محاولة لإعادة قراءة السينما المصرية
لعل العنون الجانبى الذى جاء شارحا للعنوان الرئيسي هو أقرب لدلالة على محتويات ذا الكتاب (أطياف الحداثة... صور مصر الاجتماعية فى السينما) لمؤلفه الناقد السينمائي عصام زكريا، والذى سبق له أن أصدر عددا من الكتب السينمائية، يمكن أن نذكر منها: فللينى شاعر السينما "السينما والرئيس" يوسف شاهين.. صانع المرايا، بالإضافة الى ترجمته لكتاب: صورة الرجل على الشاشة وترجمة سيناريو (صمت الحملان).
والسبب يعود الى أن المقالات الواردة فى هذا هى محاولة لقراءة الحياة الاجتماعية فى مصر من خلال السينما، رغم أن مصطلح أطياف الحداثة، يفيدنا أيضا فى فهم بعض الظواهر الاجتماعية، ذك أن التطور الاجتماعى بحكم طبيعته بغرض حداثة معينة، عن طريق الاختيار أو القبول السلبي أو التداخل والحوار مع المجتمعات الأخرى المؤثرة وغير المؤثرة..
الكتاب من إصدارات المجلس الأعلى للثقافة فى مصر 2009، ضمن سلسلة تشرف عليها لجنة السينما، ولا يوجد بالكتاب فهرس بالإصدارات السينمائية المنشورة للمجلس رغم أهمية ذلك، وفى جميع الأحوال فإن عدد المنشورات السينمائية قليل نسبيا، قياسا بانتشار السينما فى مصر وكثرة المهتمين بالثقافة السينمائية من النقاد والدراسين والباحثين.
يقول المؤلف فى التقديم: "هذا الكتاب هو خطوة استكشافية فى مشروع يهدف الى إعادة قراءة السينما المصرية من منظور اجتماعي نفسي، ينظر الى السينما كجزء من المظاهر الاجتماعية والعكس وبالعكس، وهدفى هو محاولة إلقاء الضوء على العقل الجمعي الذى يصنع والذى يستقبل الأفلام التى أنتجت خلال نصف القرن الأخير عقب ثورة يوليو 1952 وحتى هزيمة 1967 وانتصار أكتوبر 1973".
بكل تأكيد سوف نجد مصطلح الأطياف منتشرا فى موضوعات، وأيضا بالنسبة لمصطلح الحداثة، ولاسيما فى أنواع أخرى مثل الفكر والأدب وقضايا النقد الأدبي، ويقترب العنوان المختار لهذا الكتاب عن كل ذلك، لأنه يطمح لدراسة السينما من جوانبها التاريخية والاجتماعية والنفسية.
يحتوى الكتاب على عدد من الفصول هى أقرب الى العنوانين العامة، فمثلا هناك باب أو فصل بعنوان (ثورة يوليو والسينما المصرية)، ونقرأ فيه تعليق على بيان أصدره محمد نجيب رئيس الجمهورية عام 1952 وفيه ينظر الى السينما على أنها قضية أخلاقية وتربوية، ولكن لا تغيير يذكر فى نوعية الإنتاج، فقد استمرت السينما كما هى، وفى أفضل الأحوال هناك جوانب معينة أضيفت الى النهايات، كما فى ارض الأبطال لنيازى مصطفى والله معنا لأحمد بدرخان.
ومع مرور الزمن جاءت تلك الأفلام التى تقترب من متغيرات الثورة كما فى بورسعيد 1957 ورد قلبى 1957، وهى مكملة لأفلام ذات مفاهيم اجتماعية مثل ابن النيل ليوسف شاهين والأسطى حسن لصلاح أبو سيف والوحش لنفس المخرج.
أيضا هناك قرارات جديدة صدرت لها علاقة بالتأميم، كما أن بعض الأفلام تم الإفراج عليها بعد ثورة 1952 مثل فيلم مصطفى كامل وغيره.
قطاع عام:-
يتتبع الكاتب سلسلة المتغيرات ويعتبر أن إنتاج القطاع العام لم يكن فى المجمل جيدا، وعدد الأفلام القليلة التى قدمت غير كافية لتأكيد ايجابية التأميم، وخصوصا وأن التيار الواقعى قد سيطر على الإنتاج، من أفلام صلاح أبو سيف الى توفيق صالح وأيضا أفلام حسين كمال وسعيد مرزوق.
يقول المؤلف: (ونظرا لأن معظم الأفلام كانت واقعية، ولأن النقاد كانوا يرجون لهذا المذهب، فقد أصبحت كلمة واقعي مديحا أكثر منها وصفا، فهناك فيلم غير واقعي جيد وفيلم واقعي سيء، ولكن الكلمة أصبحت فى حد ذاتها دليلا على الجودة.
هناك مصادر لهذا الفصل وربما مناقشة لبعض الكتب، كان كتاب (السينما والسياسة) لعلى أبو شادى وكتاب السينما والسياسة فى مصر لبدرية شرف الدين الفصل الثانى بعنوان (صلاح أبو سيف: السينما فى حارة النفس البشرية) وفيه مناقشة لإنتاج المخرج صلاح أبو سيف السينما، باعتباره المخرج الذى حقق المعادلة الصعبة (فنان الشعب) الذى يصفق له أهل اليمين وأهل اليسار على حد رأى المؤلف، بل كيف يستخدم الإشارات والرموز الشعبية أيضا.
والموضوع يتطرق الى سيرة مختصرة للمخرج وكيفية دخوله الى السينما من الحارة الشعبية ثم تقديم أول أفلامه (دايما فى قلبى) عام 1954 وهو مقتبس عن فيلم (جسر واترلو).
ويلاحظ الكاتب بأن المخرج قد نجح فى إبراز أدوار الشر ولاسيما مع ممثل فى حجم محمود الميلجي، ومن خلال نظرة طبيعية تنظر الى الإنسان على أنه أسير لغرائزه فقط.
وهذه المقولة مقتبسة عن الناقد كمال رمزى ويؤكدها صلاح أبو سيف عندما ينظر الى بطلاته على أنهن أقرب الى طباع الحيوانات، فهذه تحية كاريوكا مثلا نمرة فى شباب امرأة وشادية قطة فى لوحة الحب وفاتن حمامة أقرب الى الحمامة فى لك يوم يا ظالم، بينما نجد محمود الميلجي أقرب الى الضبع فى الوحش، ومثل الثعبان فى دايما فى قلبي.
طبيعة الشر:-
ورغم أن المؤلف يطرح فكرة التعبير عن الشر فى بعض أفلام صلاح أبو سيف، إلا أنه لا يتوسع فى ذلك، ويركز على بعض الأفلام الأخرى والتي يعتبرها سيئة مثل (المجرم – حمام الملاطيلي) وأحيانا يصف المؤلف من بعيد ما يستعيره من آراء نقدية ولا يوضح رأيه الشخصي.
وفى جانب آخر غير الواقعية، يتطرق المؤلف الى بعض أفلام أبو سيف التى تدافع عن المرأة كما فى (الوسادة الخالية – لا أنام – هذا الحب – الطريق المسدود أنا حرة – القاهرة 30) ولا يذكر المؤلف بعض الأفلام الأخرى ذات الطابع الاجتماعى – بينما يمر مرورا سريعا على أفلام مثل السقامات والبداية وربما بدرجة أقل مواطن مصرى وفجر الإسلام – القضية 30 – شىء من العذاب، وسقطت فى بحر العسل، لا تطفى الشمس.
وتبقى الكثير من الأسئلة مطروحة رغم الدراسة الجادة التى قدمها المؤلف، فلا إجابة عن السؤال الرئيسي، لماذا كان صلاح أبو سيف فنان الشعب؟
ولماذا كانت أفلامه متنوعة ومتعددة؟ ولماذا يلجأ دائما الى حشد أكبر عدد من النجوم؟ ولماذا يصر على استخدام الرموز الشعبية؟ ثم هل كانت أفلامه الواقعية محاولة للارتباط بالشعارات السياسية أم أن الاختيار كان تلقائيا ويعبر عن وجهة نظر خاصة.
صورة مصر:-
من الموضوعات المهمة والمؤلف ولا يسميها فصولا ما يختص بصورة مصر فى أفلام عبد الحليم حافظ، وهو يرى أن عبد الحليم دائما يجسد دور اليتيم الباحث عن الأب بطريقة أو بأخرى، وهو بذلك يبحث عن زعيم أو قائد للثورة ولاسيما ونحن نعلم بأن هناك ارتباط بين المطرب عبد الحليم وثورة يوليو 1952.
من الأفلام التى يذكرها المؤلف أيامنا الحلوة – أيام وليالي – لحن الوفاء – ليالي الحب وهناك أفلام تأتى فى سياقات أخرى مثل الخطايا وأبى فوق الشجرة وبالطبع هناك مبالغة كبيرة فى قراءة هذه الأفلام وأن كان التأويل جيد، فلم يكن عبد الحليم حافظ هو ابن ثورة يوليو المدلل وأفلامه لم يكتبها بنفسه، فقد كتبها كتاب متنوعون وأخرجها مخرجون متباعدون فى وجهة النظر، ولكن هناك قيمة ارتبطت بالمطرب الصاعد الذى يشق طريقه لوحده، فهو معزول ووحيد ولا تخدمه إلا موهبته ومثل هذه القصص تحضر فى أفلام فريد الأطرش وعبد العزيز محمود ومحرم فؤاد وماهر العطار وغيره، ومن ناحية أخرى كثيرا ما تذكر الصحف والمجلات بأن الزعيم عبد الناصر كان يهوى الاستماع الى المطرب فريد الأطرش وهو لا يميل كثيرا الى غناء عبد الحليم حافظ على المستوى الشخصى، ورغم التعبير الصريح الناجح عن ثورة يوليو فى أغاني عبد الحليم الوطنية. أما السينما فهى بعيدة عن كل ذلك تماما.
السينما والنكسة:-
فى موضوع آخر يتحدث المؤلف عن نكسة 1967 من خلال السينما ويذكر بعض الأفلام الدالة على ذلك، وهو يعتبر فيلم (المخرجون) لكمال الشيخ أفضل تعبير عن ذلك، كما ان هناك أفلام لاحقة مثل القضية 68 – ميرمار – الكرنك – العصفور وأفلام أخرى مرت على النكسة بطريقة سريعة. وفى طريقة نقدية واضحة مثل فيلم الخوف وفيلم زائر الفجر.
كما أن هناك أفلام أخرى سمح بعرضها مثل شىء من الخوف والمذنبون وثرثرة فوق النيل، وتبقى الأفلام الجيدة فى هذا الصدد قليلة كما يقول المؤلف.
ما ينطبق على أفلام نكسة يونيه، ينطبق أيضا على أفلام حرب أكتوبر من مزايا الكتاب ان المؤلف يقدم فهرسا بأسماء الأفلام التى يطرح موضوعها الرئيسي وهذا ما حدث مع الأفلام التى أنجزت عن حرب أكتوبر 1973، وهى أفلام تسجيليه صورت بعد الحرب ولم تصور أثناء الحرب، وأفلام روائية أخرى، أغلبها يدور فى فلك الميلودراما المعتادة، المتعارف عليها، فهى أفلام ليست فى مستوى الحرب كما يقول أكثر من ناقد.
والخلاصة انه ليست هناك نية واضحة لتقديم فيلم جيد عن حرب أكتوبر، لأن هناك ملابسات كثيرة غامضة ولم يحن الأوان للكشف عنها، ولأن الجهة التى تملك المعلومات الكاملة عن الحرب هى جهة رسمية، فلا يتوقع منها أن تنجز فيلما عن هذه الحرب.
قراءات أخرى:-
هناك موضوعات أخرى يضيفها الكاتب، وفى ذلك قراءات جديدة لفيلم المومياء، ربما تذهب بعيدا فى التأويل، حيث تستقر الحيرة فى المواطن بين أن يكون خادما لقبيلته الداخلية أو خادما لما يأتى من الخارج، وربما كان هذا المواطن خاسرا فى الحالتين، كما هو الحال عند شخصية ونيس، من الموضوعات المطروحة أيضا فى الكتاب قضية المواطن والسلطة، حيث يمكن لهذا المواطن أن يكون مسلما أو مسيحيا وفى أفلام قديمة يهوديا أيضا، وقد بدت للمؤلف أن قضية المواطنة تطرح فى الغالب بشكل باهت، بل ينظر إليها على أنها مجرد جزء من السلطة.
هناك موضوع آخر حول سينما والعلم والخرافة، حيث تبدو السينما المصرية وكأنها تميل نحو إبراز الخرافة وتأكيدها، ولولا تجارب محدودة لكمال الشيخ ومحمد شبل لقلنا بأن الخرافة هى لغة السينما السائدة.
الموضوع الأخير حول الجماعات الإسلامية وكيفية ظهورها على الشاشة، والمؤلف يقدم مجموعة من الأفلام التى أبرزت الجماعات الإسلامية، مثل السكرية – الكرنك – إسكندرية ليه – بيت القاضى – الملائكة لا تسكن الأرض، البدرون – الارهابى – الإرهاب والكباب ، وغير ذلك من الأفلام التى نظرت الى المشكلة بطريقة سطحية، فلم تخدم قضية مكافحة الإرهاب، رغم إنها تدعى ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق