لمدرس اللغة العربية مع السينما في مصر قصة طويلة، فهو المدرس الوحيد الذي
نال أكبر قدر من الاهتمام وبرز في أكثر من فيلم، ورغم ظهور الكثير من
المدرسين وعلاقتهم بالطلبة سلبا وايجابا، فإن مدرس اللغة العربية وحده الذي
كان الشخصية الأكثر وضوحا، ولا نريد ان نقول بأن الافلام التي تظهر فيها
كثيرة، فهي قليلة من حيث العدد، لكنها ذات نمط واحد لم تحد عنه السينما في
مصر إلا قليلا.
مبالغة أحيانا
نتذكر ولا شك الاستاذ حمام، مدرس اللغة العربية في فيلم "غزل البنات –
انتاج1949" ومنذ ذاك الحين صارت الشخصية تتكرر من داخلها، بالكثير من
المبالغة احيانا، حتى يمكن أن يقال بأنها مجرد شخصية كاريكتورية وليست
واقعية، حتى لو كان الأداء مختلفا عن طريق فؤاد المهندس أو أمين الهنيدي أو
ابراهيم سعفان وغيرهم.
ان المدخل هنا يعود الى تصوير مدرس اللغة العربية على أنه خارج العصر، في
ملابسه وفي طريقة تعامله وفيما يردده من أقوال، فهو يشير الى اللغة العربية
كما وردت في كتب اللغة والتراث، ولا مانع في ذلك أن يكون جزءا من الماضي،
رغم أنه يشير ايضا الى الالتزام بالقواعد والحرص عليها نحويا، ويمتد ذلك
الى القواعد الاخلاقية ايضا، فهو يمثل الماضي كما تحضر الاصالة فيه وعدم
التنازل للمعاصرة التي تبرق بكل تأثيرها الاجتماعي والاخلاقي.
ان مدرس اللغة العربية وكما تقدمه السينما في مصر، يشير الى الفقر احيانا،
فهو لا يتقاضى إلا الأجور الزهيدة ، والحاجة اليه في الدروس الخصوصية
مستحيلة، وربما لهذه الاسباب وغيرها كان من الشخصيات التي يقبل عليها كتاب
السينما، فهو كما قلنا اقرب الى الشخصية الكاريكتورية التي تفضل السينما أن
تتعامل معها لمواجهة العديد من الاطراف الاخرى.
مهنة المدرس
من الأفلام الجديدة فيلم "رمضان مبروك أبو العلمين" انتاج 2008 لمخرجه وائل
احسان. وهو فيلم يرتكز على شخصية مدرس اللغة العربية في المرحلة الثانوية،
بل ان هذه الشخصية تعد محور الفيلم.
وهذه هي المرة الاولى التي تصبح فيها مهنة المدرس البطل الرئيسي، فقد ظهر
المدرس سابقا فى أدوار ثانوية أو شبه ثانوية، ومع بعض الاستثناءات القليلة،
بخلاف المحامي مثلا أو الطبيب أو المهندس أو رجل الأعمال وهي أكثر المهن
تداولا في السينما العربية، وبالطبع كان مبحث التعليم عموما هو السائد في
فيلم "الناظر" وليس المعلم في حد ذاته.
وباعتباره شخصية رئيسية ومحورية
هناك اضافات كثيرة منحت الى هذه الشخصية، فهو مثلا لا يشكو من متاعب مادية
واضحة، وهو يرتفع رغم مهنته البسيطة الى مستوى أعلى، وهو البطل الذي يسحب
معه اينما يسير الأحداث، وكثيرا ما يعبر سلوك الشخصية على انه محمد هنيدي
وليس المدرس رمضان مبروك، فهو مثلا يرمى بالكراسات اينما يكون، وهو يكسر
الأكواب و يتصرف مع التلاميذ بعنف واضح، فهو شخصية تطغى على بقية الشخصيات،
رغم انه ليس كذلك واقعيا كما يفترض أن تسير أحداث الفيلم.
عام دراسي جديد
في بداية الفيلم أغنية عن التعليم في بداية العام الدراسي وفوضى التلاميذ
بحضور مدير المدرسة ولكن يهدأ الجميع عندما يصل مدرس اللغة العربية رمضان
مبروك فيسمعهم خطابا يوعد التلاميذ فيه بعام دراسي عسير مذكر اياهم بكل ما
قاموا به أثناء العطلة الصيفية.
ولا ينسى سيناريو الفيلم أن يجعل للمدرس دراجة عادية ينتقل بها، فهو يحمل
شيئا من الماضي وماهو خارج العصر، كما أن الفيلم يرسم له صورة كاريكتورية
متمثلة في شنب قصير ونظارة طبية كبيرة وبدلة تقليدية صيفية، ولابد ان يضاف
قصر قامة الممثل محمد هنيدي نفسه.
ورغم ذلك فهو مدرس مسموع الكلمة، لأنه يستخدم الحبال والعصي، فهو كما قلنا
ليس بالمدرس الضعيف كما هو متعارف عليه، ولهذا السبب كان أسم الفيلم قرين
اسم الاستاذ "رمضان مبروك أبو العلمين حمودة".
يعمل المدرس في أحدى مدارس القرية، وهو عفيف اليد، لا يشكو إلا من اهتمام
الناس ببعض الظواهر الاعلامية، مثل الاهتمام بالمطربة اليسا أو سماع بعض
الاغاني وتكرارها، والفيلم يعتبر أن كل ذلك من الظواهر السلبية التي يخصها
بالنقد في أكثر من موضع، وفي ذلك الكثير من الضعف الذي يتسرب الى الفيلم،
حيث تسيطر نظرة الاستاذ رمضان مبروك على الفيلم ولا نسمع إلآ رأيه الأوحد
في كل شيء وتعليقاته على بعض الظواهر الاعلامية وتأثير المطربين والمطربات
على الواقع الاجتماعي.
في احد المشاهد التي صيغت بنجاح جزئي نجده يتقدم ليخطب احدى الفتيات، ولكن
الأم تنشر الخبر في كل القرية تقريبا، ومن أجل اتمام الموضوع تطرح بعض
الاسئلة على الفتاة المنتظرة فلا تجيب عنها، كما انه عندما يدخل حجرتها
يجدها مليئة بصور الفنانين فيكشف أمرها على الملأ. إن هذا المدرس نفسه
"رمضان مبروك" سوف يتزوج من مطربة مشهورة في منتصف الفيلم، وهو أمر يتناقض
مع ما يطرحه من مبادىء متسرعة.
ينتقل هذا المدرس الى المدينة، والسبب يرجع الى الابن المدلل لوزير التعليم
الذى ينقله أبوه الى مدرسة في قرية بعيدة، ليقع في دائرة نفس مدرسة رمضان
مبروك، ولأمر شخصي فقط، أراد هذا المدرس الانتقام من التلميذ باستخدام عقاب
بدني أقرب الى حالة التعذيب، ومرة أخرى يضاف هذا الفيلم الى قائمة الأفلام
التى تقترب من المسؤولين ولكن بروح التودد والتزلف وليس بروح النقد،
فالوزير المعني يفرح كثيرا لأن أحد المدرسين قد ضرب ابنه، وينقله الى مدرسة
جديدة بالمدينة، ليستخدم نفس أسلوب العنف مع التلاميذ، وهنا يرتبك
السيناريو في تبرير العنف البدني وجعله الأسلوب الأمثل في التربية.
دعاوي كبيرة
يحاول الفيلم أن يجعل رمضان مبروك في مواجهة مع التقليعات الشبابية
الجديدة، فهو يعلق عليها ويحاربها، ويمتد الأمر الى مواجهة المطربة "نجلاء
وجدي" القادمة من لبنان والتي يقول الفيلم بأنها تغني أغاني هابطة، ويتجمع
الشباب حولها بما فيهم ابن الوزير وشلته. ومع علمنا بأن اسم "نجلاء وجدي"
على نفس وزن "هيفاء وهبي" فإن الاغاني التي تبرز في الفيلم والمختارة من
النوع المعتاد والتقليدي ولا يمكن تحميلها أكثر مما تتحمل، ولاسيما دعوى
افساد جيل من الاجيال أو غير ذلك من الدعاوي الكبيرة غير المبررة، بل من
الصعب القول اصلا بأنها اغان هابطة تستحق أن تعتبر متهمة.
لا يمنع كل ذلك من القول بأن الفيلم يقوم على نفس الطريقة الكوميدية التي
سارت عليها أغلب الافلام المنتجة في مصر حديثا، حيث يتكون الفيلم من مجموعة
من الفواصل أو الاسكيتشات المتتالية، والرابط فيها شخص واحد وهو الممثل
الذي تتاح له الفرصة الكاملة للتعليق وتعبئة المشهد بالكلام المسموع، مع
حضور عدد من الممثلين القانونيين من حوله، وفي الغالب وجدوا فقط لغرض تمرير
المزيد من الحوارات، وفي هذا الفيلم لا يختلف الأمر كثيرا، وخصوصا وأن
الممثل محمد هنيدي يتفوق في التعليقات واستخدام مستويات صوته في الرد على
غيره، وفي خلق بدايات مختلفة لكل حوار بين طرفين، لكنه يمارس دوره احيانا
باعتباره نجما وليس ممثلا.
تناسخ الأفلام
ومرة أخرى نجد الأفلام العربية تنسخ عن بعضها، وهي لا تعد قصة الفيلم كما
هي، وهو ما حدث في فيلم "عسكر في المعسكر" والذي هو اعادة لفيلم "شياطين
الجو" ولكن تتم الاستفادة من قصة فيلم معين، مع بعض التغيرات، والواقع أن
فيلم أبي فوق الشجرة للمخرج حسين كمال يلقى بظلاله على هذا الفيلك، فمن
المشاهد المكررة أغنية بين محمد هنيدي "رمضان" وسيرين عبد النور "نجلاء"
تشبه تلك الأغنية الشهيرة التي تجمع عبد الحليم حافظ وميرفت أمين وراء
خلفية من النجوم.
ان الأمر يتجاوز ذلك الى تضمين القصة بطريقة مختلفة نسبيا، اذ نحن ازاء
مطربة شهيرة يقبل عليها المراهقون، ولم يوضح الفيلم ذلك، ومن هؤلاء الطلبة
الثلاث الذين يدرسون في فصل الاستاذ رمضان مبروك، وعندما ذهب هذا الاستاذ
لانقاذ تلاميذه وقع في المصيدة وصار عاشقا لتلك المطربة، حتى انه تزوجها.
وبالطبع ليس هناك تفسير يوضح أسباب الزواج ومبرراته ولماذا رمضان مبروك أبو
العلمين، على وجه التحديد، إلا القول بأن السيناريو أراد ذلك وفي ذلك تشابه
واضح مع فيلم أبي فوق الشجرة.
يحاول الاستاذ رمضان الانفاق على زوجته، مع اجبارها على ترك الغناء والبقاء
في البيت ولكن تحدث بعض الصدف التى تجعله يوافق على عودة زوجته للساحة
الغنائية، وفى ذلك ضغط انصار المطربة على الاستاذ بحضور أمه، وكذلك زيادة
النفقات والمتطلبات.
ومن الواضح ان الفيلم قد أهمل سببا أساسيا من أسباب الزواج، فقط طلب من
المطربة أن تغادر مصر بسبب أغانيها الساخنة والمثيرة فأجبرت على الزواج من
مصري لكي تبقى وتنفذ بعض الالتزامات فى احياء الحفلات وتصوير اغانى الفيديو
كليب.
لقد استفادة الفيلم من بعض الممثلين ومن ذلك ليلى طاهر فى دور أم الاستاذ
رمضان ومظهر أبو النجا وكذلك ضياء مرغني في دور ناظر المدرسة ومحمد شرف
وأدوارد ولطفى لبيب وعزت أبو عوف ويوسف عيد ومحمد الصاوي، ولكن هذه الاسماء
وبسبب المشاهد القليلة وضعف رسم الشخصيات كانت على الهامش عدا القليل.
مؤلف ناجح
اذا تحدثنا عن الكاتب يوسف معاطى – فسوف نجده من ألمع المؤلفين حاليا وكان
تعاونه مع عادل امام ناجحا وخصوصا فى أفلام مثل الواد محروس والتجربة
الدنماركية – السفارة فى العمارة – مرجان احمد مرجان – حسن ومرقص – ومن
أفلامه ايضا طباخ الرئيس، الحقيقة انه يكرر بعض ما طرحه من أفكار شبه
سياسية او تدور على هامش السياسة، ومن ذلك ملاطفة المسؤولين مع بعض التعليق
الاضافى، فهذا الاستاذ رمضان يطبق قوانينه الصارمة على ابناء كل الوزراء
إلا ابن وزير الداخلية، الذى له اعتبار خاص.
وما هو أهم هو النظرة الاخلاقية الصارمة التى يفرضها المؤلف على الاحداث
بلا مبرر، فالمطربة نجلاء تترك الغناء من أجل الزواج والبقاء في القرية،
وهو مبرر يعكس نظرة تراجعية حتى لو افترضنا انها تحترم الاخلاق، ولكن
الاخلاق بمعناها الظاهري فقط.
مسار مختلف
بالاضافة الى ذلك هناك ما يشبه الصراع بين الاجيال، بسبب سوء التفاهم،
ولذلك يوضع الاستاذ رمضان في ورطة عندما يمنع من الذهاب الى دورة المياه، و
يقرر العودة الى القرية بل وتطليق زوجته، لأنه قد لامس الخجل من النفس.
ولكن الأحداث تسير في شكل آخر ومسار مختلف، أما العدالة الالهية فتنتقم
للاستاذ ويصاب التلاميذ اصحاب المشكلة فى حادثة ينتقلون على اثرها الى
المستشفى، وبالتالي يطلبون الاعتذار من الاستاذ، ويتكرر ذلك مع الزوجة التى
تهجر الغناء بصرف النظر عن مستواه من أجل منظور تقليدى لزوج يعد من المتزمتين.
لا شك في أن الفيلم يحتوى على نظرة تراجعية بسبب سيطرة المنظور الدينى
الاخلاقى في شكله الخارجي على محتوى الفيلم، كما أن الجانب الفني ضعيف
نسبيا، فأكثر المشاهد زائدة، ولا يوجد مسار متطور يحكم بناء الفيلم، يلزمه
بالتدريج، وفى أكثر الحالات يشعر المشاهد بالكثير من الرتابة والتكرار.
لقد نجح المخرج وائل حسان في أفلام سابقة كوميدية ومنها اللمبي واللي بالي
بالك، وكذلك الباشا وعندليب الدقي، ومطب صناعي، ولكن الدائرة التى يتحرك
فيها ضيقة الى أبعد الحدود، فالمخرج يجيد تنفيذ المشهد احيانا، ولكن يتسلل
الضعف الى صياغة الفيلم الكلية، ويبقى كل شيء متوقفا على الممثل الذي يعد
مخرج الفيلم الرئيسي، لأن كل شىء قد سخر لخدمة النجم.
لم ينجح المخرج في اختيار الممثلة المطربة اللبنانية سيرين عبد النور في
دور نجلاء وخصوصا وأنها بدت مترددة وغير متحمسة لدورها ولهذا جاءت باردة
الأداء وهذا ما انعكس على الفيلم بشكل عام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق