وانجب منها طفلا.
كما قلنا ذكرنا الفيلم "دكان شحاتة" ببعض الافلام الميلودرامية وخصوصا
روائع حسن الأمام ذات الطبيعة الواقعية الاجتماعية وهي بعيدة عن الاطروحات
السياسية المباشرة، بعكس هذا الفيلم الدي كانت السياسة المباشرة أحد
الاثقال التى اضاعت الفيلم، فلم يستطع ان يكون فيلم سيرة أو فيلم بطولة
شعبية، ومن مشكلات الفيلم ايضا اعتماده على موسيقى زاعقة احيانا تصعد مع
المشهد مباشرة، وكذلك استخدام الاغاني وخصوصا الشعبية الحزينة والتي لم
تتوقف، للتغطية على الفراغ الموجود، ولاثارة الانفعال في الجمهور، وهو
الهدف الذي لم أجد هدفا آخر غيره في هذا الفيلم.
هناك تعليق واحد:
مشكلة خالد يوسف مع النقدانه ناصرى فج ان صح التعبير فى زمن اصبحت فيه الناصريه تهمة ومسبة ويحاول الدفاع على افكاره فى افلامه بطريقةجد مباشرة تفتقرللغة السنيمائيةالتى كانت لاستاده العظيم يوسف شاهين ولكن رغم ذلك نجح فى رسم خط له نستطيع ان نقول عليه متميز رغم السوداويةواللعب على وتر الجنس والاثارة الذى كان من وجهة نظري سقطة الفيلم الرئيسة والمثمثل فى هيفاءوهبى الغيرمقنعة تماما فى هذه الاجواءوعدم اتقانهاللهجة جعلنالم نفهم الحوارالجميل بالذات فى النهاية مع انفعالها وماذالوانه اتى بممثلة مصرية من القديرات فى التمثيل لكان الفلماازدادثري رغم انه سيضحى بالفرقعة الاعلامية التى حققهامن هيفاولكنه كان رحمنامن جمهورالمراهقين سناوعقلا وصخبهم وضجيجهم كلما طلعت هيفاعلى الشاسة دون محاولة لفهم الفلم لانهم اتوالمشاهدة هيفاوكذلك فى حين ميسره واصراره على مشاهدالشذوذ بين سمة وغادة رغم ان حدفهالايؤثرفى الفلم الرائع ولكنهاكانت لتحقيق الفرقعة الاعلانية التى هى عيبه الاساسى وليس ايمانه بحقبة تاريخية يدافع عنها ويرى انهاالاحسن وهوحقه ولناان نتفق اونختلف معه ودورعبدالعزيزمخيون تحفة مع الرائع دائما حميدة ولكن د مؤنس ليس يسارى فقطى بل هومن ذوى الاملاك ولكن رآي فى مصادرة املاكه من خلال الثورة هوقمة العدالة فى اعادة توزيع الثروة وهى فكرة غيرمسبوقة فى السينماالتى كثيراما نري فيها الاقطاعى والبرجوازى حاقدعلى الثوره والغلابة الاوباش فى نضره بذلك هذه العلاقة بين دمؤنس وحجاج كانت جميلة وتحسب للفيلم وآرى ان غاده عبد الرزاق قدمت دورجميل للاخت المحبة الحنونة ولكن حضور هيفا (الطاغي)هومااثرى عليها وليس عدم قيامها باى ردفعل حقيقى والنهاية ذكرتنى بافلام زمان وهوليس عيب بل ويحسب له انه جعلنا نبكى فى النهاية على الاقل نحن معشر النساءفى النهايه الفلم حدوثة جميلةولكنها مثقلة بالكثيرمن الافكاروالاثاره قديتحملهاالجمهورجمهور السينماالحقيقي مرة واثنين وثلاثه ولكن فى النهاية لايصح الاالصحيح ولك فى استادك الراحل عبره رغم ماتكبده فى حياته واصراره على تقديم سينمارغم اتهامه بان افلامه غير مفهومةوانهالنخبة وامهرجانات ولكن فى النهاية اصبح تاريخ مع كمال الشيخ وصلاح ابوسيف وتوفيق صالح الخ ..وهناك من اصبح تاريخ ولكن على الجانب الاخرحسن الامام ونيازى مصطفى وحسام الدين الخ..ومن الصعب ان تجمع بين الاثنين اماسينمااماتجارة سينمائية ان صح التعبير
إرسال تعليق