الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

خطوط درامية متباعدة ومتقاربة في "واحد، صفر"


إعلان الفرح بانتصار مؤقت



لفتت المخرجة كاملة أبو ذكرى الانتباه إليها منذ أن قدمت فيلمها الروائي

القصير، وكان بعنوان "قطار الساعة ستة" إنتاج عام 1998، فقد حصد هذا الفيلم

الكثير من الجوائز داخل مصر وخارجها.

أما أول أفلامها الروائية فقد جاء بعنوان "سنة أولى نصب" عام 2001، وهو

فيلم كوميدي وغنائي خفيف يمتاز بالكثير من الرشاقة والإمتاع ويعالج مشكلات

الشباب المختلفة ولاسيما في جانب البحث عن العمل الحر، بالإضافة الى

العلاقات العاطفية المتشابكة والمتداخلة.

بعد ذلك جاء فيلم "ملك وكتابة" وهو فيلم متميز، نال الكثير من الاستحسان

النقدي، ويعتبر من أكثر الأفلام التي تعيد القنوات الفضائية بثها من حين

الى آخر، وقد فاز أيضا بعدة جوائز أهمها جائزة العمل الأول بالمهرجان

القومي للسينما. ثالث الأفلام كان بعنوان "عن العشق والهوى" إنتاج 2006.

تعدّ هذه المخرجة من الجيل الجديد نسبيا، وهي لا تتعامل كثيرا مع فكرة

"سينما المرأة"، ولا تعالج بصورة واضحة القضايا النسوية ذات الطابع

الاجتماعي، ورغم أن فيلم "ملك وكتابة" يعتبر فيلما نسائيا بكل المقاييس،

إلا أن الهاجس النسوي يبقى بعيدا عن مجمل افلامها، ويتضح ذلك بصورة أوضح في

هذا الفيلم الجديد "واحد، صفر" والذي أنتج عام 2009 وعرض فى عدة مهرجانات

ونال جوائز كثيرة، منها جائزة النقاد وفي مصر بمهرجان الإسكندرية باعتباره

أفضل فيلم مصري أنتج عام 2009.

يسير هذا الفيلم في عدة اتجاهات، فهو يلتقي من ناحية بتلك الأفلام التي لها

علاقة بكرة القدم، و يستند على فكرة النماذج والشرائح المتعددة، وهو أيضا

من الأفلام ذات الطابع الاجتماعى الذى تتوفر فيه عوامل النقد المرتبطة

يعتريه الواقع والكشف عن الخلل الذي يتسلل إليه في غفلة عن العيون التي لا

ترى رغم أنها مفتوحة.

من الجوانب التي ينبغى مراعاتها هنا، أن هناك طاقما نسائيا قد تعامل مع

الفيلم، بداية من المخرجة، الى كاتبة السيناريو مريم ناعوم ومديرة التصوير

نانسي عبد الفتاح وفنانة المونتاج منى ربيع.

وأظن أن كل ذلك قد أنعكس على مستوى الفيلم، فالتعامل مع كرة القدم يختلف

بصورة واضحة بين المرأة والرجل، فقد تحوّلت مباراة كرة القدم الى مجرد خلفية

لأحداث اجتماعية، ولم تكن هذه المباراة هي الأساس، وهذا يختلف كثيرا عن

الأفلام التي ركزت على هذه الرياضة في السابق، من حيث الكوميديا أو القضية

الاجتماعية، ولا أظن أن هناك فيلما مصريا قد أنتج طوال تاريخ السينما فى

مصر قد عالج موضوع كرة القدم مثلما فعل هذا الفيلم واحد صفر.

* قضايا اجتماعية

كما قلنا لا توجد مباراة واضحة المعالم ولا يوجد أبطال من اللاعبين. ولكن

توجد قضايا اجتماعية حادة تبرز وتسيطر، بينما تبقى المباراة مجرد خلفية

للأحداث، وعندما يلتقي الخطان في نهاية الفيلم، فإن أحدهما يخدم الآخر ولو

بصورة مؤقتة.

في الفيلم العديد من النماذج الاجتماعية، فقد تمّ الاعتماد على تعدد الشرائح

لتقديم صور من المجتمع، تتداخل هذه الصور أحيانا وتلتقي النماذج مع بعضها،

وفي بعض الأحيان تكون متباعدة ويكون اللقاء شكليا أو بطريقة الصدفة.

والحقيقة أن فكرة النماذج والشخصيات قد ظهرت أكثر من فيلم فى الآونة

الأخيرة، ولاسيما وأن هذه الفكرة تسمح بإلغاء التصاعد الدرامي من خلال

القصة الواحدة ويبدو أن هذه الظاهرة سوف يزداد التركيز عليها، ومع قلة

الموضوعات الجيدة وانحسار الأحداث في مدينة القاهرة، وعدم خروج السينما

المصرية الى أماكن أخرى، حتى أنه لم ينتج منذ سنوات طويلة فيلم تدور أحداثه

في الصعيد مثلا، فضلا عن الأماكن الأخرى المتميزة التي تفتقدها هذه السينما

بانكماشها داخل مدينة القاهرة.

ومن أشهر الأفلام التي أبرزت فكرة الشرائح المتعددة فيلم" كباريه" ثم فيلم

"الفرح"، ولكن فيلم "واحد، صفر" يتميّز بعدم وقوعه في الموجة السائدة

اجتماعيا التي تراهن على الجوانب الغيبية من الدين، وأحيانا تنظر إليه من

جانبه الشكلي فقط أو مظهره العام. إن الفيلم يتعامل مع كرة القدم من خلال

يوم واحد فقط، تجري فيه مباراة فاصلة على بطولة افريقيا بين مصر

والكاميرون، ومن خلال النتيجة النهائية واحد صفر نفهم أن هناك منتصرا

ومنهزما، غير أن الانتصار هو مجرد وهم مؤقت، فالهزيمة تبدو هنا سيدة الموقف.

* الشخصية الأهمّ

ربما تكون أهمّ شخصية في الفيلم هي "نيفين" التي قامت بأدائها الممثلة إلهام

شاهين وهي سيدة مسيحية تطلب الطلاق من زوجها، وقد طال انتظارها لذلك،

وعندما يحدث ذلك، يتم منح الزوج الحق في الزواج من جديد، بينما يرفض طلبها

من قبل الكنيسة، والسبب يرجع إلى أنها هي التي طلبت الطلاق.

وفي جلسة نقاش مع محاميها تجد نيفين نفسها مجبرة لتنفيذ أحد اختيارين..

الأول أن ترفع دعوى ضد الكنيسة باعتبارها متضررة، والثاني أن تعلن إسلامها

وبالتالي يمكنها الزواج مرة ثانية، والاستجابة كانت الرفض للاختيارين.

لقد وضع السيناريو هذه السيدة فى إطار معيّن، فهي تكاد تبلغ الأربعين من

العمر، وتحتاج الى الإنجاب السريع، حتى لا يفوتها قطار العمر، وتحت هذا

الحافز فهى تسعى للزواج شرعيا من عشيق لها، وهو شريف "خالد أبو النجا" وهو

مسيحى أيضا. لكنه يرفض الزواج، حتى حين إعلان نيفين، بأنها حامل وتنتظر

مولودا ،إذ ليس أمامها إلا الزواج السريع، لأنها لا تريد أن تفرط في الجنين.

هناك حصار محكم من قبل السيناريو للشخصيات. فكل شخصية لديها مبرراتها

الخاصة، ولقد أطال الفيلم في تصوير شخصية "شريف" وهو المذيع اللامع الذي

يقدّم برنامجا على الهواء يستضيف فيه فنانا أو فنانة، وهو في حلقته التي بدأ

الفيلم بها، يستضيف مطربة جديدة "نادية" ويحاول إحراجها قدر الإمكان، عندما

يسمح لأحد المتدخلين بالتعليق السلبي على أغانيها السريعة الخفيفة وعلى

صوتها الضعيف، لكن نادية تتمكن في نهاية البرنامج من استرداد قوتها وتحويل

الضعف الى نوع من التحدي، عندما تواجه المذيع بتطلعاته إلى النجاح ورغباته

التي لا تتوقف عند تحقيق التفوق وما يجره من مكاسب مالية غير شرعية، ولعل

هذه الصورة تعكس مدى نجاح بعض المطربات الجديدات واستغلال هذا النجاح من

قبل المحطات الفضائية.

هناك أيضا شخصية" سليم"، يقوم بها حسن الإمام، وهو منتج للأشرطة الغنائية،

ويقف وراء المطربة نادية، لكنه يستغلها جنسيا وماليا، فهي في النهاية لا

تتحصل إلا على الأرقام الصغيرة في عالم فني صاخب، أجادت كاتبة السيناريو

تقديمه ولو من بعيد فقط.

* شخصيات منكسرة

تتداخل الأحداث أحيانا في هذه المجموعة التي تكوّن عددا من الشخصيات. حيث

نجد شخصية أخرى وهي "عادل" يقوم بالدور أحمد الفيشاوى وهو مجرد حلاق

للسيدات يعتزم فتح محلّ خاصّ به ويستفيد من المحلّ الذي يعمل للحصول على

الزبائن وبعض الأدوات وهو أيضا شخصية يائسة لا تصل الى هدفها ولا تتحقق

طموحها، ولذلك نجده يلهث وراء أمه "انتصار" للحصول منها على بعض المال نظير

ما تجنيه من مهنة مؤقتة تطوف من أجلها على البيوت لإعداد زينة النساء، وهى

أييضا امرأة محطمة نفسيا وجسديا، فهي مطلقة رغم أنها صغيرة السن نسبيا، وفي

كثير من الأحيان تطرد من قبل بعض النساء لأنها لا تجيد عملها بحسب الإدعاء.

في مشهد متميز، يحاول أحد الأشخاص في حافلة عامة التحرش بأم عادل، وفي

البداية تستجيب له. فهى منقادة بضعف جسدي واضح "محرومة ومكبوتة"، ولكن

عندما تفيق وتتضح الخطورة الاجتماعية على مرأى الجميع، تتحوّل الى امرأة

أخرى تدافع عن نفسها. إن هذا المشهد صورة مصغرة للفيلم، فالأهواء العامة

تقود نحو أهداف واستجابات معينة، والنوازع الذاتية تسير في اتجاه مخالف

تماما، ولذلك وجدنا أم عادل تائهة وهي تتفرج على الجمهور المزدحم أمام

الشاشات الصغيرة. إنها تحمل مشكلتها الخاصة وتكابد من أجل أن تكون جزءا من

تطلعات الآخرين. إن الهوس العام يدفن تحته الرغبات الفردية، ولكن بصورة

مؤقتة فقط لكن المشكلة الفردية والذاتية تبقى هي المسيطرة.

تلتقي القصة الأولى مع الثانية في شخصية عادل- الشخصية التي تتعلق بها

النهاية- وهو يقبل بدور الخطيب النظري، لأنه من الناحية المالية ضعيف،

ويكاد يقبل بأن تقيم نادية علاقة مع صاحب الشركة الغنائية، لأنه يصرف عليها

ويصرف عليه أيضا من خلال النقود التي يستلمها من خطيبته ولا يصرح الفيلم

بذلك ويترك الأحداث تكشف عن المقاصد الخفية المستترة.

* وجهة نظر

في المقابل هناك صراع بين وجهتي نظر، الأخت نادية، وهي المطربة المتواضعة

التي تستخدم جسدها للاستمرار في النجاح الجزئي، مع تطلع لنجاح أكبر وهناك

أيضا الأخت الثانية "ريهام" وهي فتاة محجبة، تعمل فى مجال التمريض بالمنازل

وهي على خلاف دائم مع أختها بسبب الطريقة التي تعيش بها، والفيلم هنا لا

يبالغ في التأكيد على مسار التطرف في كل شخصية، بل يترك كل شخصية تعيش

الحياة كما هي، ولعل في عدم تبني السيناريو لوجهة نظر حاسمة ايجابيات

واضحة، فكل شخصية تشكو من الضعف وكل شخصية لا تدعي النموذجية في السلوك.

في آخر الفيلم وفي مشهد ليلي يحاول أحدهم التحرش بنادية وهي تستعد للقاء

بأحد الشباب، استمرارا لعلاقة عاطفية شاحبة، وعندما تقود دورية البوليس

الفتاة مع رفيقها الى مخفر الشرطة، تجد نفسها في مكان يضم الجميع تقريبا،

مع استمرار أجواء متابعة المباراة في الخارج والداخل، في الشوارع والأزقة

وكذلك داخل مخافر البوليس وفي المستشفيات وفي المقاهي.

تتصل حكاية نيفين وشريف بحكاية أخرى، أساسها علاقة متقدة بين الجدّ لطفي

لبيب وحفيده الصغير الذي يعيش معه، وعندما يسرق الحفيد المبلغ الذي يجمعه

الجدّ لصرف جزء منه على تناول المخدرات، تتحول النقود الى سبب لشراء

الشعارات الملونة والأعلام والاحتفاء بالمباراة.

ومثلما هو متوقع يصطدم شريف الصبيّ الصغير بسيارته ظاهريا ويحمله الى مستشفى

قريب، فيجد كل العاملين به في حجرة صغيرة لمتابعة المباراة، بل يطلب منه

القيام بكل الإجراءات الإدارية الجنائية قبل علاج الطفل للتخلص منه.

تصوّر الكاميرا لامبالاة العاملين وتعلقهم المفرط بكرة القدم، حتى إذا كانت

النتيجة النهائية اجتماعيا مؤسفة، لأنها تطال مواقع تجمع الناس مثل

المستشفى ومخفر البوليس فضلا عن السلوك غير القانوني الذي يسيطر على

الشارع، وهو بالطبع صورة لوقائع يمكن أن تحدث في أيّ مكان، وليس مجرد المكان

الذي اختاره الفيلم لأحداثه.

يجتمع الجميع في المخفر وعندما تحضر نيفين ، بناءا على طلب الممرضة ريهام

تجد نفسها أمام شريف من جديد، ويجد الجدّ أن حفيده قد تصنع السقوط أمام

السيارة لكي يكسب بعض المال وفي النهاية لازالت نتيجة المباراة واحد صفر

لمصلحة مصر. كل التداعيات والخلافات المعلنة والخفية في شكلها الظاهري قد

اختفت مؤقتا.

بالطبع لا يصل الفيلم الى ذلك اعتمادا على تطور ساذج في الأحداث وبالحصول

على نتيجة ايجابية كفيلة بمسح كل شىء ولكنه يصل الى ذلك بعدد من التساؤلات

ومن الطبيعي أن تسرق حكاية نيفين المسيحية الأضواء، نظرا لأن الموضوع له

علاقة بالدين، ولكن الشخصية أظهرها الفيلم باعتبارها مجرد امرأة تعاني من

مشكلة معينة، وهو أمر اعتادت السينما أن تقدمه، بينما وفي المقابل جاءت

حكاية الجد مع الحفيد في إطار كوميدي الى النهاية، مع ذلك فإن هناك بعض

المشاهد التي يشعر المتفرج بأنها زائدة، من ذلك المقابلة التلفزية التي

جاءت في أول الفيلم واللقاء التصادمي بين المذيع والمطربة، فهو خارج السياق

تقريبا، لكنه كان يخدم تقديم الأغنية التي غنتها زينة وهي بعنوان "يا

مصراوية "وهي أغنية لها علاقة بالمباراة في كل الأحوال.

أيضا هناك ظهور للممثلة عايدة رياض في دول "مولى" وهي صديقة نيفين حيث

تستمع الى تفاصيل حكايتها، وهذا الظهور غير مبرر دراميا وكان يمكن

الاستغناء عنه

ويبقى بعد ذلك عنصر التمثيل الذي كان أقرب الى التوفيق، وخصوصا بالنسبة

لنيلي كريم التي كانت الأكثر تفوقا في دور ريهام، حيث تشعر بأن لديها

مخزونا داخليا تتحرك به، مع حضور قويّ على الشاشة، يعكس الثقة في النفس وضبط

الانفعالات والأحاسيس والتحكم فيها.

هناك أيضا الممثلة" زينة "التي بدت مناسبة للدور وخصوصا في التعبير عن

سطحية المطربة التي تسعى وراء النجاح بأيّ ثمن. وهذا ينطبق أيضا على الممثلة

انتصار وبدرجة أعلى.

أما عن الهام شاهين، فهذا الدور،الذي لا يعدّ من أدوار البطولة، يعتبر من

أهم أدوارها، فبالإضافة الى مظهر الحزن المستمر الذي سيطر عليها هناك حفاظ

على طبقة الصوت المنخفض الذي يتناسب معها بعكس طبقة الصوت العالي.

لا شك أن وجود بعض الممثلين الآخرين، بالإضافة الى الموسيقى ورشاقة

المونتاج وحسن إدارة التصوير، ولاسيما في المشاهد الخارجية، كل ذلك قد عكس

نجاحا لهذا الفيلم، في وقت تعيش فيه السينما في مصر موقفا صعبا، من حيث قلة

الأفلام الجيدة وندرة الموضوعات المناسبة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المخرجة لم تحاول الاستفادة من تجارية

المباراة ولم تعتمد على نقل بعض مجرياتها، تأكيدا على فكرة مؤداها بأن

الفيلم يستخدم مباراة في كرة القدم من أجل الوصول الى أهداف أخرى وقد كان

له ما أراد.

ليست هناك تعليقات: