السبت، 10 أبريل 2010

مجنون واحد لا يكفى




مجنون واحد لا يكفى


تأخرت المخرجة إيناس الدغيدي بهذا الفيلم الجديد التى قدمته مؤخرا عن سيناريو الكاتب لمصطفى محرم، تأخرت كثيرا، ذلك أن محور الفيلم يقوم على شخصية الأميرة ديانا، والتى كانت حديث الناس منذ زواجها من الأمير تشارلز فى بريطانيا، ثم موتها بعد طلاقها فى حادث سير بباريس مع صديقها الدودى ابن المليونير الفايد.

كل تلك الأحداث كانت تملأ الصحف والمجلات لفترة طويلة، فقد برز الى الأضواء وبشكل واضح، أولئك (البابراتزي) وهم المصورون الذين يلاحقون المشاهير ويختارون لهم الصور الخاصة والساخنة من أجل بيعها الى المطبوعات بمبالغ كبيرة، وقد قيل أنهم كانوا السبب الرئيسي فى موت الأميرة.

فيلم متأخر:-

كان من الممكن لو أنتج هذا الفيلم مبكرا أن يستقبل بشىء من الحفاوة، الأميرة ماتت عام 1997 والفيلم أنتج عام 2009 والبون ساشع ما بين التاريخيين.

الأمر الآخر، إضافة ما يسميه الناس بالمجانين وهم أولئك الذين يتماهون فى شخصيات النجوم ويتخذونهم إنصاف إلهه، لا يعيشون إلا فى محيطهم. إنهم مجانين المشاهير الذين يصل بهم العشق أحيانا الى درجة القتل. فنسمع مثلا عن مجنون نيكول كيدمان ومجنون مادونا ومجنون منى زكى، ولم لا مجنون الأميرة ديانا.

لكن ومع كل ذلك، فإن هذا الفيلم (مجمنون أميرة) يعد من أسوأ الأفلام المصرية التى تم إنتاجها فى السنوات الأخيرة، رغم المحاولات اليائسة لتركيب هذه القصة بطريقة تصح أن تكون أساسا لفيلم عربي تدور احداثه فى مصر.

فى الأصل، يصعب أن نتوقع فيلما جيدا من مخرجه مثل إيناس الدغيدي، ليس بسبب ما اشتهرت به من تجاوزا من جرأة. ولكن لأن إمكانات هذه المخرجة لا تسمح لها بتقديم فيلم له قيمة سينمائية كبيرة، صيح أن الموضوع يكون أحيانا لافتا للنظر، ولكن عدا الموضوع يبرز شىء على الأخلاق، اللهم نجاح ممثل أو ممثلة، وهو أمر مرهون باعتبارات ليس لها علاقة بمستوى الفيلم.

نذكر بأن أول فيلم للمخرجة كان بعنوان: عفوا أيها القانون – 1985) وقد آثار الفيلم جدلا كبيرا بسبب موضوعه بالدرجة الأولى، وهكذا جاءت باقى الأفلام على نفس الوتيرة: امرأة واحدة لا تكفى، القاتلة – استاكوزا – مذكرات مراهقة - دانتيلا – الباحثات عن الحرية – كلام الليل.

وجميع تلك الأفلام تقريبا تركز على الموضوع بالدرجة الأولى، ولكن الجانب الفني يبقى ضعيفا وغير لافت للنظر، والدليل على ذلك ان المخرجة لم تنل أية جائزة على إخراجها لكل تلك الأفلام طوال مسيرتها الفنية.

رغم ذلك، فإن أفلام هذه المخرجة تظل على مستوى متوسط، من ناحية السرد البسيط للقصة وأحيانا الاختيار الجيد للمثلين.

لا أرى أن مسألة الجرأة قضية ذات أهمية يمكن التركيز عليها، فالفيلم له اعتبارات أخرى ينبغى الاهتمام بها، ولا شك أن للمخرجة سقطات كبيرة. كما حدث فى فيلم الوردة الحمراء مثلا وفيلم لحم رخيص وفيلم هيا نرقص وأظن أن أفلام المخرجة القديمة تبقى هى الأفضل كما فى فيلم وقضية سميحة بدران وزمن الممنوع وديسكو ديسكو..

أفلام بسيطة:-

تحاول إيناس الدغيدى أن تركز على الموضوعات والمشاهد الساخنة لكى تخفي عجزا فى الأفلام واضحا، فأفلام المخرجة تمضى دون ان تلفت الانتباه ومن النادر جدا أن تجد لها مشهدا معبرا أو لقطة لها إيحاء فنى، كما أن أفلامها تخلو من الشاعرية أو الرقة، رغم أن الشخصيات النسائية هى الأهم بالنسبة لأفلامها، لكن تلك الشخصيات فى الغالب لا تشغلها إلا القضية الجنسية بدون مبرر فى أغلب الأحيان، بل والتصدى للقضايا الجنسية يكون منقوصا وبطريقة عجلى وغير ناضجة.

إن محاولة لفت الانتباه تبقى هى قضية هذه المخرجة الرئيسية. اما الباقى فلا قيمة له، لذلك لا يذكر الجمهور من أفلام المخرجة شيئا، فقد هبت أفلامها أدراج الرياح بسبب عدم التركيز على الجوانب الفنية.

هذا الفيلم (مجنون أميرة) يدور فى نفس الدائرة. محاولة لاختيار موضوع، يبدو على السطح أنه ساخن. هناك الأميرة ديانا وهناك مجنون مغرم بها، وهناك جوانب أخرى إضافية لها علاقة بالنقاش الدينى، ومحاولة شد الانتباه نحو علاقة ديانا بالدين الاسلامى، مع جانب تشويقى مترهل، يدفع باتجاه إظهار الأميرة وكأنها امرأة بريئة فى غابة من المتربصين بها. أي أن السيناريو قد قطع أشواطا فى تخييل الكثير من الموضوعات المختلفة وإلصاقها بالشخصية الرئيسية.

يبدأ الفيلم بشخصية تدعى إبراهيم، يعمل فى بوتيك للسواح، وهو يحلم بالأميرة ديانا ويحاول أن يشاهد فيلما لها فى أحد محلات الفيديو، إلا أن هذه الأميرة تأتى الى المحل وهى متنكرة فى ثوب صحيفة (كريستينا) لتبدأ سلسلة اللقاءات بينها وبين إبراهيم مع وجود طاقم حراسة للأميرة يقوده شخص يدعى ويليام.

صور مكررة:-

يعتمد الفيلم فى هذه المرحلة على التقابل بين الحياة الشعبية ونمط الحياة التى اعتادت أن تعيشها ديانا فى بلادها، ولقد كانت المشاهد الدالة على ذلك سيئة الى أبعد الحدود وخصوصا من حيث التصنع. فنحن نرى مثلا الأميرة ومن معها تأكل فى محل شعبى وتعانى بعد ذلك من نوعية الأكل.

اننا نرى أيضا الخلافات فى الأزقة الشعبية عند زيارة الأميرة (كريستينا) لمنزل إبراهيم، ويعد مشهد الأكل فى بيت إبراهيم بحضور الأم والخطيبة من المشاهد الضعيفة جدا فى الفيلم.

الفيلم ينقسم الى جزئين الأول خاص بالصحيفة كريستينا وهى نفسها الأميرة ديانا وقد تنكرت وزارت القاهرة بشىء من السرية.

الجزء الثانى.. يشمل زيارة الأميرة ديانا بنفسها للقاهرة ولا يمكن أن نفسهم سببا لهذه الزيارة المزدوجة.

يعيش إبراهيم حالة من أحلام اليقظة مع ديانا ويتوهم انها تحبه أو يحبها وهو يحاول الاتصال بها والاقتراب منها بصعوبة بالغة.

على المستوى الثانى الثانى هناك علاقة غريبة من نوعها بين إبراهيم وأمه (هياتم) فهى تتجاوز فى حديثها مع ابنها حدود الأم، كما أن تصرفاتها تبدو غريبة فى الفيلم، فهى مثلا تحدث معه وهى ملاصقة له فى السرير وكأن فى الأمر إشارة الى حالة عصيبة تعيشها الأم ولذلك فهى تبحث عن عشيق لها فى شخص الرجل الاجنبي ويليام. ولكن الفيلم لو يستمر فى هذا الاختيار ويترك ذلك الأمر الى موضوع آخر أساسه العلاقة بين إبراهيم وخطيبته أحلام والتى تفرض نفسها عليه، كما انها تسمح له بأن يتوهم العلاقة العاطفية التى تربطه بديانا، والفيلم يعتمد على إبراز سؤ التفاهم بين إبراهيم وخطيبته ورغم ذلك فإن كل منهما يقبل بوجود الآخر لضمان سير قصة الفيلم.

فى مرحلة لاحقة تحضر الأميرة ديانا بنفسها ومعها نفس المجموعة، فى زيارة افتراضية لمصر، ويدخل الفيلم الى مراحل من التخبط الذى لا مبرر له، فالأمر ليس له علاقة بين مجنون وأميرة، ولكن هناك محاولة لكسب التأثير العاطفى والوجدانى وذلك بالضرب على وتر الدين من أجل الفرقعة الإعلامية ولفت الانتباه.

يسير الفيلم بشكل أعرج وينتقل من مشهد الى آخر ولقد ربط بين ديانا ومحاولتها (مشهد متخيل) دخول الدين الاسلامى وعلاقة الآخرين بها، ونقصد بذلك الطرف الاجنبى المتمثل فى البلاد الملكي البريطاني الذى افترض الفيلم بانه يسعى الى القضاء على ديانا بعد أن طلقت وصارت حرة. كما أن عدد من الأفراد قد حاولوا ونجحوا فى استغلالها جنسيا بما فى ذلك حارسها الخاص، وقد اظهر الفيلم بشكل بريء وساذج ديانا وكأنها سندريللا، رغم أن هناك إشارات واضحة فى قصتها وتصريحاتها بأن علاقاتها العاطفية متعددة بحكم تحكم الجانب الحسى فيها وميلها الى هذه التجارب المتكررة.

اختار الفيلم مثلا مغمورا ليكون بطلا، وكان الاختيار موفقا الى حد ما، والممثل هو مصطفى متولى، ولقد شعرنا للحظات معينة بانه أقرب الى الممثل الايطالى (روبرتو بيني) وخصوصا وهو يقود دراجته العادية. أما الممثلة فهى تظهر لأول مرة وأسمها نورا رحال وهى مطربة لبنانية وشكلها بالطبع أوروبى ولكن تمثيلا ضعيف وخصوصا عندما تتكلم، رغم أنها شكلا مناسبا للتمثيل.

باقى الممثلين لا يشكلون أية أهمية وأحيانا يكون الضعف هو المسيطر عليهم جميعا فمن الصعب أن تفتنع بأن دور من الأدوار.

ديانا أخرى:-

لم أفهم أية علاقة يمكن أن تبنى بين ديانا والدين الاسلامى، فقد زارت فى البداية شيخ يدعى (مدبولى) لكى تتناقش معه نقاشا سطحيا حول العلاقة بين الأديان فى مرحلة أولى، ثم تلتقى بشيخ الأزهر أيضا الذى يلقى حديثا كله أخطاء لغوية، وهو ينتظر منها دخول الدين الاسلامى، لكنها لا تفعل ذلك.

من الواضح ان طرح قضايا المرأة وعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى والحديث عن المعفرة والتكفير عن الخطايا الجنسية كلها موضوعات قد استخدمت لشد الجمهور ولكن دون جدوى.

حاول الفيلم أيضا أن يمر على فكرة العنف وممارسته من خلال جماعات معينة حاولت الاعتداء على الأميرة ديانا، ولكن محاولة قتلها فشلت، وتورط فيها بطريقة مضحكة مجنون الأميرة نفسه إبراهيم، والفيلم ملىء بالناقش النظرى والذى كان عاملا من عوامل ضعف الشريط، رغم التوهم بأن إثارة الموضوعات الدينية ستكون عاملا ايجابيا فى اصطياد الجمهور للفيلم ولو كان الأمر مجرد ثرثرة ليس إلا.

هناك محاولة لاختيار مواقع تصوير مختلفة، والغريب أن ينتقل الفيلم فجأة الى منطقة العلمين لأن الأميرة تريد ذلك. وفى المنطقة تتضح أن هناك محاولة من قبل البلاط الملكى نفسه لقتل الأميرة، عن طريق وضع قنبلة ضمن قنابل الصحراء.

غير أن إبراهيم يرحل الى العلمين أيضا ويدخل السجن ويهرب منه بطريقة مضحكة وساذجة، ثم يعمل على حماية الأميرة. غير أن الجميع لا يصدقونه، وبالاعتماد على نفسه يحمى كريستينا أو الأميرة من القنبلة التى انفجرت بعيدة عنها.

المشهد تم تنفيذه بطريقة سطحية ولا مانع منت إضافة أغنية خفيفة فى الصحراء من خلال إيقاعات وألحان منطقة "مرسى مطروح". كما سبق للفيلم أن قدم أغنية للمطربة أمينة من النوع الخفيف، تدعو فيها النساء والى الاستجابة السريعة الى المتطلبات العاطفية مهما كان نوعها، وإلا سيلحقهن الندم.

يتم نقل الأميرة ديانا فى طائرة عمودية خاصة وفى نفس الوقت يقتل إبراهيم بلا سبب واضح إلا أنه يجرى وراء الأميرة بعد أن قام بإنقاذها.

بالطبع ينتمى الفيلم بجنازة الأميرة، كما هى فعلا، وكأنه فى ذلك استمرار لنفس الخطة المدبرة لقتلها من قبل العائلة المالكة فى بريطانيا.

الفيلم يقوم على التهيؤات والافتراضات والخيال، ولكنه خيال قاصر لا يرتبط بالجانب الفني والتقني، ورغم مظاهر الكوميديا إلا الفيلم ليس كوميديا، ولعل المخرجة إيناس الدغيدي لا تحسن إخراج هذه النوعية من الأفلام، رغم الجهد الواضح الذى بذل فى تركيب هذه القصة المفتعلة والفيلم من جميع المستويات هو مجرد إضاعة للوقت، فى زمن تعانى فيه السينما المصرية من مشكلات كثيرة، وهذا الفيلم له دلالة واضحة على نوعية هذه المشكلات.

ليست هناك تعليقات: