الأحد، 4 أبريل 2010

عدم السكوت عن الكلام المباح



عدم السكوت عن الكلام المباح


فى الفيلم السابق للمخرج يسرى نصر الله، وكان بعنوان (جنينة الأسماك) 2008 ظهرت فكرة التواصل مع الجمهور والتأكيد عليها من خلال صوت المذيعة (هند صبرى) وبرنامجها الليلي فى الراديو) حيث يسترسل كل شخص فى الحديث عن نفسه فيما يشبه اعترافات ما بعد منتصف الليل أو البوح الذاتى لجمهور محدود.

فى الفيلم الجديد (أحكى يا شهرزاد) شىء مما تقدم، مع بعض الاختلافات، حيث تسيطر فكرة التواصل مع الجمهور والخوف منه على مجريات الأحداث، ولكن هذه المرة نجد أمامنا برنامجا مرئيا، يعتمد على الحوارات المباشرة، بإعادة فكرة المصارحة والحديث عن الذات والتجارب الشخصية بطريقة صادمة للجمهور، بل تبدو صادمة للواقع فى أكثر الأحيان

ومثلما نجح الفيلم السابق فنيا ونقديا، حقق الفيلم التالى نجاحا أوسع، وربما صادفه بعض النجاح التجارى أيضا، بعكس أفلام هذا المخرج السابقة والتى ظلت حبيسة المهرجانات والعروض الخاصة وأحيانا القنوات الأجنبية الداعمة للإنتاج.

تدرج وتصاعد:-

والواقع أن هناك تدرج واضح فى تعامل هذا المخرج مع الجمهور، ونقصد بذلك جمهور السينما التقليدي، فمن فيلم مثل (سرقات صيفية 1988) . الذى هو أقرب الى السيرة الذاتية أو مقاطع من هذه السيرة، الى فيلم (مرسيدس 1993) والذى فيه الكثير من التجريب، وكان فيلم (صبيان وبنات – 1995) أقرب الى الفيلم التسجيلي. أما فيلم المدنية فهو أقرب أفلام المخرج الى الجمهور وكذلك فيلم باب الشمس 2004 والذى له طابع ملحمى. أما هذا الفيلم الأخير (أحكى يا شهرزاد) فهو فيلم من أفلام القضية أيضا، ولكن القضية الاجتماعية التى يمكن اعتبارها نسائية بالدرجة الأولى. ولعل الجانب الفكرى يظل من أهم مشاغل هذا المخرج والذى بدأ ناقدا سينمائيا، ثم تلميذا فى مدرسة المخرج يوسف شاهين، الى حين وصوله الى درجة عالية من التميز والخصوصية.

الأمر الثانى الذى لا يمكن إغفاله، إن هذا الفيلم هو أول تعاون بين السينارست وحيد حامد والمخرج يسرى نصر الله، ويعرف عن الأول حسن اختياره لموضوعات أفلامه، وهو الذى قدم أفلام جيدة تحسب له باعتباره سيناريست، وأحيانا توضع اهميته قبل المخرج الذى يتعامل معه، وبالتالى نقول بأن هناك أفلام هى من كتابة وحيد حامد مثل البرىء ـ الغول ـ الهلفوت ـ اللعب مع الكبار ـ النوم فى العسل ـ الإرهاب والكباب ـ سوق المتعة ـ وغير ذلك من الأفلام الناجحة.

يحيلنا عنوان هذا الفيلم الى شهرزاد، الشخصية التاريخية الشهيرة والتى اقترنت بقصص ألف ليلة وليلة، فهى التى سردت كل القصص بمختلف أنواعها بدافع الحفاظ على أرواح بنات جنسها، فالحكايات بالنسبة لها إضافة حياة واستمرارها، بينما الصمت أو التوقف عن السرد يعنى الموت.

لا يأخذ الفيلم إلا مسألة السرد نقلا عن التجارب الشخصية مدخلا لهذه المرأة التى اعتبرها اقرب الى شهرزاد. إنها امرأة تقص علينا تجاربها الصعبة، بسبب الرجل أولا وأخيرا.

ولعل النساء أو النماذج المختارة لهذا السرد، يحاولن التواصل مع الجمهور، من خلال البرنامج المرئى (نهاية المساء، بداية الصباح) وهو عنوان مقتبس من الجملة الشهيرة التى تتردد فى نهاية كل قصة من ألف ليلة وليلة (وهنا أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

بداية أولى:-

يبدأ الفيلم بداية، فيها شىء من المخاوف، وربما كان المر مجرد حلم يفاجىء المذيعة هبة، وكأننا سوف نأتى فى النهاية الى ما يشبه الكابوس، وهذا ما يحدث فعلا، ولكن فى إطار العلاقة الزوجية بين هبة وزوجها الصحفى كريم.

سوف نرى فى المقدمة لوحات من ثمار الطماطم وأحيانا البصل مع موسيقى هادئة ومتصاعدة، يصطحب كل ذلك العنوانين والأسماء، ولا نستطيع أن نعطى دلالة مؤكدة على هذا المعانى، فهو من اختيارات المخرج التى تكشف عن روابط الأكل بالحياة، والمقصود بذلك متع الأكل التى تخفى سيطرة وإجحاف فى حق المرأة وهكذا نجد أن الزوج كريم يستخدم الجنس لإسكات صوت الزوجة ويجعلها غير قادرة على التمرد أو الاعتراض. كلاهما حاجة ومتعة ووسيلة ضغط.

هذا الأمر سنراه يتكرر مع نماذج أخرى، بل إن مشكلة المرأة الجنسية تبقى هى نقطة ضعفها، سواء أكان الأمر فى شكل زواج رسمى أو زواج غير رسمى وعلى نفس الوتيرة، وبطريقة أفضل يستخدم الفيلم طريقه الشرائح الاجتماعية فى استعراض فكرته، والتى لا نستطيع أن نحشرها فى إطار الفكرة الواحدة الضيقة، بل هى تتعدى ذلك الى آفاق أرحب، وربما تقترب من السياسة أيضا، اذ من الصعب اعتبار قضية التعبير العلني عند المرأة مجرد قضية نسوية خاصة، ولاسيما وأنها قد صارت تصل الى أكبر عدد من المشاهدين، وأظن ان برامج الحوارات المباشرة، ذات الطبيعة الساخنة، هى التى أو حق بفكرة هذا الفيلم، فالفيلم مرتبط بوسائط الاتصال الحديثة، حيث يتم الكشف عما كان بالأمس مجرد بوح شخصى بين شخصين أو أكثر.

ان البرنامج الذى تقدمه قناة (الشمس) عن طريق المذيعة هبة، يدعو النساء الى الكشف عن الخبايا الداخلية وعدم الاكتفاء بالصمت والتستر على ما وقع لهن، وهذا بالطبع يخالف ما درج عليه المجتمع، اذ يطالب المجتمع المرأة بأن تصمت وتتخفى فى الظل.

كانت المذيعة هبة تسير نحو اتجاه مختلف فى البداية، فهى تقدم حلقة معينة مثلا تستضيف فيها رجل أعمال يدعى ادهم (محمود حميدة) وهى تدخل معه فى حوار بقصد إثبات وجودها أمامه، باعتبارها مذيعة ناجحة ولامعة.

لكن هناك تغيير وقع فى حياتها عندما واجهتها فتاة تعمل فى محل للملابس الراقية والعطور والإكسسوارات، حيث كشفت لها عن أن هناك عالم آخر، ربما كان عالم الحجاب الصغير، والذى يرغم فتاة مثلا على أن تكون امرأة مزدوجة الشخصية، تعمل فى محلات راقية وتعيش فى الظل وعلى الهامش فى الإحياء الشعبية، حيث ترغم على ارتداء الحجاب وما تبعه من أوامر.

بداية ثانية:-

كان لابد من وجود نقطة بداية مختلفة لهذه المذيعة وهذا ما حدث فعلا، فقد تحول هدف البرنامج وبدلا من اختيار النجوم واللامعين، صار الاختيار يقع على من هو هامشى ووضعه أمام بؤرة الضوء من خلال الحكي وتقديم التجربة الحياتية.

بالإضافة الى المذيعة والتى تتحول بالتدرج الى نموذج وليست مجرد وسيط فقط.

وفى مشهد نرى فيه المذيعة وقد ركبت حافلة عامة، مع فتاة أخرى تعرفت عليها، فى هذا المشهد تجبر المذيعة على ارتداء حجاب الرأس بسبب نظرات النساء اللافحة إليها، باعتبارها مختلفة عن غيرها من النساء.

النموذج الأول هى امانى (سوسن بدر) امرأة تسكن فى بيت اجتماعى لصالح النساء المسنا، وتعمل فيه فى نفس الوقت، وما يميز هذه المرأة انها لم تتزوج وظلت عذراء الى ان بلغت الشيخوخة أو كادت، إذا اعتبرنا أن ذلك ميزة.

والحقيقة انه لا توجد قضية واضحة بالنسبة لهذه المرأة، ولذلك كانت نسبة الميلودراما ضعيفة أثناء سردها لحكايتها، وخصوصا وانها اعتادت أن تعيش بلا رجل طوال حياتها. كما أن الفيلم استفاد منها فى تقديم جرعة من الصراحة المكشوفة.

ولاسيما فيما يتعلق بحجاب العقل الذى يعيشه المجتمع، والمشكلة الجنسية التى تعانى منها المرأة أحيانا وكيفية التأقلم مع هذه المشكلة.

من ضمن ما روته (أماني) قصتها مع (احمد فضل) وهو رجل طرح عليها صفقة زواج بشرط أن تكون كل الأمور بيديه، وهو ما رفضته امانى فى مكان عام وأمام الجميع.

يبدو المشهد الذى اختير ليمثل هذه الصفقة وكأنه اقرب الى المشهد السافر، ولاسيما وأن أداء الممثل حسين الامام قد جاء متوافقا مع ذلك، وقد بدا واضحا أن المشكلة تكمن فى حاجة المرأة الى الرجل بشكل حاسم وحاد، ولذلك نجدها تضحى بكل شىء من أجل ذلك، وهذا ما لم تفعله اماني وهذا ما صرحت به أمام الكاميرا على الهواء مباشرة.

القصة الثانية تبدو وكأنها منفصلة، أي أنها فيلم داخل فيلم وبالفعل، ينشى الجمهور المتابع للفيلم الموضوع الرئيسى بسبب حضور هذه القصة، وهى تتركب من ثلاثة نماذج والأهم النموذج صفاء. إنها الأخت التى يتتبعها الفيلم، فهى قد دخلت السجن وخرجت منه بعد سنوات طويلة وهى تعيش مع السجانة بعد أن مرضت الأخيرة وتحتاج الى من يخدمها ويرعاها.

حكاية وأكثر:-

أما القصة فهى أقرب الى حكايات ألف ليلة وليلة (حكاية التاجر والشقيقات الثلاث)، ويشعر المتابع بأن الجانب القصصي فيها قد ساء على الجانب الواقعي.

إننا أمام ثلاث شقيقات، صفاء وهناء ووفاء، يستلمن محل والدهن بعد موته وبعد طرد العم المتلاعب بالمال، ولكن العامل فى المحل التجارى (مواد بناء وأدوات صحية وعيرها) إبراهيم الخفيف ظل هو المشكلة، لأن الأخوات رغبن غيه زوجا بعد أن طال انتظار الزوج، وكل أخت تتوقع أن يتزوجها، إلا انه يتزوج عرفيا صفاء، وفى الوقت نفسه تكشف كل فتاة بأنها على علاقة معه وهى علاقة مباشرة وخفية، إلا أن الزوجة الفعلية تعتبرها جريمة، ولذلك تقوم (صفاء) بقتل إبراهيم وحرق المحل بكل ما فيه، وطرد الأختين من البيت وكان ممد الشريف فى الدور متميزا.

كما قلت تبدو القصة سردية وبسب الحوادث المتلاحقة والشخصيات المتقاربة لا نكاد نشعر بوجود سبب حقيقى واضح لعملية القتل، وخصوصا وأن كل أخت تتصرف وكأنها على معرفة بعلاقات إبراهيم العاطفية. وبالطبع يذكرنا ذلك بقصة الخاتم ليوسف إدريس، والتى تحولت الى فيلمين قصيرين فى إنتاجين متلاحقين.

تصعب العودة الى باقي القصص والى القصة المحور (هبة مع زوجها ومع برنامجها) لأن قصة الأخوات الثلاث ظلت طاغية على الأحداث وهى طويلة نسبيا، لنصل فى نهايتها الى تقديم صفاء القاتلة أمام الجمهور من أجل الاعتراف بأسباب القتل.

إن المشاهد فى الفيلم تبدو طويلة نسبيا ولا يستخدم الفيلم طريقة المونتاج السريع ولا يركز على القطع، ولكن الأحداث يتم سردها ببساطة وبتقليدية واضحة، ليست بالطبع من سمات وخصائص وأسلوب المخرج من خلال أفلامه السابقة.

لقد نجح الفيلم فى تقديم خلفيات غير متشابهة بالنسبة لتقديم البرنامج، فكل امراة لها خلفية تتناسب مع قصتها وطبيعتها.

يتصاعد الخلاف بين الزوج الصحفى كريم (ممثل ضعيف حسن الرواد) والزوجة المذيعة (هبة) والتى قامت بدورها الممثلة منى زكى بطريقة جيدة، يتصاعد الخلاف مع استمرار الفيلم.. الزوج يهمه مستقبله الصحفى ويتطلع الى ان يكون رئيسا للتحرير، ولكن برنامج الزوجة التلفزي يسبب له المشكلات المتتالية، فضلا عن مراعاة الزوج للمسؤولين على حساب زوجته، ورغم إنه هذا الزوج هو الثانى بالنسبة لهبة، إلا انها مستعدة للتضحية به، إذا كان ذلك سيكون فى مصلحة موقفها وموقف عملها الانتقادى والذى يجر معه تبعات وفضائح كثيرة، فقد صارت هبة صاحبة قضية ما ولو كانت غير واضحة.

زوج وزوجة:-

النموذج الثالث هى الطبيبة (درة) والتى يتعرف عليها رجل الأعمال أدهم، ولكنه مثل الرجل السابق (احمد فضل) يهمه النصب فقط، ولذلك يتزوج بها فى مشهد (كتب العقد) والذى يظهر طويلا كأنه صفقة تجارية بالنسبة للزوج، وعندما يصبح هناك حمل، يعلن الزوج عدم مسؤوليته ويعتبر الزوجة خائنة ويهددها بالفضيحة أو رفع مبلغ مالى كبير، وتستجيب الزوجة (نقطة ضعف فى السيناريو) لكنها لا تدفع المال المطلوب وتتحول الى معارضة لهذا الرجل (ادهم) بعد أن تم تعيينه وزيرا. وهنا يربط الفيلم قليلا بين المشكلة الجنسية والمشكلة الاجتماعية السياسية، ولكن فى حدود ضيقة، يغلب عليها النظرة البسيطة السريعة، فبدلا من رفع الدعوى القضائية تلجأ طبيبة الأسنان الى التظاهر فى الشارع، تم القبض عليها مباشرة ـ والخاسرة طبعا هى الزوجة، وهى تعترف بأنها قد تخلصت من الجنين لأنها لا تريد أن ترتبط بزوجها بأية طريقة كانت. رغم انها تكتشف خداعه من خلال تجربته من زوجته الأولى المطلقة.

ربما لو ناقشنا الكثير من التفاصيل، لوجدنا بعض نقاط الضعف فى تركيب بعض الشخصيات، ولكن هذا الخلل لا يمنع من الحضور القوى للنماذج المختارة وحسن تأثيرها على المتفرج. مع حوار مختصر ومكتوب بطريقة فى إيحاء وإثارة، والأهم هو وجود سلاسة فى السرد، وكأننا أمام ارتباط عفوى بين السرد عند شهرزاد والسرد فى الفيلم.

لابد من التأكيد على أن التمثيل كان له جانبا ايجابيا من خلال اختيار بعض الممثلين وخصوصا منى زكى فى دور مختلف نسبيا وكذلك سوسن بدر ومحمود حميدة وحسين الامام ودرة التونسية وأيضا الاختيارات الأخرى الجانبية والرئيسية فى نفس الوقت، ومما يحسب للفيلم عدم وقوعه فى الميلودراما، رغم إن القصص توحى بذلك.

ولكن، تبدو فكرة استبعاد النموذج الجيد للرجل ض ، فالمواجهة دائما بين نساء مظلومات ورجال طغاة ولا يوجد خليط بين الاثنين أو تداخل يسمح بالتعبير المحايد، فتحول الفيلم الى صراع بين الرجل والمرأة، لمصلحة المرأة طبعا والنظرة المحايدة المفقودة، ربما لا تساعد على إبراز الفكرة، ولهذا تخلص منها الفيلم لمصلحة المنظور الاحادي الجانب.

ينتهي الفيلم بالنموذج الرئيسي (هبة) وقد جاءت متأخرة الى برنامجها، وظهرت وهى شبه مشوهة بسبب اعتداء زوجها عليها بالضرب، بسبب صراع المصالح، ولاسيما وان التغييرات الإدارية قد استبعدته رئيسا للتحرير، رغم أن أحد الأصدقاء قد حلم به رئيسا جديدا متوقعا.

سوف نلحظ بأن المشكلة بين هبه الزوجة كريم الزوج، تقوم على صراع العمل والحضور الاجتماعي، لأن الزوج يتصور بأن برنامج زوجته الفضائحى كان هو السبب فى استبعاده من الترقى فى الصحيفة التى يعمل بها. أما باقى النماذج فإن القضية قد تبدو واجتماعية أو جنسية أو نفسية بالنسبة إليهن.

كما رأين، فإن هذا الفيلم هو وليد الظروف الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، وتطور وسائل الإعلام، والانتقال من الصورة الخلفية الى الصورة الظاهرة، بالنسبة للمرأة ومن الاختباء وراء الجدران الى الحضور العلني والتصريح بالقول وعدم السكوت عن الكلام المباح.

ليست هناك تعليقات: