الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

"سيلينا".. والعودة إلى السينما الاستعراضية


تجربة مختلفة على مستوى الإنتاج السينمائى العربي


إذا عدنا إلى الكثير من المسرحية الغنائية التى قدّمها الأخوين رحبانى

بمشاركة المطربة فيروز وجدنا هذه الأعمال كثيرة جدا، ازدهرت منذ الستينيات

واستمرت لأكثر من ربع قرن تقريبا، ومن ذلك مثلا مسرحية "جبل الصوان""1969"

و" ناس من ورق" "1972 " و" ميس الريم""1965" و"بياع الخواتم" 1964"

و"الشخص"" 1968" و" جسر القمر"" 1962".

ولقد اشتهرت هذه المسرحيات بأغنياتها الفردية أحيانا، كذلك بحواراتها التى

تتراوح بين الكوميديا والسياسةمع نبرة رومانسية حالمة اشتهر بها

الرحابنة وعكستها طريقة أداء المطربة الكبيرة فيروز.

لم تتحوّل أية مسرحية إلى فيلم سينمائي عدا "بياع الخواتم" أو "سفر برلك"

الذي أخرجه يوسف شاهين، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى قلة ظهور فيروز في

الأفلام، فلم تتعدّ تجربتها السينمائية الثلاثة أعمال فقط، فضلا عن أن

المسرحيات ذات طبيعة غنائية راقصة، والقصة في الغالب متخيلة، وبالتالي تقبل

في إطارها الدرامي الغنائي ولا تكاد تقبل سينمائيا إلا في حدود ضيقة جدا.

تجربة جديدة

من هنا يأتي إنتاج فيلم "سيلينا" تجربة جديدة، على مستوى الإنتاج السينمائى

العربي، فنحن أفراد مسرحية غنائية للأخوين الرحباني، عرضت في عرض أول عام

1967 ولقد دعمت هذه المسرحية المكانة الكبيرة للمطربة فيروز في مسيرة

الغناء، وخصوصا وأن هذه المسرحية قد ضمت العديد من الأغاني الشهيرة الفردية

والجماعية ولا شك أن التجربة الإنتاجية، إنما تعود لصاحبها المنتج السوري

نادر الاتاسي، والذي سبق له أن قدّم عشرات الأفلام السورية واللبنانية،

ومنها عقد اللؤلؤ، وحلاق للسيدات، بالإضافة الى العديد من المسلسلات

والمسرحيات.

من جانب آخر تأتي هذه التجربة السينمائية "سيلينا" إنتاج 2008 الأولى فعليّا

للمخرج الدرامي حاتم علي والذي نجح في تقديم أعمال تلفزية شهيرة ومنها

الرباعية الأندلسيةصلاح الدين الأيوبيالزير سالمالملك فاروقآخر

الليلكما أنه أخرج وكتب عدة مسرحيات وكان أول فيلم سينمائي له بعنوان

العشاق 2005 وله أيضا فيلم جديد 2009 بعنوان الليل الطويل.

ويبدو أن منصور الرحباني، قد أعاد كتابة المسرحية بطريقة مختلفة نسبيا في

السنوات الأخيرة، وهي التجربة التي أكملها "غدي الرحباني" لتصبح فيلما

سينمائيا جديدا اختيرت له المطربة مريام فارس لتقوم ببطولته، وكان من

مشمولات التغيير أن يسمى الفيلم باسم جديد يختلف عن عنوان المسرحية السابق،

وهو "هالة والملك"، على الرغم من أن هذا العنوان معروف ومتداول بعكس أسم

سيلينا الجديد والذي يشير إلى اسم المدينة التي تقع فيها الأحداث.

مدينة وشحاذ

دون مقدّمات أو صوت راوي يدخل الفيلم بأحداثه وأغنياته، ويبرز بوضوح اسم

الشحاذ منذ البداية والذي قام بدوره الممثل دريد لحام. وقد ظهر أقرب إلى

الحكيم ولاسيما وأنه قد وضع فى مواجهة مع ملك المدينة، حتى صار تقريبا هو

الشخصية الرئيسية، مع العلم بأن المسرحية الأصلية "هالة والملك" لم يبرز

فيها دور الشحاذ كثيرا.

تحتفل مدينة سيلينا كل عام بعيد "الوجه الآخر" حيث يرتدي كل فرد قناعا

مناسبا في احتفال كبير، لكي يظهر ذلك الوجه الذي كان مخفيا لظروف معينة، في

مباراة للكذب، بعد أن صارت الحقيقة غائبة في حضرة ملك المدينة.

هناك شخصية أخرى غائبة وهي العرافة التي تدعى بأن هناك فتاة ستأتي إلى

المدينة وهي ترتدي قناعا، ويمكن لهذه الفتاة أن تصبح زوجة الملك غير

المتزوج، وحيث أن الفتاة تلبس قناعا، فقد منعت الأقنعة في هذا العام لكي

يتم العثور بكل بساحة على هذه الفتاة، فهي المقنعة الوحيدة فى هذا الاحتفال.

هذه بداية القصة المتخيلة الافتراضية التي يكاد يغيب فيها المكان وربما

الزمان، حيث نجد ذلك الملك الذي يرتدي ملابس أقرب إلى القرون الوسطى

الأوروبية، ولكن هناك أيضا سيارات وفستاين حديثة، بحيث يغيب أي معلم واضح

يحدد زمن الأحداث بدقة شديدة.

وهكذا يمكن اعتبار القصة افتراضية- وهي فعلا كذلك- ولا مانع من أن تكون

هناك قرية مجاورة للمدينة تدعى "درج اللوز" تأتي منها الفتاة هالة صحبة

أبيها في عربة عادية، يرافق كل ذلك غناء جبلي مزدوج بين الأب "هب الريم"

والابنة هالة.

ونلحظ هنا أن شخصية "هب الريح" قد قام بها المطرب إيلي شويري وهو الوحيد

الذي قام بالدور نفسه في المسرحية الأصلية، ولقد قام جورج خباز بأداء دور

الملك بنجاح ملحوظ، أما الابنة هالة فقد جاءت مختلفة نسبيا عن المطربة

فيروز في المسرحية، حيث يبدو صوت المطربة مريام فارس ضعيفا لا توجد به

جمالية تذكر، وحتى من حيث الأداء، لم تكن الأغانى حاضرة، ولا يكاد يتذكرها

المتفرج. أما من حيث الشكل فربما تكون مناسبة باعتبارها أقرب إلى السندريلا

التي يبحث عنها الملك، ولكن الحضور التمثيلي للمطربة كان باهتا وهذا ما

ساعد على تسلل الضعف إلى الفيلم.

إشارات مختلفة

يحتوى فيلم "سيلينا" على بعض الإشارات السياسية المنقوصة، كأن ترتدي

المسؤولة عن الصندوق المالي بالمملكة قناع فأر، ويرتدي مستشار الملك قناع

"حمار". أما الأقنعة الأخرى فقد كانت مفتوحة ولا تحمل أية دلالات واضحة رغم

ان ذلك كان من الممكن أن يحدث.

هناك غناء ورقص بساحة المدينة، ولكن موقع التصوير كان ضيقا لا يسمح للغناء

والرقص أن يمتد وينتشر، وأعتمد الفيلم بديلا لذلك على اللقطات المتوسطة

والقريبة، ولم تنقذ الفيلم إلا بعض اللقطات الداخلية بالقصر الكبير.

يعتمد الفيلم ،ولا يختلف في ذلك عن المسرحية، على تيمه رئيسية وأساسها أن

الملك أو الرجل الأول بريء دائما لأن هناك جماعة تمنع اتصاله بالناس

الفعلية، وهو بالتالي يسير في نفس السياق الرومانسي الذي اشتهر في

الستينيات حيث يكون الانتقاد الموجه إلى السلطة جزئيا، وكما هو قائم في

الكثير من القصص القديمة ذات الطبيعة التخيلية الخرافية.

عندما تظهر الفتاة القروية هالة ومعها سلة ممتلئة بالأقنعة لمحاولة بيعها

في عيد الأقنعة، لا تجد إلى ذلك سبيلا، ويتركها الأب ويتجه إلى حانة يعرفها

جيدا ويتردد عليها تملكها امرأة تدعى جورية.

لم توضع القصة، في ذلك، المصلحة التي جعلت كل من المستشار والعرافة وصاحب

الشرطة وغيرهم من الحاشية يتحركون من أجل تزويج هالة بالملك، على اعتبار

أنها أميرة قادمة من مكان غير محدود، والملك ينتظرها دون غيرها والنبوءة

ظلت مسألة تخيلية أسطورية أكثر منها واقعا سياسيا، له تأثيره على الفعل

السياسي.

كل ما في الأمر أن هالة لا تكذب مثل غيرها، فهي لا تحب الملك ولا تريده

زوجا، وهي أيضا مجرد فلاحة قروية وليست أميرة كما يريد لها بعض أهل المدينة.

هناك ملامح لقصة حب يمكنها أن تنمو بين هالة وأحد الشباب الذين يتحركون من

مكان إلى آخر. كما أن الفيلم قد أغفل بعض الإشارات التي تؤكد على فعل

الاحتجاج ضد شخصية الملك، وجعل المسألة كلها متعلقة بفعل أخلاقي أساسه

الكذب أو الصدق.

الأب والابنة

من الجوانب التى ركز عليها الفيلم أن ينكر الأب أبنته، لأنه يريد لها أن

تكون أميرة وتتزوج بملك، وحتى عندما تذكره بالماضي الطفولي في القرية، لا

يعود إلى الحقيقة، ويفضل أن يكذب هنا يختلف كثيرا عن صورته المباشرة

المرتبطة بدهاليز أهل السياسة.

لا شك أن القصة وكما تجسدت داخل الفيلم، فيها الكثير من التبسيط، وينبغي أن

يتمّ التعامل على أساس أنها مقدّمة لتقديم عدد من الأغاني والرقصات، وفي هذا

ينبغي أن تكون هذه الوصلات الفنية ذات مستوى فني جيّد، وهذا لم يتحقق كما

قلنا، فلا توجد بالفيلم أغاني قادرة على التأثير في المتفرج، ولا توجد

رقصات تصف بجمالية خاصة. ولعلنا هنا نشير إلى تجارب عالمية كثيرة أخرى كما

في بعض أشرطة الاسباني" كارلوس ساورا" وفيلم "كارمن"لفرانشيسكو روزي وغير

ذلك من المسرحيات الغنائية التي تمّ نقلها إلى الشاشة.

من جانب آخر لا يعكس الفيلم أية قضية معاصرة واضحة، لأنه ظل مقترنا

برومانسية ليس لها ما يبررها.

لقد حاول الشعب "شعب المدينة" أن يجعل من هذه الفتاة الفقيرة "هالة" رمزا

له، وأن يطلب منها أن تحقق له بعض المطالب البسيطة، لكنها لا تقبل، فهي

ترفض فكرة الكذب في العلاقات العاطفية وغير العاطفية.

هالة والملك

يحاول الفيلم أن يجعل من المواجهة بين الملك وهالة قضية أساسية، فهي تقف

ضده وتقول له إنها تفضل أن تكون مجرد قروية بدلا من أن تكون أميرة، ولعل في

ذلك الكثير من الرومانسية، تؤكدها فكرة عدم وجود مقاومة ضد الملك نفسه من

قريب أو بعيد وحتى المقاومة التي سببها عاطفي ظلت بعيدة.

كما قلنا لم ينفتح الفيلم على الأغنية والرقصة، وظلت الكلمات باهتة وغير

معبّرة، وهو أمر طبيعي، لاسيما عندما تكون الممثلة بعيدة عن المستوى الفني

المطلوب.

في آخر الفيلم هناك مواجهة بين الشحاذ والملك، فالشحاذ أيضا قال لا للملك ،

فهو يرفض مثل هالة أن يكون ملكا، وبشيء من الحكمة التي تقترن بالثرثرة

اللغوية. يعتبر الشحاذ أن الملك لا يمكنه أن يحلم لأنه وصل إلى القمة. أما

الشحاذ فهو في أسفل القاع وبالتالي يمكنه أن يحلم.

هذا المنطق يصعب قبوله، وخصوصا وأنه قُدّم حواريا وكان الأفضل أن يقدّم

غنائيا، مثله مثل غيره من باقي فواصل السرد؟

تعود هالة إلى قريتها وترفض أن تكون أميرة ويمسك الشحاذ بالصولجان، بينما

يمسك الملك بعصا الشحاذ، ولعله يريد أن يضرب بها من خدعوه من زمرته وأن

يتعامل معهم بالعصا، وهي أشارة إلى وسيلة سلبية. مهما كان الأمر. فإن

الشحاذ يعلى من شأن الحرية وهالة تعلى من شأن الحب.

لقد حاول صنّاع الفيلم أن يستخدموا عددا من المواقع للتصوير وأن يخففوا من

صعوبة الدراما المتحركة بالغناء والرقص، وإذا كانت هناك من مزيّة لهذا

الفيلم، فهو أنه التجربة الأولى التي اقتبست فيها مسرحية غنائية، وقدّمت كما

هي تقريبا في السينما.

نعم هناك أفلام غنائية واستعراضية وهناك مسرحيات صورت سينمائيا، لكن أن

تسير الأحداث معتمدة كل الغناء والموسيقى، فهذه هي التجربة الأولى، وعلينا

هنا أن نعتبر فيلم"ما فيش غير كده "2006" لخالد الحج من نوعية أخرى تتقارب

مع هذا الفيلم وتختلف معه في نفس الوقت، ولا أظن أن هناك من كسب في هذا

الفيلم إلا المخرج حاتم علي الذي جازف بتقديم فيلما متميزا ولكنه ليس كبيرا.

ليست هناك تعليقات: