الخميس، 2 أكتوبر 2008

"أعلام مسرحيون" ----------- كتاب فى المسرح






أعلام من عالم المسرح


هذا كتاب تعريفي يقدمه مؤلفه بقصد إفادة القارئ ببعض المعلومات حول بعض كتاب المسرح ، وبالطبع ليس كل كتاب المسرح العالمي أو جلهم، بل القليل منهم من ارتضته ذائقة المؤلف، فكان اختياره دليلا عن شغفه بالمسرح وخصوصا بالمسرحية باعتبارها أدبا ونصا لا يتجاوز العرض ولكنه يعد الأساس بهذا العرض.

يباشر الكاتب تيسير بن موسى في كتابه "أعلام مسرحيون" الصادر حديثا عن مجلس الثقافة العام بالجماهيرية مهمة التداخل مع بعض الأسماء العالمية من كتاب المسرح ليشرك القارئ في الاهتمام بهم، انطلاقا من حب المسرح الذي يرجع إلى سنوات سابقة، فهو كما يقول : "كان المسرح ولايزال يحتل في نفسي وأعماقي حيزا واسع المدى، وإن عشقي لهذا الفن الرفيع بدأ منذ شبابي المبكر حين كنت أحرص على حضور عروض المسرحيات التي كتبها عمالقة المسرح العالمي كإبسن وشو والحكيم وغيرهم والنشوة تملأ جوانحي كما كنت أقرأ بنهم نصوص ما لم أشاهده على خشبات المسرح.".

قبل أن يشرع الكاتب في تقديم محتويات كتابه يطرح رؤيته لأهمية المسرح من خلال عدد من العناصر يجملها فيراها عناصر متعددة مثل : إن المسرح هو مرآة تعكس صفات البشر وتكشف سلوكياته ضمن محيطه الاجتماعي كما أنه يعرف نوازع الانسان وميوله الداخلية ، بحيث يمكن القول بأن المتفرج يذهب إلى المسرح ليرى نفسه.

أيضا للمسرح الدور المهم في اعتباره أداة تثقيفية وتعليمية تعمل على شحن الجمهور ونشر التوعية والتدريب على الشعور بالفرحة والرضى، كما أن للمسرح دورا نضاليا والحديث لمؤلف الكتاب، ونراه مجسدا داخل فلسطين المحتلة وخارجها ، كما كان سلاحا أيام الكفاح الجزائري ضد المحتل.

وفي مرحلة أخرى بعتبر المؤلف أن المسرح هو أداة للترفيه والتهذيب وفرصة للكشف عن المواهب في جميع المجالات.

أما من حيث موضوعات الكتاب فهي مخصصة لنماذج من عالم التأليف المسرحي ويبدأ الكاتب بهنريك إبسن أحد أعمدة كتاب المسرح الذين قوبلوا بعاصفة من الاعتراضات وتعرضوا إلى مضايقات بسبب ثورتهم على مشكلات وقضايا زمنهم.

يشير مؤلف الكتاب إلى أهم مسرحية لإبسن وهي "بيت الدمية" التي تنتصر إلى الحرية أولا وأخيرا عندما يجعل من بطلة مسرحيته تضحي بزواجها وأطفالها وتغادر المنزل رغبة في امتلاك حريتها ، رغم اعتراض رجال الكنيسة على ذلك.

يتطرق الكاتب أيضا إلى مسرحية الأشباح ومثلما كانت "نورا" هي بطلة المسرحية الأولى كانت "الفنيج" هي بطلة المسرحية الثانية ، وكانت المسرحية هي الرد على أولئك المعترضين الذين هاجموه وصارت "الأشباح" مصدر رعب للطبقة المتزمتة.

يتطرق إلى مسرحية مهمة وهي "عدو الشعب" وفيها يصور الكاتب النرويجي الخداع الذي تمارسه المجتمعات البورجوازية حفاظا على مصالحها.

وبالطبع لا يمكن نسيان شخصية الطبيب "ستوكمان" الذي واجه الجميع دفاعا عن عمله الذي يهدف إلى حماية الناس من مياه الحمامات الملوثة.. أما من ناحية عملية فقد منع عرض المسرحية عام 1877.

يقول الكاتب تيسير بن موسى : "إذا كان إبسن يهدف إلى إصلاح مجتمعه ونشر العدل والحرية ورفع يد الرجعيين والقضاء على هيمنتهم على مقدرات الناس وكذلك منع استغلال الأغنياء ومحاربة الفساد والرشوة وبيع الذمم، أي كان إصلاحيا أخلاقيا وليس صاحب دعوة أيديولوجية مذهبية.".

بعد هذا التقديم يتطرق الكاتب إلى حياة أبسن ونشأته الأولى أي منذ ولادته عام 1828 في الترويج إلى وفاته بتاريخ 1906.

مدرسة ومراحل:

من خلال عنوان جانبي يتطرق الكاتب إلى المدرسة الإبسنية في المسرح والتي تأسست في مراحل متعددة من المسرحية الأولى "كاتالين" إلى مسريحة "قبر المحارب" ثم مسرحية "مأدبة سولهوج" ومسرحية السيدة أنجر ومسرحية المطالبون بالعرش وملهاة الحب وغيرها.

كان ابسن في مسرحه متمردا وحالما ومتأثرا بأفكار كير كيغارد الفيلسوف المعروف الذي دعا إلى أن تكون أفكار المرء نابعة من داخله وليست من الخارج.

وهنا ينقل المؤلف بعض الاقتباسات من مسرحية ملهاة الحب التي تمثل مرحلة الرومانسية .

المرحلة الثانية هي الطبيعية والواقعية وفيها قدم ابسن أكثر من عشر مسرحيات ذات طابع انتقادي فيما يعرف باسم الواقعية النقدية ومن ذلك مثلا:

بيت الدمية وعدو الشعب والبطة البرية وأعمدة المجتمع وامرأة البحر وهيدا غابلر ورابطة الشباب.

وكما يعبر عن ذلك الكاتب فإن ابسن قد نزل إلى الواقع متخليا عن أحلامه الخيالية عن طريق التعرض إلى بعض الوقائع والحوادث الواقعية، ويشير الكاتب إلى نقطة هامة وهي أن الحادثة البسيطة تتحول عند ابسن إلى عمل فني مسرحي وقضية عامة تمس الجميع.

إن ابسن كاتب ينحدر من طبقة برجوازية لكنه تشرب الاتجاهات الطبيعية كما يؤكد على ذلك بعض النقاد مستفيدا من بلزاك وإميل زولا وغيرهم وفي مرحلة لاحقة ولاسيما بعد عودته إلى موطنه الأصلي فقد اتجه ابسن إلى نوع من الزهد الروحي كما في مسرحيات مثل شيخ البنائين وأيولف الصغير ، وعندما نبحث نحن الموتى .. وقد امتلأت المسرحيات المذكورة بالرموز والاساطير.

في مجمل مسرحياته والتي بلغت 23 مسرحية بالاضافة إلى مسرحيات شعرية وبعض القصائد ، فإن ابسن يعد المؤسس الأول لفن الدراما ذات المضمون الاجتماعي والرسالة الانسانية.

يعدد مؤلف الكتاب مميزات وخصائص مسرح ابسن من حيث نوع الحوار النثري الذي يختاره فيقول: "كما امتاز بطريقته الفذة في إدارة هذا الحوار بين الحوار وبين الشخصيات وكذلك قدرته الفائقة على تطوير الاحداث ونموها.".

وبعد أن يشير الكاتب بعض سمات مسرح ابسن بشكل عام ينتقل إلى موضوع آخر ويتمثل في الكتابة عن مسرحية البطة البرية باعتبارها أفضل المسرحيات التي ألفها الكاتب المسرحي والذي صار مسرحه ينتقل إلى جميع مسارح أوربا ثم أمريكا وباقي دول العالم.

مشروع الكلمة الحوارية:

مباشرة بعد التعرض لهنريك ابسن ينتقل مؤلف الكتاب إلى عبد الله القويري وهو من الكتاب الليبيين البارزين الذين كتبوا في عدة أنواع ومنها المسرح والقصة والخاطرة الادبية وغيرها، وأشهر أعماله المسرحية "الصوت والصدى" وكذلك كتابه "عشر مسرحيات".

وإذا كان الموضوع الأول قد صاغه المؤلف اعتمادا على مصادر متعددة بطريقة بسيطة وشيقة فإن هذا الموضوع يعتمد على بعض الذكريات التي جمعت المؤلف مع الأستاذ عبد الله القويري والبداية تدور حول فقرة بعنوان هاجس الحوار، إذ يهتم القويري بالحوار ويراه الأهم في الكتابة المسرحية.

يقول عبد الله القويري بأن همه يذهب على الحوار الذي يرى فيه الوعاء الذي يحمل آراءه ورؤاه وفلسفته في المجتمع والحياة.

وفي لمحة ذكية يرد الكاتب تيسير بن موسى على ما ذكره الدكتور كمال عيد من انتقادات لمسرح القويري الخارج عن المألوف والمعتاد المسرحي، بسبب التركيز على الحوار والذي يغلب عليه الطابع الفكري والذهني. يقول الكاتب: "إذن نحن أمام أديب ومفكر دخل عالم المسرح من باب الحوار، فمسرحه مسرح حواري، أما العناصر الدرامية الأخرى كالذات والصراع وتأزم المواقف واللعب في إيقاعات مسارات الاحداث ، فتحتل المكانة الثانية.".

وينقل المؤلف بعض ما صاغه عبد الله القويري في كتابه "عندما تضج الأعماق" حول الحوار فيقول بأنه اسلوب لبحث معان جادة يفرض الواقع إمكانية وجودها نتيجة لتوفر شروط معينة أو كما يعبر عن ذلك صراحة : "إنني أريد أن أوجد طريقة جديدة للحوار طريقة يبحث الإنسان بواسطتها ويدرس ويناقش المشاكل في وضوح فكري وبواسطة أفق نظري ، وينتزع من الواقع ما يستطيع به أن يقيم بناء فكريا وطنيا.".

ويتتبع المؤلف ما كتبه عبد الله القويري حول الكلمة الحوارية في بعض الكتب والمجلات مثل كتاب طاحونة الشيء المعتاد" ومجلة الفصول الأربعة ، والواقع أن القويري "رحمه الله" يحمل الكلمة الحوارية الكثير من المشحونات الداخلية التي تبدو ذات طبيعة نظرية، ومن الصعب تجسيدها عمليا مع الإشارة هنا إلى الاختلاف بين مفهوم الحوار ومفهوم الكلمة.

ورغم ذلك فإن أقوال القويري فيها الكثير من الحقيقة لكنها تحتاج إلى أمثلة مستقاة من المسرح، والأمثلة المختارة تعد شائعة مثل "اكون أو لا أكون – تلك هي المسألة" أو عبارة "ما فيش فايدة" لسعد زغلول ، رغم أنها ليست كلمة مسرحية.

يقول القويري معرفا الكلمة الحوارية : "إنها فعل مسرحي يسري بين الناس ، وقد تكون كلمة معتادة كررت قبل ذلك حتى ملها الناس، بل ربما تكون قد جاءت من المسرح كدلالة على الملل من أمثالها ، لكنها ما إن تمر بحالة التخلف حتى تعود من جديد فعالة كما أن الناس يعودون إلى تكرارها بعد ذلك التخلف ، وكأنها لم تكن من قبل.".

ربما كان ما رآه المؤلف بخصوص تأثر القويري بالكاتب المسرحي صموئيل بيكيت هو الأقرب إلى الصواب، وخصوصا ما جاء في مسرحية الصوت والصدى من حوار دار بين الرجل والمرأة.

بنفس الطريقة السابقة يعالج مؤلف الكتاب مسرحية الصوت والصدى من خارجها وداخلها باعتبارها من أهم ما كتبه القويري من مسرحيات.

تساؤلات مسرحية:

الموضوع الثالث في الكتاب يدور حول الكاتب علي أحمد باكثير باعتباره مسرحيا وفي البداية يطرح المؤلف تساؤلات حول محاولة تغييب اسم علي أحمد باكثير هل لأنه من اليمن أم لأنه ناصري؟! وفي جميع الأحوال فإن ما طرحه المؤلف فيه الكثير من الصحة، فما أقل الكتب الصادرة عن هذا الكاتب المسرحي كما أن التظاهرات المسرحية والمهرجانات لا تكاد تذكر اسمه.

من مسرحيات باكثير الشعرية يمكن أن نذكر مسرحية همام ومسرحية قصر الهودج ومسرحية اخناتون ونفرتيتي.

أما المسرحيات النثرية فهي الفرعون الموعود وأبو دلامة ومسمار جحا وشايلوك الجديد وسر الحاكم بأمر الله وامبراطورية في المزاد وإله إسرائيل وشعب الله المختار وأوزوريس وثمن الحرية ، كما أنه كان شاعرا مهما وله كتاب حول المسرح بعنوان فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية.

وهنا لا يتوسع المؤلف في دراسته مسرحيات باكثير ويكتفي بقراءة مسرحية شعب الله المختار التي كتبت عام 1956 ومثلما تحتاج الدراسة حول الكلمة الحوارية عند القويري الى مزيد من البحث للتوسع فيها، كذلك الامر بالنسبة لمسرح باكثير والذي يحتاج أيضا إلى المزيد من الدراسات رغم وجود الكثير منها، وهو أمر ربما يتولاه المؤلف بنفسه في مشروعات مسرحية قادمة.

الشخصية الرابعة التي يعالجها كتاب أعلام مسرحيون هي الكاتب المسرحي أوغست يوهان سترندبرغ وهو مسرحي غير تقليدي تمرد على القوالب المسرحية المتعارف عليها ، ولهذا اعتبر من رواد المسرح التجريبي ، مثل بيكيت ويونسكو وغيرهم ممن استندوا إلى الاتجاهات الفلسفية السائدة عند عدد من المفكرين أمثال فرويد ونيتشة وكيركيغارد وفيور باخ وغيرهم.. ورغم أن سترندبرغ بمؤلفاته البعيدة في عمقها ، يصعب تلخيص تجربته في أوراق معدودة، مثل غيره، إلا أن مؤلف الكتاب يختصر بطريقة فعالة أهم ما يمكن أن يقال حول هذه الشخصية قيذكر أهم أعماله مثل الطريق إلى دمشق ومسرحية الأقوى ومسرحية الآنسة جوليا ، ويشير أيضا إلى مولده في استوكهولم عام 1849 وانحداره من أسرة أرستقراطية وتجاربه المختلفة في العمل وانشغاله بمهن مختلفة لها علاقة بالنقد المسرحي وعلم النبات والكيمياء ، وكذلك دخوله إلى مناطق حساسة اعتبر فيها أقرب إلى المجنون، مثل انشغاله بتحويل المعادن إلى ذهب.

وتتعدد الفقرات الدارسة لهذا المسرحي ، مثل سترندبرغ والمرأة، وفن سترندبرغ ثم مناقشة لمسرحية الآنسة جوليا، والتي تعد من أهم مسرحياته ، رغم أنه من الصعوبة تفضيل مسرحية معينة على غيرها من مسرحيات هذا الكاتب والتي بلغت 50 مسرحية.

مشروعات مقترحة:

الشخصية الأخيرة في هذا الكتاب هي أنطوان تشيخوف وهو كاتب مسرحي وقاص ولد عام 1860 بالقرب من من بحر أزوف بروسيا، درس الطب وكان له التأثير الكبير في مجال القصة القصيرة وكذلك في المسرح ويعد من أعلام الأدب الروسي ومن أشهر مسرحياته الدب وطلب زواج وجني الغابة والخالة فانيا والأخوات الثلاث وبستان الكرز والنورس.

وبقياس المقالات السابقة فإن مؤلف الكتاب يدرس أعمال تشيخوف المسرحية ويناقشها اعتمادا على آراء بعض النقاد مع تناول يقترب من السيرة الذاتية الموسعة التي تقدم للقارئ خلاصة ما يمكن أن يقال حول هذا المسرحي المهم، على أن يكون ذلك مدخلا لدراسته ودراسة أعماله بطريقة مباشرة تعتمد على قراءة النصوص المسرحية والدراسات المسرحية النقدية التي تدرس الكاتب بشكل أكثر عمقا وتوسعا.

ومن ضمن ما يقدمه المؤلف مشاهد من مسرحية طلب زواج التي يختم بها فعليا صفحات هذا الكتاب الصغير الحجم والغني بالمعلومات التي يحتوي عليها.

يختتم المؤلف كتابه بموضوع لا مبرر له لأنه خارج السياق ، رغم علاقته بالمسرح ويسميه يغتالون المسرح ليلا ويندبونه نهارا.

رغم قلة صفحاته يبقى هذا الكتاب مهما ويحتاج إلى تواصل في عرض الأعلام من أهل المسرح وهم كثيرون.

من الناحية الفنية صدر هذا الكتاب في حجم صغير ويقع على ما لا يزيد عن 136 صفحة، ولقد صدرت مقالات الكتاب في عدد من المطبوعات مثل مجلة المسرح والخيالة ومجلة "لا" وغيرها، ولقد تميز إخراج الكتاب بالاناقة من خلال التصميم الذي وضعه الفنان علي العباني وكذلك لوحة الغلاف لعاطف الاطرش وهو أمر ينطبق على الغلاف الخلفي للكتاب ايضا.

ما ينقص هذا الكتاب هو التعريف باسم الكاتب وكتبه السابقة وربما صورة شخصية له وهو أمر تعارفت عليه دور النشر فيما تنشره من كتب كذلك لابد من الاشارة إلى الاخطاء المطبعية المحدودة التي لها اثر سلبي لابد من تلافيه مستقبلا ، وخصوصا أن الناشر قد اصدر العديد من الكتب في فترات متقاربة ويخطط لمشروعات مستقبلية كثيرة.

ليست هناك تعليقات: